سماهر سيف اليزل
يعتبر التبرع بالأعضاء بمثابة "منح للحياة" أو "ولادة جديدة"، تعلق عليه آمال الكثير من المرضى وذويهم، ولكن ضعف ثقافة التبرع بالأعضاء في البحرين تؤدي إلى وفاة العشرات وقد يكون المئات، فهناك أعداد من المرضى يعانون وهم ينتظرون فرصة الحصول على متبرع، ويحتاجون إلى من يعيد لهم الابتسامة والأمل في العودة إلى الحياة الطبيعية بكامل صحتهم، بعد أن هلكت أجسادهم العقاقير والأجهزة الطبية، وبعد أن أنهك ذووهم من الصرف، ومن الانتظار والقلق والترقب.
ولكن هناك تناقضاً بين الرأي المجتمعي وثقافة التبرع من أجل إنقاذ مريض مجهول، ففكرة أخذ جزء من الجسد وزرعها في جسد شخص آخر مستنكرة لدى الأغلبية، في حين أن هناك حراكاً شبابياً تجاه هذه الثقافة في الآونة الأخيرة مع التطور الثقافي الذي ساد دول الخليج عموماً والبحرين تحديداً، وهناك إحصائية صدرت من وكالة البحرين لسنة 2017 أظهرت أن هناك 1334 مصاباً بالفشل الكلوي في البحرين، وأن عدد الأسرة المتوفرة بمركز السلمانية الطبي 25 سريراً تحت رعاية 41 طبيباً، ويكلف المريض الواحد 23 ألف دينار بحريني سنوياً، وبالتأكيد هناك ازدياد في هذه الأرقام حتى هذا العام، فهل سيكون هناك حراك توعوي لرفع الثقافة المجتمعية بأهمية التبرع بالأعضاء..! أم ستظل البحرين في قوقعتها المستنكرة لهذه الثقافة..!
ومفهوم نقل الأعضاء أو التبرع يتم بأخذ عضو سليم بأكمله من المتبرع للمريض، ولكن هذا فقط في حالة كونه عضواً ثنائياً يمكن الاستعاضة بغيره مثل "الكلى" أو إذا كان عضواً يمكن له النمو مجدداً مثل "الكبد"، ورغم المنفعة الكبيرة التي تحققها هذه التبرعات ونجاح أغلبها، إلا أنها لا تخلو من بعض الآثار الجانبية، فالضرر موجود ومحتمل بالنسبة للمتبرع الحي، ويرجح أن يكون ذلك هو سبب ابتعاد الغالبية عن القيام بهكذا خطوة.
أما التبرع بالأعضاء بعد الموت أو الإيصاء بذلك فهو أمر مختلف، وهو يتم بشروط معينة منها أن يكون بالغاً وكامل الأهلية، ويجب ألا يقل عمر المتبرع عن 21 سنة، كما يتوجب إحضار عدد 2 من الشهود للتوقيع على استمارة التسجيل، ويكون مكان التسجيل في مركز المؤيد لأمراض الكلى في مجمع السلمانيه الطبي، وللمتبرع الحق في اختيار الأعضاء التي يرغب بالتبرع بها بعد وفاته وذلك عن طريق تحديدها في استمارة التسجيل.
ومن أسباب غياب ثقافة التبرع بعد الوفاة في دول الخليج وفي البحرين هو تعظيمهم لحرمة الجسد الميت، بحيث لا يسمح بالمساس به، كما أن هناك اعتقاداً سائداً بأن الشريعة الإسلامية لا تسمح ولا تحلل للشخص الإقدام بهذا الفعل كون الجسد ليس ملكه بل هو ملك الخالق. إلا أنه في الحقيقة ليس كذلك إطلاقاً، فهو بمثابة صدقة جارية في ديننا الحنيف وهو مشروع وحلال في مختلف الأديان "الإسلام، والمسيحية واليهودية".
ولقد تم إبرام اتفاقية بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية للتعاون فيما بينهما، والعمل معاً لتأمين احتياجات المواطنين البحرينيين فيما يختص بزراعة الأعضاء.
وأكد الحقوقي خالد إبراهيم أن بحث تخرجه كان عن التبرع بالأعضاء، مما جعله يتشعب ويتوسع في موضوع التبرع بالأعضاء من جميع النواحي، وهذا بين له أهمية وعظم عملية التبرع، حيث إننا كلنا مصيرنا الموت، فما هو الأولى أن تموت وتحيي غيرك وتموت و"يأكلك الدود"، فبعد الموت لن يستفيد الشخص من أعضائه في حين أنه إذا قمت بالتوقيع على استمارة التبرع بالأعضاء ستفيد عدداً من الأحياء غيرك. وأضاف: "التبرع بالأعضاء لا يقتصر على الأموات بل هو للأحياء أيضاً حيث يمكن للفرد التبرع بدمه بين الفترة والأخرى وينقذ من خلالها أعداداً كبيرة من الأشخاص، وهي صدقة للنفس وتعزز قيمة التكافل الاجتماعي، وأنا من مؤيدي هذا الشيء، ولكني أرى أن هذه الثقافة غير منتشرة بين أفراد المجتمع البحرين ويعود هذا لغياب الجانب التوعوي، فالكثيرون يعتقدون أن هذا الأحمر حرام شرعاً، وهناك من يجهلون وجود مركز للتبرع بالأعضاء من الأساس".
وأضاف: "أرى من وجهة نظري أنه ليس هناك ضرورة لفتح مراكز خاصة من أجل التبرع بالأعضاء، والاكتفاء بالمراكز الحكومية العامة، لأن هذه المراكز سيكون هدفها ربحياً، وسيتيح لجشع الأطباء للدخول في الأمر، ونحن نريد تعزيز الجانب الإنساني منه والتأكيد على أنه أمر يتيح فرصاً كثيرة لإعادة الحياة من شخص متوفى إلى شخص مريض".
من جهتها تقول منيرة مبارك: "عملية التبرع بالأعضاء شيء جليل، به خدمة كبيرة للبشرية والإنسانية، هي موجودة لدى الغرب بشكل واسع، لكنها مجهولة في مجتمعاتنا العربية والخليجية، رغم ما ثبت أنها لا تخالف الشريعة، والكثير لا يعترف بأنها خدمة إنسانية تمنح الحياة الأفضل للمرضى".
أما تمني عزالدين فتقول: "إنها تؤيد عملية التبرع بجميع أشكالها سواء بحياة الفرد أو بعد مماته، وهو عمل بمثابة صدقة جارية ستظل لي في حياتي وبعد موتي، وأنا أحافظ على التبرع بالدم بشكل دوري، كمل قد قمت بملء استمارة التبرع من مركز الكلى التابع لمجمع السلمانية رغم ممانعة ذوي في بداية الأمر إلا أنني سعيت جاهدة لإيضاح الجانب الإيجابي من هذه العملية وعظم الأجر الذي سيكون منها".
ويقول أحمد سيف: "أعتقد وبلا شك أن التبرع بالأعضاء هو أمر إنساني، قد ينقذ عدة أرواح وحياوات، وأنا أرى أنه سيكون كولادة جديدة لي في حال موتي وزرع أعضائي في أجساد أشخاص أحياء، ويبقي أثري بعد غيابي".
وتوافقه فاطمة راشد وتقول: "بقاء جزء حي مني في جسم إنسان آخر يجعلني أشعر أنني قد ساهمت في إنقاذ روح أخرى قد عانت كثيراً، وهو أمر يدعو للفخر، ولا أعتقد أن الدين الإسلامي قد حرم شيئاً كهذا، بل إنه اعتبرها صدقة جارية لروح الشخص المتبرع، ذلك بالإضافة إلى أنها عمل إنساني عظيم".
في حين رفضت لبنى إبراهيم هذا الأمر قائلة: "لا أتخيل أن تدفن جثتي ناقصة الأعضاء أو مشوهه بفعل عمليات الاستئصال، كما أن الجسد البشري ليس ملكاً لنا بل هو ملك للخالق ويجب أن يعود الشخص لقبره كاملاً كما أكمل الله خلقة وتصويرة".
ووافقها يوسف محمد بالقول: "حول الكثير مفهوم التبرع الإنساني إلى عملية بشعة من خلال الاتجار بالبشر، وشهد العالم العربي قصصاً ومآسي كثيرة بسبب هذا المفهوم واستخدموه في عمليات خطف الأطفال ، وأستغلو المعاناة الإنسانية والوضع المادي السيئ لأغلب الأسر والأفراد من أجل الحصول على أعضائهم وبيعها، وهو يجعل الشخص يتخوف من الإقدام على مثل هذه الأمور، فمن الممكن أن يتعمد الأطباء غير الشرفاء استغلاله بصورة مادية لا تمت للإنسانية بصلة، لذلك أن أرفض انتشار هذه الثقافة.
الرأي الشرعي
ويقول الشيخ عبدالله بن سالم المناعي خطيب جامع الخالد في المنامة المتبرع بالعضو مأجور وأن قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي أجازوا التبرع بالأعضاء، لكن بأخذ موافقة الشخص أو المتبرع قبل وفاته، بشرط أن يكون ذلك بعيداً عن التجارة والبيع، لما نسمع عنه في الآونة الأخيرة عن مثل هذه الأشياء، ولا أعتقد أن هذا يتنافى مع حرمة الميت إطلاقاً، وصاحب العضو المتبرع مأجور، وإذا كان هناك من يتكلم عن حرمة الميت فما يحصل في الكليات الطبية من تشريح الأعضاء والدراسة عليها فهو من باب الفائدة وهي جائزة بطبيعة الحال ولم يسبق أن سمعت من حرمها.
ويجوز التبرع بالأعضاء بعد الموت، بثلاثة شروط: 1- أن تكون الأعضاء مما لا تأثير لها على الأنساب والموروثات والشخصية العامة، كالخصية والمبيض وخلايا الجهاز العصبي، كما نص على ذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي.2- أن يكون المتبرع كامل الأهلية أي بالغاً عاقلاً راشداً.وفي الموسوعة الفقهية (42/ 122): (اشترط الفقهاء في الواهب أن يكون من أهل التبرع وذلك بأن يكون عاقلاً بالغاً رشيداً).وفيها (34/ 234): (ويشترط في الموصي ما يأتي: أولاً: أن يكون أهلاً للتبرع).3- أن يكون المتبرّع له معصوم الدم، أي مسلم أو كافر مسالم ، وأما الكافر الحربي فلا يجوز التبرع له لأنه مهدر الدم في الشريعة.
وأضاف أن الدليل على جواز التبرع للكافر المسالم: أن التبرع من باب الصدقة والإحسان، وذلك جائز على الكافر غير المحارب، وقد روى البخاري (2620) ومسلم (1003) عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قلت وهي راغبة أفأصل أمّي قال: (نعم صلي أمك). ورواه البخاري أيضا (3183) بلفظ: " قالت قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومدتهم، مع أبيها، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقالت يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها قال: "نعم صليها". وقال ابن قدامة رحمه الله: "وكل من حرم صدقة الفرض من الأغنياء وقرابة المتصدق والكافر وغيرهم، يجوز دفع صدقة التطوع إليهم، ولهم أخذها، قال الله تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً". ولم يكن الأسير يومئذ إلا كافراً، إذاً جواز التبرع بالأعضاء وفق الشروط العامة التي لابد من اعتبارها في نقل أي عضو من الأعضاء لكافة الناس. وبالشروط وفق الفقه الإسلامي: ألا يكون النقل بطريق تمتهن فيه كرامة الإنسان؛ كالبيع، وإنما تكون بطريق الإذن والتبرع، وأن يكون المنقول لـه معصوم الدم، فهو الذي أوجب الشرع حفظ نفسه، بخلاف مهدر الدم كالحربي.وعليه: فإذا كان المسلم في بلد غير محارب للمسلمين: فلا حرج أن يتبرع بأعضائه بعد الوفاة، بحيث ينتفع بها المسلمون وغيرهم. وله على ذلك ثواب الإحسان إلى الناس، سواء كان المتبرع له مسلما أو كافراً مسالماً، كما في قوله تعالى: "وأحسن كما أحسن الله إليك" (القصص - 77).
وأوضح أنه إذا كان في بلد محارب، فليس له أن يتبرع بأعضائه إلا للمسلمين، هناك فتوى صريحة تبيح التبرع بالأعضاء صدرت عام 1982 من كبار العلماء، وهناك أسماء لشخصيات كبيرة ومعروفة قدمت ورقة تبرعها بأعضائها عن قناعة ولاتزال هناك أسماء تنوي التبرع ولهم الأجر بإذن الله. وقد اختلف الفقهاء والعلماء في مختلف أنحاء العالم حول شرعية التبرع بالأعضاء، الأغلب منهم من حلله وقليلاً منهم من حرمه فالمؤيدون بجواز التبرع بالأعضاء لإنقاذ نفس من الموت ليبقى يعيش في الحياه وهناك من ينتظر من ينقذ حياته حتى ولو كلفه ذلك كل ما يملك، لكن ورغم ذلك نجد أن التبرع بالأعضاء انتشر في المجتمع العربي في الفترة الأخيرة بشكل لافت، فمثلاً هنالك ما بين مريض القلب ومريض البنكرياس ومريض الكلى وغير ذلك، مازالوا على قائمة الانتظار ينتظرون من يفرج عنهم كربتهم مع أصحاب الفشل العضوي وما يتكبدونه من مشاق وما تعانيه أسرهم، والأكثر إيلاماً هو عدم تمكن الكادر الطبي من إنقاذ حياتهم ما لم يتوفر متبرع بالأعضاء، لذلك وجدت مع أشخاص آخرين لديهم حس إنساني واع، وجوب توعية المجتمع ورفع عدد المتبرعين، وذلك من خلال التوعية وتصحيح مفاهيم المجتمع، وأتمنى أن يكون هناك استنفار للعمل التطوعي لتنشيط مفهوم التبرع بالأعضاء مع أهمية تصحيح المفاهيم الخاطئة، وذلك بوجود وعي مسبق لأهمية التبرع عن طريق التواصل الاجتماعي والثقافي والإعلامي.
وأشار إلى أما العضو الذي لم يكن في نقله ضرر على صاحبه المنقول منه، وتحققت المصلحة والنفع فيه للمنقول إليه، واضطراره له، فلا حرج -إن شاء الله تعالى- في التبرع به في هذه الحالة، بل هو من باب تفريج الكرب، والإحسان، والتعاون على الخير والبر. كما نقل من المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في بيانه، وأما في الصورة الثانية: وهي التبرع بالعضو على أن ينقل بعد الموت، فالراجح في الفقه الاسلامي جوازه. لما فيه من المصالح الكثيرة التي راعتها الشريعة الإسلامية، وقد ثبت أن مصالح الأحياء مقدمة على مصلحة المحافظة على حرمة الأموات. وهنا تمثلت مصالح الأحياء في نقل الأعضاء من الأموات إلى المرضى المحتاجين الذين تتوقف عليها حياتهم، أو شفاؤهم من الأمراض المستعصية، مع العلم بأن في المسألة أقوالاً أخرى، ولكنا رجحنا هذا الرأي لما رأينا فيه من التماشي مع مقاصد الشريعة التي منها التيسير، ورفع الحرج، ومراعاة المصالح العامة، وارتكاب الأخف من المفاسد، واعتبار العليا من المصالح. والتبرع بما ذكر في الحالتين مشروط بأن يكون المتبرّع له معصوم الدم، أي أن يكون مسلماً أو ذمياً، بخلاف الكافر المحارب.
الرأي القانوني
ويقول المحامي علي القطاف: أجاز المشرع البحريني عمليات استئصال الأعضاء سواء كان من إنسان حي أو متوفى لزرعها في جسد إنسان آخر بقصد العلاج، ويجوز للأشخاص التبرع بأعضائهم بعد أن تتم إحاطتهم بجميع النتائج الصحية المؤكدة والمحتملة التي يرتبها استئصال العضو من المتبرع إلا أن المشرع حظر بيع وشراء أعضاء جسم الإنسان بأي وسيلة، وعلى الطبيب عدم إجراء هذه العملية في حال علمه وفي حالة المخالفة تتم المعاقبة بالحبس والغرامة التي لا تزيد عن ثلاثة آلاف دينار بحريني أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتتضاعف العقوبة في حالة العود خلال سنتين من تاريخ الحكم النهائي في الجريمة الأولى ويشترط أن يكون المتبرع كامل الأهلية قانونياً وأن يكون التبرع بموجب إقرار كتابي موقع عليه من المتبرع ويشهد عليه شاهدان كاملاً الأهلية، وفي حالة نقل الأعضاء من جثة متوفى بشرط ألا يكون قد أوصى في حياته بعدم استئصال أي عضو من جسمه وذلك بإقرار كتابي يشهد عليه شاهدان، كما يجب أخذ موافقة أقرب الأشخاص إلى المتوفى إليه ويجب أن تصدر الموافقة بإقرار كتابي.
يعتبر التبرع بالأعضاء بمثابة "منح للحياة" أو "ولادة جديدة"، تعلق عليه آمال الكثير من المرضى وذويهم، ولكن ضعف ثقافة التبرع بالأعضاء في البحرين تؤدي إلى وفاة العشرات وقد يكون المئات، فهناك أعداد من المرضى يعانون وهم ينتظرون فرصة الحصول على متبرع، ويحتاجون إلى من يعيد لهم الابتسامة والأمل في العودة إلى الحياة الطبيعية بكامل صحتهم، بعد أن هلكت أجسادهم العقاقير والأجهزة الطبية، وبعد أن أنهك ذووهم من الصرف، ومن الانتظار والقلق والترقب.
ولكن هناك تناقضاً بين الرأي المجتمعي وثقافة التبرع من أجل إنقاذ مريض مجهول، ففكرة أخذ جزء من الجسد وزرعها في جسد شخص آخر مستنكرة لدى الأغلبية، في حين أن هناك حراكاً شبابياً تجاه هذه الثقافة في الآونة الأخيرة مع التطور الثقافي الذي ساد دول الخليج عموماً والبحرين تحديداً، وهناك إحصائية صدرت من وكالة البحرين لسنة 2017 أظهرت أن هناك 1334 مصاباً بالفشل الكلوي في البحرين، وأن عدد الأسرة المتوفرة بمركز السلمانية الطبي 25 سريراً تحت رعاية 41 طبيباً، ويكلف المريض الواحد 23 ألف دينار بحريني سنوياً، وبالتأكيد هناك ازدياد في هذه الأرقام حتى هذا العام، فهل سيكون هناك حراك توعوي لرفع الثقافة المجتمعية بأهمية التبرع بالأعضاء..! أم ستظل البحرين في قوقعتها المستنكرة لهذه الثقافة..!
ومفهوم نقل الأعضاء أو التبرع يتم بأخذ عضو سليم بأكمله من المتبرع للمريض، ولكن هذا فقط في حالة كونه عضواً ثنائياً يمكن الاستعاضة بغيره مثل "الكلى" أو إذا كان عضواً يمكن له النمو مجدداً مثل "الكبد"، ورغم المنفعة الكبيرة التي تحققها هذه التبرعات ونجاح أغلبها، إلا أنها لا تخلو من بعض الآثار الجانبية، فالضرر موجود ومحتمل بالنسبة للمتبرع الحي، ويرجح أن يكون ذلك هو سبب ابتعاد الغالبية عن القيام بهكذا خطوة.
أما التبرع بالأعضاء بعد الموت أو الإيصاء بذلك فهو أمر مختلف، وهو يتم بشروط معينة منها أن يكون بالغاً وكامل الأهلية، ويجب ألا يقل عمر المتبرع عن 21 سنة، كما يتوجب إحضار عدد 2 من الشهود للتوقيع على استمارة التسجيل، ويكون مكان التسجيل في مركز المؤيد لأمراض الكلى في مجمع السلمانيه الطبي، وللمتبرع الحق في اختيار الأعضاء التي يرغب بالتبرع بها بعد وفاته وذلك عن طريق تحديدها في استمارة التسجيل.
ومن أسباب غياب ثقافة التبرع بعد الوفاة في دول الخليج وفي البحرين هو تعظيمهم لحرمة الجسد الميت، بحيث لا يسمح بالمساس به، كما أن هناك اعتقاداً سائداً بأن الشريعة الإسلامية لا تسمح ولا تحلل للشخص الإقدام بهذا الفعل كون الجسد ليس ملكه بل هو ملك الخالق. إلا أنه في الحقيقة ليس كذلك إطلاقاً، فهو بمثابة صدقة جارية في ديننا الحنيف وهو مشروع وحلال في مختلف الأديان "الإسلام، والمسيحية واليهودية".
ولقد تم إبرام اتفاقية بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية للتعاون فيما بينهما، والعمل معاً لتأمين احتياجات المواطنين البحرينيين فيما يختص بزراعة الأعضاء.
وأكد الحقوقي خالد إبراهيم أن بحث تخرجه كان عن التبرع بالأعضاء، مما جعله يتشعب ويتوسع في موضوع التبرع بالأعضاء من جميع النواحي، وهذا بين له أهمية وعظم عملية التبرع، حيث إننا كلنا مصيرنا الموت، فما هو الأولى أن تموت وتحيي غيرك وتموت و"يأكلك الدود"، فبعد الموت لن يستفيد الشخص من أعضائه في حين أنه إذا قمت بالتوقيع على استمارة التبرع بالأعضاء ستفيد عدداً من الأحياء غيرك. وأضاف: "التبرع بالأعضاء لا يقتصر على الأموات بل هو للأحياء أيضاً حيث يمكن للفرد التبرع بدمه بين الفترة والأخرى وينقذ من خلالها أعداداً كبيرة من الأشخاص، وهي صدقة للنفس وتعزز قيمة التكافل الاجتماعي، وأنا من مؤيدي هذا الشيء، ولكني أرى أن هذه الثقافة غير منتشرة بين أفراد المجتمع البحرين ويعود هذا لغياب الجانب التوعوي، فالكثيرون يعتقدون أن هذا الأحمر حرام شرعاً، وهناك من يجهلون وجود مركز للتبرع بالأعضاء من الأساس".
وأضاف: "أرى من وجهة نظري أنه ليس هناك ضرورة لفتح مراكز خاصة من أجل التبرع بالأعضاء، والاكتفاء بالمراكز الحكومية العامة، لأن هذه المراكز سيكون هدفها ربحياً، وسيتيح لجشع الأطباء للدخول في الأمر، ونحن نريد تعزيز الجانب الإنساني منه والتأكيد على أنه أمر يتيح فرصاً كثيرة لإعادة الحياة من شخص متوفى إلى شخص مريض".
من جهتها تقول منيرة مبارك: "عملية التبرع بالأعضاء شيء جليل، به خدمة كبيرة للبشرية والإنسانية، هي موجودة لدى الغرب بشكل واسع، لكنها مجهولة في مجتمعاتنا العربية والخليجية، رغم ما ثبت أنها لا تخالف الشريعة، والكثير لا يعترف بأنها خدمة إنسانية تمنح الحياة الأفضل للمرضى".
أما تمني عزالدين فتقول: "إنها تؤيد عملية التبرع بجميع أشكالها سواء بحياة الفرد أو بعد مماته، وهو عمل بمثابة صدقة جارية ستظل لي في حياتي وبعد موتي، وأنا أحافظ على التبرع بالدم بشكل دوري، كمل قد قمت بملء استمارة التبرع من مركز الكلى التابع لمجمع السلمانية رغم ممانعة ذوي في بداية الأمر إلا أنني سعيت جاهدة لإيضاح الجانب الإيجابي من هذه العملية وعظم الأجر الذي سيكون منها".
ويقول أحمد سيف: "أعتقد وبلا شك أن التبرع بالأعضاء هو أمر إنساني، قد ينقذ عدة أرواح وحياوات، وأنا أرى أنه سيكون كولادة جديدة لي في حال موتي وزرع أعضائي في أجساد أشخاص أحياء، ويبقي أثري بعد غيابي".
وتوافقه فاطمة راشد وتقول: "بقاء جزء حي مني في جسم إنسان آخر يجعلني أشعر أنني قد ساهمت في إنقاذ روح أخرى قد عانت كثيراً، وهو أمر يدعو للفخر، ولا أعتقد أن الدين الإسلامي قد حرم شيئاً كهذا، بل إنه اعتبرها صدقة جارية لروح الشخص المتبرع، ذلك بالإضافة إلى أنها عمل إنساني عظيم".
في حين رفضت لبنى إبراهيم هذا الأمر قائلة: "لا أتخيل أن تدفن جثتي ناقصة الأعضاء أو مشوهه بفعل عمليات الاستئصال، كما أن الجسد البشري ليس ملكاً لنا بل هو ملك للخالق ويجب أن يعود الشخص لقبره كاملاً كما أكمل الله خلقة وتصويرة".
ووافقها يوسف محمد بالقول: "حول الكثير مفهوم التبرع الإنساني إلى عملية بشعة من خلال الاتجار بالبشر، وشهد العالم العربي قصصاً ومآسي كثيرة بسبب هذا المفهوم واستخدموه في عمليات خطف الأطفال ، وأستغلو المعاناة الإنسانية والوضع المادي السيئ لأغلب الأسر والأفراد من أجل الحصول على أعضائهم وبيعها، وهو يجعل الشخص يتخوف من الإقدام على مثل هذه الأمور، فمن الممكن أن يتعمد الأطباء غير الشرفاء استغلاله بصورة مادية لا تمت للإنسانية بصلة، لذلك أن أرفض انتشار هذه الثقافة.
الرأي الشرعي
ويقول الشيخ عبدالله بن سالم المناعي خطيب جامع الخالد في المنامة المتبرع بالعضو مأجور وأن قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي أجازوا التبرع بالأعضاء، لكن بأخذ موافقة الشخص أو المتبرع قبل وفاته، بشرط أن يكون ذلك بعيداً عن التجارة والبيع، لما نسمع عنه في الآونة الأخيرة عن مثل هذه الأشياء، ولا أعتقد أن هذا يتنافى مع حرمة الميت إطلاقاً، وصاحب العضو المتبرع مأجور، وإذا كان هناك من يتكلم عن حرمة الميت فما يحصل في الكليات الطبية من تشريح الأعضاء والدراسة عليها فهو من باب الفائدة وهي جائزة بطبيعة الحال ولم يسبق أن سمعت من حرمها.
ويجوز التبرع بالأعضاء بعد الموت، بثلاثة شروط: 1- أن تكون الأعضاء مما لا تأثير لها على الأنساب والموروثات والشخصية العامة، كالخصية والمبيض وخلايا الجهاز العصبي، كما نص على ذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي.2- أن يكون المتبرع كامل الأهلية أي بالغاً عاقلاً راشداً.وفي الموسوعة الفقهية (42/ 122): (اشترط الفقهاء في الواهب أن يكون من أهل التبرع وذلك بأن يكون عاقلاً بالغاً رشيداً).وفيها (34/ 234): (ويشترط في الموصي ما يأتي: أولاً: أن يكون أهلاً للتبرع).3- أن يكون المتبرّع له معصوم الدم، أي مسلم أو كافر مسالم ، وأما الكافر الحربي فلا يجوز التبرع له لأنه مهدر الدم في الشريعة.
وأضاف أن الدليل على جواز التبرع للكافر المسالم: أن التبرع من باب الصدقة والإحسان، وذلك جائز على الكافر غير المحارب، وقد روى البخاري (2620) ومسلم (1003) عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قلت وهي راغبة أفأصل أمّي قال: (نعم صلي أمك). ورواه البخاري أيضا (3183) بلفظ: " قالت قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومدتهم، مع أبيها، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقالت يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها قال: "نعم صليها". وقال ابن قدامة رحمه الله: "وكل من حرم صدقة الفرض من الأغنياء وقرابة المتصدق والكافر وغيرهم، يجوز دفع صدقة التطوع إليهم، ولهم أخذها، قال الله تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً". ولم يكن الأسير يومئذ إلا كافراً، إذاً جواز التبرع بالأعضاء وفق الشروط العامة التي لابد من اعتبارها في نقل أي عضو من الأعضاء لكافة الناس. وبالشروط وفق الفقه الإسلامي: ألا يكون النقل بطريق تمتهن فيه كرامة الإنسان؛ كالبيع، وإنما تكون بطريق الإذن والتبرع، وأن يكون المنقول لـه معصوم الدم، فهو الذي أوجب الشرع حفظ نفسه، بخلاف مهدر الدم كالحربي.وعليه: فإذا كان المسلم في بلد غير محارب للمسلمين: فلا حرج أن يتبرع بأعضائه بعد الوفاة، بحيث ينتفع بها المسلمون وغيرهم. وله على ذلك ثواب الإحسان إلى الناس، سواء كان المتبرع له مسلما أو كافراً مسالماً، كما في قوله تعالى: "وأحسن كما أحسن الله إليك" (القصص - 77).
وأوضح أنه إذا كان في بلد محارب، فليس له أن يتبرع بأعضائه إلا للمسلمين، هناك فتوى صريحة تبيح التبرع بالأعضاء صدرت عام 1982 من كبار العلماء، وهناك أسماء لشخصيات كبيرة ومعروفة قدمت ورقة تبرعها بأعضائها عن قناعة ولاتزال هناك أسماء تنوي التبرع ولهم الأجر بإذن الله. وقد اختلف الفقهاء والعلماء في مختلف أنحاء العالم حول شرعية التبرع بالأعضاء، الأغلب منهم من حلله وقليلاً منهم من حرمه فالمؤيدون بجواز التبرع بالأعضاء لإنقاذ نفس من الموت ليبقى يعيش في الحياه وهناك من ينتظر من ينقذ حياته حتى ولو كلفه ذلك كل ما يملك، لكن ورغم ذلك نجد أن التبرع بالأعضاء انتشر في المجتمع العربي في الفترة الأخيرة بشكل لافت، فمثلاً هنالك ما بين مريض القلب ومريض البنكرياس ومريض الكلى وغير ذلك، مازالوا على قائمة الانتظار ينتظرون من يفرج عنهم كربتهم مع أصحاب الفشل العضوي وما يتكبدونه من مشاق وما تعانيه أسرهم، والأكثر إيلاماً هو عدم تمكن الكادر الطبي من إنقاذ حياتهم ما لم يتوفر متبرع بالأعضاء، لذلك وجدت مع أشخاص آخرين لديهم حس إنساني واع، وجوب توعية المجتمع ورفع عدد المتبرعين، وذلك من خلال التوعية وتصحيح مفاهيم المجتمع، وأتمنى أن يكون هناك استنفار للعمل التطوعي لتنشيط مفهوم التبرع بالأعضاء مع أهمية تصحيح المفاهيم الخاطئة، وذلك بوجود وعي مسبق لأهمية التبرع عن طريق التواصل الاجتماعي والثقافي والإعلامي.
وأشار إلى أما العضو الذي لم يكن في نقله ضرر على صاحبه المنقول منه، وتحققت المصلحة والنفع فيه للمنقول إليه، واضطراره له، فلا حرج -إن شاء الله تعالى- في التبرع به في هذه الحالة، بل هو من باب تفريج الكرب، والإحسان، والتعاون على الخير والبر. كما نقل من المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في بيانه، وأما في الصورة الثانية: وهي التبرع بالعضو على أن ينقل بعد الموت، فالراجح في الفقه الاسلامي جوازه. لما فيه من المصالح الكثيرة التي راعتها الشريعة الإسلامية، وقد ثبت أن مصالح الأحياء مقدمة على مصلحة المحافظة على حرمة الأموات. وهنا تمثلت مصالح الأحياء في نقل الأعضاء من الأموات إلى المرضى المحتاجين الذين تتوقف عليها حياتهم، أو شفاؤهم من الأمراض المستعصية، مع العلم بأن في المسألة أقوالاً أخرى، ولكنا رجحنا هذا الرأي لما رأينا فيه من التماشي مع مقاصد الشريعة التي منها التيسير، ورفع الحرج، ومراعاة المصالح العامة، وارتكاب الأخف من المفاسد، واعتبار العليا من المصالح. والتبرع بما ذكر في الحالتين مشروط بأن يكون المتبرّع له معصوم الدم، أي أن يكون مسلماً أو ذمياً، بخلاف الكافر المحارب.
الرأي القانوني
ويقول المحامي علي القطاف: أجاز المشرع البحريني عمليات استئصال الأعضاء سواء كان من إنسان حي أو متوفى لزرعها في جسد إنسان آخر بقصد العلاج، ويجوز للأشخاص التبرع بأعضائهم بعد أن تتم إحاطتهم بجميع النتائج الصحية المؤكدة والمحتملة التي يرتبها استئصال العضو من المتبرع إلا أن المشرع حظر بيع وشراء أعضاء جسم الإنسان بأي وسيلة، وعلى الطبيب عدم إجراء هذه العملية في حال علمه وفي حالة المخالفة تتم المعاقبة بالحبس والغرامة التي لا تزيد عن ثلاثة آلاف دينار بحريني أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتتضاعف العقوبة في حالة العود خلال سنتين من تاريخ الحكم النهائي في الجريمة الأولى ويشترط أن يكون المتبرع كامل الأهلية قانونياً وأن يكون التبرع بموجب إقرار كتابي موقع عليه من المتبرع ويشهد عليه شاهدان كاملاً الأهلية، وفي حالة نقل الأعضاء من جثة متوفى بشرط ألا يكون قد أوصى في حياته بعدم استئصال أي عضو من جسمه وذلك بإقرار كتابي يشهد عليه شاهدان، كما يجب أخذ موافقة أقرب الأشخاص إلى المتوفى إليه ويجب أن تصدر الموافقة بإقرار كتابي.