أستغرب عندما أكتشف أن بعض أفضل إنجازاتنا كمسلمين وعرب في العصر الحديث لا تلقى مكاناً في مناهج التاريخ حتى الآن. والغريب أكثر أن معظم مدارسنا ومن ضمنها الخاصة تركز على تاريخ الغرب وأجزاء من تاريخنا القديم جداً ولا تلتفت لتاريخنا الإسلامي والعربي الحديث!
يأتينا أحد من أبنائنا «المطلع منهم» ليتفاخر مثلاً بمعرفته بقصة بونستن شرشل، ويجهل تماماً قصة الجنرال الشاذلي ويعرف كوندوليزا رايس ولا يذكر عمرو موسى. يتحدث بإسهاب عن رؤساء أوروبا ولا يعرف الكثير عن كبار الرجال في عالمنا العربي الذين صنعوا تاريخنا الحالي.
مؤخرا تابعت بشغف وللمرة الثانية الشهادة المتلفزة للجنرال سعد الدين الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري إبان حرب أكتوبر المجيدة. وللجيل الجديد الذين ابتعدوا عن تاريخ أمتهم أبين أن سعد الدين الشاذلي هو مهندس خطة العبور في عام 1973 التي أعادت الثقة والأرض للمسلمين والعرب بعد سلسلة من الهزائم العسكرية المؤلمة.
حديث هذا الرجل يبهر المتابع من قدراته الفائقة في التخطيط الاستراتيجي العسكري ويؤكد وجود عقول عربية قادرة على تخطي المعوقات لو توفر لهم التعليم الجيد والاحتكاك بأصحاب الخبرات وأعطيتم لهم الفرصة لإظهار قدراتهم.
خلال الشهادة المتلفزة، يسرد الجنرال المحنك كيف خطط هو وقادة الجيش المصري لعبور خط بارليف في سيناء المحتلة آنذاك فيتكلم عن سنوات الإعداد والتحضير والدقة الفائقة في جمع المعلومات عن المحتل وتحليلها. كل ذلك كان مبنياً على أسس تخطيط علمية متقدمة ودراسة متأنية لمكامن القوة والضعف للقوات المصرية وللخصم.
خطة العبور اعتمدت على اختراق حصن بارليف الدفاعي الصعب والتوغل داخل سيناء مسافة لا تتعدى العشرة كيلومترات فقط والسبب أن الدفاعات الجوية المصرية كان مداها لا يتعدى هذه المسافة، فإذا زادت مسافة التوغل تصبح القوات المصرية دون غطاء جوي يحميها فتتعرض لخسائر فادحة. كما اعتمدت على عنصري المفاجأة والخداع المتقن وأخذت في حسبانها أدق التفاصيل عن الطرف الآخر منها عدد وحداته وأفراده ومعداته وقدراته القتالية وحتى مزاجه وحالته النفسية.
الجنرال وخلال التجهيز للعبور ابتكر عدة حلول للتحديات التي كان يواجهها. فمثلاً كان بحاجة إلى عشرات الآلاف من الضباط ليقودوا الوحدات في فترة زمنية لا تتجاوز العامين، وكان الأمر صعباً جداً، فأمر الكليات العسكرية بتخريج ضباط متخصصين في سلاح واحد فقط، بدلاً من مجموعة من الأسلحة، وبذلك اختصر فترة التعليم وزاد أعداد الخريجين حتى وصل إلى 30 ألف ضابط.
وعندما أنيطت به مهمة حماية المنطقة المطلة على البحر الأحمر وهي بحجم 200 ألف كيلومتر من اختراعات العدو المستمرة ولم يكن لديه العدد الكافي من القوات لتأمين المنطقة صمم خطة ذكية بناء على الإمكانيات المحدودة واستطاع تقليل مخاطر الاختراقات إلى حدود الصفر.
الشاذلي استخدم أسس التخطيط الاستراتيجي العلمي في 1973، أي قبل أكثر من 45 عاماً. هذه الأسس التي نتعلمها للتو في جامعاتنا ومعاهدنا كان يملكها ويستوعبها هذا الرجل الشجاع منذ عقود طويلة.
أعتقد أن الجيل الحالي يجهل أن من ضمن الآباء أناساً كانوا يتحدثون بمصطلحاتهم ولغتهم الحالية بل ويطبقون النظريات والأساليب العلمية في أعمالهم أحسن تطبيق. يبدو أننا نظن أن ماضينا القريب ليس فيه ما يستحق التعرف عليه لكن الواقع والتاريخ يقولان غير ذلك. وهنا صدمة تواضع علينا أن نقف عندها جميعاً.
مشكلتنا في العالم العربي أننا نقلل من شأننا كثيراً ونتجاهل ماضينا ولا نعرف عنه تفاصيله، انطلقنا نبحث عن أمثلة للنجاح خارجية وتجاهلنا نجاحاتنا.
والنجاح عملية تراكمية بلا شك، ووجود أمثلة للنجاحات العربية والإسلامية حديثة ستعزز من ثقتنا بأنفسنا وستشجع الكثير منا أن يبني عليها. ابن سينا والفارابي وابن خلدون وغيرهم برزوا في عصر غير عصرنا لذلك مهما تحدثنا عن مساهماتهم العلمية والفكرية نشعر أنهم بعيدون جداً عن أيامنا الحالية، لكن الجنرال الشاذلي وفاروق الباز عالم الفضاء وهدى الزغبي عالمة الجينات وغادة المطيري عالمة الصيدلة وغيرهم أقرب لنا زمنياً ومن الأجدى أن نحتفي بهم ونتعلم منهم ونجعلهم مثالاً لنا ولأبنائنا في الجد والمثابرة وتخطي الصعاب.
يأتينا أحد من أبنائنا «المطلع منهم» ليتفاخر مثلاً بمعرفته بقصة بونستن شرشل، ويجهل تماماً قصة الجنرال الشاذلي ويعرف كوندوليزا رايس ولا يذكر عمرو موسى. يتحدث بإسهاب عن رؤساء أوروبا ولا يعرف الكثير عن كبار الرجال في عالمنا العربي الذين صنعوا تاريخنا الحالي.
مؤخرا تابعت بشغف وللمرة الثانية الشهادة المتلفزة للجنرال سعد الدين الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري إبان حرب أكتوبر المجيدة. وللجيل الجديد الذين ابتعدوا عن تاريخ أمتهم أبين أن سعد الدين الشاذلي هو مهندس خطة العبور في عام 1973 التي أعادت الثقة والأرض للمسلمين والعرب بعد سلسلة من الهزائم العسكرية المؤلمة.
حديث هذا الرجل يبهر المتابع من قدراته الفائقة في التخطيط الاستراتيجي العسكري ويؤكد وجود عقول عربية قادرة على تخطي المعوقات لو توفر لهم التعليم الجيد والاحتكاك بأصحاب الخبرات وأعطيتم لهم الفرصة لإظهار قدراتهم.
خلال الشهادة المتلفزة، يسرد الجنرال المحنك كيف خطط هو وقادة الجيش المصري لعبور خط بارليف في سيناء المحتلة آنذاك فيتكلم عن سنوات الإعداد والتحضير والدقة الفائقة في جمع المعلومات عن المحتل وتحليلها. كل ذلك كان مبنياً على أسس تخطيط علمية متقدمة ودراسة متأنية لمكامن القوة والضعف للقوات المصرية وللخصم.
خطة العبور اعتمدت على اختراق حصن بارليف الدفاعي الصعب والتوغل داخل سيناء مسافة لا تتعدى العشرة كيلومترات فقط والسبب أن الدفاعات الجوية المصرية كان مداها لا يتعدى هذه المسافة، فإذا زادت مسافة التوغل تصبح القوات المصرية دون غطاء جوي يحميها فتتعرض لخسائر فادحة. كما اعتمدت على عنصري المفاجأة والخداع المتقن وأخذت في حسبانها أدق التفاصيل عن الطرف الآخر منها عدد وحداته وأفراده ومعداته وقدراته القتالية وحتى مزاجه وحالته النفسية.
الجنرال وخلال التجهيز للعبور ابتكر عدة حلول للتحديات التي كان يواجهها. فمثلاً كان بحاجة إلى عشرات الآلاف من الضباط ليقودوا الوحدات في فترة زمنية لا تتجاوز العامين، وكان الأمر صعباً جداً، فأمر الكليات العسكرية بتخريج ضباط متخصصين في سلاح واحد فقط، بدلاً من مجموعة من الأسلحة، وبذلك اختصر فترة التعليم وزاد أعداد الخريجين حتى وصل إلى 30 ألف ضابط.
وعندما أنيطت به مهمة حماية المنطقة المطلة على البحر الأحمر وهي بحجم 200 ألف كيلومتر من اختراعات العدو المستمرة ولم يكن لديه العدد الكافي من القوات لتأمين المنطقة صمم خطة ذكية بناء على الإمكانيات المحدودة واستطاع تقليل مخاطر الاختراقات إلى حدود الصفر.
الشاذلي استخدم أسس التخطيط الاستراتيجي العلمي في 1973، أي قبل أكثر من 45 عاماً. هذه الأسس التي نتعلمها للتو في جامعاتنا ومعاهدنا كان يملكها ويستوعبها هذا الرجل الشجاع منذ عقود طويلة.
أعتقد أن الجيل الحالي يجهل أن من ضمن الآباء أناساً كانوا يتحدثون بمصطلحاتهم ولغتهم الحالية بل ويطبقون النظريات والأساليب العلمية في أعمالهم أحسن تطبيق. يبدو أننا نظن أن ماضينا القريب ليس فيه ما يستحق التعرف عليه لكن الواقع والتاريخ يقولان غير ذلك. وهنا صدمة تواضع علينا أن نقف عندها جميعاً.
مشكلتنا في العالم العربي أننا نقلل من شأننا كثيراً ونتجاهل ماضينا ولا نعرف عنه تفاصيله، انطلقنا نبحث عن أمثلة للنجاح خارجية وتجاهلنا نجاحاتنا.
والنجاح عملية تراكمية بلا شك، ووجود أمثلة للنجاحات العربية والإسلامية حديثة ستعزز من ثقتنا بأنفسنا وستشجع الكثير منا أن يبني عليها. ابن سينا والفارابي وابن خلدون وغيرهم برزوا في عصر غير عصرنا لذلك مهما تحدثنا عن مساهماتهم العلمية والفكرية نشعر أنهم بعيدون جداً عن أيامنا الحالية، لكن الجنرال الشاذلي وفاروق الباز عالم الفضاء وهدى الزغبي عالمة الجينات وغادة المطيري عالمة الصيدلة وغيرهم أقرب لنا زمنياً ومن الأجدى أن نحتفي بهم ونتعلم منهم ونجعلهم مثالاً لنا ولأبنائنا في الجد والمثابرة وتخطي الصعاب.