تقدمت الجمعية البحرينية للمبادرات الوطنية بمشروع مبادرة البحريني أولا لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، لتفعيل دور القطاع الثالث بصفته قطاعا للاقتصاد الأهلي.
وجاء في نص المشروع أن الاقتصاد يقوم في أي بلد في العالم على قطاعين رئيسيين هما القطاع العام (الحكومي) والقطاع الخاص (التجاري)، ودون شك فإن هناك تداخلاً كبيراً بين القطاعين، وفي كثير من الأحيان يشتركان في إدارة مشاريع خدمية أو صناعية لاستكمال منظومة الخدمات العامة في الدولة.وفي الآتي عرض لأهم مفاصل المشروع.
يجري الحديث دائماً عن أطراف الإنتاج الثلاثة وهي الدولة، وأصحاب الأعمال والعمال، بأن العلاقة بينها هي التي تحدد قدرة وقوة الاقتصاد في هذه البلاد أو تلك، كما تقوم العديد من المؤسسات والهيئات التي تجمع بين هذه الأطراف في أُطر من شأنها أن تنظم العلاقة بين هذه الأطراف حسب حجم وقوة كل طرف.
وحسب نص المشروع تلتقي في البحرين الأطراف الثلاثة في العديد من الهيئات والمؤسسات لترسم حدود التعاون بينها كما هو الحال في هيئة التأمينات الاجتماعية وعدد من الهيئات الأخرى.. وحسب نص المشروع جاء أن الوقت قد حان لإعادة الاعتبار لهذا القطاع وإلى العاملين والمتطوعين فيه، عبر تقديرهم وتقدير إسهاماتهم في المجتمع ومن خلال تشجيع المزيد من المتطوعين على الانخراط في هذا القطاع، عبر تحويله إلى قطاع فعال وذو قيمة مضافة، يستطيع العاملون فيه المزاوجة بين احتياجاتهم وعطائهم، فيزيدون جرعات الإبداع وساعات العطاء.
مجتمع مدني منتج
ورغم الدور الكبير الذي تقوم به مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني الأهلية، إلا أن إنتاجيتها لا يتم احتسابها في الدخل القومي ولا يوضع لها الاعتبار كقطاع هام ومؤثر في التنمية.. خاصة وأن معظم العاملين في هذا القطاع هم من المتطوعين الذين لا يتقاضون مقابلاً مالياً لقاء الأعمال العظيمة التي يؤدونها، وكأن ذلك سبة في حقهم بدل أن يكون امتنانا وتقديراً لهم.
وجاء في نص المشروع انتشار ظاهرة العزوف عن العمل التطوعي، وخاصة مع تطور القوانين والأنظمة التي تنظم عمل هذه المؤسسات والجمعيات العاملة في ميدان العمل الأهلي، وقد دفع ذلك التعقيد المتمثل في كثرة ودقة التقارير والإجراءات التي تطلبها الجهات المسؤولة عن هذه الجمعيات إلى ابتعاد العديد من الشخصيات وربما الخبرات عن هذا الميدان، بحجة أنها لا تستفيد من الجهود التي تبذلها فيه، وأن الأعمال التي تقوم بها في هذا القطاع بعد تحولها إلى أعمال شبه احترافية يمكن توظيفها في القطاع الخاص أو أعمال إضافية تدر دخلاً إضافيا يساعد أصحابه على تحمل أعباء الحياة.
لقد آن الأوان - حسب نص المشروع - لتغيير النظرة النمطية لهذا القطاع والعاملين فيه، وتصحيح النظرة الدونية له في بعض الأحيان، أو نظرة التشكيك والتحقير في أحيان أخرى، ويمكن القول من واقع التجربة إن البعض من ضيقي الأفق يتعاملون مع العاملين في هذا القطاع بمنطق عدائي، يتهمهم بالتحيز والميل للأقارب والمعارف، وهذا في حد ذاته يجعل العمل في القطاع الأهلي غاية في الحساسية والحذر، الأمر الذي ينعكس سلباً على العطاء وحرية الحركة والإبداع.
استيعاب الباحثين عن العمل
ينظر إلى ارتفاع معدلات البطالة ونسبة الباحثين عن العمل وخاصة وسط الخريجين الجامعيين باعتباره مشكلة تقلق المجتمع وتمثل عبئاً سياسياً واقتصادياً على الدولة بكافة قطاعاتها وقد ساهم ذلك - حسب نص المشروع - في نشوء طبقة من المواطنين غير المنتجين الذين قادتهم بطالتهم إلى التسكع والتذمر، والتحول إلى مشكلة مؤرقه للمجتمع ومؤسسات الدولة على حد سواء، الأمر الذي ضاعف من حجم المشكلة وأدى إلى التأفف وزيادة التململ والاحتجاج وسط المجتمع، وقد تم استغلال ذلك بشكل سيء من قبل بعض الجهات داخل وخارج البحرين بهدف إثبات عدم جدية الحكومة في وضع حلول لهذه المشكلة، خاصة مع ارتفاع أعداد العمالة الوافدة واستحواذها على النصيب الأكبر من فرص العمل.
وفي نص مشروع مبادرة البحريني أولاً، ثمة توجه وعزم في أن يكون المشروع جزءاً من الحل، وليس جزءاً من المشكلة، وقد طرحت المبادرة فكرة قطاع الاقتصاد الأهلي (القطاع الثالث) على وزير العمل والتنمية الاجتماعية جميل بن محمد علي حميدان في الوزارة بالمرفأ المالي يوم الأربعاء بتاريخ 19 أبريل 2017، وقد وجدت المبادرة التشجيع والاستعداد التام من قبله لدعم هذا التوجه ومساندة المبادرة وقد تمثل ذلك من خلال موافقته الفورية على تشكيل لجنة مشتركة بين المبادرة والوزارة.
وهكذا كان الأمر في فعاليات المنتدى الحواري الأول لمبادرة البحرين أولاً الذي نظم يوم الأحد 7 مايو 2017، تحت رعاية سعادته وبحضور مستشار جلالة الملك لشئون الإعلام نبيل بن يعقوب الحمر وعدد من الفعاليات الاقتصادية والمهنية المعنية بموضوع البحرنة والاقتصاد الوطني، وقد أكد الجميع على أهمية المنتدى الذي أصبح صرخة مدوية في عالم الصمت الذي تعامل به الجميع مع هذه المشكلة طيلة سنوات، حتى باتت ظاهرة خطيرة توشك أن تنفجر في وجه المجتمع.
هذه المبادرة قرعت جرس الإنذار عالي الصوت محذرة من تفشي مشكلة الباحثين عن العمل، وتطالب الجميع بأن يولوا الباحثين عن العمل الاهتمام اللازم، وأن لا يمروا عليها وكأنها لا تعنيهم بحجة إن نسب البطالة في مملكة البحرين هي نسب عالمية مقبولة ومتداولة، خاصة مع وجود عدد كبير من فرص العمل التي تذهب للوافدين كما صرح بذلك وزير العمل الذي أكد إن أكثر من 63 ألف فرصة عمل قد ذهبت للوافدين في حين كان نصيب البحرينيين 969 فرصة عمل خلال العام 2016.
القطاع الثالث (قطاع الاقتصاد الأهلي)
جاء في دراسة أعدها الباحث البحريني الدكتور عبدالله محمد الصادق بعنوان " العمل الاجتماعي التطوعي في المجتمع البحريني ـ رؤية مستقبلية اقتصادية " وقدمت إلى " ندوة آفاق العمل الاجتماعي مع بداية الألفية الثالثة ـ الواقع والطموح " التي نظمها مركز البحرين للدراسات والبحوث في مارس 2000 التعريف التالي: (يعتمد عمق وكثافة العمل التطوعي في مجتمع ما على الحالة الاجتماعية والمؤسسات المدنية في ذلك المجتمع وما يرتبط بها من أعراف، وقواعد غير رسمية، وعلاقات طويلة الأمد التي تمكن الناس من القيام بمشاريع تعاونية لتحقيق المصالح المتبادل وتشكل مجمل هذه العلاقات ما يسمى برأس المال الاجتماعي ) .
ويستشف من الدراسات المذكورة إن البلدان التي يوجد بها قطاع عمل اجتماعي تطوعي متطور أو ما يطلق عليه أحياناً القطاع الثالث أو القطاع المستقل ستكون أكثر حظاً مقارنة بالبلدان الأخرى.
لقد التقطت مبادرة البحريني أولاً هذا المفهوم الذي قدمه الدكتور عبدالله الصادق وتوسعت في البحث والرصد حوله، فوجدت أن عدد مؤسسات المجتمع المدني في البحرين كبير جداً (أكثر من 600 جمعية مرخصة من قبل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية فقط)، فضلاً عن العديد من الجمعيات والهيئات المجتمعية المرخصة من جهات أخرى كوزارة الشباب والرياضة ووزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف ووزارة الصناعة والتجارة والسياحة ووزارة الإعلام ووزارة الصحة فضلاً عن وزارة المالية وبنك البحرين المركزي وغيرها من الوزارات والهيئات الرسمية وشبه الرسمية، ويعتبر هذا العدد كبيراً جداً إذا ما قورن بحجم البلاد مساحة وسكاناً، ويلاحظ أن هذه الجمعيات في كثير من الأحيان تخفق في أداء الرسالة التي أنشئت من أجلها وذلك بسبب عدم وجود الكادر التنفيذي القادر على تفعيل البرامج والفعاليات التي تتناسب مع أهداف هذه الجمعيات والمؤسسات العاملة في مختلف قطاعات العمل المجتمعي.
وفي سبيل ذلك فإن مبادرة البحريني أولاً والتي تتطلع إلى نسج علاقة عمل إستراتيجية طويلة الأمد مع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وهيئة صندوق تمكين ضمن مبدأ الشراكة المجتمعية المسئولة من خلال فتح المجال لتوسيع دائرة الإنتاج والمساهمة في الاقتصاد الوطني عبر تفعيل دور القطاع الثالث وتعزيز إسهاماته في التوظيف بما يشكل قيمة مُضافة للدخل القومي لمملكة البحرين عبر تفعيل هذا القطاع القادر على استيعاب العديد من العمالة البحرينية .
وتتطلع مبادرة البحرين أولاً بالتعاون مع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وهيئة صندوق تمكين على توسيع دائرة وقدرة قطاع الاقتصاد المجتمعي (القطاع الثالث) على مواكبة الرؤية الاقتصادية 2030 وخطتها الطموحة لخلق وظائف جديدة بمتوسط 1000 وظيفة سنوياً، من خلال تشجيع القطاع الأهلي للتحول إلى الاقتصاد الأهلي المنتج.
القطاعات المستهدفة
تثق مبادرة البحريني أولا في قدرة القطاع الأهلي الصاعد على استيعاب العديد من الكفاءات والكوادر البحرينية النشطة، وتعتقد أن وجود الكادر المهني المتفرغ لدى مؤسسات المجتمع المدني سيشكل نقلة نوعية في خدماتها وأسلوب عملها وأدائها وسيحولها على مؤسسات رديفه قادرة على تلبية احتياجات الدولة وسد النقص في البيانات والمعلومات والدراسات اللازمة لتطوير المجتمع وسد الثغرات التي لا تستطيع المؤسسات الرسمية الوصول إليها، ومن بين القطاعات التي يمكن استنهاضها وإعادة هيكلتها وتفعيلها القطاعات التالية:
قطاع الجمعيات والمؤسسات الخيرية وقطاع الجمعيات المهنية وقطاع الجمعيات النسائية وقطاع الجمعيات الاجتماعية و قطاع الجمعيات الثقافية وقطاع الجمعيات المتخصصة وقطاع الجمعيات التعاونية وقطاع الجمعيات المنتجة وقطاع جمعيات دور رعاية المسنين، وقطاع جمعيات رعاية الأيتام، وقطاع الجمعيات الصحية، وقطاعات جمعيات رعاية الأسرة ، وقطاع الأندية ، والمراكز الشبابية.
التفاعل مع رؤية 2030
تتطلع المبادرة إلى قراءة الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030 بشكل عملي وبعيداً عن التنظير، ففي ظل الأجواء التنافسية المتصاعدة، أصبح من المهم والضروري النظر إلى تطبيق أهداف الرؤية بطرق مبتكرة وخلاقة، و مبادرة البحريني أولاً تعتقد أن فتح المجال للبحرينيين للعمل في القطاع الثالث (قطاع الاقتصاد الأهلي)، لا يتعارض مع قوانين العمل الدولية أو الوطنية المعمول بها في البحرين.
لذلك فإن مبادرة البحريني أولاً، تتطلع لتخصيص التوظيف في هذا القطاع للبحرينيين حصراً، متطلعة لأن يستوعب هذا المشروع متوسط 100 خريج بحريني سنوي من مختلف التخصصات، وخاصة التخصصات التي لا يستوعبها سوق العمل.
لقد استعرضت المبادرة فيما سبق القطاعات التي يمكن أن يتعاطى معها هذا المشروع لتفعيل القطاع الأهلي الذي يراد له أن يستمر لمدة 14 عاماً وصولاً للعام 2030 بمعدل 1000 خريج سنوياً، الأمر الذي سيوفر 1400 وظيفة جيدة المستوى للبحرينيين فقط.
من جهة أخرى، فإن مبادرة البحريني أولاً تطمح في أن يؤدي تفعيل قطاع الاقتصاد الأهلي إلى تحريك القطاعات التطوعية الأهلية، وتحويلها إلى قطاعات منتجة قادرة على رفد الاقتصاد الوطني وتعزيز التكافل الاجتماعي، وفي ذات الوقت تحويل دور هذه الجمعيات من كونها تشكل عبئاً مالياً على المؤسسين والمشاركين والجهات الراعية، إلى مؤسسات قادرة على الإبداع والإنتاج وخلق قيمة مُضافة.
وتنظر مبادرة البحريني أولاً إلى مستقبل القطاع الثالث، وتتوقع أن يشكل حافزاً لإعادة صياغة مفاهيم العمل الأهلي، بحيث يصبح هذا القطاع جاذباً للقوى العاملة ومحفزاً لإنتاج الوظائف والمشاريع المنتجة التي يمكن أن تتبناها الجمعيات الأهلية مع توفر العمالة المدربة والمتفرغة، ويتطلع العاملون على المبادرة لأن يتغير التفكير في طريقة إدارة الجمعيات الأهلية بحيث تتوجه إلى إطلاق وتأسيس وإدارة المشاريع المنتجة في العديد من القطاعات التعليمية والصحية والتقنية والغذائية والصناعية، وبذلك تترسخ فكرة القطاع الأهلي المنتج والذي لا يستهدف الربحية، وتدعو المبادرة كافة الجهات المعنية لدعم تجربتها وتطلعاتها في سبيل تحويل هذا القطاع إلى قطاع قادر على المساهمة في حل المشكلات الاجتماعية.