عندما أعلن البيت الأبيض عن شرق أوسط جديد كان يقصد حينها أنها هي بداية الفوضى الخلاقة وبدء العزم حول هز أركان الدول بأزمات خانقة بالمنطقة وتحويل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع عربي إيراني، وهذا الحديث ليس بالجديد وهو الحاصل في وقتنا الراهن.

الإدارة الأمريكية المتمثلة في الرئيس دونالد ترامب ترى أن الشرق الأوسط يحتاج إلى فوضى أي زيادة الخوف والرعب في الشعوب أكثر عن طريق صناعة فوضى داخل فوضى لكي لا تلتفت الشعوب إلى المربع الأول وهو الصراع العربي الإسرائيلي.

ولإثبات ذلك تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية في خطتها في الحزمة الثانية من العقوبات الاقتصادية على طهران عندما أعلنت عن وجود قوائم استثناءات طالت أكبر مستوردي النفط الإيراني كاليابان وكوريا الجنوبية والهند، والسؤال الأبرز عندما تطرح أمريكا استثناء دول لتلك العقوبات الاقتصادية من الحزمة الثانية، ألا يدل على تراجع واشنطن في تصديها للنظام الإيراني؟

لنترك التحليلات الفارغة من أي نوع من الحيادية، شئنا أم أبينا فإن واشنطن ليست جادة في وقف المد الإيراني بقدر ما نتمنى ولكن هي جادة في محاربة النظام الإيراني وفق ما تقتضيه المصالح القومية الأمريكية، بمعنى أن من يدير الملف الإيراني في البيت الأبيض يعلم جيداً أن روسيا لن تصمت عن الحصار الاقتصادي التي ستفرضه أمريكا على إيران بل إن الخوف بأن تزود روسيا إيران بمنظومات أسلحة حديثة قد تغير مجريات المشهد في الشرق الأوسط.

وفي الوقت الذي نمضي فيه نحو إيجاد صيغة مشتركة كتحالف «ميسا» فإن أمريكا تبحث عن إيجاد صيغة ترضي جميع الأطراف في الملف الإيراني على حساب الدول العربية، وهذا ما كنا نخشاه في الفترة الماضية، فواشنطن ستبقى بإداراتها المختلفة تتحالف بقوة مع تل أبيب في الحفاظ على أن يكون العدو الأول لدى العرب هي إيران، فهي قصة لن تنتهي لأنها محور الأزمات في الشرق الأوسط، فإذا أردنا معرفة ما يدور داخل أورقة البيت الأبيض علينا التيقن أن هناك كمية ضخمة من الملفات لا يريدونها أن تنتهي فمثلاً عندما أعلن وزير الدفاع الأمريكي عن أهمية الحد من خطر «داعش» في حوار المنامة، وبفترة لا تتجاوز أياماً حتى ظهرت هذه الجماعة الإرهابية بعد اختفائها لتعلن مسؤوليتها عن هجوم المنيا في مصر وكأنها ترد على التصريحات الأمريكية أو تسايرها، هل هذه صدفه أم مخطط له؟ على إدارة البيت الأبيض أن ترد على هذا التساؤل.

من يخلق الفوضى هو يسعى لأن تكون أكبر مما هو يتصوره الكثير، فاستقرار الشرق الأوسط مجرد شعارات ليس لها نهاية، فالنفوذ الروسي في الشرق الأوسط مستمر عبر سوريا لأن موسكو تحاول السيطرة والهيمنة في منطقة حساسة من مخازن الطاقة في شمال الشرق الأوسط وبنفس الوقت فهي تسعى لاسترجاع المجد وكبريائها بعد سقوط جدار برلين عام 1989، أما أمريكا فهي تحاول أن ترمم ما صنعته من فوضى عن طريق فوضى جديدة لكي يكون الشرق الأوسط ساحة مفتوحة من الأزمات التي لا تنتهي، ومن هنا يأتي دور الشعوب العربية لتفهم ما يدور حولها من مؤامرات تستهدف السيطرة على مخازن الطاقة للتحكم بدولهم ليكونوا تابعين، فعلى الشعوب العربية أن تقف مع نفسها في تحديد مصير أجيالها القادمة لأننا في هذه اللحظة أمام حقبة فاصلة في رسم مستقبل الشرق الأوسط، فالفوضى لا تولد إلا الفوضى!