بيروت - بديع قرحاني

أكد وزير العدل اللبناني السابق اللواء أشرف ريفي أن "هناك قطاعاً كبيراً من اللبنانيين أصابه الإحباط، ليس لاستمرار تعثّر ولادة الحكومة الجديدة، وإنما لتيقّنهم من أن "حزب الله" وضع البلاد في يد إيران لتغامر به، من دون اكتراث لمصالح لبنان"، مشيراً إلى أن "إيران تتعامل مع لبنان كورقة مساومة لتحصين وضعها الإقليمي".

ولفت ريفي، في حوار مع وكالة الأنباء الألمانية "د ب أ"، إلى أن "هناك أصواتاً اليوم تدعو رئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري إلى مكاشفة الشعب بالطرف المعطل لتشكيل الحكومة". وقال "في رأيي الأمور واضحة ولا تحتاج إلى مصارحة أو مكاشفة، فـ"حزب الله" يرهن قرار التشكيل بيد إيران".

ورأى ريفي أن "إيران تبعث برسالة للمجتمع الدولي والعربي بأنها تمتلك الورقة اللبنانية، ولن تفرج عنها ما دامت تتعرض للعقوبات"، موضحاً أن "إيران باتت تتعامل مع الدولة اللبنانية كأحد أوراق المساومة وتستخدمها لتحصين وضعها الإقليمي دون أي اكتراث بما سيلحق بتلك الدولة جراء سياساتها ومغامراتها في المنطقة".

وقلّل ريفي من شأن ما يُطرح عن وجود توتّر في العلاقات بين "حزب الله" وحليفه "التيار الوطني الحر"، على خلفية أزمة توزير ممثل لكتلة "اللقاء التشاوري"، في الحكومة، معتبرًا أن "الخلاف بينهما هو خلاف على المصالح وليس على المبادئ".

وأوضح أن "هناك مصالح متبادلة بين الطرفين، فالعماد ميشال عون، مؤسس "التيار"، انتُخب رئيسًا بقوة التعطيل التي يتقنها "حزب الله" ومارسها مراراً، والوزير جبران باسيل، رئيس "التيار" حالياً، استفاد أيضاً من التعطيل ليكون وزيراً"، مشيراً إلى أن "في المقابل، حصل "حزب الله" بفعل التفاهمات مع قيادات "التيار" على تأييد جزء من المسيحيين له وباتوا غطاء لسلاحه ومشروعه".

وأضاف "بالطبع مصلحة عون اليوم تقتضي بأن يكون على مسافة واحدة من الجميع، بما فيهم "حزب الله"، لكنه لا يستطيع تطبيق ذلك فعلياً لأن الحزب قادر على استعمال أساليب الترغيب والترهيب، فها هو الحزب يقوم بتعطيل تشكيل الحكومة ويشل صلاحيات رئيس الجمهورية، ولا يملك عون في هذا الوضع سوى الاكتفاء بالاستنكار، فيما كان المطلوب اتخاذ قرار بتشكيل الحكومة".

واعتبر ريفي أن "فرص نجاح الحريري في تشكيل حكومة متوازنة يكاد يكون ضعيفاً أو معدومًا"، إلا أنه استبعد اعتذار الحريري عن التكليف، مشدداً على أن "الحل لا يكون بالاعتذار، وإنما بمواجهة شروط وتحكمات "حزب الله" عبر التفاهم بين جميع القوى من أجل العمل على استعادة التوازن وإنقاذ لبنان".

ودعا ريفي الحريري إلى "المضي قُدماً في هذا الاتجاه والتفكير جديًا في طرح صيغة حكومة إنقاذ مصغرة من أصحاب الكفاءات، من دون الالتفات لأي طرف أو تحالفات أو أي شيء آخر سوى المصلحة الوطنية للبلاد".

وتساءل، "لماذا لا يفعلها وهي من صلب صلاحياته؟ الاستسلام لتعطيل "حزب الله" إلى ما لا نهاية أو انتظار الموافقة الإيرانية هو بمثابة انتحار وطني واقتصادي للبنان وشعبه".

ورأى أن "بعد كل هذا التعطيل، ربما تكون حكومة الكفاءات هي خيار جدير بالطرح والنقاش على الطاولة، وليتحمل رئيس الجمهورية عندها مسؤوليته".

وأضاف "نحن لا نقف وحدنا في التحذير من الانهيار، جميع المطّلعين على الأرقام يطلقون التحذيرات نفسها، والرئيس عون نفسه قال إن البلد مقبل على كارثة. وهناك حديث عن قلق الدول الداعمة والمانحة من جراء التعطيل الراهن".

وتابع، "أما إيران، أساس المشكلة برمّتها، فهي لا تأبه بهذا كله. البعض يبرر لها ويقول إنها عاجزة عن مساعدة لبنان اقتصادياً بسبب العقوبات، ولكن الحقيقة هي أنها حتى لو كانت قادرة، فهي لن تدفع أموالاً إلا لـ"حزب الله" لأنه من يمنحها، عبر سلاحه، الوسيلة للهيمنة على مقدرات لبنان".

كما أعرب عن أسفه لكون "الهيمنة الإيرانية أدت إلى عزل لبنان عن محيطه العربي وعن المجتمع الدولي"، وقال، "لبنان كان يعتمد على علاقاته العربية لتنشيط اقتصاده، والدول العربية ساعدته كثيراً، أما اليوم فبات الجميع يتعاطى معه باعتباره بلداً أسيراً".

ورفض ريفي الاتهام بأنه وغيره من القيادات السنية يشعرون بالقلق إزاء إمكان أن تقلب كتلة "اللقاء التشاوري" الأوزان في الساحة السنية وأن تنجح في سحب البساط من تحت أقدامهم، خاصةً إذا نجح "حزب الله" في فرض ممثل لهم بالتشكيل الحكومي.

وقال "مع التقدير الشخصي لبعض أعضاء "اللقاء التشاوري"، فأنا لا أرى أنه يشكّل حركة سياسية قابلة للحياة في البيئة السنية. هذا اللقاء جمعه "حزب الله" كي ينشئ قوة سنية حليفة له، وأغلب أعضائه غير منتخبين بأصوات السنة، ولذا نقول إنه ليس موجوداً في الوجدان السني ولن يجد له مكاناً فيه مهما حاول الحزب مدّه بالقوة المصطنعة".

واعتبر ريفي أن "قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من سوريا هو جزء من تحضيراته للفوز بولاية ثانية"، وقال، "ترامب يرى الأمر عاملاً معززاً لفرصه. لكن من الصعب قراءة هذا الانسحاب من زاوية واحدة، والأرجح أن تفاهمًا أمريكيًا روسيًا قد حدث، وإسرائيل أيضًا ليست بعيدة عنه. ومن المؤكد أن روسيا أصبحت صاحبة الكلمة العليا في سوريا".

واستبعد ريفي أن يكون لتحسّن وضع النظام السوري أي تأثير على الوضع الداخلي اللبناني، وتحديداً على أزمة الحكومة، معربًا عن شكه في أن "يستعيد هذا النظام قدرته على التأثير الذي كان له في لبنان قبل انسحابه عام 2005، فهذا النظام نفسه بات أداة للقوى الإقليمية والدولية، وبالنسبة للبنان فقد استُبدلت الوصاية السورية بوصاية إيرانية، بفضل قوة سلاح حزب الله".