هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية ومستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي، هو نفسه هنري كيسنجر في الوقت الحاضر، لم يتغير فيه شيء إلا قدرته على جمع خيوط اللعبة الدولية بين يديه كما كان يفعل قبلاً، ولكنه حافظ وهو في أرذل عمره السياسي الاستراتيجي على طباعه المسجلة عليه، باستخفافه بالمسؤولين الآخرين أياً كان علو مراكزهم، سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أم خارجها، ويبدو أن أصله الجرماني وديانته اليهودية، والتي استطاع أن يجمع بجدارة في دواخله فكرتين عنصريتين متصادمتين ولكنهما تلتقيان عند زعم التفوق على الآخر، وتستكثره على سائر الأجناس واتباع الديانات الأخرى، مرة في لحظة تجلٍ للوزير الذي يحمل شهادة الدكتوراة برجل جرماني أيضاً، وإن كان من النمسا وهو مترنيخ ودوره الاستراتيجي في أوروبا في القرن التاسع عشر، أن يتحدث في مطلع عقد الثمانينيات من القرن الماضي أيضاً، عن الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، القادم إلى البيت الأبيض من الأزقة الخلفية لاستوديوهات هوليود، فقال: إن “ريغان يفهم في السياسة بقدر ما أفهم بالسينما”، وعلى الرغم من أن كيسنجر لم يبلغنا عن غاطس معرفته بالسينما، إلا إننا نعرف شيئين أساسين عن ريغان، الأول أنه عاد إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، مما أوجد تصادماً بين فكرة كيسنجر عن صورة الرئيس الأمريكي، ووعي الشعب الأمريكي الذي اختار ريغان رئيساً له لولاية ثانية، والثاني أن ريغان استعار من هوليود خيالها الجريء، بل الجموح، حينما طرح مشروع حرب النجوم، ذلك المشروع الاستراتيجي الأقرب إلى أفلام الخيال العلمي منه إلى استراتيجية دولة عظمى، كانت تخوض حرباً باردة وفي واقعها كانت تحتفظ بدرجات حرارة انصهار الحديد، واستدرج ريغان الاتحاد السوفيتي السابق إلى سباق تسلح محموم لم يكن بوسع ذلك البلد المثقل بحلفاء أو عملاء يحملهم على ظهره، ويريد أن يعبر بهم المياه العميقة إلى الضفاف البعيدة حيث الحلم الشيوعي المستحيل، في الوقت نفسه الذي استطاع ريغان أن يستنزف موسكو في حرب أفغانستان المريرة، وبالنتيجة استطاع الذي لا يفهم بالسياسة إلا بقدر معرفة كيسنجر بالسينما، أن يؤكد لليهودي الجرماني، أن الأفكار السينمائية المجنونة قد تكون في كثير من الأحيان أقصر الطرق لإسقاط أقوى الفرسان عن صهوات جيادهم، على حين أخفقت عبقريات المفكرين الاستراتيجيين مثل كيسنجر وبريجنسكي وغيرهم، في تحقيق هذه الخيال الجموح لممثل سينمائي فاشل حتى على أدنى درجات ريختر السينمائية، وربما تشكل هذه واحدة من أكبر مفارقات الحياة السياسية في أمريكا، هذا ما حصل للاتحاد السوفيتي الذي خرج من معادلة الاستقطاب الدولية، وربما سجل النصر باسم نائب ريغان الذي رافقه ثماني سنوات في منصبه الأخير، ثم خلفه أربع سنوات كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، وهو جورج بوش الأب، وليرض الاتحاد السوفيتي بأقل الفتات الذي ترميه له الولايات المتحدة شرط نزع ثيابه الحمراء، ووضع اللون الأزرق على علمه البديل عن الراية الحمراء ذات المطرقة والمنجل وهو ما حصل في أول اختبار لجدية النوايا السوفيتية الجديدة في الحرب على العراق عام 1991م، ولكن كيسنجر لا يريد الاعتراف للممثل الفاشل أن بإمكانه أن يكون رئيساً ناجحاً، بل ربما أنجح رئيس أمريكي منذ الحرب العالمية الثانية. قوة خط الصد الأول ومرت سنون طويلة، ولكن كيسنجر لم يشأ أن تتقدم به العمر ليصل إلى أرذله لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً، وظن أنه استولى على الأولين والآخرين، وأن على العالم أن يقف على قدميه إذا رآه وينحني إذا ما استعرض حرس الشرف، ففي تصريح أخير له، قال: إن “طبول الحرب تقرع بقوة في المنطقة”، ويقصد منطقة الخليج العربي حصراً، نتيجة وصول القوة الإيرانية إلى أعلى مراحلها، لأن أمريكا هي التي أعطتها فرصة تحويل العراق من قوة خط الصد الأول بوجه إيران ومشروعها التوسعي، إلى قدرة مضافة إلى حجم الكتلة الإيرانية المندفعة بجنون نحو تحقيق أهدافها في المنطقة والعالم، وأما من لا يسمع تحذيرات كيسنجر فهو أصم، وكأن كيسنجر يحشر المراقبين في واحدة من زاويتين، إما التسليم بما يقول والقبول بفرضيته، وإما أخذ وصفته الطبية. السلاح للدفاع عن النفس بعد أسابيع من حديث كيسنجر، وصلت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، إلى المملكة العربية السعودية في زيارة نظر إليها المراقبون على أنها محاولة أمريكية لشرح موقفها المتقلب لأسباب غير مسوغة عربياً تجاه الملف السوري، وتم الإعلان بعد انتهاء الزيارة عن عقد صفقة عسكرية لإقامة درع صاروخية خليجية لمواجهة التهديدات الإيرانية المتزايدة، والتي خرجت عن جميع ما تعارفت عليه الأسرة الدولية من سياقات قانونية وأخلاقية في تعاملها مع الملفات المختلف عليها، وعلى الرغم من أن للدول التي تشعر بالتهديد الخارجي الحق في شراء أي نوع من السلاح ومن أي مصدر كان للدفاع عن نفسها، وإشعار الطرف الآخر بأن العالم اليوم لم يعد بحراً مفتوحاً لأسماك القرش لتأكل الأسماك الصغيرة، فإن إيران تعاملت مع ملف التسلح الدفاعي لدول الخليج العربي، بهستيريا عالية أثارت دهشة المراقبين، مع أنها ليست طارئة على سلوك إيران المتعالي مع جيرانها، فإيران تعطي لنفسها حقاً مفتوحاً ليس من حق أحد أن يجادلها فيه، بالحصول على الأسلحة الهجومية والصواريخ بعيدة المدى التي تهدد منطقة الشرق الأوسط بكاملها ويمكن أن تتجاوزها إلى أوربا، وتسعى بصفة محمومة للحصول على الأسلحة الكتلوية وأسلحة الدمار الشامل، نعم، إيران تفعل ذلك كله ولا تقبل حتى مجرد أن تطرح الأطراف، التي من المحتمل أن تتضرر من هذه الأسلحة، المخاوف من قوتها المتنامية، بمعنى أن من يتأوه من العرب من ألم العضة الإيرانية، فعليه أن يتوقع عواقب أكثر سوءاً، فإيران لم تتعود أن تقبل من أحد أن يعترض عليها، وظلت لزمن طويل تتصرف على أساس أنها القوة المفروضة قدرياً على المنطقة، وأخذ هذا الشعور المنحرف، بعداً أكثر خطورة بعد سقوط حكم الشاه وقيام الجمهورية الإسلامية التي تركز في أدبياتها السياسية أنها دولة واجبة الإتباع على جميع المسلمين، انطلاقاً من نظرية ولاية الفقيه المطلقة والتي تجب على المسلمين كلهم، مع أن هذه النظرية البدعة نشأت من حاجات الخميني للقبض على السلطة بيد من حديد في إيران، داخل المذهب الجعفري الإثني عشري كفكرة عابرة ومسطحة، لم تحسم معركتها داخل المذهب نفسه، فأراد مبتكروها الاستقواء على شيعة الداخل بسلطة الدولة وأدواتها القمعية بالإضافة إلى المال السياسي، في حين حاولت الاستقواء على شيعة الخارج من خلال تحول الدولة الإيرانية إلى دولة مهيمنة في المنطقة الإقليمية، سواء رضيت شعوبها أم أبت، أي عبر برامج تسليح استثنائية تردع بها جميع الأصوات المحتجة. وزير الدفاع الإيراني تجاهل ببلاهته المعهودة، أن دول مجلس التعاون الخليجي، حينما اتفقت على عقد صفقة الدرع الصاروخية، وبصرف عن منشأها، فإنها إنما كانت تفعل ذلك لأن أمنها بات مهدداً من سلاح الصواريخ الإيرانية بالذات، الملتصق بسلاح الفتاوى الدينية المتصلة والتحريضية، والتي نصبت منصاتها على مرمى حجر من الساحل الغربي للخليج العربي، وأن هذه الدرع لا تنطلق من قواعدها، إلا من أجل معالجة أهداف معتدية متجهة إلى المناطق التي نصبت للدفاع عنها، أي بعبارة أخرى، أنها أسلحة دفاعية خالصة لا تستهدف بلداً بعينه، وإنما تستهدف مقذوفات مدمرة وتعترضها لمنعها من الوصول إلى أهدافها، من غير أن تسأل عن ديانتها أو قوميتها أو البلد الذي انطلقت منه، أو البلد الذي صنعها وقدمها لنظام لا يقيم وزناً لقواعد القانون الدولي، فهي ضمن هذا الوصف أسلحة دفاعية لا تحمل ولاء طائفياً أو عرقياً أو قارياً. العراق رأس النفيضة وعلى الرغم من أن هذا الإجراء أي إقامة الدرع الصاروخية جاء متأخراً كثيرا عن وقته الذي كان يجب أن تتخذ دول الخليج التدابير الرادعة لمواجهة الصعود العسكري لإيران، والذي اكتسب أبعاداً خطرة نتيجة لخروج العراق من معادلة التوازن الاستراتيجي الإقليمي، بسبب الاحتلال الأمريكي عام 2003م، وتفكيك منظومة الدولة العراقية بكاملها، وتحويل العراق من مركز الصد الأول لنوايا إيران التوسعية، إلى رأس النفيضة في المشروع الإيراني نفسه، على الرغم من ذلك كله، فإن وزير الدفاع الإيراني حذر دول الخليج العربي من مغبة المضي قدماً في تنفيذ الاتفاقية الخاصة بالدرع الصاروخية، وكأن إيران باتت تحدد نوعية الأسلحة التي يجوز للعرب اقتناؤها وتلك التي تحرمها عليهم، وهذا ما لم تتمكن حتى الولايات المتحدة الأمريكية من أن تفرضه على أصغر دولة في المجتمع الدولي في أي وقت من الأوقات، ولكنها غطرسة إيوان كسرى الذي يحدثنا التاريخ أنه مزق رسالة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فدعا عليه الرسول بتمزيق ملكه، وهو ما حصل في معركة القادسية، التي ما تزال تستنهض نيران المعابد المجوسية في بلاد فارس ثأراً من العرب الذي حطموا إمبراطوريتهم. هستيريا امتلاك القوة العسكرية لم تسجل الأحداث أن دولة خليجية عربية واحدة، كانت احتجت يوماً على اتفاقيات عقدتها إيران مع روسيا على سبيل المثال، لتزويدها بالمفاعلات النووية والخبرة التكنولوجية لصناعة الصواريخ، بل بمنظومات صاروخية متكاملة حتى وإن كانت تلك الدول تعرف جيداً أن هستيريا امتلاك القوة العسكرية في إيران الشاه، لا تنظر أبعد من الخليج العربي، ولكن الخميني طور حدود المجال الحيوي لإيران لتتعقب ظل الإنسان المسلم حيثما أقام له منظومة الدولة ليفرش فوقها أجنحة ولاية الفقيه. فلماذا منحت إيران نفسها الحق في امتلاك أسباب القوة كلها وتحاول حجبه عن الآخرين؟ بل لماذا تظن نفسها أنها من يقرر نيابة عن العرب ما ينفعهم أو يضرهم؟ أم أن إيران تضع نفسها فوق القوانين الدولية وتتصرف كصبي مجنون في منطقة لا تقبل القليل من ممارسات المجانين أو أنصافهم؟ ولماذا تصر إيران الولي الفقيه على التصرف خارج حسابات حجم الدول وأوزانها؟ أم أن التردد الذي تتسم به السياسة العربية، وخاصة الدول القريبة جغرافيا من إيران، في تعاملها مع إيران هو الذي أغرى طهران في الذهاب إلى هذه الحدود التي لم يعد ممكناً القبول بها أو السكوت عليها؟ إن المملكة العربية السعودية كان يجب أن تملأ الفراغ الذي نشأ عن خروج العراق من معادلة التوازن الاستراتيجي العربي الإيراني، وبعد أن انكفأت مصر لهمومها الوطنية بعد نجاح حركة الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، ولم تتشكل حتى الآن صورة المشهد السياسي الجديد، كما أن مطالبة السعودية بضم الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي وكذلك تحويله إلى مجلس الاتحاد الخليجي كان يجب أن تأخذ قوة دفع استثنائية في هذا الظرف الحساس وخاصة ما يتصل بما يضيفه ضم الأردن من نوع متطور إلى مجلس التعاون الخليجي، ولكن الانقسام بالرأي وتعدد وجهات النظر إذا لم نرد أن نقول المحاور في المجلس نفسه، هو الذي أثر سلباً على قطع خطوات ذات طابع قانوني وميداني في بنية المجلس، وهذا أسوأ استثمار لعامل الزمن، بعد أن أسفرت إيران عن نواياها بأن تمارس دور المرشد السياسي والديني على الدول العربية، ولكن التردد السابق الذي طبع مرحلة طويلة من السياسة العربية تجاه الملفات الساخنة، وخاصة حينما يتعلق الأمر بإيران، أغرى الزعامة الدينية في طهران على التطاول على العرب مجتمعين، لأنها أمنت العقاب فأساءت الأدب، وربما يعرف مراقبو التسليح في العالم أن الميزان العسكري في منطقة الخليج العربي لا يضع إيران في موضع التفوق بأي حال من الأحوال، فسلاح الجو السعودي من حيث الكم والنوع، فيما لو توفرت الإرادة السياسية قادر لوحده على مواجهة سلاح الجو الإيراني الذي لم يخضع للتحديث منذ زمن بعيد لأسباب مالية وسياسية، ويتمكن من خنقه داخل أجوائه. كما إن سلاح البحرية السعودية متفوق على سلاح البحرية الإيراني، والذي كان يستعرض عضلاته الآخذة بالضمور المستمر، بأعداد من الزوارق السريعة التي تصلح للتزلج فوق الماء، ولكن السعودية فضلت وضع بحريتها في البحر الأحمر، بعيداً عن ساحة المواجهة الساخنة الحقيقية أو على الأقل ساحة صراع الإرادات، ولو أن الحكومة السعودية تحرك بحريتها من أماكنها في البحر الأحمر، والتي لا تشهد توتراً حاداً في الوقت الحاضر، وتأتي بها إلى مياه البحر العربي والخليج العربي، وتسير دوريات منتظمة على طول الممرات المائية الحيوية، مدعومة بقوة سلاح الجو السعودي، لفرضت حقائق استراتيجية جديدة على وضع الملاحة في مضيق هرمز بنحو خاص وعلى المداخل البحرية للخليج العربي، ولأوجدت واقعاً جديداً على موازين القوى في المنطقة، ولبعثت برسالة عملية وبليغة إلى إيران، بأن وقت الحكمة ليس ديواناً مشّرع الأبواب من دون بوابين يحرسونه ويدافعون عنه عند الضرورة. لقمة من دون قضم سؤال يطرحه المراقبون الصحافيون عن الدوافع الكامنة وراء اقتناء الأسلحة الحديثة وبمليارات الدولارات من جانب دول الخليج العربي إذا لا يُلًوَحُ بها عند الضرورة؟ هل يتم ذلك من أجل عرضها بالمتاحف؟ أم من أجل ردع الأعداء وإشعارهم بأنها جاهزة للدفاع عن السيادة الوطنية والأمن القومي والثروات التي تزخر بها المنطقة؟ وكانت على الدوام محفزاً للأطماع الإيرانية بالتوسع والهيمنة على حساب العرب، الذين تظنهم طهران غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم، ويمكن أن تلتهمهم لقمة واحدة من دون قضم، أما إذا كانت لمعالجة أزمات اقتصادية للدول المجهزة للأسلحة فالأمر يمكن عدّه تفريطاً بالفرصة التاريخية المتاحة، لتأكيد أن إيران ليست أكثر من تمثال شمعي في منطقة معروفة بارتفاع درجات حرارتها. المراهنة على الجيوب الداخلية إن إيران لم تكن قوية إلى الحد الذي تخيف فيه العرب جميعاً، لولا حالة الانقسام بين العرب أنفسهم، ولولا مراهنتها على جيوب وخلايا نائمة في الداخل، استطاعت أن تتسلل إلى عواطفهم بشعارات ذات بعد طائفي يريد جعل الهوية الفرعية فوق الهوية الوطنية، كي لا يشعر من يلتحق بركبها بتأنيب ضمير من وازع وطني أو قومي، بل إنها لم تكن قوية إلى الحد الذي تستطيع هزيمة بلد عربي واحد هو العراق في حرب الثماني سنوات، لأنه كان يمتلك الإرادة السياسية والقوة العسكرية التي لم يتركها تتآكل بفعل الزمن، بل واجهها بها في الساحة التي تريد، والتي انتهت بالنتيجة على الصفة المعروفة، وكان ينبغي أن تكون تجربة العراق في حرب الثماني سنوات ماثلة في مراكز الدراسات الاستراتيجية، والمعاهد العسكرية لاستخلاص الدروس الكاملة منها، لكن إيران استغلت انعدام الإرادة السياسية المعبرة عن ثقة حقيقية بالنفس لدى الدول العربية وبخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، التي انتهجت سياسة حكيمة فسرها الإيرانيون على أنها دليل ضعف عربي، فتمادت طهران في مواقفها وتخطت الخطوط الحمر كلها سواء في مجال العلاقات الدولية، أم في مجال ما ترفعه من شعارات كاذبة عن إسلام القرن الحادي والعشرين الذي أخذ بالنمو في بلاد فارس. من المعروف أن أهم عوامل كسب الأمة لمعاركها، يتلخص في وقوف أبنائها وراء القرارات التي تتخذها بلدانهم دفاعاً عن سيادتها وأمنها الوطني، الذي يوشك أن يتعرض لتهديد خارجي خطر وهذه التعبئة وصلت إلى ذروتها في الوقت الراهن بسبب الحماقات الإيرانية في كثير من الساحات العربي، وربما تأتي دول الخليج العربي وبسبب من كونها خط المواجهة الجغرافية، وفي أية لحظة يمكن أن تتحول إلى خط مواجهة من نوع آخر، في مقدمة من يجب أن يعبر عن موقف حازم تجاه النوايا الإيرانية، فالنار توشك أن تقترب من الجدران وقد تصل إلى غرف النوم ومن الأرجل، وكانت إيران تستهين بقوة العرب عندما كانت تتهكم من دول الخليج، وتصفها ببلدان الواجهات الزجاجية القابلة للكسر من أول طلعة جوية تخرق جدار الصوت فوق مدنها. صحيح أن مثل هذه التصرفات الصبيانية التي تصدر بلا انقطاع من بلاد فارس، لا تنم عن إدراك لمخاطرها على من يطلقها وعلى الأمن الجماعي للمنطقة، وليس بالضرورة التصرف تجاه المراهقة السياسية بردات فعل مماثلة، ولكن عدم إشعار العابثين بأمن المنطقة بحجمهم الحقيقي، سيتسبب مع الوقت بمرور المنطقة بحالة انعدام وزن تطول أو تقصر وربما ستدخل المنطقة في دوامة عنف متعدد المصادر يجهز على إنجازاتها الاقتصادية، لذلك لا يجب أن تستفرد إيران بالساحة السياسية لوحدها بحيث تبدو اللاعب الوحيد في المنطقة القادر على التأثير في أحداثها ومساراتها من دون أن تتأثر بشيء من ذلك، وحتى يعرف كل طرف ثقله الحقيقي في الموازين السياسية والعسكرية والاقتصادية. لكن حديث وزير الدفاع الإيراني الذي مر من غير أن يواجه بموقف عربي على مستوى جامعة الدول العربية التي اختطفتها إيران لمدة عام كامل بعد عقد القمة العربية الثالثة والعشرين، أو في الأقل على مستوى مجلس التعاون الخليجي، هو الذي أغرى الزعامة الإيرانية التي تجيد لعبة المناورات السياسية وإيصالها إلى حافة الهاوية، لأنها تقدر أنها لا تخسر شيئاً أكثر مما خسرته حتى الآن، أن تتقدم في لغة التصعيد في مواقفها العدائية إلى مديات خطرة جداً. وصلت لغة التهديد الإيرانية حداً لا يمكن لدولة أن تسكت عنه، فعندما هدد خطيب الجمعة في طهران أحمد خاتمي والمقرب جداً من مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي، المملكة العربية السعودية في خطبته يوم 6 أبريل الجاري بأن النار ستحرقها إن هي واصلت سياستها الحالية في المنطقة، فإنه في واقع الحال يكشف عن حقيقة الخطط الإيرانية تجاه المنطقة بكاملها، وهنا لا بد من تأشير النقطة التي ستندلع منها النار التي يهدد بها خاتمي السعودية ويقصد بها دول الخليج العربي، لأنه حينما يوجه تهديده إلى أقوى دولة في المنطقة فإنه في واقع الحال يقصد الدول الأقل قوة أيضاً، ويمكن تأشير الخلايا النائمة لعصابات ما يسمى بحزب الله الإرهابية في معظم دول الخليج العربي والتي تدين بالولاء الأعمى للولي الفقيه في طهران، وخاصة في البحرين والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية. ويمكن أن يتسع نطاق التهديد ليشمل بالإضافة إلى تحريك الخلايا المحلية النائمة، التلويح باستخدام القوة التي تستعرضها إيران وخاصة صواريخ شهاب، التي قال المراقبون العرب على الدوام إنها ليست موجهة ضد إسرائيل بأي حال، وإنما هي أسلحة موجهة لابتزاز العرب وخاصة دول الخليج العربي، وفرض خيارات إيرانية عليها من دون قتال، فتحقق طهران أهدافها في المنطقة كما حققتها في العراق بجهد أمريكي خالص ومن دون أن تخسر إيران قطرة دم واحدة. لعل أسوأ المشاهد التي تعرض على مسرح الأحداث الإقليمية منذ قرابة تسع سنوات، أن هناك هلعاً مبالغاً في رسم صورته على مستوى التصريحات الصحافية في حال توجيه ضربة لإيران، حتى وجدت الزعامة الإيرانية في المبالغة التي يرسمها السياسيون الأجانب عن الأهوال التي ستلحق في المنطقة والعالم في حال توجيه هذه الضربة، وجدت فيها خير عون لها للمضي في ابتزاز العالم بوهم القوة التي تمتلكها، وفي واقع الحال أن إيران تحتاج إلى عملية جراحية كبرى، لا بد من قبول العالم لمضاعفات قد تطرأ عنها في صالة العمليات، لأن الخسائر التي يتكبدها الوطن العربي وخاصة منطقة الخليج العربي، وكذلك العالم بأسره، في حال استمرار لعبة استنزاف الرصيد العصبي، ستفوق كثيراً حجم الخسائر التي يتكبدها العالم من ضربة فورية تعيد إيران إلى حجمها الحقيقي من دون ادعاءات فارغة، ومن دون أجنحة خارجية ما تزال تشكل خطراً حقيقياً أكبر من خطر قوة إيران الصاروخية نفسها. لقد حان الوقت لدول مجلس التعاون الخليجي أن تباشر من فورها إلغاء الأهمية الاستراتيجية لمضيق هرمز، وذلك بعقد اتفاقيات مع أدق الشركات المتخصصة في مد خطوط أنابيب النفط وأسرعها في الإنجاز لتخفيف المخاوف الدولية من احتمال إغلاق مضيق هرمز، وهناك فرصة لجعل البحر الأحمر منطقة التصدير الرئيسة بدلاً من رأس تنورة، وخاصة أن هناك أساساً لمثل هذا المشروع وهو الخط العراقي المنتهي عند ميناء ينبع، مع ما يحمله ذلك كله من إحياء لمناطق جديدة وإضافتها إلى المدن الاقتصادية، وحينما يتحقق ذلك فإن خنق إيران يمكن أن يتحقق بأيسر الوسائل، وذلك بمنعها من تصدير نفطها وقطع شريان الحياة عنها.