هدر المال العام هو خطأ غير مقصود، ولكن حين يستمر هذا الخطأ خمسة عشر عاماً دون معالجة فإنه يتحول إلى فساد، فعدم وقفه وعدم معالجته يعد فساداً لا محالة.

لا ننكر أن تطوراً جدياً حصل في الآونة الأخيرة من الحكومة في التعاطي مع ملاحظات التقرير سياسياً وإعلامياً، إنما يبدو أن الرقع اتسع على الراقع فبعض الملاحظات مكررة وبعضها ينم عن قصور في المتابعة، وأنا كمواطنة بحاجة أن أسمع رد كل وزارة على كل ملاحظة وردت في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، من حقي أن أعرف وأن أفهم طبيعة تلك الملاحظات وكيف احتسبت؟ وما هو رد الوزارات والهيئات والشركات؟ فكل فلس أهدر هو مال عام من حقي أن أعرف لماذا أهدر بهذه الطريقة وكيف سيسترجع؟

ملايين كان ممكناً أن تدخل خزينة الدولة لو أننا أوقفنا هذا الهدر، خمسة عشر عاماً ونحن نكتب هذه المقولة «ما يضيع من مال عام بسبب الهدر أكثر مما يضيع بسبب الفساد»!

خمسة عشر عاماً وديوان الرقابة المالية والإدارية يصدر التقرير تلو التقرير ويجد كل عام ثغرات جديدة في النظام المالي وبعضها ثغرات قديمة يتسرب بسببها المال العام بشكل متكرر دون معالجة، وتضيع علينا مبالغ في وقت نحن أحوج ما نكون لها.

لا فرق عندنا كمواطنين ما هي الطريقة التي ضاع بها المال فالنتيجة واحدة وهي خسارتنا، لذلك تعنينا معالجة وسد ثغرات الهدر مثلما تعنينا محاربة الفساد بذات الدرجة، وتعنينا محاسبة المسؤول عن الهدر مثلما تعنينا محاسبة المسؤول عن الفساد.

كذلك كمواطنين لا تعنينا الجهة التي ستوقف هذا الهدر المهم أن يقف، سواء كانت الحكومة بأخذها زمام المبادرة من نفسها ومعالجة أوجه الخلل، أو كانت هي السلطة النيابية باستخدام أداوتها الرقابية، أو بالتعاون بين السلطتين، المهم في النهاية أن يتوقف هذا الهدر، ولا تضيع فرص الاستفادة بسبب التجاذبات الإعلامية بين الطرفين، فذلك آخر همنا.

ما يهمنا أن نلتزم بالقانون وبالأطر الدستورية المتاحة لمعالجة هذا الخلل، وأن يكون الجميع على قدر من المسؤولية بلا مزايدات ولا عنتريات و بلا تبريرات غير منطقية من قبل الجهات التي أدانها التقرير، وبلا إثارة للمادة 11 من قانون الديوان، وإعادة السؤال من هو الطرف الذي يجب أن يحيل من تحوم عليه الشبهات للنيابة، فجميع الأطراف لها الحق في ذلك، فلا يتبرأ أحد من مسؤوليته بإلقائها على الطرف الآخر، سئمنا من هذا الجدل العقيم.

لذلك تهمنا جداً درجة الشفافية واحترام عقولنا بالتحدث وبالكشف عن كل خطوة يقوم بها أي طرف بما فيهم الوزارات والهيئات والجهات الحكومية التي تطرق لها التقرير، بل إن مكاشفة المواطنين ستقطع الطريق على المزايدين والبطولات الصوتية.

إذ حفل التقرير بعبارات مثل «لاحظ التقرير قصوراً في المتابعة والتنفيذ» وكذلك عبارة «لاحظ التقرير قصوراً في التحصيل» وكذلك «لاحظ التقرير قصوراً في إنفاذ الإجراءات القانونية» إلخ.. لذلك نحتاج إلى إجابات شافية تعرض على الناس، ويدور حولها نقاش عام يجيب على جميع الاستفسارات لكل ما جاء في التقرير من ملاحظات، وأن تقوم كل وزارة وهيئة بالتفسير والشرح للمواطنين.

تذكروا أن ناتج هذا القصور في الأداء ليس خسارة أموال عامة فقط وعدم إيرادها في خزينة الدولة بل ناتجها دين عام أثقل كاهلنا وناتجها عجز في الميزانية وناتجها ليس مادياً فقط، فهناك إفلات من العقاب وهناك تلوث بيئي وهناك أضرار تقع على أشخاص سواء كانوا مرضى أو مرتادي طرق أو سكان مناطق ملوثة أو غيره، لذلك نحن كمواطنين بانتظار جميع الجهات المعنية أن تجيب على كل الملاحظات التي وردت في التقرير ملاحظة ملاحظة وعلناً.