الرأي

العافية والإيجابية والتسامح

إن التسامح والابتعاد عن البغض والكراهية والعداوة والتصالح مع الذات ومع الآخرين للرسو بسفينة الحياة في ميناء السلام والتعايش والصفح والسلمية والإيجابية ما هي إلا استقرار للنفس، حينها يكون الإنسان لين القلب وبعافية سليمة.

ومن يصل إلى مرحلة العفو والتسامح يجد مشاعره وتصرفاته تجاه أية إساءة أكثر وعياً ونضجاً وبشكل تلقائي تختفي الرغبة بالرد على الإساءة أو التفكير في كيفية الانتقام بذريعة رد الاعتبار، لأن السكوت والهدوء في حد ذاتهما صفاء روحي واستقرار ذهني، فيصبح القلب مليئاً بالحب والحنان واللين وهذا كله يحتاج إلى تعويد الذات ليصبح العفو والتسامح والصفح ثقافات سائدة عند الأفراد.

لقد أثبتت العديد من الدراسات أن تفاعل الأفكار في عقل الإنسان مع جسده ينتج من خلالها المشاعر والأحاسيس والعواطف سواء أكانت إيجابية أم سلبية، وأن تأثير هذه المشاعر على خلايا الإنسان كبير، والدليل أن المشاعر الإيجابية كالحب والعطف والتسامح لها القدرة على الشفاء الذاتي على عكس مشاعر الحسد والبغض والكراهية التي توصل صاحبها إلى الأمراض المزمنة وأحياناً الأمراض السرطانية، فالعلاقة كبيرة بين العفو والتسامح وصحة جسم الإنسان، فالتوتر العصبي الناتج عن الغضب وعدم الصفح يضر بأجهزة الإنسان العصبية والهضمية والعضلية، وله تأثير سلبي على جهاز المناعة ومقاومة الأمراض مما يؤدي إلى أمراض يصعب علاجها بالأدوية، كآلام العضلات والمفاصل والصداع المزمن والتعب المستمر، لأن الجسم في هذه الحالة يكون غير قادر على إصلاح الخلايا التالفة أو أن عملية إصلاحها تكون بشكل خاطئ فيتأخر العلاج وتبدأ الأمراض بالتفشي بالجسم دون وجود علاج طبي شافٍ.

إن المشاعر السلبية كالبغض والحقد لمن نعتقد أنهم ظلمونا أو تسببوا في إيذائنا تعمل على توجيه مسار طاقة الحب الإيجابية الموجودة داخلنا توجيهاً خاطئاً، فيتأثر تفكير الإنسان فلا يستطيع التركيز على اتخاذ القرارات الصائبة في حياته ويصبح تركيزه منصباً على أن هذا يكرهني! وهذا لا يحبني! لذا من المهم أن يكون لك قلب قادر على التسامح حتى تجاه عدوك، والأجمل عندما تدعو بالهداية والصلاح لأي إنسان تسبب بضررك وإهاناتك، فأنت حينها لست بضعيف ولكنك تكون قد وصلت إلى درجة من الرحمة التي وصفها الكاتب المصري الراحل مصطفى محمود بقوله «إن الرحمة أعمق من الحب وأصفى وأطهر، ففيها الحب، وفيها التضحية، وفيها إنكار الذات، وفيها التسامح، وفيها العطف، وفيها العفو، وفيها الكرم، وكلنا قادرون على الحب بحكم الجبلة البشرية، وقليل منا هم القادرون على الرحمة».

وفي كتاب التوازن المقدس للبريفيسور سوزوكي يقول «إن الذرات المكثفة التي تخرج من زفير إنسان ليعبر عن غضبه تحتوي على مواد سامة لو أنها جمعت لمدة ساعة واحدة تكفي أن تقتل 80 حيواناً من المعامل التجريبية»، هذا إلى جانب ما قالته الكاتبة المختصة بعلم الأعصاب الدكتورة Candace B. Pert في كتابها الخاص بالمساعدة الذاتيةeverything you need to know to feel good والذي تشرح فيه أثر العاطفة السلبية على الجسم وما يسببه من خلل في توازن كهروكيميائية الجسم مما يؤدي إلى تأثير كبير خارجي وداخلي مرتبط بالعواطف والمشاعر، فتولد طاقات تبعث من الجسم تجذب إليه نوعية الظروف والمواقف والأشخاص والصحة والإنسان عن طريق ذبذبات طاقة يرسلها لمن حوله وليستقبل منهم أيضاً.

كل إنسان يعاني من الإجهاد والضغوط والمشاكل بسبب ما يوجد حوله من ظروف وعوامل خارجية، ولكن هنا يأتي دورنا في إدارة العافية بممارسة الحب الحقيقي وبالإرادة الواعية لفن التسامح، وأن يكون حبنا لذاتنا ولمن حولنا طريقة حياة فعلية لتولد بداخلنا طاقة إيجابية ونشاطاً مستمراً.

ومن المهم هنا التطرق إلى مرحلة الطفولة والمواقف التي يمر بها الطفل منذ صغره والتي يتم قراءتها من قبل العقل وترسخ بداخله حتى يكبر، وأن الأفكار السلبية التي يتم تغذية الطفل بها أيضاً منذ الصغر تنتج عنها مشاعر سلبية تبنى عليها افتراضات وعبارات غير واعية ترسخ وتكبر معه مثل لا أحد يحبك! إنك تحتاج أن تحارب وتأخذ حقك بيدك حتى تنجح في حياتك! لا تسكت حتى لا تكن ضعيف الشخصية!

أيها الآباء والأمهات انتبهوا لأبنائكم فأنتم بهذه الطريقة لا تعززون قوتهم بل تجنون على عافية روحهم وبراءة أفكارهم، وإياكم والخلط بين خلافاتكم، اتركوا لهم طفولتهم تكبر بحب، وإن كان هناك خلاف بينكم وبين الكبار اتركوه بين الكبار، واملؤوا قلوبهم الصغيرة بالحب الكبير، واشحنوها بثقافة التسامح والطاقة الإيجابية، وليكن بناء أسركم قائم على أسس متينة من المحبة والصفح، فمتى ما نشؤوا عليها اتخذوها نهجاً في حياتهم المستقبلية، سواء بالمدارس أو الجامعات أو مواقع عملهم، فاعملوا أنتم وأبناؤكم يداً بيد من أجل أن يعم الحب والتسامح والتعايش في مجتمعاتكم.