مما لا شك فيه أن المهن اليدوية والتخصصية والعملية التي تتطلب تدريباً ومهارات خاصة في مملكة البحرين أضحت غالبيتها حكراً على العمالة الأجنبية. فالبحرينيون قليل ما يكتسبون مثل هذه المهارات الخاصة لا لعدم رغبة منهم في تعلمها، لكن لأن المعاهد والجامعات المختصة بالتدريب المهني عندنا لم تعد تهتم لهذا الأمر إلا في حدود التدريب الخاص بالشركات إذا طلبت الأخيرة ذلك.

وفق هذه الرؤية وفي تصريح صحافي في غاية الأهمية أكد رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين السيد سمير عبدالله ناس ‬«إن‭ ‬مهناً‭ ‬مثل مشغل‭ ‬رافعة» ‬يصل‭ ‬أجر‭ ‬العامل‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬ألفي‭ ‬دينار‭ ‬شهرياً‭ ‬وعامل‭ ‬صباغة‭ ‬للسفن‭ ‬بنحو‭ ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬شهرياً‭ ‬باتت‭ ‬حكراً‭ ‬على‭ ‬الأجانب‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬بحرينيين‭ ‬مدربين‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المهن،‭ ‬وليس‭ ‬لعدم‭ ‬رغبة‭ ‬البحرينيين‭ ‬العمل‭ ‬فيها. إن‭ ‬البحرينيين‭ ‬سيقبلون‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬المجزية‭ ‬هذا ‬في‭ ‬حال‭ ‬عرفوا‭ ‬بوجودها‭ ‬وحصلوا‭ ‬على‭ ‬التدريب‭ ‬المناسب،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬مراكز‭ ‬أو‭ ‬معاهد‭ ‬تدريب‭ ‬مهنية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تدريب‭ ‬هذه‭ ‬التخصصات».

بالأمس كان «معهد البحرين للتدريب» وقت كان تابعاً لوزارة العمل منارة ومقصداً لآلاف الشباب البحريني لأجل تعلم الكثير من المهن الحرفية والتدريب عليها بطريقة عملية ومثالية، وكان المعهد يزود قطاع المقاولات الكبيرة بأمهر الحرفيين البحرينيين، أمَّا اليوم وبعد انتقال إدارة المعهد لوزارة التربية والتعليم أُهمِل بشكل لافت حتى قُلِّصت مستويات التعليم والتدريب فيه لحدوده الدنيا، فقامت الوزارة في الأعوام الأخيرة بتدوير المعلمين بطريقة عشوائية وإهمال ترقيتهم أو حتى تثبيتهم بالكادر المطلوب وعدم طرح برامج متطورة وعملية في مجالات شتى من أهمها قطاع المقولات والمهن المختصة به، حتى رأينا مؤخراً أن المعهد بدأ يتخلَّف حسب الكثيرين في هذا المجال، فأصبح أقل براعة وعطاء من أي معهد عادي مع الأسف الشديد.

نحن نطالب بعودة معهد البحرين للتدريب لمكانته القديمة المرموقة والطبيعية التي خرَّجَتْ فصوله نخبة من الحرفيين البحرينيين في كافة المهن الصعبة، واستفادت منهم كُبريات شركات البحرين على الصعيد المهني والعملي، واليوم بعضهم صار يترأس أقساماً مهمة في تلكم الشركات بفضل عطاء المعهد الذي انحسر دوره في الآونة الأخيرة وعجزه التام في أن يكون منارة للحرفيين من أبناء الوطن.

يجب تصحيح أوضاع المعهد من جديد بدل الأصوات التي تطالب بإغلاقه وأن تُعاد البرامج المعطَّلة من طرف الوزارة، كالبرامج الحرفية و«الفيرست دبلوما» والبكالوريوس التطبيقية. فالمعهد مازال يضم نخبة قوية من المدربين والمعلمين يجب وضعهم في المسار الصحيح والاهتمام بتصحيح أوضاعهم حتى يمكن أن يعطوا المزيد من جهدهم وخبراتهم للبحرينيين من الطلبة، كما أن خلو المعهد من البرامج الحرفية المميزة التي يتطلبها سوق العمل المهني جعل الشباب «المتخرج» من الثانوية العامة لا يغريه دخول هذا المعهد الذي يحتاج لإعادة صياغة من «جد وجديد». فهل يتحمل معهد البحرين للتدريب مسؤولية خلو السوق من الأيدي المدرَّبة والعاملة؟ أم أن عزوف الطلبة عن دخوله وتوجههم للدراسات الأكاديمية أضعف المعهد؟