في أحد الأيام، وأحد الأزمان، وفي إحدى الدول، نشرت إحدى الصحف خبراً رئيساً وبالخط العريض يقول في عنوانه «مسؤول كبير يمارس الاختلاس وبالأدلة»، وكان مطلع الخبر يقول بأنه نقلاً عن «مصادر» تمتلك أدلة وإثباتات، فإن أحد المسؤولين الكبار المعنيين بأحد القطاعات يمارس اختلاساً للمال العام، وأن الموضوع ينشر هنا للفت انتباه الحكومة لاتخاذ إجراءات بحقه.
الخبر المنشور لقي ردود أفعال كبيرة في أوساط المجتمع، خاصة وأن الناس يتابعون تصريحات الحكومة الصادرة في شأن محاربة الفساد الإداري والمالي، وأنه لا مكان للفاسدين المتلاعبين في المال العام، بل والدعوة كانت رسمية لأي مواطن أن يبلغ عن الفساد للجهات المسئولة شريطة امتلاكه الأدلة والإثباتات التي تؤكد اتهامه.
ترقب الناس رد الفعل القوي لمحاسبة المسؤول المتهم في الفساد، انتظروا أياماً لكن لم يسمعوا أي شيء، ولم يقرؤوا أية متابعات إخبارية في الصحيفة ذاتها، أو صحف أخرى، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي تعج بتساؤلات الناس عن الإجراء المتخذ على خلفية الخبر.
بموازاة ذلك، كانت هناك أمور تحصل لا يعلم بها الناس، فالجهة المعنية بالتحقيق في تهم الفساد أوكلت لأحد مسؤوليها مهمة التواصل مع الصحيفة لمعرفة ملابسات الموضوع، ولترتيب لقاء مع المصدر الذي زودها بالمعلومات.
وبموجب أمر من النيابة، كشفت الصحيفة عن مصدرها، وتواصل معه المسؤول الموكل بالتحقيق واجتمع به، وكان سؤاله الأول عن إثباتاته، فأوضح المصدر أنه يعمل في الموارد البشرية في نفس جهة العمل، واكتشف ضمن الأوراق وجود تلاعب وفساد نتيجته تحصل المسؤول على مبالغ بدون وجه حق، وأن هذا الفعل تكرر كذا مرة.
سأله المحقق عن السبب الذي منعه من تقديم هذه الأوراق للجهة المسؤولة عن تلقي بلاغات الفساد. صدمه المصدر حينما قال له بأنه قدمها بالفعل، وليس مرة واحدة بل اثنتين، لكن لم تكن هناك نتيجة، ففي المرة الأولى قدمها ثم تابع الموضوع مع الموظف، الذي استلم الشكوى والأدلة، فكان يتهرب منه ويقول بأنها في إجراءات التحقيق، وفي المرة الثانية أخذ يماطل معه ويتعمد عدم مقابلته، ومع قليل من البحث اكتشف بأن هناك علاقة نسب تربط هذا الموظف مع المسؤول الفاسد، وعليه فقد الأمل بأن تتحقق العدالة بحق هذا المتعدي على المال العام.
المحقق قال للمصدر بأنه كان يفترض به ألا يسرب أوراقاً خاصة بالعمل، فأجابه بأنها أوراق تثبت فساد المسؤول، وأنها هي القضية الأهم وليست الأوراق. فأجابه المحقق بأنه رغم ذلك كان يفترض به ألا يسربها. سأله المصدر بشكل مباشر: «هل تحاول أنت أيضا التستر على هذا المسؤول؟! أنت بذلك تسيء للدولة، ويفترض أن المال العام وحمايته واجب كل مواطن، ولا يجب على أي مواطن أن يرى الخطأ ويقف مكتوف الأيدي، أنا اتبعت القنوات الرسمية، واتضح لي بأن هناك موظفين فاسدين فيها أيضاً، فماذا أفعل، وأنا قلبي على وطني؟!».
أجابه المحقق بأنه سيكون على اطلاع بالنتائج، وأخذ منه الأوراق ومضى.
بعد أيام تفاجأ الموظف «المصدر» بإحضارية تطلب منه الحضور للنيابة العامة. توجه لمبنى النيابة فوجد المسؤول الذي حقق معه في القضية، وفور أن رآه، رفع ورقة بيده وقال للشرطة: هذا حكم بسجن هذا الشخص بتهمة تسريب أوراق رسمية، فاقبضوا عليه!
رفع الموظف -الذي كشف قضية الفساد وبالأدلة- كلتا يديه لتوضع القيود فيها، هز رأسه وقال للمحقق والشرطة وكل من كان موجوداً: «طيب، والحرامي يا جماعة؟!».
****
* ملاحظة: هذه القصة خيالية ولا تمت للواقع بصلة، وأي تشابه بينها وبين أحداث أخرى فهي بمحض الصدفة.
الخبر المنشور لقي ردود أفعال كبيرة في أوساط المجتمع، خاصة وأن الناس يتابعون تصريحات الحكومة الصادرة في شأن محاربة الفساد الإداري والمالي، وأنه لا مكان للفاسدين المتلاعبين في المال العام، بل والدعوة كانت رسمية لأي مواطن أن يبلغ عن الفساد للجهات المسئولة شريطة امتلاكه الأدلة والإثباتات التي تؤكد اتهامه.
ترقب الناس رد الفعل القوي لمحاسبة المسؤول المتهم في الفساد، انتظروا أياماً لكن لم يسمعوا أي شيء، ولم يقرؤوا أية متابعات إخبارية في الصحيفة ذاتها، أو صحف أخرى، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي تعج بتساؤلات الناس عن الإجراء المتخذ على خلفية الخبر.
بموازاة ذلك، كانت هناك أمور تحصل لا يعلم بها الناس، فالجهة المعنية بالتحقيق في تهم الفساد أوكلت لأحد مسؤوليها مهمة التواصل مع الصحيفة لمعرفة ملابسات الموضوع، ولترتيب لقاء مع المصدر الذي زودها بالمعلومات.
وبموجب أمر من النيابة، كشفت الصحيفة عن مصدرها، وتواصل معه المسؤول الموكل بالتحقيق واجتمع به، وكان سؤاله الأول عن إثباتاته، فأوضح المصدر أنه يعمل في الموارد البشرية في نفس جهة العمل، واكتشف ضمن الأوراق وجود تلاعب وفساد نتيجته تحصل المسؤول على مبالغ بدون وجه حق، وأن هذا الفعل تكرر كذا مرة.
سأله المحقق عن السبب الذي منعه من تقديم هذه الأوراق للجهة المسؤولة عن تلقي بلاغات الفساد. صدمه المصدر حينما قال له بأنه قدمها بالفعل، وليس مرة واحدة بل اثنتين، لكن لم تكن هناك نتيجة، ففي المرة الأولى قدمها ثم تابع الموضوع مع الموظف، الذي استلم الشكوى والأدلة، فكان يتهرب منه ويقول بأنها في إجراءات التحقيق، وفي المرة الثانية أخذ يماطل معه ويتعمد عدم مقابلته، ومع قليل من البحث اكتشف بأن هناك علاقة نسب تربط هذا الموظف مع المسؤول الفاسد، وعليه فقد الأمل بأن تتحقق العدالة بحق هذا المتعدي على المال العام.
المحقق قال للمصدر بأنه كان يفترض به ألا يسرب أوراقاً خاصة بالعمل، فأجابه بأنها أوراق تثبت فساد المسؤول، وأنها هي القضية الأهم وليست الأوراق. فأجابه المحقق بأنه رغم ذلك كان يفترض به ألا يسربها. سأله المصدر بشكل مباشر: «هل تحاول أنت أيضا التستر على هذا المسؤول؟! أنت بذلك تسيء للدولة، ويفترض أن المال العام وحمايته واجب كل مواطن، ولا يجب على أي مواطن أن يرى الخطأ ويقف مكتوف الأيدي، أنا اتبعت القنوات الرسمية، واتضح لي بأن هناك موظفين فاسدين فيها أيضاً، فماذا أفعل، وأنا قلبي على وطني؟!».
أجابه المحقق بأنه سيكون على اطلاع بالنتائج، وأخذ منه الأوراق ومضى.
بعد أيام تفاجأ الموظف «المصدر» بإحضارية تطلب منه الحضور للنيابة العامة. توجه لمبنى النيابة فوجد المسؤول الذي حقق معه في القضية، وفور أن رآه، رفع ورقة بيده وقال للشرطة: هذا حكم بسجن هذا الشخص بتهمة تسريب أوراق رسمية، فاقبضوا عليه!
رفع الموظف -الذي كشف قضية الفساد وبالأدلة- كلتا يديه لتوضع القيود فيها، هز رأسه وقال للمحقق والشرطة وكل من كان موجوداً: «طيب، والحرامي يا جماعة؟!».
****
* ملاحظة: هذه القصة خيالية ولا تمت للواقع بصلة، وأي تشابه بينها وبين أحداث أخرى فهي بمحض الصدفة.