*الشيخة د.لبنى بنت علي آل خليفة

مدير إدارة مراجعة أداء مؤسسات التعليم العالي

هيئة جودة التعليم والتدريب

..

يشير John Dew أحد الأساتذة الأمريكيين، إلى أنه يمكننا رؤية الجودة في مؤسسات التعليم العالي من زوايا مختلفة، والتي تتضمن الأقدمية، المكانة، القيمة المضافة، تطبيق المعايير، والتحسين المستمر؛ إذ تميز الأقدمية مؤسسات التعليم العالي التي استمرت لفترة طويلة من الزمن عن المؤسسات الحديثة نسبيًّا من حيث النشأة، وسنوات التشغيل، أما الجودة التي ترتبط بالمكانة، أو السمعة المحلية، والإقليمية، أو العالمية، فإنها تتطلب استثمارات ضخمة في تحديث مباني الحرم الجامعي، والمرافق الحديثة، وإجراء الأبحاث العلمية، وتوفير المنح الدراسية؛ من أجل جذب الطلبة الواعدين الجدد، ولرفع مستوى أداء المؤسسة وجودة مخرجاتها، ويعتمد الكثير من مؤسسات التعليم العالي على التصنيفات الدولية كمؤشر أساسي للجودة - على الرغم من الانتقادات المتزايدة للمنهجية المطبقة في بعض أنظمة التصنيف العالمية، والتي قد لا تراعي - في بعض الأحيان - التباين بين المؤسسات والبرامج الأكاديمية - والتي تركز بشدة على الأبحاث والسمعة كعوامل أساسية في مراتب التصنيف أكثر من التركيز على جودة التعليم والتعلم ومخرجاتهما. أما فيما يتعلق بالقيمة المضافة، فقد كانت رؤية الجودة ومفاهيمها كقيمة مضافة شائعة في الولايات المتحدة في فترة الثمانينيات، وكانت ترتكز على دور التعليم في إضافته قيمة إلى الطالب، أو المجتمع من خلال تحسين المهارات الاجتماعية، أو أي سمات أخرى تتفق مع رسالة المؤسسة. وفي الدول العربية، فقد شهدت مؤسسات التعليم العالي مؤخرًا زيادة في التنظيم والمساءلة فيما يتعلق بالمعايير الأكاديمية، حيث تعمل هيئات ضمان الجودة على التأكد من التزام مؤسسات التعليم العالي بتطبيق معايير الجودة الخاصة بها؛ إذ إنَّ التقييم كان يرتكز في بداية الأمر على ما لدى هذه المؤسسات من مدخلات وموارد مالية، إلا أنه في الوقت الحالي يرتكز على المخرجات التعليمية، حيث ينظر إلى الجودة الآن بوصفها عملية تحسين مستمر، لا تقتصر على تطبيق المعايير.

أما بالنسبة لمؤسسات التعليم العالي في مملكة البحرين، فقد أجرت هيئة جودة التعليم والتدريب، أول دورة من المراجعات المؤسسية خلال الفترة من العام 2008، حتى العام 2012، والتي لم تعتمد فيها النتائج على الأحكام، بل جاءت النتائج في صورة توصيات ذات طبيعة تكوينية؛ وذلك بهدف الدفع بهذه المؤسسات نحو العمل على تأسيس عمليات الجودة وتحسينها؛ لضمان الاستدامة في جودة وتعزيز ما يتم تقديمه، حيث تُعد الهيئة شريكًا إستراتيجيًّا في بناء جودة المخرجات التعليمية البحرينية.

وبعد أن قامت الهيئة في الدورة الأولى برفع وعي مؤسسات التعليم العالي ونضجها بمفاهيم الجودة وأهمية نشر مفاهيمها وثقافاتها في التعليم، والسعي نحو تنفيذها، ستبدأ الهيئة الدورة الثانية من المراجعات المؤسسية في أكتوبر 2018 الجاري، حيث سيتم تقييم المؤسسات فيما يتعلق بفاعلية ترتيبات ضمان الجودة المتخذة فيها، وفق إطار عمل المراجعة المؤسسية للعام 2015، والذي تم نشره على موقع الهيئة، كما ستُبْنَى نتائج المراجعة المؤسسية على أحكام؛ وهي إما أنْ " تستوفي متطلبات ضمان الجودة "، أو أنها "قيد الاستيفاء"، أو أنها "لا تستوفي متطلبات ضمان الجودة ".

وطبقًا لهذا، فقد تم تطوير إطار عمل المراجعة المؤسسية لهيئة جودة التعليم والتدريب وفقًا لإرشادات الممارسات الجيدة للشبكة الدولية لهيئات ضمان الجودة في مؤسسات التعليم العاليINQAAHE ، والشبكة الأوربية لضمان الجودة في التعليم العاليENQA ، كما استعانت في إرساء وترسيخ الإجراءات الخاصة بعمليات المراجعة التي يتم اتباعها بهيئة ضمان الجودة الأسترالية AUQA .

وتجدر الإشارة إلى أنَّ المعايير والمؤشرات التي تبنتها الهيئة لتقييم جودة مؤسسات التعليم العالي في مملكة البحرين، هي معايير عالمية ومعترف بها دوليًّا، ولا تخص منطقة جغرافية معينة، ومن ضمن المؤشرات الرئيسة التي تبنتها الهيئة "المقايسة المرجعية"، والتي تعد أداة أساسية "معترف بها دوليًّا"؛ لتحسين أداء مؤسسات التعليم العالي، حيث تقوم على تحليل أفضل الممارسات للمؤسسات الأخرى، والاستفادة منها في تكييف وتطوير الممارسات، والآليات التي من شأنها تحسين نوعية البرامج، والخدمات التي تقوم بتقديمها.

وقد تم تبني مناهج مختلفة للمقايسة المرجعية في أجزاء كثيرة من العالم، فعلى سبيل المثال، تعد المقايسة المرجعية في الولايات المتحدة أداء مهمة؛ لتعزيز شبكات التواصل بين مؤسسات التعليم العالي؛ من أجل توفير مؤشرات مرجعية للتقييم، وتحفيزها على التغيير والتطوير. وتعد المقايسة المرجعية - وبصفة خاصة الرسمية منها - ممارسة لا غنى عنها حتى بالنسبة لأفضل الجامعات على مستوى العالم، فقد قام مؤخرًا معهد ماساتشوستس للتكنولوجياMassachusetts Institute of Technology ، والمصنف ضمن أفضل مؤسستين على مستوى العالم، بمقايسة طرائق التدريس في الهندسة مع جامعات أخرى. وعلى المستوى الأوروبي، فقد تم إبرام اتفاقية بولونيا؛ لتعزيز القدرة التنافسية الدولية لمؤسسات التعليم العالي الأوروبية، وبناءً على تلك الاتفاقية، فقد تم اتخاذ عدد من المبادرات ومن أهمها "المقايسة المرجعية لمخرجات التعلم".

أما في مملكة البحرين، فإن المقايسة المرجعية ليست مؤشرًا لضمان الجودة فحسب؛ بل هي واحدة من ضمن أهداف عملية المراجعة التي تقوم بها الهيئة، فوفقًا لدليل مراجعة مؤسسات التعليم العالي في مملكة البحرين، الصادر عن هيئة جودة التعليم والتدريب BQA ، فإن من أهداف المراجعة بوجه عام: "التعرف على الممارسات الجيدة، وأماكن ممارستها، ونشرها في قطاع التعليم العالي في البحرين"، وكذلك "ضمان مسؤولية مؤسسات التعليم العالي أمام المجتمع عامة والمسئولين وأصحاب القرار خاصة من خلال التقييم الموضوعي لجودة التعليم في كلٍّ منها". كما يمكننا تأكيد القول هنا، أنَّ هيئة جودة التعليم والتدريب تتشرف بالقيام بدورها المنوط بها، والمندرج تحت مسئولياتها؛ تلبية لنداء وتكليفات الواجب الوطني الذي تقوم به وتنفيذًا للتكليفات والرؤى التقدمية لقيادة الوطن، حفظها الله ورعاها، بمراجعة الأداء المؤسسي في المنظومة التعليمية في مملكة البحرين، والعمل على تجويد وتعزيز المخرجات وفق المعايير الدولية لتلبي احتياجات السوق الداخلية والخارجية، وتنافس باستدامة - علميًّا وعمليًّا - من أجل تحقيق رؤية حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المستقبلة لبحرين 2030.