تتمتع البحرين بتجربة متميزة وهي مشاركة مؤسسات المجتمع المدني جميعها بأشكالها المختلفة والأهلية منها والنقابية والسياسية في الانتخابات النيابية والبلدية، ويعلم الجميع بحجم دورها في تقديم التصورات والرؤى بشأن الملفات المثارة على الساحة، والتي يهتم بها الرأي العام، وكذلك تكوين المواقف والتعبير عن الاتجاهات، الأمر الذي يعزز من استقرار المجتمع من جهة، ويدعم مرتكزات العملية الديمقراطية برمتها من جهة أخرى.
وتؤمن البحرين بدور الجمعيات التي تكونت وتشكلت منذ عشرينيات القرن الماضي، وما زال بعضها قائما إلى الآن، وإن كان بصور مختلفة، وكان لها سبقها المتميز في الكثير من قضايا الشأن الاجتماعي، وعمل بعضها على تنمية وبث الوعي بالعديد من الاهتمامات التي تشغل اهتمام المجتمع مثل تعليم المرأة والتحديث وتوطين الوظائف واستقطاب الكفاءات النادرة والابتعاث للخارج ومواكبة التطورات الحاصلة في العالم وغير ذلك من أمور وضعت البحرين ومنذ وقت بعيد على رأس الدول الخليجية الأولى التي تبنت ورعت المؤسسات الأهلية.
ونظرا لخصوصية التجربة البحرينية، وفي سبيل الاستفادة من تراكم خبرة المجتمع في تكوين الجمعيات وأدوارها المتعددة داخله، ومنعا لحدوث تجاوزات أو ممارسات تؤثر على بنيته وأطر تماسكه، فقد نظم المشرع البحريني عمل ودور هذه الجمعيات، خاصة في المجال السياسي، وذلك بعد أن أقر في يوليو عام 2005 القانون رقم 26 بشأن الجمعيات السياسية، وهو القانون الذي أُدخلت عليه عدة تعديلات عامي 2014 و2018، وذلك لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من فكرة وجود تنظيمات "أهلية أو مدنية" يمكن أن تمارس العمل السياسي وفقا لشروط واعتبارات معينة تحمي أركان المجتمع ومرتكزاته.
ويُعنى هذا القانون في المجمل بطبيعة الدور الذي يمكن أن تقوم به الجمعيات السياسية من أجل تعزيز المسيرة الديمقراطية في البحرين، وكيف يمارس أعضاء هذه الجمعيات والمنتسبون لها نشاطهم من أجل الترشح والانتخاب وأي مسارات يمكن أن يسلكوها، وبما لا يخل بواجباتهم الأصيلة ناحية تماسك مجتمعهم ووحدته، حيث يتعين على هذه الجمعيات أن تضع ميثاق العمل الوطني وأحكام الدستور نصب أعينها، وأن تلتزم بالمبادئ الخاصة بحكم القانون وسيادته، وأن تعمل بكل جد على حماية استقلال الدولة والحفاظ على أمنها واستقرارها وصون المجتمع ووحدته الوطنية.
ويتضمن القانون المذكور 29 مادة، ويتيح للمواطنين رجالا ونساء تكوين الجمعيات السياسية والانضمام لها، معرفا "أي هذا القانون" الجمعية السياسية بأنها كل جماعة وطنية منظمة تعمل علنيا وسلميا بقصد المشاركة في الحياة السياسية، ومن ثم فهو يستبعد أي جماعة تقوم على محض أغراض دينية أو علمية أو اجتماعية أو ثقافية أو رياضية أو مهنية أو جغرافية أو فئوية أو طائفية أو مذهبية.
ويشترط ألا تقل عضوية هذه الجمعية عن 50 عضوا، ويكون لها نظام أساسي مكتوب، وألا تتعارض مع الدين ولا الثوابت الوطنية ولا أن تنتمي أو تتصل بجماعة أو حزب في الخارج، ولا تقيم أي تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية، ولا تتلقى تمويلات من الخارج.
ويحدد القانون المذكور في المادة الـ 5 منه الشروط الواجب توافرها في أعضاء الجمعية السياسية، وهي أن يكون بحرينيا مقيما في المملكة عادة ويبلغ من العمر 21 عاما ويتمتع بكافة حقوقه المدنية والسياسية، وألا يكون عضوا في أية جمعية سياسية بحرينية أخرى أو أي تنظيم سياسي غير بحريني، وألا يكون من المنتسبين إلى قوة دفاع البحرين أو الحرس الوطني أو أجهزة الأمن التابعة للدولة، وألا يكون من رجال القضاء أو النيابة العامة أو من أعضاء السلك الدبلوماسي أو القنصلي.
ومن الواضح أن القانون المنظم لعمل الجمعيات السياسية في المملكة بيَّن العديد من الممارسات التي لا يتعين على الجمعية الإقدام عليها عند ممارسة نشاطها، وذلك تجنبا لحلها أو فرض الحظر القانوني على أعمالها، وأبرزها بالإضافة إلى ما سبق: التقيد بمبدأ التعددية السياسية في الفكر والرأي والتنظيم، بحيث لا تكون هناك تفرقة في المنضمين إليها أو في أنشطتها ما يدعو للتفرقة بسبب العقيدة الدينية أو العنصر أو الجنس أو المركز الاجتماعي، وعدم اللجوء إلى الاستقطاب الحزبي في صفوف ما يعرف بالأجهزة السيادية، وعدم استخدام مؤسسات الدولة والمؤسسات العامة ودور العبادة والمؤسسات التعليمية لممارسة نشاطها.
ومن المهم التذكير بأن بدايات انطلاق التجربة الإصلاحية في المملكة عام 2001، وبخاصة خلال دورة انتخابات 2002، لم تشهد دورا كبيرا للجمعيات، مثلما يمكن التعرف عليه حاليا، هذا بالرغم من صدور قرار في هذه الأثناء برفع الحظر عن الجمعيات الوطنية في شأن دعم المرشحين والدعاية لهم، وهو ما منح تلك الجمعيات التي كانت قائمة في ذلك الوقت، ومنها التربوي والأهلي والنقابي والديني وغيره، الحق في ممارسة العمل السياسي بطريقة أو بأخرى، وكفل لها تصعيد مرشحين يمثلونها، بل والفوز بنحو 24 مقعدا نيابيا في أول انتخابات برلمانية تشهدها البلاد في ظل المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه.
كما يشار إلى أنه بالرغم من عدم انخراط بعض الجمعيات في الدورة الأولى من الانتخابات (2002) نتيجة لظروف خاصة بها، لكن هذا لم يمنع من مشاركة غالبية الجمعيات الوطنية الأخرى في أتون العملية الانتخابية، وقامت بدور لا بأس به في العمل ـ مستقبلا ـ من أجل تنظيم عمل الجمعيات السياسية بشكلها الحالي، الأمر الذي تم تحديدا في عام 2005، حيث اتخذت وقتها الإجراءات القانونية الكفيلة بتنظيم عمل الجمعيات في الحقل السياسي.
وبدا أنه لولا مشاركة هذه الجمعيات في الدورة الأولى من الانتخابات عام 2002 وجهودها التشريعية والرقابية في البرلمان الأول 2002 ، 2006 ما كان يمكن التوصل إلى قانون خاص بالجمعيات السياسية في المملكة، ويؤكد ذلك ما حققته الجمعيات السياسية من مكاسب خلال الانتخابات الأولى 2002، وما تلا ذلك، إذ حصدت وحدها ما يقارب من نصف عدد مقاعد مجلس النواب المنتخب الأول، وكان لها أكبر تمثيل في الدورتين الانتخابيتين التاليتين عامي 2006 (نحو 32 مقعدا نيابيا بنسبة 80 %) و2010 (نحو 24 مقعدا بنسبة 62.5 %).
وأظهرت الكثير من التحليلات أن المجتمع البحريني يميل بطبعه إلى انتخاب الفرد المسؤول القادر على إقناع ناخبيه بقدرته على التعبير عنهم وتمثيلهم لدى الدوائر التنفيذية، وذلك بغض النظر عن انتمائه السياسي أو الديني أو الأسري أو حتى الترشح كمستقل، وهو ما يفسر إلى حد كبير نزوع أفراد المجتمع ناحية المرشحين الذين استطاعوا تقديم برامج انتخابية واقعية وقريبة من احتياجاتهم بعيدا عن أولئك الذين لم يتجاوزوا فكرة النائب "الوسيط أو الخدمي" صاحب الشعارات والوعود غير الحقيقية أو غيره من الظواهر التي لم تستطع استيعاب حقيقة دور النائب كممثل للأمة.
ويبدو أن ذلك يفسر إلى حد كبير أهمية الأدوار التي قامت بها بعض الجهات، ومنها السلطتان التشريعية والتنفيذية على السواء، فضلا عن عمليات التثقيف والتوعية الإعلامية المستمرة، وذلك لتنمية الوعي السياسي للمرشحين والناخبين على السواء ومن ثم للنواب عقب فوزهم بثقة المجتمع وفوزهم بمقاعد برلمانية داخل المجلس التمثيلي، إذ أثبتت الدورات الانتخابية الخمس التي شهدتها المملكة طوال السنوات الماضية ( الاستفتاء على الميثاق عام 2001 وما تلاه من انتخابات أعوام 2002 و2006 و2010 و2014) نجاحا كبيرا في تطوير وعي وقدرات الناخبين والمرشحين على السواء ورفع مهاراتهم للتعامل مع متطلبات المجالس التمثيلية أو النيابية وتزويدهم بما يلزمهم من أدوات لتطوير مستوى أدائهم ومن ثم أداء المؤسسة البرلمانية ذاتها.
كما لا يمكن إغفال الدور الذي قامت به السلطة التنفيذية ناحية النهوض والارتقاء بمستوى التعاون مع النواب ممثلي الأمة في مواقعهم المختلفة، وتحركاتها التي استهدفت تطوير أداء الجميع لواجباته الدستورية والرفع من مستوى فاعليته وكفاءته، وبما يضمن إتاحة المجال لهم للاطلاع والمناقشة والرد باعتبارهم ممثلي الشعب، حيث نجحت الدولة بتوجيهات سديدة من جلالة الملك المفدى في توفير الظروف الكفيلة لهم بالبحث والتقصي والتزود بالمعلومات والحقائق والأرقام حول ما يعني الشأن العام، وهو ما أسهم في زيادة قدرة النواب وتطوير مقومات أدائهم.