تحتفل مملكة البحرين هذه الأيام بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيس الدبلوماسية البحرينية، إن اليوبيل الذهبي للدبلوماسية البحرينية لمناسبة جديرة بالفخر والاعتزاز والاحتفال بها احتفاء بإنجازات عهد الدولة المعاصرة في بلادنا دولة عربية مسلمة مستقلة حرة ذات سيادة، وتلك إنجازات شملت مختلف المجالات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
وحين نتحدث عن الدبلوماسية والسياسة فإننا نجد بينهما تطابقاً في التعريف والمفهوم، بل هما وجهان لعملة واحدة، أو أن الدبلوماسية هي الوجه الآخر للسياسة وعلى هذا تتطابق السياسة البحرينية مع دبلوماسيتها فتجتمع في شخص سيدي صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه الذي هو "نبراس الدبلوماسية" وقائد الوطن ورائد المشروع الوطني للإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي في بلدنا العزيز.
لا شك أن هنالك تعريفات عديدة لكل من: "السياسة" و"الدبلوماسية" كمفهومين من مفاهيم العلوم السياسية والاجتماعية، وأكثرها تلتقي لتشكل معنى واحداً ومحدداً، بل إن الاختلاف يبقى في حدود ضيق التعريف أو اتساعه.
وعام 1971 حلقت البحرين بجناحي السياسة والدبلوماسية لتصل إلى الأمم المتحدة حين أقر مجلس الأمن أنها دولة مستقلة ذات سيادة وأكد رغبة شعبها في هذا الاستقلال، وقبلت عضواً في منظمة الأمم المتحدة.
إن أول مسمى لوزارة الخارجية البحرينية كان 12 يناير عام 1969 حين أنشئت "إدارة الخارجية" برئاسة سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، وكان ذلك استباقًا لإعلان المملكة المتحدة "بريطانيا" خطتها للانسحاب من دول الخليج العربي ومن سائر منطقة شرق المتوسط، لأسباب استراتيجية، فقد عمدت البحرين إلى استباق الانسحاب البريطاني بإعلان إنشاء "إدارة الخارجية" لتباشر بنفسها تولي شؤونها السياسية وعلاقاتها مع الدول الأخرى، تمهيداً لإعلان الاستقلال. وهكذا كان .. حيث عملت البحرين مع الدول الشقيقة والصديقة لتأكيد رغبتها في الاستقلال وذلك عبر جهود مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الذي جال في البلاد وتعرفّ عن كثب على رغبة جميع المواطنين البحرينيين بإقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة دولة عربية مسلمة، لتنضم إلى الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن المشار إليه أعلاه.
هذه اللمحة التاريخية أرى أنها ضرورية لأقدم بها لهذا الحديث عن الدبلوماسية البحرينية وعن تجربتي الخاصة من خلالها.
إذا قلنا إن الدبلوماسية والسياسة هما فن الممكن، فإن لهما في الذهن صورة متكاملة من حيث إنهما تتأسسان على المصداقية والموضوعية والالتزام بالحق والصدق وأمانة العهد، وحفظ الوعود، والحرص على الحوار البناء والتفاهم والتعاون والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وهذه الصورة المتكاملة هي خير ما أصف به الدبلوماسية والسياسة في مملكة البحرين التي تأسست على هذه القيم والمبادئ التي حرص على تأكيدها وتعزيزها سيدي صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه بدعم ومؤازرة ومتابعة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء حفظهم الله.
وإذا كانت هذه هي السياسة الحكيمة وذلك النهج الذي اختطته القيادة لمسيرة الوطن وشعبه العزيز، وهو ما تعمل وزارة الخارجية الموقرة على تنفيذه منذ تأسيسها، حيث تولاها سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، ومن بعده ينهض بمسؤولياتها معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة حتى هذه اللحظة، بكفاءة واقتدار تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية، فإن الدبلوماسية البحرينية نجحت بامتياز في أن تسجل حضورها الساطع في مختلف المحافل الخليجية والعربية والدولية.
وأما عن علاقتي بالدبلوماسية البحرينية، فقد تابعت خطواتها المباركة منذ سنوات طويلة، حيث تلقيت دراستي الجامعية في العلوم السياسية ومن ثم عملت في المؤسسة العامة للشباب والرياضة لسنوات عديدة إلى أن انتقلت إلى وزارة الداخلية محافظاً للعاصمة، وبعد سنوات صدر المرسوم الملكي السامي بتعييني سفيراً لدى المملكة العربية السعودية في يوليو 2011م، وإذ أعتز بهذه الثقة الملكية السامية الغالية وأتشرف بخدمة وطني من أي موقع تختاره لي القيادة، فإنني وجدت أن هذا الموقع يتوافق كثيراً مع رغباتي وتوقي الدائم إلى الخدمة العامة وهو مجال واسع للعطاء والتميز الذي آمل أن أكون قد حققت شيئاً منه بفضل التوجيهات السامية وما أحظى به من عطف ورعاية من سيدي صاحب الجلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه.
وأما عن صورة الدبلوماسية البحرينية التي هي في الذهن، فقد سعيت جهد استطاعتي إلى أن يكون عملي في سفارة مملكة البحرين لدى المملكة العربية السعودية الشقيقة سفيراً مفوضاً فوق العادة، وكذلك سفيراً مفوضاً فوق العادة غير مقيم لدى الجمهورية اليمنية الشقيقة ومندوباً لمملكة البحرين لدى منظمة التعاون الإسلامي، سعيت أن يكون هذا العمل منجزاً أعطيه من نفسي ومن جهدي كل ما أستطيع لتظل صورة مملكة البحرين مشرقة وضاءة، وتظل سياستها واضحة متميزة بالمصداقية والوضوح والعطاء وإدراك العلاقات الأخوية والوشائج الخاصة التي تربط بين البحرين وكل من السعودية واليمن ودول منظمة التعاون الإسلامي، آخذاً باعتباري عمق هذا العلاقات تاريخياً وطبيعة الجغرافيا والجوامع المشتركة بين شعوبنا كافة، فكانت الدبلوماسية الصادقة التي تقرب ولا تباعد، وتجمع ولا تفرق، وتسعى إلى الائتلاف ولا تميل إلى الخلاف، وتسمو على أي اختلاف عابر، لتظل نبراساً يحتذى به، و نموذجاً يقتدى به، على مدى الأجيال.
إن هذا التجربة الدبلوماسية قد علمتني الكثير، فقد تشرفت بلقاءات عديدة مع المغفور له بإذنه تعالى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود، ومع الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود خادم الحرمين الشريفين (مد الله في عمره)، ومع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، كما كانت لي لقاءات كثيرة، مشاركات عديدة مع معالي الأخ الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأسبق طيب الله ثراه، ومع معالي الأستاذ عادل بن أحمد الجبير وزير الدولة الحالي للشؤون الخارجية، وكلها أثرت في تجربتي الدبلوماسية والسياسية وتعلمت منها الكثير الكثير، الأمر الذي أعانني وساهم في تعزيز جهودي لإثراء العلاقات الثنائية والخليجية وتعزيزها وتنميتها، انطلاقًا من توجيهات قيادتي البلدين الحكيمتين وتوجهاتهما ورعايتهما وحرصهما على هذه العلاقات الأخوية التاريخية ذات البعد الاستراتيجي المهم.
وبعد، فإنني أختم بالقول إن الدبلوماسية والسياسة بحر زاخر، ولك أن تأخذ منه ما تشاء، وكل ما يعزز المسيرة ويضيف إلى تجربتك ويزيدك قدرة على العطاء والعمل البناء، خدمة للمليك المفدى والوطن العزيز والشعب الكريم في بحرين المحبة والوفاء.
سفير مملكة البحرين لدى المملكة العربية السعودية