عرفت البحرين ببلد السلام والمحبة.. فمنذ أن كانت دلمون أرض الحياة وصفتها الأساطير السومرية بأنها "أرض الخلود، لا توجد بها أمراض، ولا موت، ولا حزن".. تغنّى بها جلجامش ونعتها بالأرض المقدسة.. فقصدها بحثاً عن نبتة الخلود.. وعندما هاجرت القبائل العربية من شبه الجزيرة العربية قصدت البحرين كوجهة للاستقرار والعيش وكسب الرزق.
إن التعايش والسلام روابط أخلاقية مكتسبة بالفطرة بين أفراد شعب مملكة البحرين.. فمنذ تولي حكم آل خليفة الكرام والمملكة تنعم بالأمن والاستقرار.. فالأصالة في الشعب البحريني جاء من تراكمات الرصيد التاريخي.
وليس بغريب على حكمة جلالة الملك عندما أطلق شعاراً جميلاً.. سنقف جميعاً صفاً واحداً من ورائه لنردده بكل فخر "فلنعش جميعاً في سلام". نعم إن مملكة البحرين بلد الكرام والأمن والسلام.. ونموذج للتعايش السلمي العالمي.. فوجود كل هذا العدد من الجنسيات من مختلف الملل وهم يتعايشون ويتفاعلون ويعملون ويشاركون في المجتمع.. كل هذا يحسب بحد ذاته إنجازاً ورمزاً لهذا التعايش الذي أزدهر ونمى في عهد المشروع الإصلاحي لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه.
والجميل أن مملكتنا ستبقى دائماً مرساة للتسامح والهدوء.. عاش أهلها وسيعيشون تحت خطة للتعايش تحمل مبدأ الإسلام يسع الجميع.. وبذلك نحن نشهد التعايش بين المذاهب والأديان وحرية ممارسة الشعائر الدينية واحترام حقوق الإنسان.. إلى جانب بأنه يعيش بيننا الكثير من الجنسيات والجاليات الذين ينتمون إلى أعراق وعادات وديانات مختلفة ومتنوعة.. مما جعل مملكة البحرين تحتل مكانة مرموقة في التعايش السلمي.
إن رسالة المحبة والسلام التي وجهها صاحب الجلالة من خلال خطابة وسط مجموعة من مختلف الأديان والمذاهب والأعراق.. والذي تشرفت بالاستماع إلى جلالته شخصياً أثناء تواجدي في قصر الصخير.. يدعو إلى التأمل.. وأنا أنصت وأقف عند كل كلمة في هذا الخطاب الذي يحمل كل معاني الإيجابية في مجتمع تسوده قيم العدل والمساواة والتسامح والمحبة واحترام العلاقات الإنسانية والتعدديات الثقافية دون النظر إلى العقيدة أو الديانة أو المذهب.
لقد أبهرتني جهود جمعية "هذه هي البحرين" و "مركز الملك حمد للتعايش السلمي" ودورهما الكبير في نشر الرسائل الإيجابية والعاكسة لواقع البحرين السلمي.. وما تنعم به أرضنا الحبيبة من بيئة الحوار للجميع.. ومدى دور المملكة تجاه كافة شعوب الأرض.. وتقديرها لكل من يسكن أرضها.. وكم فرحت كثيراً بالإعلان عن كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي ومقره جامعة لاسبينزا بروما لتدريس الحوار والسلام والتفاهم بين الأديان.
إن الدروس التي مرّت على المملكة كانت قاسية.. ولكن سرعان ما تم لمّ الشمل.. لنقول إن البحرين منارة شامخة.. وأن الأزمات لم تزدنا إلا وعياً وقوة ورصانة.. وما تعلمناه ليس بقليل.. فقد جعلنا نفكر دائماً بوضع استراتيجيات طويلة المدى.. الهدف منها نشر ثقافة التسامح والسلام والحوار ونبذ كل سبل التطرّف والعنف داخل وخارج المملكة.
في هذا المنعطف الخطير الذي يمر به الوطن العربي نحتاج إلى خطة مستقبلية للتصدي لحالات التطرّف والغلوّ.. ولتحصين مجتمعاتنا من أوبئة الإقصاء وآفات التطرّف.. بدءاً من بيئة التعليم في المدارس بحيث تكون مكاناً للتعايش والسلام.. مروراً بمناهجنا التي يجب أن تحتوي على أسس وقوانين تنظيمية تكفل احترام الآخرين.. ولا يغيب دور الأسرة في تربية الأبناء على أسس المحبة والابتعاد عن الكراهية.. ونأمل مستقبلاً أن تكون هناك وزارة للتسامح كي تقوم بدورها بتعميم هذا النهج من التعايش والسلم.. من داخل الدولة إلى خارج حدودنا الجغرافية، كي تصل رسالة مملكة البحرين إلى جميع دول العالم.. بأن بحريننا آمنة.. مستقرة.. خالية من التطرّف والتعصب.