إننا جميعاً نعرف الآن ماهية النظام الرأسمالي، في الاقتصاد، وخواصه وسماته الجوهرية والأساسية التي تميزه عن غيره من الأنظمة الاقتصادية وتجعله من ثم مختلفاً في النوع ونعرف أيضاً أن الرأسمالية مهما اختلفت وتطورت وتغيرت تظل ثابتةً لجهة أسسها وخواصها الجوهرية وإن العصور الاقتصادية لا تختلف وتتغاير وتتمايز في «المنتج» أي في ما ينتجه البشر من أشياء لتلبية حاجاتهم مع أن كثيراً من الأشياء أو البضائع التي أنتجها وينتجها البشر في النظام الاقتصادي الرأسمالي لم يكن لها من وجود من قبل أي في الأنظمة الاقتصادية التي عرفها البشر قبل ظهور النظام الرأسمالي فالعلاقة الاجتماعية في الإنتاج إنما هي من حيث الجوهر والأساس علاقة بين فئات اجتماعية أي بين طبقات، فسؤال «من يملك تلك الوسائل؟» هو السؤال الذي في إجابته نميز فئة من فئة فوجود لاقتصاد ـ سياسي إسلامي أو لنظرية اقتصادية إسلامية يمكن أن تترجم عملياً وواقعياً الآن أي في مستهل القرن الحادي والعشرين بما يسمح بقيام نظام اقتصادي ـ اجتماعي مختلف نوعياً عن الرأسمالية والاشتراكية والقائلون بوجود نظام اقتصادي إسلامي صرف اغتنموا نشوب الأزمة المالية والاقتصادية للنظام الرأسمالي العالمي وانهيار وإفلاس التجربة الاشتراكية السوفيتية من قبل لإثبات وتأكيد أهمية وضرورة الإسراع في «أسلمة» حياتنا الاقتصادية بأوجهها كافة ففي النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يمكن أن يقبل «الأسلمة» إذا ما كانت إبقاءً على جوهره وأساسه، حيث ما عاد ممكناً تجميد المال من غير أن يؤدي هذا التجميد إلى تبخر أسس النظام الرأسمالي نفسها فالفوائض النقدية المؤقته نمت من الوجهة الكمية حتى أنتجت فرقاً أو تغييراً نوعياً هو النشاط المصرفي وفي الوقت الذي اقتصر المسلمون على أداء العبادات وإهمال دعوة الإسلام الحكيمة الى الحياة الكريمة السعيدة وفق نظام اقتصاد رباني وفقدوا تعريف الاقتصاد لغة على أنه: القصد، أي التوسط والاعتدال من دون إفراط ولا تفريط ومعه قوله تعالى: «واقصد في مشيك»، وقوله أيضاً «منهم أمة مقتصدة»، أما تعريف الاقتصاد اصطلاحاً فيتمحور حول دراسة سلوك الإنسان في إدارة الموارد النادرة وتنميتها لإشباع حاجاته حيث يشكل الاقتصاد السياسي من حيث التعريف والمفهوم موضوع نقاشٍ وجدالٍ حاد بين الباحثين في العلوم الاجتماعية في العالم إذ إن التفاعل بين علوم الاقتصاد والسياسية الدوليه وتأثير كلٍ منهما على الآخر يعد التعريف الأبسط للاقتصاد السياسي وقد طورت النظريات الأيديولوجية وشرحت ذلك التعريف وفق النموذج الفكري الخاص بها فنجد أن القوميين ينظرون إلى هذا الفرع العلمي بشكل يختلف عن الماركسيين، والليبراليين يتعاملون معه كدراسة مختلفة تماماً عن سابقيهم ولا شك في أن الإسلام عند ظهوره قد أجاب أو سعى في إجابة أسئلة اقتصادية وأسس لحياة اقتصادية مستوفية لشروط دينية وتقوم على ما هو «حلال» من الوجهة الدينية الإسلامية وتنبذ وتجتنب ما هو حرام فلهذا علم الاقتصاد السياسي يعتمد على الدراسات والأبحاث في مجالات التاريخ وعلم الاجتماع والقانون وذلك بعد أن تم إهماله لفترة طويلة من الزمن ثم إعادة الاهتمام به مع ظهور الأزمات الاقتصادية العالمية فالاقتصاد السياسي والمدارس الفكرية أثرت المدارس الفكرية السياسية الكبرى في العالم على علم الاقتصاد السياسي ودفعت إلى تطويره بشكل كبير.
وقد أحدث علم الاقتصاد السياسي الماركسي ثورةً في أسلوب النظر إلى العلاقات الاقتصادية بين البشر وكيفية تفسير حركة التاريخ وفق تلك العلاقات حيث ادعى أن المتحكم في أدوات الانتاج وقوة عمل الأفراد في المجتمع يكون دائماً هو المسيطر على عملية اتخاذ القرارات المصيرية وتم ربط ذلك بالدعوة إلى الشيوعية والتحرر من سلطة الطبقات البرجوازية والرأسمالية وفيما بعد تأثرت الليبرالية الكنزية بتلك الأفكار ودعت إلى نظام اقتصادي مختلط تتدخل فيه الدولة في تحديد الاتجاهات الاقتصادية وذلك بعد الأزمات التي أحدثها نظام السوق الحر الكلاسيكي في الاقتصاد العالمي، وقد حافظت تلك النظرية على الاقتصاد العالمي فمن حيث الجوهر والأساس ليس من فرق يذكر بين «كيف الرأسمالية» و«كيف الإسلامية» في إنتاج البشر و«كيف الإسلامية» ليست في حقيقتها الموضوعية سوى «أسلمة للرأسمالية نفسها» أي إلباسها لبوساً إسلامياً فحسب، فمدى الاهتمام الذي أولاه القرآن الكريم على الجانب الاقتصادي وهذا واضح من الآيات القرآنية الشريفة المتناثرة في الكتاب والتي جاءت لتؤكد تأكيداً حياً ومباشراً على الإنتاج الذي يعتبر العمود الفقري في السياسة الاقتصادية والاهتمام به هو الاهتمام بالاقتصاد والعمل على نجاحه، فإذا كانت المبادىء الوضعية قد أشارت لعوامل الإنتاج فإن القرآن الكريم أكد على خطوطه العامة في سياسته الاقتصادية وبصورة جميلة ورائعة تبعث الجد والعمل والأمل في النفس الإنسانية طاردة منها عنصر البؤس والكسل والخمول وموجهة لها نحو التقدم والتطور والإبداع.
ولعل التاريخ العام لرسالتنا السمحاء وعلى الرغم من كل الانحرافات والابتعاد عن الخط الأصيل والصحيح يعطينا صورة مشرقة لنتائج هذه السياسة ولو كنا في العصر الاقتصادي الإقطاعي لرأينا المنادين بالنظام الاقتصادي الإسلامي ويسعون في «أسلمة» النظام الإقطاعي أي في إلباسه لبوساً إسلامياً من الوجهة الأخلاقية الدينية في المقام الأول وكأن «النظام الاقتصادي الإسلامي» هو «الأسلمة الأخلاقية في المقام الأول لكل نظام اقتصادي يقوم في جوهره على ملكية الفرد أو الأفراد للوسائل المستخدمة في إنتاج المنتجات والبشر في كل عصورهم الاقتصادية كانوا ينتجون القمح مثلاً، لكن المنتج بحد ذاته ليس بالشيء الذي من خلاله نميز عصراً من عصر، أو نظاماً من نظام، فـسؤال التمييز «ليس ماذا ننتج؟ وإنما كيف ننتج؟».
* محلل في الشؤون الاقتصادية والشؤون السياسية
وقد أحدث علم الاقتصاد السياسي الماركسي ثورةً في أسلوب النظر إلى العلاقات الاقتصادية بين البشر وكيفية تفسير حركة التاريخ وفق تلك العلاقات حيث ادعى أن المتحكم في أدوات الانتاج وقوة عمل الأفراد في المجتمع يكون دائماً هو المسيطر على عملية اتخاذ القرارات المصيرية وتم ربط ذلك بالدعوة إلى الشيوعية والتحرر من سلطة الطبقات البرجوازية والرأسمالية وفيما بعد تأثرت الليبرالية الكنزية بتلك الأفكار ودعت إلى نظام اقتصادي مختلط تتدخل فيه الدولة في تحديد الاتجاهات الاقتصادية وذلك بعد الأزمات التي أحدثها نظام السوق الحر الكلاسيكي في الاقتصاد العالمي، وقد حافظت تلك النظرية على الاقتصاد العالمي فمن حيث الجوهر والأساس ليس من فرق يذكر بين «كيف الرأسمالية» و«كيف الإسلامية» في إنتاج البشر و«كيف الإسلامية» ليست في حقيقتها الموضوعية سوى «أسلمة للرأسمالية نفسها» أي إلباسها لبوساً إسلامياً فحسب، فمدى الاهتمام الذي أولاه القرآن الكريم على الجانب الاقتصادي وهذا واضح من الآيات القرآنية الشريفة المتناثرة في الكتاب والتي جاءت لتؤكد تأكيداً حياً ومباشراً على الإنتاج الذي يعتبر العمود الفقري في السياسة الاقتصادية والاهتمام به هو الاهتمام بالاقتصاد والعمل على نجاحه، فإذا كانت المبادىء الوضعية قد أشارت لعوامل الإنتاج فإن القرآن الكريم أكد على خطوطه العامة في سياسته الاقتصادية وبصورة جميلة ورائعة تبعث الجد والعمل والأمل في النفس الإنسانية طاردة منها عنصر البؤس والكسل والخمول وموجهة لها نحو التقدم والتطور والإبداع.
ولعل التاريخ العام لرسالتنا السمحاء وعلى الرغم من كل الانحرافات والابتعاد عن الخط الأصيل والصحيح يعطينا صورة مشرقة لنتائج هذه السياسة ولو كنا في العصر الاقتصادي الإقطاعي لرأينا المنادين بالنظام الاقتصادي الإسلامي ويسعون في «أسلمة» النظام الإقطاعي أي في إلباسه لبوساً إسلامياً من الوجهة الأخلاقية الدينية في المقام الأول وكأن «النظام الاقتصادي الإسلامي» هو «الأسلمة الأخلاقية في المقام الأول لكل نظام اقتصادي يقوم في جوهره على ملكية الفرد أو الأفراد للوسائل المستخدمة في إنتاج المنتجات والبشر في كل عصورهم الاقتصادية كانوا ينتجون القمح مثلاً، لكن المنتج بحد ذاته ليس بالشيء الذي من خلاله نميز عصراً من عصر، أو نظاماً من نظام، فـسؤال التمييز «ليس ماذا ننتج؟ وإنما كيف ننتج؟».
* محلل في الشؤون الاقتصادية والشؤون السياسية