القصة تقول إن صاحب مصنع للصابون تعرض لمشكلة كبيرة أصابت سمعة مصنعه، تسببت سرعة أجهزة تعبئة علب الصابون بأن تكون بعض العلب فاضية، وهذا ما جعله أمام كارثة حقيقية تهدد مصنعه بخسائر كبيرة خاصة وأن السمعة مهمة جداً بالنسبة إلى الشركات التي تنتج مواد استهلاكية للناس، إذ مجرد تناقل الناس لهذا الخطأ قد يدفع عشرات المستهلكين للعزوف عن شراء أية منتجات من المصنع أو الشركة وتدفعهم بالضرورة إلى البحث عن بدائل أكثر «مصداقية» وتكون «مضمونة».
صاحب المصنع استدعى عدداً من «الخبراء» حتى يجدوا له الحل!
قال له الخبراء بعد دراسة ومعاينة طويلة لها أتعابها المالية طبعاً، قالوا إن الحل الوحيد هو قيام صاحب المصنع بشراء جهاز ليزر متطور يوضع فوق خط سير الإنتاج، وهذا الجهاز المتطور يمكنه أن يعاين في أجزاء من الثانية كل علبة تمر على خط الإنتاج ويحدد ما إذا كان قد تم تعبئتها أم لا.
طبعا الخبراء استعرضوا لصاحب المصنع قدرات الجهاز الليزري الخطير ومميزاته، وفي آخر العرض أفصحوا له عن سعره وأنه يكلف مبلغا قدره 200 ألف دولار!
صدم صاحب المصنع بالسعر، طبعاً وكيف لا يصدم إن جاء ليقارن سعر علبة الصابون التي يبيعها بعد حسم تكلفة الإنتاج وغيرها ونسبة الربح، بمبلغ الآلة التي ستكشف بقدرتها الليزرية الخطيرة الخلل الذي يمكن أن يهدد سمعة المصنع وقد يقوده لغلق أبوابه ويدفع الشركة للإفلاس.
بعد فترة من التفكير، قرر صاحب المصنع أن يتبع نصيحة الخبراء ويشتري الجهاز الذي يكلف 200 ألف دولار.
حينما حسم صاحب المصنع أمره أثناء جلوسه مفكراً داخل مكتبه، دخل عليه «موظف صغير» وقال له: أعطني 100 دولار فقط، وسأجد لك حلا للمشكلة!
تعجب صاحب المصنع من كلام الموظف البسيط، ورغم شكه في قدرته على حل المشكلة باعتبار أنها احتاجت لـ«خبراء» حتى يأتوا بحل قيمته 200 ألف دولار، إلا أنه قرر بأن يمنح العامل 100 دولار ويرى ماذا يدور في باله.
في الصباح جاء العامل بمروحة كهربائية قوية الدفع ووضعها في نهاية خط سير الإنتاج، وقامت المروحة بفعل الهواء القوي الصادر منها بـ«تطيير» كل علبة فارغة لم يتم وضع صابونة داخلها بسبب سرعة آلة التغليف، وذلك بسبب خفة وزن العلبة الورقية الفارغة!
هذه قصة واقعية أدرجت في كتاب معني بفن «تطوير الذات»، والمغزى منها كان للإشارة إلى خطأ الفكرة السائدة بأن مقياس الحكمة أو الذكاء أو شدة الفهم مرتبط بشكل بحت بالخبراء وحتى العلماء والفلاسفة، إذ كثير من الحلول العملية المرتبطة بواقع الحياة يمكن أن تصدر عن أناس بسطاء.
بيد أنني أريد إسقاط بعض مضامين القصة على واقعنا، إذ لو عدنا للسطور للتمعن فيها، لوجدنا بعض «الرمزيات» التي تتواءم مع الواقع.
مثلاً، حينما تصادف الدولة أو قطاع معين أو حتى شركات مشاكل معينة، أول فكرة تخطر على البال هي «اللجوء للخبراء»، وطبعاً يفضل الخبراء الأجانب باهظو الثمن، باعتبار أن هؤلاء من يأتيك بالحلول الخطيرة، في القصة الخبراء خلصوا لحل بقيمة 200 ألف دولار، بينما الموظف البسيط «العامل في القطاع نفسه»، جاء بحل كلفه بحد أقصى 100 دولار. وهذه ظاهرة سائدة في مجتمعنا وللأسف، إذ وكأن البحرين خلت من الخبرات أو الكفاءات التي بإمكانها تقديم الحلول أو مجرد إدراجها في عملية التفكير، بحيث يكون اللجوء دائماً للخارج، أذكركم بمثل «عذاري» الشهير.
المشكلة الأخرى تتعلق بمن يتخذ القرار حينما يدرك أن الحلول التي تقترح أحياناً تكلف الكثير، لكنه رغم ذلك يوافق، في حين لو كانت هناك مساحة للتفكير السليم والاسترشاد برأي أناس ينصحون بصدق لا ينصحون بهدف ملء جيوبهم لوجدت حلول بتكلفة أقل.
أيضا في قضية إيجاد الحل من قبل الموظف العامل في المصنع الذي وفر مبالغ طائلة اقترحها خبراء أجانب تفكيرهم الرئيسي في «ربحهم» و«عمولتهم» قبل تفكيرهم في حل المشكلة، يقودنا للإشارة إلى عقدة الأجنبي السائدة والتي تأتي على حساب ابن الوطن. والكارثة أننا حينما نريد أن نصلح الخلل نأتي بابن البلد ليكون في النهاية «شماعة» أخطاء الأجانب، أو نصوره كـ «سوبرمان» قادر على تصحيح خراب وفساد وسوء إدارة عقود وسنوات.
المسألة الأساسية تتعلق بعدم ضرورة صرف مبالغ طائلة على مشاريع يمكن أن تتم بتكلفة أقل لو تم الاعتماد على الكادر الوطني، أو لو كلف المسؤولون أنفسهم لوضع مزيد من الجهد والتعب الشخصي فيها، أقلها للتفكير بأنفسهم في عمليات التخطيط والتنفيذ بدل استئجار شركات بمبالغ طائلة «لتفكر عنهم» ولتعمل بدلاً» عن الكوادر الموجودة!
الواقع لدينا يقول بأن كثيرا من القطاعات تتبع طريقة صاحب مصنع الصابون حينما أراد دفع 200 ألف دولار التي اقترحها الخبراء، ولعله يحسب للرجل منحه الموظف البسيط فرصة و100 دولار ليرى ما سيفعله، في حين أنك في كثير من القطاعات حينما يريد موظف أن يقترح شيئاً أو يساهم في حل قد يوفر تكلفة باهظة بالاعتماد على شركات خارجية وخبراء، تقال له الجملة الشهيرة التي يعرفها الجميع: «احنه نشوف شيء ما تشوفه»!
صاحب المصنع استدعى عدداً من «الخبراء» حتى يجدوا له الحل!
قال له الخبراء بعد دراسة ومعاينة طويلة لها أتعابها المالية طبعاً، قالوا إن الحل الوحيد هو قيام صاحب المصنع بشراء جهاز ليزر متطور يوضع فوق خط سير الإنتاج، وهذا الجهاز المتطور يمكنه أن يعاين في أجزاء من الثانية كل علبة تمر على خط الإنتاج ويحدد ما إذا كان قد تم تعبئتها أم لا.
طبعا الخبراء استعرضوا لصاحب المصنع قدرات الجهاز الليزري الخطير ومميزاته، وفي آخر العرض أفصحوا له عن سعره وأنه يكلف مبلغا قدره 200 ألف دولار!
صدم صاحب المصنع بالسعر، طبعاً وكيف لا يصدم إن جاء ليقارن سعر علبة الصابون التي يبيعها بعد حسم تكلفة الإنتاج وغيرها ونسبة الربح، بمبلغ الآلة التي ستكشف بقدرتها الليزرية الخطيرة الخلل الذي يمكن أن يهدد سمعة المصنع وقد يقوده لغلق أبوابه ويدفع الشركة للإفلاس.
بعد فترة من التفكير، قرر صاحب المصنع أن يتبع نصيحة الخبراء ويشتري الجهاز الذي يكلف 200 ألف دولار.
حينما حسم صاحب المصنع أمره أثناء جلوسه مفكراً داخل مكتبه، دخل عليه «موظف صغير» وقال له: أعطني 100 دولار فقط، وسأجد لك حلا للمشكلة!
تعجب صاحب المصنع من كلام الموظف البسيط، ورغم شكه في قدرته على حل المشكلة باعتبار أنها احتاجت لـ«خبراء» حتى يأتوا بحل قيمته 200 ألف دولار، إلا أنه قرر بأن يمنح العامل 100 دولار ويرى ماذا يدور في باله.
في الصباح جاء العامل بمروحة كهربائية قوية الدفع ووضعها في نهاية خط سير الإنتاج، وقامت المروحة بفعل الهواء القوي الصادر منها بـ«تطيير» كل علبة فارغة لم يتم وضع صابونة داخلها بسبب سرعة آلة التغليف، وذلك بسبب خفة وزن العلبة الورقية الفارغة!
هذه قصة واقعية أدرجت في كتاب معني بفن «تطوير الذات»، والمغزى منها كان للإشارة إلى خطأ الفكرة السائدة بأن مقياس الحكمة أو الذكاء أو شدة الفهم مرتبط بشكل بحت بالخبراء وحتى العلماء والفلاسفة، إذ كثير من الحلول العملية المرتبطة بواقع الحياة يمكن أن تصدر عن أناس بسطاء.
بيد أنني أريد إسقاط بعض مضامين القصة على واقعنا، إذ لو عدنا للسطور للتمعن فيها، لوجدنا بعض «الرمزيات» التي تتواءم مع الواقع.
مثلاً، حينما تصادف الدولة أو قطاع معين أو حتى شركات مشاكل معينة، أول فكرة تخطر على البال هي «اللجوء للخبراء»، وطبعاً يفضل الخبراء الأجانب باهظو الثمن، باعتبار أن هؤلاء من يأتيك بالحلول الخطيرة، في القصة الخبراء خلصوا لحل بقيمة 200 ألف دولار، بينما الموظف البسيط «العامل في القطاع نفسه»، جاء بحل كلفه بحد أقصى 100 دولار. وهذه ظاهرة سائدة في مجتمعنا وللأسف، إذ وكأن البحرين خلت من الخبرات أو الكفاءات التي بإمكانها تقديم الحلول أو مجرد إدراجها في عملية التفكير، بحيث يكون اللجوء دائماً للخارج، أذكركم بمثل «عذاري» الشهير.
المشكلة الأخرى تتعلق بمن يتخذ القرار حينما يدرك أن الحلول التي تقترح أحياناً تكلف الكثير، لكنه رغم ذلك يوافق، في حين لو كانت هناك مساحة للتفكير السليم والاسترشاد برأي أناس ينصحون بصدق لا ينصحون بهدف ملء جيوبهم لوجدت حلول بتكلفة أقل.
أيضا في قضية إيجاد الحل من قبل الموظف العامل في المصنع الذي وفر مبالغ طائلة اقترحها خبراء أجانب تفكيرهم الرئيسي في «ربحهم» و«عمولتهم» قبل تفكيرهم في حل المشكلة، يقودنا للإشارة إلى عقدة الأجنبي السائدة والتي تأتي على حساب ابن الوطن. والكارثة أننا حينما نريد أن نصلح الخلل نأتي بابن البلد ليكون في النهاية «شماعة» أخطاء الأجانب، أو نصوره كـ «سوبرمان» قادر على تصحيح خراب وفساد وسوء إدارة عقود وسنوات.
المسألة الأساسية تتعلق بعدم ضرورة صرف مبالغ طائلة على مشاريع يمكن أن تتم بتكلفة أقل لو تم الاعتماد على الكادر الوطني، أو لو كلف المسؤولون أنفسهم لوضع مزيد من الجهد والتعب الشخصي فيها، أقلها للتفكير بأنفسهم في عمليات التخطيط والتنفيذ بدل استئجار شركات بمبالغ طائلة «لتفكر عنهم» ولتعمل بدلاً» عن الكوادر الموجودة!
الواقع لدينا يقول بأن كثيرا من القطاعات تتبع طريقة صاحب مصنع الصابون حينما أراد دفع 200 ألف دولار التي اقترحها الخبراء، ولعله يحسب للرجل منحه الموظف البسيط فرصة و100 دولار ليرى ما سيفعله، في حين أنك في كثير من القطاعات حينما يريد موظف أن يقترح شيئاً أو يساهم في حل قد يوفر تكلفة باهظة بالاعتماد على شركات خارجية وخبراء، تقال له الجملة الشهيرة التي يعرفها الجميع: «احنه نشوف شيء ما تشوفه»!