قد يتبادر إلى أذهاننا حين نعيد قراءة الروايات العربية التي تجلت في بداية ومنتصف القرن العشرين، أننا كنا أصحاب ذائقة «بسيطة» قنعت بالقليل واندهشت بالمتاح الآني من الإبداع. فلربما نعيد قراءة ثلاثية نجيب محفوظ فنرى أنها روايات طويلة ومزدحمة وتكتظ بالتفاصيل الدقيقة عن شخصيات كثيرة ولدت وكبرت وتزوجت ثم ماتت في ظروف حياة طبيعية من السعادة والبؤس والنعيم والحرمان. وربما نعيد قراءة قصص وروايات إحسان عبدالقدوس فنجدها روايات تستدر العاطفة لشخصيات مأزومة تبحث عن الحب والاتزان في ظل ظروف أكثر ما يقال عنها أنها «مترفة»، مقارنة بأزمات شخصيات نجيب محفوظ. ولربما عدنا لقراءة روايات وقصص يوسف إدريس فنجدها روايات «شخصنة»، تلتقط شخصيات من الشوارع ومن الأحياء، ثم تسلط الضوء عليها لتبين كيف أثرت المعطيات الاجتماعية في التركيبة النفسية للشخصيات وفي رؤيتها لنفسها وللحياة.
لم يكن هذا هو شعورنا الأول ونحن نقرأ تلك الروايات التي صنعت وعينا الحالي، وذائقتنا الفنية. كنا مأخوذين بالدقة البديعة عند أولئك الكتاب في اقتناص التفاصيل المؤثرة. وكنا مستمتعين بالوصف الدقيق للمكان وللشكل الخارجي للشخصيات وبعمق البوح الصامت الذي تعبر فيه عن نفسها وتفسر فيه سلوكها. ما الذي تغير عند بعضنا ليغير إعجابه بتلك الروايات والقصص؟
وحين نعيد النظر في بعض الأحداث التاريخية والسياسية التي عشناها، وتحمسنا لاتجاه معين سارت فيه، قد نرى، وقد تغيرت آراؤنا وأمزجتنا، أن الشخصيات الفاعلة كانت مخطئة ومحدودة النظر والفهم. وبعد أن كنا مشجعين لما قامت به.
وفي الواقع إن تلك الروايات والقصص ليست بسيطة وساذجة كما سنحكم عليها اليوم. لقد كانت تمثل جماليات زمنها وسماته الثقافية والاجتماعية. ونحن كنا على أثر من تلك السمات فتبنينا جمالياتها. ثم حين تغيرت الاتجاهات الجمالية وتعرفنا على أساليب جديدة تطورت ذائقتنا وتغيرت آراؤنا. وما قامت به الشخصيات في زمنها كان محكوماً بممكنات معرفتها ومحدوداً بالإطار الجغرافي والسياسي آنذاك. ونحن بعد أن غادرنا ذك الزمن وامتلكنا من المعلومات ما لم يكن متاحاً، وفهمنا من القيم ما كان غائباً عنا غيرنا أحكامنا.
الزمن ثابت ونحن المتغير بوعينا ومعارفنا ومجسات مداركنا. وهذا لا يعني فقط أننا صرنا أقدر على تقديم وجهة نظر أكثر نضجاً في مختلف القضايا. بل يعني.. وهكذا ينبغي.. أن بإمكاننا تقديم «فعل» أفضل من غيرنا السابقين. فهل هذا واقع ما يحدث؟ أحكامنا تتغير وتتطور، فهل يتطور ما نقدمه وما نصنعه؟ أم إننا على مستوى الفعل محكومون كمن سبقونا بأطر المتاح في ظرفنا التاريخي والزمني من الرؤية ومن الأساليب والأدوات؟
لم يكن هذا هو شعورنا الأول ونحن نقرأ تلك الروايات التي صنعت وعينا الحالي، وذائقتنا الفنية. كنا مأخوذين بالدقة البديعة عند أولئك الكتاب في اقتناص التفاصيل المؤثرة. وكنا مستمتعين بالوصف الدقيق للمكان وللشكل الخارجي للشخصيات وبعمق البوح الصامت الذي تعبر فيه عن نفسها وتفسر فيه سلوكها. ما الذي تغير عند بعضنا ليغير إعجابه بتلك الروايات والقصص؟
وحين نعيد النظر في بعض الأحداث التاريخية والسياسية التي عشناها، وتحمسنا لاتجاه معين سارت فيه، قد نرى، وقد تغيرت آراؤنا وأمزجتنا، أن الشخصيات الفاعلة كانت مخطئة ومحدودة النظر والفهم. وبعد أن كنا مشجعين لما قامت به.
وفي الواقع إن تلك الروايات والقصص ليست بسيطة وساذجة كما سنحكم عليها اليوم. لقد كانت تمثل جماليات زمنها وسماته الثقافية والاجتماعية. ونحن كنا على أثر من تلك السمات فتبنينا جمالياتها. ثم حين تغيرت الاتجاهات الجمالية وتعرفنا على أساليب جديدة تطورت ذائقتنا وتغيرت آراؤنا. وما قامت به الشخصيات في زمنها كان محكوماً بممكنات معرفتها ومحدوداً بالإطار الجغرافي والسياسي آنذاك. ونحن بعد أن غادرنا ذك الزمن وامتلكنا من المعلومات ما لم يكن متاحاً، وفهمنا من القيم ما كان غائباً عنا غيرنا أحكامنا.
الزمن ثابت ونحن المتغير بوعينا ومعارفنا ومجسات مداركنا. وهذا لا يعني فقط أننا صرنا أقدر على تقديم وجهة نظر أكثر نضجاً في مختلف القضايا. بل يعني.. وهكذا ينبغي.. أن بإمكاننا تقديم «فعل» أفضل من غيرنا السابقين. فهل هذا واقع ما يحدث؟ أحكامنا تتغير وتتطور، فهل يتطور ما نقدمه وما نصنعه؟ أم إننا على مستوى الفعل محكومون كمن سبقونا بأطر المتاح في ظرفنا التاريخي والزمني من الرؤية ومن الأساليب والأدوات؟