يلعب التقدم التكنولوجي دوراً رئيساً في تغيير ظروف العمل وتوليد الأفكار الإبداعية والريادية في مؤسسات الأعمال، ويعد «البلوكشين» أحد التكنولوجيات الحديثة الهامة التي تمكن المؤسسات من تحسين أدائها وإنتاجيتها بطرق غير مسبوقة، وتساعدها في خلق منتجات وخدمات ابتكارية جديدة لتعزيز قدرتها التنافسية.
إن نجاح فكرة البلوكشين التي كانت بدايتها لتداول العملات الرقمية، دفع المطورين إلى تحويلها إلى منصة تسجيل ومتابعة كافة أنواع التعاملات بين أية أطراف، فيمكن تعريف البلوكشين بأنه منظومة أو شبكة معلومات تفاعلية تتيح تسوية المعاملات بين أية أطراف وحفظها في سجل رقمي موحد وموزع على جميع الأجهزة المنضمة للشبكة.
ورغم بساطة فكرة عمل البلوكشين إلا أن ما يمكن بناؤه عليها من تطبيقات واستخدامات يحدث ثورة تكنولوجية هائلة تخدم مجالات وقطاعات لا حصر لها، فالبعض اعتبرها بمثابة «الإنترنت الجديد» القادم للعالم، وذلك لقوة التواصل عبرها والتي تكمن في ثلاثة معايير أساسية تفرقها عن الأنظمة السابقة، هي إزالة الوسطاء واللامركزية والتوافق الجماعي، حيث تعمل أنظمة البلوكشين كقناة اتصال وتكامل وظيفي تربط أي مؤسسة بشركائها وعملائها محلياً وإقليمياً ودولياً، يتم من خلالها إنجاز المعاملات بين أي طرفين دون الحاجة للجوء إلى طرف وسيط، كالحاجة مثلاً لاعتماد البنوك كطرف ثالث لتوثيق المدفوعات، مما يعني إنجاز المعاملات بصورة أسرع وأرخص. كما تتيح آلية فورية لمشاركة المعلومات وتتبع المعاملات والاستحقاقات والتنسيق بين جميع الأطراف، لكونها تعمل على قاعدة بيانات لامركزية تخزن كنسخة متطابقة من سجل المعاملات العام «Distributed Public Ledger» في جميع الأجهزة المنضمة للشبكة، بعد تحقق شرط التوافق الجماعي، حيث لا يتم إدراج المعاملات والتغييرات الحاصلة عليها في السجل إلا بمصادقة جميع الأطراف ذات الصلة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مسح المعاملات بعد تسجيلها، مما يزيد الشفافية والثقة إلى حد أكبر مما هو عليه في الأنظمة السابقة.
إن إيجاد قيمة فعلية من استخدام البلوكشين كأداة تكنولوجية لإحداث التطوير في الأنظمة والخدمات يعتمد بشدة على مدى تفوق المؤسسات في الاستفادة من قوة تلك المعايير، ويلاحظ أن الاستفادة من التطبيقات الموجودة حالياً للبلوكشين تصب في اتجاهين، الأول يهدف إلى تحسين إنتاجية وكفاءة عمل الأنظمة السابقة، في حين نميل إلى الاتجاه الآخر، وهو الذي يأتي بفكر جديد وابتكارات إبداعية في المنتجات وطريقة الخدمات وما ينتج عنه من آثار عميقة على مستوى القطاعات، مثل ما هو حادث حالياً من تغييرات جذرية وتحولات كبيرة في القطاع المالي نتيجة اعتماد البلوكشين مع الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في الدفع الرقمي والأعمال المصرفية وغيرها.
ومن أمثلة التطبيقات الحالية استخدام البلوكشين في إدارة وتشغيل العقود الذكية، وتسوية المعاملات والحوالات المالية بين المصارف والأطراف التجارية، ومصادقة واستخراج الهويات الرقمية والتراخيص والمستندات الرسمية كبوليصات التأمين وشهادات الميلاد والزواج وغيرها، والتصويت الرقمي كالانتخابات الوطنية وغيرها، وفي إدارة تسجيل الملكيات كالأراضي العقارية والأصول المادية وغيرها، وفي الرعاية الصحية وما يتصل بها من تأمين وإعانات مادية، وفي حماية حقوق الملكية الفكرية في المجالات البحثية والأدبية والفنية.
ولحداثة التقنية مازال استخدام البلوكشين في أطواره الأولى في دول الخليج، ولكن يتوقع أن يزداد انتشار تطبيقاته في السنوات القليلة القادمة، خاصة في الإمارات والسعودية والبحرين، بسبب ارتفاع مؤشرات جاهزية البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات وتنمية الحكومات الإلكترونية في دول الخليج حسب تقارير الأمم المتحدة، وقد أطلقت حكومة دولة الإمارات في عام 2018 استراتيجية الإمارات للتعاملات الرقمية والتي تهدف إلى تحويل 50% من التعاملات الحكومية إلى منصة بلوكشين بحلول عام 2021، كما عقدت السعودية شراكة مع شركة «IBM» و»Elm» لتباحث استراتيجية توصيل خدمات حكومية وتجارية عبر البلوكشين، أما البحرين فهي أول دولة في العالم تسن قانوناً بشأن السجلات الإلكترونية القابلة للتداول، مما يؤسس الإطار القانوني الداعم لاستخدام البلوكشين في مجال التعاملات المالية والخدمات اللوجستية في أي قطاع. بالإضافة إلى أن بعض الجهات بدأت في تجريبه، كقيام «الجمارك» في السعودية بالإعداد التجريبي للبلوكشين لإدارة نظام الواردات عبر المنافذ البحرية، وإعلان الإدارة العامة للمرور عن مشروع استخدام البلوكشين لتسجيل المركبات المرورية في البحرين، واعتزام جامعة البحرين والجامعة البريطانية في دبي إصدار شهادات رقمياً وتشفيرها باستخدام البلوكشين وتقنيات التعلم الآلي.
ثانياً، استيعاب المصارف المركزية ومؤسسات النقد الخليجية أهمية البلوكشين والمتمثل في السماح للمصارف والمؤسسات التجارية والمالية الاستفادة من منصات البلوكشين في الدفع الرقمي وتسوية تحويلات الأموال والأصول مع النظراء المحليين والإقليميين بكلفة أقل وسرعة أكبر، فقد انضمت مؤسسة النقد العربي السعودية «سما» إلى شبكة البلوكشين «RippleNet» للمصارف المتحالفة لمساعدة البنوك المحلية في تسوية الأعمال المصرفية والتجارية، وبدأ المصرف المركزي في السعودية والإمارات بتباحث إصدار عملة رقمية للمعاملات العابرة للحدود اعتماداً على البلوكشين، كما تمت في بنك الهلال بأبوظبي أول عملية تحويل صكوك عن طريق البلوكشين في العالم وبطريقة تتوافق مع الشريعة الإسلامية، أما في البحرين قام مصرف البحرين المركزي في هذا العام بإنهاء الإطار التنظيمي الخاص بالأنشطة المتعلقة بالأصول المشفرة التي تعمل علىى البلوكشين، متضمنة متطلبات الترخيص والحوكمة والرقابة والأمن الإلكتروني وغيرها.
ومن أجل انتشار استخدام البلوكشين والخروج بابتكارات وأشياء ذات منفعة في دولنا، من المهم أن تأخذ كل مؤسسة زمام المبادرة في رسم الخطط اللازمة لتطويعه في التطوير والابتكار بالمنتجات والخدمات، والتخلص من الأساليب القديمة في تعاملاتها مع العملاء والشركاء، والتنسيق بين كافة الجهات فيما يتعلق بمسائل توحيد معايير البيانات وآليات التدقيق والتوافق الجماعي في الاتفاقات والمستندات والمعاملات التي ستتم من خلاله، حتى يتم استكمال تهيئة البيئة لمطالب عمل البلوكشين على مستوى القطاعات.
* باحثة - مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»
إن نجاح فكرة البلوكشين التي كانت بدايتها لتداول العملات الرقمية، دفع المطورين إلى تحويلها إلى منصة تسجيل ومتابعة كافة أنواع التعاملات بين أية أطراف، فيمكن تعريف البلوكشين بأنه منظومة أو شبكة معلومات تفاعلية تتيح تسوية المعاملات بين أية أطراف وحفظها في سجل رقمي موحد وموزع على جميع الأجهزة المنضمة للشبكة.
ورغم بساطة فكرة عمل البلوكشين إلا أن ما يمكن بناؤه عليها من تطبيقات واستخدامات يحدث ثورة تكنولوجية هائلة تخدم مجالات وقطاعات لا حصر لها، فالبعض اعتبرها بمثابة «الإنترنت الجديد» القادم للعالم، وذلك لقوة التواصل عبرها والتي تكمن في ثلاثة معايير أساسية تفرقها عن الأنظمة السابقة، هي إزالة الوسطاء واللامركزية والتوافق الجماعي، حيث تعمل أنظمة البلوكشين كقناة اتصال وتكامل وظيفي تربط أي مؤسسة بشركائها وعملائها محلياً وإقليمياً ودولياً، يتم من خلالها إنجاز المعاملات بين أي طرفين دون الحاجة للجوء إلى طرف وسيط، كالحاجة مثلاً لاعتماد البنوك كطرف ثالث لتوثيق المدفوعات، مما يعني إنجاز المعاملات بصورة أسرع وأرخص. كما تتيح آلية فورية لمشاركة المعلومات وتتبع المعاملات والاستحقاقات والتنسيق بين جميع الأطراف، لكونها تعمل على قاعدة بيانات لامركزية تخزن كنسخة متطابقة من سجل المعاملات العام «Distributed Public Ledger» في جميع الأجهزة المنضمة للشبكة، بعد تحقق شرط التوافق الجماعي، حيث لا يتم إدراج المعاملات والتغييرات الحاصلة عليها في السجل إلا بمصادقة جميع الأطراف ذات الصلة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مسح المعاملات بعد تسجيلها، مما يزيد الشفافية والثقة إلى حد أكبر مما هو عليه في الأنظمة السابقة.
إن إيجاد قيمة فعلية من استخدام البلوكشين كأداة تكنولوجية لإحداث التطوير في الأنظمة والخدمات يعتمد بشدة على مدى تفوق المؤسسات في الاستفادة من قوة تلك المعايير، ويلاحظ أن الاستفادة من التطبيقات الموجودة حالياً للبلوكشين تصب في اتجاهين، الأول يهدف إلى تحسين إنتاجية وكفاءة عمل الأنظمة السابقة، في حين نميل إلى الاتجاه الآخر، وهو الذي يأتي بفكر جديد وابتكارات إبداعية في المنتجات وطريقة الخدمات وما ينتج عنه من آثار عميقة على مستوى القطاعات، مثل ما هو حادث حالياً من تغييرات جذرية وتحولات كبيرة في القطاع المالي نتيجة اعتماد البلوكشين مع الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في الدفع الرقمي والأعمال المصرفية وغيرها.
ومن أمثلة التطبيقات الحالية استخدام البلوكشين في إدارة وتشغيل العقود الذكية، وتسوية المعاملات والحوالات المالية بين المصارف والأطراف التجارية، ومصادقة واستخراج الهويات الرقمية والتراخيص والمستندات الرسمية كبوليصات التأمين وشهادات الميلاد والزواج وغيرها، والتصويت الرقمي كالانتخابات الوطنية وغيرها، وفي إدارة تسجيل الملكيات كالأراضي العقارية والأصول المادية وغيرها، وفي الرعاية الصحية وما يتصل بها من تأمين وإعانات مادية، وفي حماية حقوق الملكية الفكرية في المجالات البحثية والأدبية والفنية.
ولحداثة التقنية مازال استخدام البلوكشين في أطواره الأولى في دول الخليج، ولكن يتوقع أن يزداد انتشار تطبيقاته في السنوات القليلة القادمة، خاصة في الإمارات والسعودية والبحرين، بسبب ارتفاع مؤشرات جاهزية البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات وتنمية الحكومات الإلكترونية في دول الخليج حسب تقارير الأمم المتحدة، وقد أطلقت حكومة دولة الإمارات في عام 2018 استراتيجية الإمارات للتعاملات الرقمية والتي تهدف إلى تحويل 50% من التعاملات الحكومية إلى منصة بلوكشين بحلول عام 2021، كما عقدت السعودية شراكة مع شركة «IBM» و»Elm» لتباحث استراتيجية توصيل خدمات حكومية وتجارية عبر البلوكشين، أما البحرين فهي أول دولة في العالم تسن قانوناً بشأن السجلات الإلكترونية القابلة للتداول، مما يؤسس الإطار القانوني الداعم لاستخدام البلوكشين في مجال التعاملات المالية والخدمات اللوجستية في أي قطاع. بالإضافة إلى أن بعض الجهات بدأت في تجريبه، كقيام «الجمارك» في السعودية بالإعداد التجريبي للبلوكشين لإدارة نظام الواردات عبر المنافذ البحرية، وإعلان الإدارة العامة للمرور عن مشروع استخدام البلوكشين لتسجيل المركبات المرورية في البحرين، واعتزام جامعة البحرين والجامعة البريطانية في دبي إصدار شهادات رقمياً وتشفيرها باستخدام البلوكشين وتقنيات التعلم الآلي.
ثانياً، استيعاب المصارف المركزية ومؤسسات النقد الخليجية أهمية البلوكشين والمتمثل في السماح للمصارف والمؤسسات التجارية والمالية الاستفادة من منصات البلوكشين في الدفع الرقمي وتسوية تحويلات الأموال والأصول مع النظراء المحليين والإقليميين بكلفة أقل وسرعة أكبر، فقد انضمت مؤسسة النقد العربي السعودية «سما» إلى شبكة البلوكشين «RippleNet» للمصارف المتحالفة لمساعدة البنوك المحلية في تسوية الأعمال المصرفية والتجارية، وبدأ المصرف المركزي في السعودية والإمارات بتباحث إصدار عملة رقمية للمعاملات العابرة للحدود اعتماداً على البلوكشين، كما تمت في بنك الهلال بأبوظبي أول عملية تحويل صكوك عن طريق البلوكشين في العالم وبطريقة تتوافق مع الشريعة الإسلامية، أما في البحرين قام مصرف البحرين المركزي في هذا العام بإنهاء الإطار التنظيمي الخاص بالأنشطة المتعلقة بالأصول المشفرة التي تعمل علىى البلوكشين، متضمنة متطلبات الترخيص والحوكمة والرقابة والأمن الإلكتروني وغيرها.
ومن أجل انتشار استخدام البلوكشين والخروج بابتكارات وأشياء ذات منفعة في دولنا، من المهم أن تأخذ كل مؤسسة زمام المبادرة في رسم الخطط اللازمة لتطويعه في التطوير والابتكار بالمنتجات والخدمات، والتخلص من الأساليب القديمة في تعاملاتها مع العملاء والشركاء، والتنسيق بين كافة الجهات فيما يتعلق بمسائل توحيد معايير البيانات وآليات التدقيق والتوافق الجماعي في الاتفاقات والمستندات والمعاملات التي ستتم من خلاله، حتى يتم استكمال تهيئة البيئة لمطالب عمل البلوكشين على مستوى القطاعات.
* باحثة - مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»