* أصحاب الفكر العربي الراغب في النهوض بالثقافة العربية عالمياً
* أكثر ما يلفت الانتباه في سلسلة البرامج التراثية والثقافية في أبوظبي مسمى برنامج المنكوس
* المنكوس يثير الفضول ويشد العقول ويجذب الانتباه خاصة لفئة المهتمين والمثقفين بالثقافة الخليجية
* أبوظبي توجه رسالة للجيل الناشئ بأهمية الاهتمام بالفنون التراثية التي تعكس تاريخنا حتى لا تندثر وتنتهي
* أحد كبار شعراء الإمارات يؤكد أن مملكة البحرين تحوي قامات شعرية كان لها دورها البارز في تأصيل الثقافة الخليجية
* نطمح لإيجاد برنامج مسابقات يهتم بالموروثات البحرية التي تعكس تاريخ وهوية دول الخليج العربي
* برامج المسابقات الشعرية والثقافية من القوى الناعمة التي تؤسس لروابط الانتماء أكثر لامتدادنا الخليجي العربي وأننا شعوب متحدة
* الشعر أبلغ رسالة تحمل أجمل معاني الحب والتسامح وخير سفير للعالم عن هويتنا العربية المتسامحة
* لجنة أبوظبي حققت سبق إطلاق أول برنامج يهتم بالإنشاد والشعر الغنائي في الوطن العربي
* الفنون وما تحمله من مضامين وإرث القصائد خير شاهد على تاريخ هويتنا العربية الأصيلة.. وحروب المنطقة لأجل الحفاظ عليها
* أبعاد تاريخية للبرامج الثقافية تؤكد تاريخ حكام وشعوب دول الخليج العربي
* طرح برامج تركز على موروثات شعبية خليجية يجيب على الاستفهامات المتعلقة بحب التعرف على الفنون الأصيلة
* المنكوس يؤسس لقاعدة جماهيرية جديدة تهتم بالفن الشعبي الخليجي والشعر الغنائي
* برنامج "أمير الشعراء" يأتي لتدعيم اهتمام الشباب العربي بمجال الشعر وتأريخ فصل جديد من فصول ثقافتنا العربية
* لجنة أبوظبي مهتمة بتأسيس أجيال من الشعراء يكونون خير سفراء للشعر العربي ولغة الضاد أمام دول العالم
* أبوظبي تدير مشهد الإبداع الأدبي العربي اليوم بلا منافس وتأريخ الأدب العربي بكافة مجالاته وألوانه
* الإمارات لها خطة النهوض بالأدب العربي عالمياً أمام تحديات تهديد الهوية العربية
هناك مقولة جميلة جداً تقول «إذا أردت أن تعرف ثقافة شعب فاستمع إلى موسيقاه!»، ونضيف عليها وإذا أردت أن تعرف تاريخ أي دولة فانظر إلى إرثها الثقافي وموروثاتها الفنية، وأعرج على متاحفها وآثارها، وإذا أردت أن تكتشف أي شعب فاقرأ عن حضارته وموروثاته الشعبية، وإذا أردت أن تعرف مستقبل أي دولة فانظر إلى مدى اهتمامها بالحفاظ على تراثها وخطواتها في حفظه والعناية به وغرسه في الأجيال الناشئة وتمسكها بثقافتها، فكل هذه الأمور تختصر لك الكثير من الأمور التي تود اكتشافها عن دولة ما وشعبها وأوجه التنمية فيها وخططها في التقدم والتطور.
كنا في زيارة مؤخراً إلى أبوظبي بدولة الإمارات العربية الشقيقة للاطلاع على تجربة برنامجي المنكوس وأمير الشعراء وهو برنامج مسابقات تختص بالشعر والإنشاد وتشجيع ثقافتهما لدى الأجيال الحالية وإبراز المواهب في هذين المجالين، أكثر ما لفت انتباهنا مصطلح «المنكوس» وهو لحن تراثي يحوي أكثر من 30 لحناً مختلفاً بطبقات وأوزان مختلفة متعددة مختصة بغناء الشعر النبطي، وهو من الموروثات الفنية للبيئة الخليجية وقد كان منتشراً في شبه الجزيرة العربية.
كنا طيلة الطريق نحو البرنامج نتناقش عن مصطلح المنكوس الذي قد يعد غريباً على سمع الأجيال الحالية التي قد لا تفهمه فتصعب وصول فكرة البرنامج أو التفاعل معه والاهتمام بمتابعته أمام مصطلح مجهول غير واضح خاصة الجيل الناشئ الذي الكثير من فئاته بالأصل يتكلمون باللغة الإنجليزية مع خالص الأسف أكثر من اللغة العربية ويهتمون بمتابعة الفنون الأجنبية عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن الاتفاق كان أن اسم المنكوس قد يثير الفضول ويجذب الانتباه خاصة لفئة المهتمين والمثقفين بالثقافة الخليجية عن معنى هذا المصطلح، ولربما طرحه بهذه الطريقة يشد العقول أكثر من طرح مسمى آخر يوضح هذا الفن الشعبي الخليجي.
كان من الواضح أن القائمين على برنامج المنكوس أرادوا إيصال رسالة إلى الجيل الناشئ بأهمية الاهتمام بهذا الموروث الثقافي الذي يعكس تاريخ أجدادهم في المنطقة حتى لا يندثر وينتهي يوماً، وهذا ما أكده الباحث المتخصص في التاريخ والتراث المحليين الشاعر والأديب الإماراتي علي بن أحمد الكندي، أن المنكوس فن تراثي مشترك يجمع بين عدة دول في الخليج العربي، وأن الكثير من الجيل الجديد يسأل عنه وسمع عنه لأول مرة، لذا فهذا البرنامج جاء لأجل تعريفهم بتاريخ أجدادهم في مجال الإنشاد والفن والشعر الغنائي، كما من اللافت للنظر ما أبداه أن والده الشاعر الكبير والمشهور في منطقة الخليج العربي أحمد الكندي كانت له مجاريات كثيرة مع أحد شعراء البحرين المتميزين في تاريخ الشعر بالمنطقة الشاعر عامر البوفلاسة «الفلاسي»، مؤكداً أنه في مملكة البحرين هناك العديد من أسماء الشعراء الكبار اللامعة في تاريخ الشعر الخليجي، مما يعكس أن مملكة البحرين دولة ولادة في هذا المجال وتحوي قامات شعرية كان لها دورها البارز في تأصيل الثقافة الخليجية، كما لو حملنا كلماته على منحنى آخر فهي خير شاهد أن مملكة البحرين كدولة عربية منذ مئات السنين هذه هي هويتها الحقيقية وتاريخها الذي لا يلغى ولا يستبدل!
لذا لم يكن مستغرباً فور بدء البرنامج أن أكتشف أمام هذا الفن البدوي البحت أن البحرين بلد ذو ثقافة مختلطة ما بين حضارة البحر وبداوة الصحراء الحاضرة فيه! المنكوس فن كان يتسامر فيه شعوب دول الخليج العربي وهم جالسون عند النار بالقرب من خيامهم، حيث يغلب عليه طابع الشجن وقد رأيته قريباً جداً من بعض الفنون الشعبية البحرية في مملكة البحرين من ناحية الأداء والمعاني مع اختلاف طبيعته ومضمونه كفن شعبي، خاصة ما يسمى بـ»النهام» والأناشيد والأزاهيج حينما كان أهل البحرين والخليج العربي يتسامرون أيضاً في الليل وبعد انتهاء يوم شاق من الصيد في البحر خلال رحلات بحرية تمتد لأكثر من ستة شهور داخل بحر الخليج العربي على السفينة بهذه الموروثات الفنية الشعبية التي تحمل كلمات الشجن والشوق والحنين والأمل بالعودة للوطن والأهل وتعكس تاريخهم في مجال البحر والتحديات والأخطار التي تواجههم خلال مضيهم وإبحارهم.
لقد سمحت لنفسي بتوجيه ملاحظة لأحد القائمين على البرنامج بالتساؤل، إن كان هناك مبادرة للاهتمام أيضاً بمسابقات تتعلق بمجال الفن البحري وبالموروثات الشعبية المتعلقة بهذا التاريخ الحافل لعدة أسباب مهمة، فالمنكوس كما أنه فن يجمع ويربط بين دول الخليج العربي ويعتبر من القوى الناعمة التي تؤسس لروابط الانتماء أكثر لامتدادنا الخليجي العربي وأننا شعوب واحدة ثقافتنا وإرثنا واحد ومتشابه، وهو فن يجذب السمع فعلاً لكمية الشجن وجمال الكلمات وتناسقها عند تلحينها وفق مقامات وأوزان مختلفة تكشف خامة وقوة صوت المؤدي لها وقدراتها في مجال الإنشاد وغناء الشعر النبطي بطريقة ترهف النفس وتشد الانتباه وتولد الإبداع وتذوق فن يعتبر من أسس الفنون الشعبية الجميلة، مما يساهم في ترويجه وانتشاره ليس في منطقة الخليج العربي وعند الأجيال الناشئة فحسب، إنما أيضاً في المنطقة العربية ككل وأمام دول العالم أجمع، فمثل هذه الفنون هي أبلغ وأسرع وسيلة في الوصول إلى شعوب دول العالم للتعريف بهويتنا الخليجية الأصيلة.
فكذلك الاهتمام بطرح برنامج مسابقات مشابه يتعلق بالفنون البحرية الخليجية يعتبر من الأمور التي تعزز انتماءنا وهويتنا الخليجية المشترك وتساهم في تقوية جسور الترابط وأواصر التاريخ المشترك وتدعيم فكرة الثقافة الواحدة وأننا شعوب متحدة وما يربطنا أكبر من مجالات التعاون والمنظومات الرسمية كمنظومة مجلس دول التعاون الخليجي، فإن كان الاتحاد الخليجي قد تعطل إشهاره وأُجِّل إلى أجل غير مسمى فإن الاتحاد الثقافي والتراثي بين شعوب دول الخليج العربي لا ينبغي أن يكون بمعزل عن خطط إدارة مشهد توحيد الشعوب الخليجي وفتح السبل لترابطها أكثر أمام التحديات الجارية الحالية من البعض من أعداء شرعية دول الخليج العربي لاختطاف هوية هذه الشعوب وتزوير تاريخها واختطافه.
إن مثل هذه البرامج التي تعد من القوى الناعمة في مجتمعاتنا الخليجية والتي من الممكن أن تكون أسرع في الوصول إلى كافة دول العالم للتعريف بوحدتنا الخليجية وبثقافتنا المشتركة لها عدة أبعاد ورسائل أهمها، أن هذه الفنون التي في كثير من مضامينها في الشعر والإنشاد تحمل قصصاً وعبراً وأمثالاً تكشف تاريخنا العربي في المنطقة، وهي خير شاهد على هويتنا العربية الأصيلة والثقافة التي جاءت من هذه الهوية لتفزر مثل هذه الفنون الشعبية الجميلة، كما أنها خير تأكيد على تاريخ حكامنا والشعوب في الخليج العربي وامتداداتهم وتاريخهم في التجارة والصيد وحتى الحروب والصراعات التي دارت بالمنطقة لأجل الحفاظ على شرعية وعروبة أوطاننا الخليجية، وأن هذه الدول كانت وستبقى عربية الهوية وأن العديد من شعوب الخليج العربي كان لهم تاريخ وإرث كبير في البحر امتد حتى دول عديدة، والدليل أن هذه الفنون الشعبية قد وصلت لهم وهي معروفة عندهم وتؤديها جماعات وقبائل معينة عندهم وهي مقترنة بمناسبات وفعاليات وطنية عبر تلك السنين كانت تؤدى خلالها، وأن هناك العديد من الأراضي العربية الأصل في دول اليوم تحاول تغيير تركيبتها السكانية وتزوير هويتها.
لقد اكتشفنا أمام مطالعة برنامج المنكوس والتعرف عن قرب على أهدافه التي تقوم عليها لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي في سبيل تعزيز الهوية الوطنية أن هذا البرنامج أيضاً جاء لأجل تأكيد أن أبوظبي عاصمة التسامح لعام 2019، فالشعر أبلغ رسالة تحمل أجمل معاني الحب والتسامح وهو خير سفير لتأكيد أن الشعوب العربية شعوب متسامحة، ولا نبالغ إن قلنا أننا نرى أن هذا البرنامج المتفرد في فكرته ومضمونه والذي يعد أول برنامج على مستوى الوطن العربي ككل ينفرد بالاهتمام والتركيز على هذا اللحن التراثي والاهتمام بالإنشاد والشعر الغنائي سيسحب البساط من العديد من البرامج التلفزيونية الأخرى سواء الغنائية أو تلك المهتمة بالموروثات الثقافية والمواهب العربية لكونه قريباً من ذائقة الشعوب العربية ولكونه يلبي ويجيب على علامة الاستفهام المتعلقة بحب التعرف على الفنون الخليجية الأصيلة، وكما قال الباحث الإماراتي سعيد بن كراز المهيري إنه تفاجأ خلال زيارته مؤخراً لطنطا المغرب من عدد المغاربة الذين يتابعون برنامج شاعر المليون، وأن مثل هذه البرامج تحظى بشعبية كبيرة عند الشعوب العربية وهي منتشرة لديهم لأن التراث الفني بين الدول العربية بالأصل متقارب ومتشابه، فهدف البرنامج تأصيل الثقافة والموروثات إلى أكبر شريحة من جمهور الوطن العربي، لذا نرى أن برنامج المنكوس وبعد مطالعة أولى حلقاته التي انطلقت بنجاح كبير ولافت قد يجتذب فئة أكبر من فئة المهتمين بالشعر النبطي وهم فئة الإنشاد والغناء، كما أن الألحان والأوزان والمقامات المختلفة التي يقدم بها لحن المنكوس تصل لجميع الشرائح العمرية والفئات المختلفة والأطياف المتعددة، فهي ترضي ذائقة المتذوق للفن والشعر، كما أنها تجذب أولئك غير المهتمين أصلاً بهذه المجالات لتؤسس جمهوراً جديداً يتفق على حب هذه الفنون التراثية ومتابعتها والتفاعل معها ويبرز الطاقات والمواهب العربية وأوجه الإبداع للمشاركين فيه، فإن كانت البرامج السابقة تلبي حاجات الجمهور العربي فإن برنامج المنكوس اليوم يؤسس لجمهور جديد في الوطن العربي.
وكما أن المنكوس المتفرد في أهدافه والفكرة التي يقوم عليها ويؤسس لجمهور عربي جديد فإن برنامج أمير الشعراء يأتي لتدعيم اهتمام الشباب العربي بمجال الشعر وتأريخ فصل جديد من فصول ثقافتنا العربية ومجالات الإبداع فيها، فإن كان الشعر النبطي قد يصعب فهم بعض مصطلحاته عند شرائح مجتمعية وقد تكون هناك شرائح لا تميل له ولا يستهويها فإن شعر الفصحى هو بالتأكيد من يلم شمل العائلة العربية وهو من يدعم إبراز اللغة العربية الصحيحة والمواهب الشابة في مجالات الشعر العربي، فإن كان الشاعر العربي الكبير أحمد شوقي المشهور بهذا اللقب كأمير للشعر العربي فإن هدف البرنامج يأتي لأجل استمرارية الاهتمام بالشعر العربي وتأسيس أجيال من الشعراء يكونون خير سفراء للشعر العربي ولغة الضاد أمام دول العالم، فالشعر النبطي وشعر الفصحى رسالة السلام والمحبة والتسامح التي تهتم أبوظبي في تصديرها للعالم أجمع من أرض الإمارات، كما أن هذه البرامج تروج لثقافة النقد الشعري وتشجع المهتمين على التمييز بين القصائد ومتونها وقوافيها، ففي برنامج أمير الشعراء يتم التركيز من قبل لجنة التحكيم على الصور البلاغية التي تطرح في القصائد، ويتم حث المتسابقين على الاهتمام أكثر بجزالة الأبيات، فالدكتور عبدالملك مرتاض من الجزائر من لجنة تحكيم أمير الشعراء خلال نقده لقصائد المتسابقين كان يتكلم بطريقة تؤكد أن الشعر هو هوية تكشف شخصية الشاعر ومدى ترجمته للمعاني الإنسانية والجمال الكوني وأن الشعراء العرب يجب أن يكونوا خير سفراء لإرثنا العربي والفكر العربي المتقدم والمتطور والمتسامح.
لقد رأينا طيلة فترة تجولنا في أبوظبي المنهجية والخطط التنموية التي تقوم عليها لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية في أبوظبي في سبيل النهوض بالثقافة العربية والحفاظ عليها كمكون للهوية العربية التي تجمع دول الوطن العربي من الخليج العربي للمحيط وضمان عدم انحرافها أو استبدالها أو تغييرها أمام تحديات العولمة الجارية، ومدى مراعاة أن تكون الإمارات العربية المتحدة دولة جامعة للثقافة العربية وتوجد خطط تنهض بالأدب العربي عالمياً ليكون رسالة تسامح وسلام، ونراهن على أن أبوظبي وجدت طريقها في النجاح وسخرت بجهود كبيرة تشكر عليها كافة الإمكانيات والسبل في أن تكون وطن الشعر العربي اليوم ومتحفاً يجمع تاريخ الموروثات الخليجية والعربية وأرضاً تجمع المواهب الإبداعية في مجالاته وأصحاب الفكر العربي الراغب في النهوض بالثقافة العربية عالمياً وتدير مشهد الإبداع الأدبي العربي بلا منافس وتأريخ تاريخ الأدب العربي بكافة مجالاته وألوانه.. شكراً أبوظبي منارة الشعر العربي وشكراً للقائمين على لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية في أبوظبي.
* أكثر ما يلفت الانتباه في سلسلة البرامج التراثية والثقافية في أبوظبي مسمى برنامج المنكوس
* المنكوس يثير الفضول ويشد العقول ويجذب الانتباه خاصة لفئة المهتمين والمثقفين بالثقافة الخليجية
* أبوظبي توجه رسالة للجيل الناشئ بأهمية الاهتمام بالفنون التراثية التي تعكس تاريخنا حتى لا تندثر وتنتهي
* أحد كبار شعراء الإمارات يؤكد أن مملكة البحرين تحوي قامات شعرية كان لها دورها البارز في تأصيل الثقافة الخليجية
* نطمح لإيجاد برنامج مسابقات يهتم بالموروثات البحرية التي تعكس تاريخ وهوية دول الخليج العربي
* برامج المسابقات الشعرية والثقافية من القوى الناعمة التي تؤسس لروابط الانتماء أكثر لامتدادنا الخليجي العربي وأننا شعوب متحدة
* الشعر أبلغ رسالة تحمل أجمل معاني الحب والتسامح وخير سفير للعالم عن هويتنا العربية المتسامحة
* لجنة أبوظبي حققت سبق إطلاق أول برنامج يهتم بالإنشاد والشعر الغنائي في الوطن العربي
* الفنون وما تحمله من مضامين وإرث القصائد خير شاهد على تاريخ هويتنا العربية الأصيلة.. وحروب المنطقة لأجل الحفاظ عليها
* أبعاد تاريخية للبرامج الثقافية تؤكد تاريخ حكام وشعوب دول الخليج العربي
* طرح برامج تركز على موروثات شعبية خليجية يجيب على الاستفهامات المتعلقة بحب التعرف على الفنون الأصيلة
* المنكوس يؤسس لقاعدة جماهيرية جديدة تهتم بالفن الشعبي الخليجي والشعر الغنائي
* برنامج "أمير الشعراء" يأتي لتدعيم اهتمام الشباب العربي بمجال الشعر وتأريخ فصل جديد من فصول ثقافتنا العربية
* لجنة أبوظبي مهتمة بتأسيس أجيال من الشعراء يكونون خير سفراء للشعر العربي ولغة الضاد أمام دول العالم
* أبوظبي تدير مشهد الإبداع الأدبي العربي اليوم بلا منافس وتأريخ الأدب العربي بكافة مجالاته وألوانه
* الإمارات لها خطة النهوض بالأدب العربي عالمياً أمام تحديات تهديد الهوية العربية
هناك مقولة جميلة جداً تقول «إذا أردت أن تعرف ثقافة شعب فاستمع إلى موسيقاه!»، ونضيف عليها وإذا أردت أن تعرف تاريخ أي دولة فانظر إلى إرثها الثقافي وموروثاتها الفنية، وأعرج على متاحفها وآثارها، وإذا أردت أن تكتشف أي شعب فاقرأ عن حضارته وموروثاته الشعبية، وإذا أردت أن تعرف مستقبل أي دولة فانظر إلى مدى اهتمامها بالحفاظ على تراثها وخطواتها في حفظه والعناية به وغرسه في الأجيال الناشئة وتمسكها بثقافتها، فكل هذه الأمور تختصر لك الكثير من الأمور التي تود اكتشافها عن دولة ما وشعبها وأوجه التنمية فيها وخططها في التقدم والتطور.
كنا في زيارة مؤخراً إلى أبوظبي بدولة الإمارات العربية الشقيقة للاطلاع على تجربة برنامجي المنكوس وأمير الشعراء وهو برنامج مسابقات تختص بالشعر والإنشاد وتشجيع ثقافتهما لدى الأجيال الحالية وإبراز المواهب في هذين المجالين، أكثر ما لفت انتباهنا مصطلح «المنكوس» وهو لحن تراثي يحوي أكثر من 30 لحناً مختلفاً بطبقات وأوزان مختلفة متعددة مختصة بغناء الشعر النبطي، وهو من الموروثات الفنية للبيئة الخليجية وقد كان منتشراً في شبه الجزيرة العربية.
كنا طيلة الطريق نحو البرنامج نتناقش عن مصطلح المنكوس الذي قد يعد غريباً على سمع الأجيال الحالية التي قد لا تفهمه فتصعب وصول فكرة البرنامج أو التفاعل معه والاهتمام بمتابعته أمام مصطلح مجهول غير واضح خاصة الجيل الناشئ الذي الكثير من فئاته بالأصل يتكلمون باللغة الإنجليزية مع خالص الأسف أكثر من اللغة العربية ويهتمون بمتابعة الفنون الأجنبية عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن الاتفاق كان أن اسم المنكوس قد يثير الفضول ويجذب الانتباه خاصة لفئة المهتمين والمثقفين بالثقافة الخليجية عن معنى هذا المصطلح، ولربما طرحه بهذه الطريقة يشد العقول أكثر من طرح مسمى آخر يوضح هذا الفن الشعبي الخليجي.
كان من الواضح أن القائمين على برنامج المنكوس أرادوا إيصال رسالة إلى الجيل الناشئ بأهمية الاهتمام بهذا الموروث الثقافي الذي يعكس تاريخ أجدادهم في المنطقة حتى لا يندثر وينتهي يوماً، وهذا ما أكده الباحث المتخصص في التاريخ والتراث المحليين الشاعر والأديب الإماراتي علي بن أحمد الكندي، أن المنكوس فن تراثي مشترك يجمع بين عدة دول في الخليج العربي، وأن الكثير من الجيل الجديد يسأل عنه وسمع عنه لأول مرة، لذا فهذا البرنامج جاء لأجل تعريفهم بتاريخ أجدادهم في مجال الإنشاد والفن والشعر الغنائي، كما من اللافت للنظر ما أبداه أن والده الشاعر الكبير والمشهور في منطقة الخليج العربي أحمد الكندي كانت له مجاريات كثيرة مع أحد شعراء البحرين المتميزين في تاريخ الشعر بالمنطقة الشاعر عامر البوفلاسة «الفلاسي»، مؤكداً أنه في مملكة البحرين هناك العديد من أسماء الشعراء الكبار اللامعة في تاريخ الشعر الخليجي، مما يعكس أن مملكة البحرين دولة ولادة في هذا المجال وتحوي قامات شعرية كان لها دورها البارز في تأصيل الثقافة الخليجية، كما لو حملنا كلماته على منحنى آخر فهي خير شاهد أن مملكة البحرين كدولة عربية منذ مئات السنين هذه هي هويتها الحقيقية وتاريخها الذي لا يلغى ولا يستبدل!
لذا لم يكن مستغرباً فور بدء البرنامج أن أكتشف أمام هذا الفن البدوي البحت أن البحرين بلد ذو ثقافة مختلطة ما بين حضارة البحر وبداوة الصحراء الحاضرة فيه! المنكوس فن كان يتسامر فيه شعوب دول الخليج العربي وهم جالسون عند النار بالقرب من خيامهم، حيث يغلب عليه طابع الشجن وقد رأيته قريباً جداً من بعض الفنون الشعبية البحرية في مملكة البحرين من ناحية الأداء والمعاني مع اختلاف طبيعته ومضمونه كفن شعبي، خاصة ما يسمى بـ»النهام» والأناشيد والأزاهيج حينما كان أهل البحرين والخليج العربي يتسامرون أيضاً في الليل وبعد انتهاء يوم شاق من الصيد في البحر خلال رحلات بحرية تمتد لأكثر من ستة شهور داخل بحر الخليج العربي على السفينة بهذه الموروثات الفنية الشعبية التي تحمل كلمات الشجن والشوق والحنين والأمل بالعودة للوطن والأهل وتعكس تاريخهم في مجال البحر والتحديات والأخطار التي تواجههم خلال مضيهم وإبحارهم.
لقد سمحت لنفسي بتوجيه ملاحظة لأحد القائمين على البرنامج بالتساؤل، إن كان هناك مبادرة للاهتمام أيضاً بمسابقات تتعلق بمجال الفن البحري وبالموروثات الشعبية المتعلقة بهذا التاريخ الحافل لعدة أسباب مهمة، فالمنكوس كما أنه فن يجمع ويربط بين دول الخليج العربي ويعتبر من القوى الناعمة التي تؤسس لروابط الانتماء أكثر لامتدادنا الخليجي العربي وأننا شعوب واحدة ثقافتنا وإرثنا واحد ومتشابه، وهو فن يجذب السمع فعلاً لكمية الشجن وجمال الكلمات وتناسقها عند تلحينها وفق مقامات وأوزان مختلفة تكشف خامة وقوة صوت المؤدي لها وقدراتها في مجال الإنشاد وغناء الشعر النبطي بطريقة ترهف النفس وتشد الانتباه وتولد الإبداع وتذوق فن يعتبر من أسس الفنون الشعبية الجميلة، مما يساهم في ترويجه وانتشاره ليس في منطقة الخليج العربي وعند الأجيال الناشئة فحسب، إنما أيضاً في المنطقة العربية ككل وأمام دول العالم أجمع، فمثل هذه الفنون هي أبلغ وأسرع وسيلة في الوصول إلى شعوب دول العالم للتعريف بهويتنا الخليجية الأصيلة.
فكذلك الاهتمام بطرح برنامج مسابقات مشابه يتعلق بالفنون البحرية الخليجية يعتبر من الأمور التي تعزز انتماءنا وهويتنا الخليجية المشترك وتساهم في تقوية جسور الترابط وأواصر التاريخ المشترك وتدعيم فكرة الثقافة الواحدة وأننا شعوب متحدة وما يربطنا أكبر من مجالات التعاون والمنظومات الرسمية كمنظومة مجلس دول التعاون الخليجي، فإن كان الاتحاد الخليجي قد تعطل إشهاره وأُجِّل إلى أجل غير مسمى فإن الاتحاد الثقافي والتراثي بين شعوب دول الخليج العربي لا ينبغي أن يكون بمعزل عن خطط إدارة مشهد توحيد الشعوب الخليجي وفتح السبل لترابطها أكثر أمام التحديات الجارية الحالية من البعض من أعداء شرعية دول الخليج العربي لاختطاف هوية هذه الشعوب وتزوير تاريخها واختطافه.
إن مثل هذه البرامج التي تعد من القوى الناعمة في مجتمعاتنا الخليجية والتي من الممكن أن تكون أسرع في الوصول إلى كافة دول العالم للتعريف بوحدتنا الخليجية وبثقافتنا المشتركة لها عدة أبعاد ورسائل أهمها، أن هذه الفنون التي في كثير من مضامينها في الشعر والإنشاد تحمل قصصاً وعبراً وأمثالاً تكشف تاريخنا العربي في المنطقة، وهي خير شاهد على هويتنا العربية الأصيلة والثقافة التي جاءت من هذه الهوية لتفزر مثل هذه الفنون الشعبية الجميلة، كما أنها خير تأكيد على تاريخ حكامنا والشعوب في الخليج العربي وامتداداتهم وتاريخهم في التجارة والصيد وحتى الحروب والصراعات التي دارت بالمنطقة لأجل الحفاظ على شرعية وعروبة أوطاننا الخليجية، وأن هذه الدول كانت وستبقى عربية الهوية وأن العديد من شعوب الخليج العربي كان لهم تاريخ وإرث كبير في البحر امتد حتى دول عديدة، والدليل أن هذه الفنون الشعبية قد وصلت لهم وهي معروفة عندهم وتؤديها جماعات وقبائل معينة عندهم وهي مقترنة بمناسبات وفعاليات وطنية عبر تلك السنين كانت تؤدى خلالها، وأن هناك العديد من الأراضي العربية الأصل في دول اليوم تحاول تغيير تركيبتها السكانية وتزوير هويتها.
لقد اكتشفنا أمام مطالعة برنامج المنكوس والتعرف عن قرب على أهدافه التي تقوم عليها لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي في سبيل تعزيز الهوية الوطنية أن هذا البرنامج أيضاً جاء لأجل تأكيد أن أبوظبي عاصمة التسامح لعام 2019، فالشعر أبلغ رسالة تحمل أجمل معاني الحب والتسامح وهو خير سفير لتأكيد أن الشعوب العربية شعوب متسامحة، ولا نبالغ إن قلنا أننا نرى أن هذا البرنامج المتفرد في فكرته ومضمونه والذي يعد أول برنامج على مستوى الوطن العربي ككل ينفرد بالاهتمام والتركيز على هذا اللحن التراثي والاهتمام بالإنشاد والشعر الغنائي سيسحب البساط من العديد من البرامج التلفزيونية الأخرى سواء الغنائية أو تلك المهتمة بالموروثات الثقافية والمواهب العربية لكونه قريباً من ذائقة الشعوب العربية ولكونه يلبي ويجيب على علامة الاستفهام المتعلقة بحب التعرف على الفنون الخليجية الأصيلة، وكما قال الباحث الإماراتي سعيد بن كراز المهيري إنه تفاجأ خلال زيارته مؤخراً لطنطا المغرب من عدد المغاربة الذين يتابعون برنامج شاعر المليون، وأن مثل هذه البرامج تحظى بشعبية كبيرة عند الشعوب العربية وهي منتشرة لديهم لأن التراث الفني بين الدول العربية بالأصل متقارب ومتشابه، فهدف البرنامج تأصيل الثقافة والموروثات إلى أكبر شريحة من جمهور الوطن العربي، لذا نرى أن برنامج المنكوس وبعد مطالعة أولى حلقاته التي انطلقت بنجاح كبير ولافت قد يجتذب فئة أكبر من فئة المهتمين بالشعر النبطي وهم فئة الإنشاد والغناء، كما أن الألحان والأوزان والمقامات المختلفة التي يقدم بها لحن المنكوس تصل لجميع الشرائح العمرية والفئات المختلفة والأطياف المتعددة، فهي ترضي ذائقة المتذوق للفن والشعر، كما أنها تجذب أولئك غير المهتمين أصلاً بهذه المجالات لتؤسس جمهوراً جديداً يتفق على حب هذه الفنون التراثية ومتابعتها والتفاعل معها ويبرز الطاقات والمواهب العربية وأوجه الإبداع للمشاركين فيه، فإن كانت البرامج السابقة تلبي حاجات الجمهور العربي فإن برنامج المنكوس اليوم يؤسس لجمهور جديد في الوطن العربي.
وكما أن المنكوس المتفرد في أهدافه والفكرة التي يقوم عليها ويؤسس لجمهور عربي جديد فإن برنامج أمير الشعراء يأتي لتدعيم اهتمام الشباب العربي بمجال الشعر وتأريخ فصل جديد من فصول ثقافتنا العربية ومجالات الإبداع فيها، فإن كان الشعر النبطي قد يصعب فهم بعض مصطلحاته عند شرائح مجتمعية وقد تكون هناك شرائح لا تميل له ولا يستهويها فإن شعر الفصحى هو بالتأكيد من يلم شمل العائلة العربية وهو من يدعم إبراز اللغة العربية الصحيحة والمواهب الشابة في مجالات الشعر العربي، فإن كان الشاعر العربي الكبير أحمد شوقي المشهور بهذا اللقب كأمير للشعر العربي فإن هدف البرنامج يأتي لأجل استمرارية الاهتمام بالشعر العربي وتأسيس أجيال من الشعراء يكونون خير سفراء للشعر العربي ولغة الضاد أمام دول العالم، فالشعر النبطي وشعر الفصحى رسالة السلام والمحبة والتسامح التي تهتم أبوظبي في تصديرها للعالم أجمع من أرض الإمارات، كما أن هذه البرامج تروج لثقافة النقد الشعري وتشجع المهتمين على التمييز بين القصائد ومتونها وقوافيها، ففي برنامج أمير الشعراء يتم التركيز من قبل لجنة التحكيم على الصور البلاغية التي تطرح في القصائد، ويتم حث المتسابقين على الاهتمام أكثر بجزالة الأبيات، فالدكتور عبدالملك مرتاض من الجزائر من لجنة تحكيم أمير الشعراء خلال نقده لقصائد المتسابقين كان يتكلم بطريقة تؤكد أن الشعر هو هوية تكشف شخصية الشاعر ومدى ترجمته للمعاني الإنسانية والجمال الكوني وأن الشعراء العرب يجب أن يكونوا خير سفراء لإرثنا العربي والفكر العربي المتقدم والمتطور والمتسامح.
لقد رأينا طيلة فترة تجولنا في أبوظبي المنهجية والخطط التنموية التي تقوم عليها لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية في أبوظبي في سبيل النهوض بالثقافة العربية والحفاظ عليها كمكون للهوية العربية التي تجمع دول الوطن العربي من الخليج العربي للمحيط وضمان عدم انحرافها أو استبدالها أو تغييرها أمام تحديات العولمة الجارية، ومدى مراعاة أن تكون الإمارات العربية المتحدة دولة جامعة للثقافة العربية وتوجد خطط تنهض بالأدب العربي عالمياً ليكون رسالة تسامح وسلام، ونراهن على أن أبوظبي وجدت طريقها في النجاح وسخرت بجهود كبيرة تشكر عليها كافة الإمكانيات والسبل في أن تكون وطن الشعر العربي اليوم ومتحفاً يجمع تاريخ الموروثات الخليجية والعربية وأرضاً تجمع المواهب الإبداعية في مجالاته وأصحاب الفكر العربي الراغب في النهوض بالثقافة العربية عالمياً وتدير مشهد الإبداع الأدبي العربي بلا منافس وتأريخ تاريخ الأدب العربي بكافة مجالاته وألوانه.. شكراً أبوظبي منارة الشعر العربي وشكراً للقائمين على لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية في أبوظبي.