قصة - جابر خمدن:
عندما دخلت دكان الأدوات الصحية، كنت عاقداً العزم على أن أشتريَ مضخة صغيرة، أضعها في الحديقة. بعد أن أصبح الماء بحاجة إلى ما يشفطه داخل الأنابيب، وذلك لكثرة الضغط على الماسورة الرئيسية والتي تغذي الحيَّ بالكامل.
أخذ البائع المحنك يريني عدَّة أنواع من المضخات، ويبيعني الكلمات المغلفة بالبريق، وهو المتمرِّس بها:
- هذه مضخة صينية رخيصة الثمن لكنها تعمل كالحمار.
قالها وهو يرفع المضخة بيديه ليريني شكلها. ثم أخذ بالإشارة إلى كلِّ واحدة من المضخات المصفوفة على الرفِّ الخشبي.
- وهذه صناعة ألمانية، سعرها ضعف الأولى.
وأراني علامتها التجارية وبلد المنشأ.
ثم أشار إلى أخرى بجانبها وقال:
- هذه هندية الصنع لكنها متوسطة السعر، أكثر من الأولى وأقلُّ من الثانية.
أخيرا رفع المضخة الأخيرة الزرقاء وأخذ يمسح عليها:
- أمَّا هذه فمصنوعة في إيطاليا يدوياً وهي الأغلى.
الحقيقة أن كلامه وضعني في حيرة. أنا أفهم أن تكون الصينية أرخصها والهندية أغلى منها بقليل، لكن أن تكون الإيطالية أغلى من الألمانية، فهذه لا تصدَّق. المعروف عن الصناعة الألمانية أنها رديفة الجودة.
المهم أنَّ الشيطان بدأ يوسوس لي "هذه أكاذيب الباعة وملح تجارتهم". ويبدو أنَّ البائع الحاذق قرأ أفكاري، فالتفت إليَّ وخاطبني بثقة:
- أعلم أنك غير مصدق لكلامي.
- لا.. ليس الأمر كذلك.
- بلى.. هو كذلك، لست أنت الوحيد، فلقد تحير غيرك من قبل، لكني سأكشف لك عن السر.
ذهلت من حديثه. أخذت أفكر أيُّ سِرٍّ هذا؟ ربما هي فذلكة تاجر. لكني قررت أن أسايره:
- هات ماعندك، هيا، أخبرني كيف تكون الإيطالية أغلى من الألمانية؟
توجَّه البائع نحو الرف، وحمل المضخة الزرقاء، وتقدم بها، وأراني ملصقا صغيرا من الألمنيوم عليه كتابة بالإنجليزية والعربية. كانت حروف الكلمات صغيرة. أخرجت نظارتي لأقرأها. عندها قرأت "صنعت يدويا وبالحب في فيرونا".
تجمد المشهد، وكأني لست مشترياً جاء ذات صباح ليبتاع مضخة. لا أدري، لقد انتزعني اسم المدينة من مكاني داخل الدكان ورماني على الضفة القريبة لنهر أديجي في شمال إيطاليا، حيث تقع مدينة فيرونا بين البندقية وميلانو. هناك كان التأريخ يفترش الذكريات، مسرح أحداث رائعة شكسبير "روميو وجولييت".
يا له من صباح متألِّق هذا اليوم، أن أذهب لشراء مضخة، فأرجع إلى بيتي حاملا مدينة تنبض بالحب، وقد تحولت إلى كرتونة صغيرة بداخلها سبعة أرطال من الحديد، يعمل بالكهرباء، يضخ لي ماء مشبعا بالحب، فيه عبق من تلك المدينة.
أخذت العبارات تَرنُّ في مسمعي "صنع يدويا وبالحب في فيرونا". تخيلت المصنع مثل مستودع من القرن التاسع عشر يطل على النهر، فيه عمال مجدُّون يجمعون قطع المضخة الحديدية ويركبونها إلى بعضها البعض، تمتزج حبات عرقهم مع المكونات. تلمس أناملهم الخشنة سطح الحديد، تتسرب إليه ذرَّات حب. في النهاية، تصبح كل مضخة، تحفة يدوية مضمخة بعرق العمال وعطر فيرونا مدينتهم.
يحق لهم بعد ذلك أن يفخروا بأن مدينتهم تنتج هذه المضخة الصغيرة والغالية في السعر، والمصنعة يدويا بأيد عاشقة.
عندما دخلت دكان الأدوات الصحية، كنت عاقداً العزم على أن أشتريَ مضخة صغيرة، أضعها في الحديقة. بعد أن أصبح الماء بحاجة إلى ما يشفطه داخل الأنابيب، وذلك لكثرة الضغط على الماسورة الرئيسية والتي تغذي الحيَّ بالكامل.
أخذ البائع المحنك يريني عدَّة أنواع من المضخات، ويبيعني الكلمات المغلفة بالبريق، وهو المتمرِّس بها:
- هذه مضخة صينية رخيصة الثمن لكنها تعمل كالحمار.
قالها وهو يرفع المضخة بيديه ليريني شكلها. ثم أخذ بالإشارة إلى كلِّ واحدة من المضخات المصفوفة على الرفِّ الخشبي.
- وهذه صناعة ألمانية، سعرها ضعف الأولى.
وأراني علامتها التجارية وبلد المنشأ.
ثم أشار إلى أخرى بجانبها وقال:
- هذه هندية الصنع لكنها متوسطة السعر، أكثر من الأولى وأقلُّ من الثانية.
أخيرا رفع المضخة الأخيرة الزرقاء وأخذ يمسح عليها:
- أمَّا هذه فمصنوعة في إيطاليا يدوياً وهي الأغلى.
الحقيقة أن كلامه وضعني في حيرة. أنا أفهم أن تكون الصينية أرخصها والهندية أغلى منها بقليل، لكن أن تكون الإيطالية أغلى من الألمانية، فهذه لا تصدَّق. المعروف عن الصناعة الألمانية أنها رديفة الجودة.
المهم أنَّ الشيطان بدأ يوسوس لي "هذه أكاذيب الباعة وملح تجارتهم". ويبدو أنَّ البائع الحاذق قرأ أفكاري، فالتفت إليَّ وخاطبني بثقة:
- أعلم أنك غير مصدق لكلامي.
- لا.. ليس الأمر كذلك.
- بلى.. هو كذلك، لست أنت الوحيد، فلقد تحير غيرك من قبل، لكني سأكشف لك عن السر.
ذهلت من حديثه. أخذت أفكر أيُّ سِرٍّ هذا؟ ربما هي فذلكة تاجر. لكني قررت أن أسايره:
- هات ماعندك، هيا، أخبرني كيف تكون الإيطالية أغلى من الألمانية؟
توجَّه البائع نحو الرف، وحمل المضخة الزرقاء، وتقدم بها، وأراني ملصقا صغيرا من الألمنيوم عليه كتابة بالإنجليزية والعربية. كانت حروف الكلمات صغيرة. أخرجت نظارتي لأقرأها. عندها قرأت "صنعت يدويا وبالحب في فيرونا".
تجمد المشهد، وكأني لست مشترياً جاء ذات صباح ليبتاع مضخة. لا أدري، لقد انتزعني اسم المدينة من مكاني داخل الدكان ورماني على الضفة القريبة لنهر أديجي في شمال إيطاليا، حيث تقع مدينة فيرونا بين البندقية وميلانو. هناك كان التأريخ يفترش الذكريات، مسرح أحداث رائعة شكسبير "روميو وجولييت".
يا له من صباح متألِّق هذا اليوم، أن أذهب لشراء مضخة، فأرجع إلى بيتي حاملا مدينة تنبض بالحب، وقد تحولت إلى كرتونة صغيرة بداخلها سبعة أرطال من الحديد، يعمل بالكهرباء، يضخ لي ماء مشبعا بالحب، فيه عبق من تلك المدينة.
أخذت العبارات تَرنُّ في مسمعي "صنع يدويا وبالحب في فيرونا". تخيلت المصنع مثل مستودع من القرن التاسع عشر يطل على النهر، فيه عمال مجدُّون يجمعون قطع المضخة الحديدية ويركبونها إلى بعضها البعض، تمتزج حبات عرقهم مع المكونات. تلمس أناملهم الخشنة سطح الحديد، تتسرب إليه ذرَّات حب. في النهاية، تصبح كل مضخة، تحفة يدوية مضمخة بعرق العمال وعطر فيرونا مدينتهم.
يحق لهم بعد ذلك أن يفخروا بأن مدينتهم تنتج هذه المضخة الصغيرة والغالية في السعر، والمصنعة يدويا بأيد عاشقة.