دائماً ما نحذر حينما نتحدث عن الإدارة وفنونها من خطورة التعامل مع البشر بشكل خاطئ، أو بأساليب غير سوية.

للأسف البعض يظن أن الإدارة هي بإدارة البشر بقسوة وصرامة تصل لمستوى الديكتاتورية والتسلط، وهذا فهم خاطئ تماماً، بل هو إن أردتم الصدق «جريمة» كبرى ضمن الجرائم الإدارية التي تحصل، بعضها قد يكون مقصوداً من صاحب القرار والمنصب، وبعضها قد يكون دون قصد، لكنه ناجم عن «فقر» في فهم المعنى الحقيقي للإدارة.

نحن بشر ولسنا آلات كهربائية أو ميكانيكية، ولسنا روبوتات صناعية خالية من المشاعر والأحاسيس، فبالتالي الجزم بأن التعامل دون مشاعر أمر مستحيل التحقق، والظن بأن الصرامة التي تصل لمستوى التسلط والتحجيم والقمع والاستبداد هي الحل لعدم «خلخلة» النظام الإداري وضمان عدم المساس به بمعزل عن المشاعر البشرية، هو ظن كارثي لابد وأن يعالج المصاب به.

إن كنت صاحب منصب، ولديك السلطة الإدارية، وتمتلك الحق في اتخاذ القرارات المؤثرة على سير العمل، أو البشر فيه، لابد وأن تتذكر بأنك تتعامل مع «بشر»، ليسوا أدوات، وليسوا جماداً، والأهم ليسوا «قطع شطرنج».

مفهوم «قطع الشطرنج» في العمل الإداري، مفهوم له دلالات مزعجة، فالفكرة أن رقعة الشطرنج تدار الأحجار والقطع فيها من قبل عقل مدبر واحد، من قبل لاعب واحد هو صاحب القرار في تحديد مصير أي قطعة، فلربما يضحي بأحد البيادق هنا، أو يضحى بحجر الفيلم أو الحصان، والأسباب تختلف، لكن الفكرة بأن التحكم مصدره واحد، والمتحكم بهم هم «قطع جامدة» لا إحساس لديهم، ولا مشاعر، ولا شيء يمكن أن يصدر ليقارعوا صاحب القرار في الرأي، أو يخالفوه في التوجه، أو حتى ليتذمروا أو يعبروا عن الغضب والاستياء بسبب سوء المعاملة.

البشر ليسوا قطع شطرنج، والذكاء في صاحب السلطة ومالك القرار الإداري ليس بالتعامل مع الموظفين تحت إمرته، بأسلوب تحريك قطع الشطرنج، هم ليسوا جمادات لا تناقش أو لا تمتلك رؤى وأفكاراً، بل على العكس نظرية «قطع الشطرنج» هذه لا تصلح في منظومة العمل الإداري، لربما هي تصلح لدى أولئك الذين يحيكون المؤامرات، أو يمتلكون مخططات تستوجب الطاعة العمياء من قبل المنفذين الذين يتحولون بالفعل لأدوات، عليها أن تنفذ دون أن تفكر أو تسأل.

البشر هم خلاف ذلك كله، لحم ودم، وعقول تفكر، وأحاسيس تتحرك، ومشاعر تتأثر، وعليه التعامل معهم لابد وأن يكون بوضع الاعتبار لك ذلك، فالقائد الناجح هو الذي يعرف كيف يدير البشر بذكاء، دون تسلط أو ديكتاتورية أو قمع، بل عليه أن يتعامل معهم بأسلوب «فريق كرة القدم» أو أي رياضة أخرى جماعية، تقوم في مبادئها على «عمل الفريق» من خلال تسخير طاقات كل لاعب في كل مركز، فهناك من دوره الهجوم، وآخر الدفاع، وآخر عليه مسئولية صناعة الفرص، وفي النهاية التكاملية في الأداء هي التي تقود لتسجيل الأهداف، وكل هذه المنظومة يديرها مدرب محترف ذكي يعرف كيف يتعامل مع أنماط مختلفة من البشر، كيف يكيف مهاراتهم، وكيف يتعامل مع سلوكياتهم.

الإدارة الفاشلة هي التي تعتبر الناس جمادات لا يهم رأيها، ولا تهم أحاسيسها، هم مجرد أدوات عليها أن تنفذ بسكوت، ولا يهم إن كانت تقبل بالمهام الملقاة عليها أو لا، لا يهم إن تعرضت لمعاملة سيئة أم لا. لكن الإدارة الذكية هي التي تدرك بأن الناس أسمى من ذلك، هم الذين إن تعاملت معهم بأسلوب محترم، وباستراتيجيات محفزة، وأعطيتهم التقدير، وحفظت لهم كرامتهم، وراعيت مشاعرهم، هم الذين يمكنه بذل جهد مضاعف، بل هم الذين سيحققون لك المستحيل، مع ابتسامة رضا تعلو محياهم، ومع نفسية مرتاحة مستقرة، حتى لو أخذ منهم التعب مأخذاً عظيماً.