كانت من الكاتبات المتميزات، وكنت أحرص على قراءة ما تكتب. أسلوبها السلس، أفكارها الذكية، طرحها المثير، كلها عوامل جذب تجعلك تنتظر عمودها اليومي لتقرأه، وكانت هي تدرك هذا التميز وتعبر عن اعتزازها بنفسها وثقتها بقدراتها، تلك الثقة أغرتها في زيادة جرعات الإثارة في كتابتها شيئاً فشيئاً، ليتحول الأمر من عمود يثير الجدل حول القضايا، إلى كاتبة مثيرة للجدل فحسب.
المشكلات التي خلقتها الكاتبة دفعتها لتغيير الصحف التي تكتب فيها عدة مرات، منتهية بالكتابة في أحد المواقع الإلكترونية، بدأت مشكلاتها في الكتابة بردود القراء في المساحات المخصصة للتعليق، وانقسامهم إلى مؤيد ومعارض، وتطوعت الكاتبة غير مرة بالرد عليهم شخصياً، ووصلت كثير من مشكلاتها إلى أروقة المحاكم، وكانت تعبر عن فخرها بأن كتاباتها تحرك، دائماً، البرك الآسنة.
تذكرت تاريخها وأنا أقرأ لها، صدفة، مقالاً فاتراً مسطحاً نشرته على صفحتها غير النشيطة على «فيسبوك». كان موضوعاً مملاً عن الأطفال يصعب إتمام قراءته. وكان الكثير من قرائها الأوفياء، السابقين، حاضرين في الصفحة وفي التعليق بصفتهم جوقة!! يبدو أن الكاتبة تعبت، أخيراً، من إثارة المشكلات وبدأت تركن إلى السلام والهدوء.
الأسئلة الفلسفية الأزلية للكتابة مازالت قائمة: لماذا نكتب؟ ولمن نكتب؟ وماذا نكتب؟ ومازال الكتاب والنقاد مختلفين في إجاباتهم. ولكن تبقى الكتابة «الحقة»، اختراق المناطق الشائكة وخوض المغامرات فيها. نحن لا نكتب لنعيد تعريف القراء بما يعرفون. وفي الوقت نفسه، فإن هذا العالم الذي نعيشه ونتعامل معه بحواسنا الخمس أو الست أو السبع ليس حقيقياً. فهو لا يسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية. واحدة من فلسفات الكتابة تقول: إننا نكتب لإعادة ترتيب علاقات الأشياء بذاتها، لأنها صارت علاقات مشوشة ومقطوعة ومشوهة. ولكن كيف نحقق ذلك دون استغلال الإثارة لأغراض نرجسية، يصير الكاتب هو أول ضحاياها؟
أحياناً أصرف بعض الوقت لمتابعة تعليقات القراء على الموضوعات المثيرة لعدة كتاب، سواء في مواقع أعمدتهم في الصحف، أو في صفحاتهم على منصات التواصل الاجتماعي. كنت أفاجأ بانجرار بعض القراء في خلافات طويلة عريضة لا علاقة لها بالموضوع الأساس. وتفاجأت أن طيفاً من القراء هم من يبحثون عن الإثارة ويوجهون باقي القراء لقراءة الموضوع في اتجاهات غير مقصودة. إذن، لبعض القراء دور في زيادة تفكيك علاقات مكونات الكون ببعضها، وزيادة مساحة التشويش في هذا العالم. ليس الكتاب وحدهم من يمتلكون حق إضفاء المعاني على ما يكتبون، هناك من يسرق حقهم ويستعمل جهدهم. حينها فهمت أحد أوجه نظرية الناقد الكبير «رولان بارت»، «موت المؤلف».
والتفاعل بين الكاتب وقرائه مسألة حيوية وتعبر عن الاحترام، احترام الكاتب لقرائه في اختيار ما يكتب، واحترامه لهم في قبول المجال الأكبر من ردودهم، واحترام القراء للكاتب يدور في فلك عدم الإساءة. ولكنها علاقات ملغمة بالزلل. إما أن يزل قلم الكاتب في البحث عن جوقة ينافقها فتمنحه أوسمة الزعامة، أو أن يزل في»الندية» التي تلف حوله الكثير من المخالفين المستفزين والمستنفرين طوال الوقت متوهماً أنه يحرك المياه الساكنة. أظن شخصياً أن وظيفة الكاتب «إثارة» الوعي وتحريض القراء على طرح الأسئلة والإجابة عنها. وليست وظيفة الكاتب «إثارة» العواطف والانفعالات، واستفزاز القراء والتخاصم معهم.
المشكلات التي خلقتها الكاتبة دفعتها لتغيير الصحف التي تكتب فيها عدة مرات، منتهية بالكتابة في أحد المواقع الإلكترونية، بدأت مشكلاتها في الكتابة بردود القراء في المساحات المخصصة للتعليق، وانقسامهم إلى مؤيد ومعارض، وتطوعت الكاتبة غير مرة بالرد عليهم شخصياً، ووصلت كثير من مشكلاتها إلى أروقة المحاكم، وكانت تعبر عن فخرها بأن كتاباتها تحرك، دائماً، البرك الآسنة.
تذكرت تاريخها وأنا أقرأ لها، صدفة، مقالاً فاتراً مسطحاً نشرته على صفحتها غير النشيطة على «فيسبوك». كان موضوعاً مملاً عن الأطفال يصعب إتمام قراءته. وكان الكثير من قرائها الأوفياء، السابقين، حاضرين في الصفحة وفي التعليق بصفتهم جوقة!! يبدو أن الكاتبة تعبت، أخيراً، من إثارة المشكلات وبدأت تركن إلى السلام والهدوء.
الأسئلة الفلسفية الأزلية للكتابة مازالت قائمة: لماذا نكتب؟ ولمن نكتب؟ وماذا نكتب؟ ومازال الكتاب والنقاد مختلفين في إجاباتهم. ولكن تبقى الكتابة «الحقة»، اختراق المناطق الشائكة وخوض المغامرات فيها. نحن لا نكتب لنعيد تعريف القراء بما يعرفون. وفي الوقت نفسه، فإن هذا العالم الذي نعيشه ونتعامل معه بحواسنا الخمس أو الست أو السبع ليس حقيقياً. فهو لا يسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية. واحدة من فلسفات الكتابة تقول: إننا نكتب لإعادة ترتيب علاقات الأشياء بذاتها، لأنها صارت علاقات مشوشة ومقطوعة ومشوهة. ولكن كيف نحقق ذلك دون استغلال الإثارة لأغراض نرجسية، يصير الكاتب هو أول ضحاياها؟
أحياناً أصرف بعض الوقت لمتابعة تعليقات القراء على الموضوعات المثيرة لعدة كتاب، سواء في مواقع أعمدتهم في الصحف، أو في صفحاتهم على منصات التواصل الاجتماعي. كنت أفاجأ بانجرار بعض القراء في خلافات طويلة عريضة لا علاقة لها بالموضوع الأساس. وتفاجأت أن طيفاً من القراء هم من يبحثون عن الإثارة ويوجهون باقي القراء لقراءة الموضوع في اتجاهات غير مقصودة. إذن، لبعض القراء دور في زيادة تفكيك علاقات مكونات الكون ببعضها، وزيادة مساحة التشويش في هذا العالم. ليس الكتاب وحدهم من يمتلكون حق إضفاء المعاني على ما يكتبون، هناك من يسرق حقهم ويستعمل جهدهم. حينها فهمت أحد أوجه نظرية الناقد الكبير «رولان بارت»، «موت المؤلف».
والتفاعل بين الكاتب وقرائه مسألة حيوية وتعبر عن الاحترام، احترام الكاتب لقرائه في اختيار ما يكتب، واحترامه لهم في قبول المجال الأكبر من ردودهم، واحترام القراء للكاتب يدور في فلك عدم الإساءة. ولكنها علاقات ملغمة بالزلل. إما أن يزل قلم الكاتب في البحث عن جوقة ينافقها فتمنحه أوسمة الزعامة، أو أن يزل في»الندية» التي تلف حوله الكثير من المخالفين المستفزين والمستنفرين طوال الوقت متوهماً أنه يحرك المياه الساكنة. أظن شخصياً أن وظيفة الكاتب «إثارة» الوعي وتحريض القراء على طرح الأسئلة والإجابة عنها. وليست وظيفة الكاتب «إثارة» العواطف والانفعالات، واستفزاز القراء والتخاصم معهم.