حوار – حوراء الصباغ

لا يقتصر الاهتمام بالفئات الخاصة وترسيخ مبدأ التعاون المستمر بينها وبين عامة المجتمع على الجهات الرسمية في الدولة فقط، وإنما يتطلب الأمر نهضة وحراكا من كافة الأفراد والمجتمع لخلق بيئة مناسبة لهذه الفئة ونشر التوعية عبر إزالة الأفكار التي تحول دون دمجهم ضمن فئات المجتمع المختلفة نظرا لازدياد أعدادهم.

وانطلاقا من هذا المبدأ ولأجل نشر ثقافة الدمج سعى الإعلامي والتربوي عبدالرحمن سامي إلى تأهيل وتدريب الفئات الخاصة وإيجاد بيئة عمل مناسبة عبر اطلاقه لبرنامج "سمو" التطوعي لاحتضان ذوي الهمم على مدى 3 أعوام متتالية، والذي حصل على المركز الثالث ضمن جائزة الأمير محمد بن فهد العالمية للعمل التطوعي في المجال الشبابي على مستوى الوطن العربي.

وأكد كل من الإعلامي والتربوي عبدالرحمن سامي صاحب الفكرة ومؤسس البرنامج والمشرف العام لفريق العمل وأحد مشرفي الفريق عبدالرحمن بوحجي طالب طب في عامه السادس في جامعة الخليج العربي في حوار أجرته معهم "الوطن" أن برنامج "سمو" قد حقق إنجازات ومشاركات إيجابية خلال فترة قياسية تتلخص كسب ثقة المؤسسات والجهات وزيادة الوعي لدى أفراد المجتمع وادراك حاجات ذوي الهمم ومايتناسب معهم، فضلا عن الحصول على فرص وظيفية تلائم ذوي العزيمة والقدرة على تسهيل عملية الاندماج الاجتماعي.

وفيما يلي نص الحوار:

عبدالرحمن سامي، أنت من طرحت الفكرة وبدأت بتأسيس البرنامج. حدثنا عن فكرة برنامج "سمو"

من منطلق انخراطي في مجال العمل التطوعي لعدة سنوات وعملي كأخصائي أنشطة، فضلا عن اهتمامي بالفئات الخاصة كوني متخصص في مجال التربية الخاصة وصاحبخبرة في التعامل مع مختلف حالات ذوي الهمم من خلال عملي سابقا كمدرس تربية خاصة، خطرت لي فكرة تأسيس "سمو" لنشر ثقافة دمج ذوي الهمم في المجتمع.

"سمو" هو برنامج سلوكي تدريبي يسمو بذوي العزيمة من خلال توجيه أخلاقياتهم وسلوكياتهم وتطوير مهاراتهم الاجتماعية لإبراز دورهم في المجتمع لتسهيل عملية الاندماج الاجتماعي من خلال التدريب والدمج عبر ورش متنوعة قيادية تغطي كافة المجالات التعليمية النفسية والاجتماعية والفنية، إلى جانب تدريبهم مهنيا لحجز مواقعهم في سوق العمل. وهذا ما دفعني لاتخاذ كلمة "سمو" اسما للبرنامج، وجاءت فكرة البرنامج من خلال وجوده ودمجه برامج "مدينة الشباب 2030" التي تقام كل صيف تحت رعاية وزارة شؤون الشباب والرياضة، ايمانا مني بكونها البيئة المثالية لاحتضان لذوي العزيمة لاحتوائها على جميع شرائح المجتمع.

ماهي الفئات التي تبناها برنامج "سمو" بشكل خاص؟

برنامج "سمو" انطلق كفكرة في البداية معتمدا على استقطاب ذوي الاعاقة العقلية البسيطة كونهم قابلين للتدريب والتوجيه، وهم من يستهدفهم سمو لتطوير مالديهم من خبرات واستعدادات وتأهيلهم مهنياً من خلال تحقيق الدمج الفعلي بالخروج المجتمعي وبمساعدة مدارس الدمج والمراكز الخاصة.

حاليا"سمو" يحتضن ذوي الاعاقة العقلية البسيطة ومتلازمة داون وصعوبات التعلم بالإضافة إلى حالة توحد ، ولذلك البرنامج يركز على الفئات التي تحقق اهدافه من الدمج والتأهيل والتوجيه والتوظيف .



بداية الانطلاق

كيف كانت بداية إطلاقكم برنامج "سمو"، وإلى أين وصلت؟

انطلق البرنامج في عام 2016 ليصبح أول برنامج خاص بذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة الشباب 2030. وبدأ عبر ضم15 مشارك من الفئات الخاصةمن خلال التواصل مع مدارس الدمج والمراكز الخاصة.وتم عمل مقابلات لاختيار المشاركين بالبرنامج، حيث ركز البرنامج في بداياته على تحقيق أهداف ومهارات اجتماعية استقلالية بالدرجة الاولى والدمج مع البرامج الاخرى بالمدينة لتحقيق اكثر من استفادة لذوي العزيمة.

واستمر البرنامج عام آخر في عام 2017 وتطور ليشكل انتقال إلى التأهيل والتدريب والإنتاج وذلك من خلال الترتيب مع سلسلة مطاعم "جسميز" لضم مشاركين البرنامج إلى العمل بهدفالتدريب والتوظيف مع ارتفاع أعدادهم وصولاً إلى 20 مشارك، بالإضافة إلى تنظيم معرض كان الأول من نوعه بداخل مدينة الشباب لعرض المنتجات الزراعية والفنية التي كانت من صنع المشاركين.

أما برنامج "سمو" في عام 2018، فهو كان الانطلاقة الكبرى للمجتمع، حيث نال في هذا العام ثقة المؤسسات الخارجية بما قدمه خلال العامين السابقين وحصل على دعم من ثلاثة بنوك كداعمين ورعاة للبرنامج، وتم الترتيب مع عدة جهات ومؤسسات ووزارات لاحتواء تدريب الطلبة والسعي لتوظيف لأكبر عدد ممكن، بالإضافة إلى التنسيق مع مراكز التأهيل لزيادة أعداد المستفيدين من ذوي العزيمة .فضلا عن إضافة العنصر النسائي ليرتفع عدد المشاركين إلى 33 مشارك، إلى جانب تخصيص يوم بالفنانين والإعلاميين للمشاركة بالبرنامج ليعيشوا يوم تجربة مع ذوي العزيمة كمشرفين لتقريب المساحات بينهم ولنقل صورة ايجابيه عن التعامل معهم للمجتمع.

ماذا عن فريق العمل؟ وهل هناك آلية لاختيار الأعضاء؟

أثناء بناء فريق العمل في عام 2016 كانت عملية اختيار الأعضاء تتسم بالحذر الشديد عبر التركيز على الأشخاص الذين يمتلكون خلفية في العمل الجماعي والمهام القيادية، فضلا عن الأفراد ذوي الخبرة في الألعاب الجماعية.

وبدأ تشكيل الفريق ب4 أشخاص بوجود بعضا منهمالذين تخصصوا في مجال في التربية الخاصة، إلى جانب البعض الآخر من طلبة الطب الذين يمتلكون خلفية في التعامل مع الفئات الخاصة، وفي الحقيقة لا توجد آلية معينة للاختيار وانما يتم على أساس الشخصية إذ وتمت اجراء مقابلات واختيار الأفراد الذين يتملكون الصفات التي تؤهلهم، وهناك العديد من أفراد فريق العمل ممن لا يتملكون الخبرة في التعامل مع الفئات الخاصة ولكنهم حققوا نجاح واندماج كبير.

وفريق العمل سنوياً يكبر بما يقدمه برنامج سمو بشكل لافت،فيصبح اكثر جذب للأخرين في الرغبة الجامحةللتواجد ضمن فريق العمل وهذا ما حصل خلال هذا العامإذ تلقينا العديد من الراغبين لخدمة ذوي العزيمة ممن لديهم شغف العمل بعد بروز نجاحاتهم على الساحة.

حاليا أصبح فريق العمل يتكون من عشرةأشخاص، مشرف عام للبرنامج إلى جانب 9 مشرفين على البرنامج والمشاركين والمشاركات من ذوي العزيمة، وتتم الاستعانة بالمختصين بشكل دوري.

فريق عمل "سمو" له الفضل في توفير بيئة غنية حاضنة لكل المشاركين، فاليوم جميع مشاركين "سمو" لديهم ارتباط كبير جدا بأعضاء الفريق، فهناك من الطلبة من يردد بعض من اسماء الفريق بشكل دائم، بل والبعض من الطلبة كان يرفض الخروج للتدريب خارج مدينة الشباب لكي يبقى مع مشرفه ضمن الفريق ، فتكونت علاقة رائعة بين مشاركين سمو وفريق العمل الذي ساهم بشكل كبير جدا بغرس الثقة في نفوس أولياء امورهم والذين اصبحوا على علاقة وطيدة جدا مع البرنامج نظرا للجهود الكبيرة التي أقامها الفريق، وكل عضو في الفريق يتميز بسمات عكست على البرنامج رونق جميل فجهود البعض رفعت سمو الى السماء ليلقى أصداء.

دعم سمو

من هي الجهات الداعمة للبرنامج والتي تبنت التوظيف؟ وماذا عن ملائمة بيئة العمل للطلبة؟

في بداية الانطلاقة أول الداعمين كانت هي وزارة شؤون الشباب والرياضة والتي رحبت بالفكرة وانطلقنا معها في مدينة الشباب 2030 إلى جانب مؤسسة تمكين، كما ثمن سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة الجهود المبذولة على البرنامج عبر اقامته للعام الثاني على التوالي. وبعد تميز البرنامج استطعنا كسب ثقة الجهات الخارجية الداعمة في عام 2018، منها مطعم "جسميز" الذي منح فرصة لتدريب الطلاب من خلال استقبالهم للزبائن في الصفوف الأمامية، و"سنتر بوينت" الذي قدم 5 مقاعد وظيفة وتم الحصول على مقعدين وتوظيف طالب وطالبة، وفندق "قولدن توليب" والذي قدم فرصة وظيفية، إلى جانب وكالة كانو للتويوتا ودار كبرى القصير وغيرها من المؤسسات الداعمة الذين نقدم لهم جزيل الشكر والامتنان على التعاون.

أما بالنسبة لبيئة العمل، فتم التركيز بصورة أكبر على الوظائف التي تتطلب المهارات الحركية نظرا لتميز الطلبة بالمهارات الحركية حيث أنهم يندمجون بصورة أسرع أثناء تأديتهم للمهام الحركية التي نراها أفضل من المهام الروتينية التي تكون خلف مكتب، فنحن على يقين تام أن نوعية إعاقة الطلبة تتطلب مهارات حركية وتتطلب تقديمهم المزيد مما يعكس ذلك عائد نفسي إيجابي عليهم بشكل كبير أثناء عملهم.

وجود الجهات الداعمة والتي تقدم فرص وظيفية لم يعد يشكل صعوبة الآن بقدر أولياء الأمور والذين تكون لديهم تحفظات معينة على عملية توظيف أبنائهم، ونحن في كل الحالات سعداء جدا بتغيير الثقافة السائدة وكسب ثقة المؤسسات بهم.

مواهب وتحديات

ماهي أبرز الصعوبات والتحديات التي واجهتكم خلال مسيرة العمل وتدريب ذوي الهمم؟

في كل عمل لابد من وجود حواجز، وأبرز التحديات و المخاوف كانت كسب ثقة الفئات الخاصة وايصال المعلومة لهمبحيث تترجم هذه المعلومات والمهارات الى تطبيق على ارض الواقع،فضلا عن التحدي في احتضان اكبر عدد من الطلبة في البرنامج مع الاخذ بعين الاعتبار الكفاءات التي يمكن تخريجها والطاقات التي يمكن صقلها، ونطمح بأن البرنامج يغطي شريحة أكبر في السنة القادمة من الجنسين، ولكن بعد العمل مع هذه الفئة اكتشفناامتلاكهم مواهب واهتمامات ولكن بسبب الحواجز المجتمعية تتلاشى هذه المواهب وليس هناك من يصقلها، وهذه المواهب من الممكن أن تترجم إلى حرفة يدوية يستفيد منها الطالب من ذوي العزيمة.

كما أن الصعوبات في البداية كانت في كسب ثقة أولياء الأمور والمؤسسات، وفوجئنا برفض تعاون بعض الجهات في اللحظات الأخيرة.

وسعيا إلى نشر ثقافة الاهتمام بالفئات الخاصة، كنا نتمنى أن يحدث تنسيق مع جهات ومؤسسات معينة لنشر الثقافة والتوعوية كالمطار على سبيل المثال ولكن نسعى إلى حدوث ذلك مستقبلا، ولا يقتصر ذلك على قضية التدريب بقدر ما يعكس اهتمام مملكة البحرين بذوي الهمم.

هل هناك خطة عمل لبرنامج "سمو" في عام 2019؟

أجل، في 2019 لدينا رؤية أكبر وأكثر وضوحا، فنحن نعمل على فكرة مشروع مستقل وخاص يشمل شريحة أكبر من المشاركين. ونسعى إلى تدريب وتأهيل والحصول على فرص وظيفية لأكبر عدد ممكن من ذوي الهمم، كما يتم التنسيق حالياً مع احدى المؤسسات الكبرى لعمل مشروع ريادة اعمال للمشاركين سيتم الاعداد له من الان للموسم القادم، يهدف الى تثبيت اماكنهم في سوق العمل وفرصة لعرض ما ينتجون من أعمال.



انجازات محفزة

حدثونا عن مشاركتكم بجائزة الأمير محمد بن فهد العالمية للعمل التطوعي بالمجال الشبابي واحرازكم للمركز الثالث؟

حصولنا على الجائزة كان بمثابة عدالة السماء ودعم معنوي وفضل من رب العالمين وانصافا لجهود الفريق الذي استمرت لمدة 3 أعوام متتالية، ونحن لم نفكر في الحصول على تكريم ومراكز بقدر ما ركزنا على تحقيق هدفنا في تغيير حياة أفراد ونشر ثقافة الدمج محليا وعالميا، وهذه هي السنة الأولى التي نشارك فيها ولله الحمد توفقنا وسعدنا جدا بمقابلة الفرق الفائزة من العالم العربي والاستماع إلى تجاربهم وخبراتهم وتبادل الثقافات ونفتخر بتميزنا من بين 109 مشارك من 18 دولة عربية مختلفة.

والجدير بالذكر أننا قد تمكننا من تحقيق مركزين في القاهرة في ظرف أسبوع، فقد حصل البرنامج على المركز الثاني في المبادرات الشبابية، وكل ذلك بفضل ثقة أولياء الأمور وجهود أعضاء الفريق وقد شكل ذلك حافز للتطوير ورسم خريطة واضحة وأكبر لبرنامج "سمو" ودافع لتقديم المزيد والتوسع في مجال خدمة ذوي العزيمة.

ماهي أهم الإنجازات الأخرى التي حققها البرنامج؟

تتلخص الإنجازات في أن البرنامج قد أصبح مرجع للطلبة الباحثين في الجامعات، إلى جانب كسب ثقة أولياء الأمور وشهادتهم بأنه الأفضل بين البرامج واقبال كبير منهم لتسجيل أبنائهم.

كما لوحظ وجود تغير واضح بشخصيات المشاركين واكثر مايظهر ذلك هو زيادة الثقة وبروز الشخصية في عدة مواقف، وتحقيق المشاركات الايجابية من أسر ذوي العزيمة من خلال حديثهم عن اكتشاف قدرات أبنائهم وتغيير افكارهم من ناحية اعتمادهم على انفسهم والاستقلالية والذاتية بالتصرف.

ووجود رغبة كبيرة من الكثير من الشباب والشابات واولياء الامور للانضمام للفريق العامل بالبرنامج بعد الاحتكاك بهم .والبرنامج شكلاضافة كبيرة لفريق العمل من خلال زيادة الوعي وادراك حاجاتهم وما يتناسب معهم، وأدى إلى انبهار شركاء المجتمع بما قدموه ذوي العزيمة في عدة مواقع مختلفة من الاعمال.

كما إنه عند التحقق ممن تم توظيفهم بعد عملية التوظيف بفترة، أكد أصحاب العمل انسجامهم وتطور مهاراتهم بشكل كبير، فضلا عن شهادة مدراء المراكز الذين كانوا منتسبين لهم مثل جمعية داون والذي أكدوا انسجامهم التام وأرجعوا الفضل لبرنامج سمو.