تخيل أنك.. وقد جاوزت الخامسة والعشرين من عمرك «مثلاً»، تسير مع طفل في سن الثانية. ستضطر إلى ضبط خطواتك الواسعة مع خطواته المحدودة. وحين تتقدم عنه عدة خطوات ستتراجع للخلف من أجل اللحاق به. وإذا شعرت أنه قد يفلت منك، فإنك تقبض على كفه بين كفيك. مشاعر الاهتمام بالطفل والقلق عليه وحتى الضيق من الارتباط به ستعوق تقدمك للأمام. وستبقى أسير الطفل وقيد حركته ورهن تصرفاته. كذلك هم «مصاصو الطاقة». يجذبونك نحو عالمهم، فتقع أسير سلوكهم، وتبقى ردات فعلك تدور حول انفعالاتهم.

يدخل مصاصو الطاقة حياتك من باب «العاطفة»، تلك المنطقة التي كثيراً ما تمثل الهشاشة في شخصياتنا. في البدء تشعر بالرضا النفسي عن نفسك وعن دعمك ومساندتك لهم. لكنك تنتهي منفعلاً تفكر كيف تفلت من أسرهم بلباقة تليق بأخلاقك. وربما ستقتنع متأخراً أن عليك أن تكون أكثر حزماً وعنفاً في كبح سيطرتهم عليك.

الشخصيات المتألقة هم أكبر ضحايا مصاصي الطاقة. فالجاذبية التي يمتلكونها والإيجابية التي ينشرونها حولهم، والمبادرات التي يقدمونها للآخرين، تجعلهم فريسة سهلة لهؤلاء. فعندما تربط حياتك بأحد مصاصي الطاقة فإنه يعمل، شيئاً فشيئاً، على امتصاص طاقتك الإيجابية وإقبالك على الحياة وتفاؤلك وحماسك، ليعوضك عنها بمشاعر الإحباط والغضب والوسواس والحزن. فتبدأ تشعر بأنك إنسان حزين ومتعب ومحطم دون أن يكون ثمة سبب واقعي لذلك.

وستتعدد أنماط سلوك مصاصي الطاقة في التأثير السلبي عليك. بعضهم يطاردك بمشاعر الخوف منه، ويفرض عليك الحذر طوال الوقت واتقاء إيذاءاته المستمرة. وبعضهم يحشرك في زاوية التبريرية إذ يجرفك دون وعي منك إلى تبرير كل ما تفعله تجاهه، وتقديم التفسير الصحيح لكل تصور خاطئ يتصوره عنك. وهناك من سيطلب اهتمامك ورعايتك الدائمة به، حتى يتحول إلى أحد أعباء الحياة عليك. وآخرين ستقتصر علاقتك بهم بشكواهم الدائمة وتبرمهم من الحياة ومن البشر. وهناك من سيتطفل على حياتك، فيتابعك في كل خطوة ويعلق على كل تصرف ويوزع برنامجك اليومي بين ما يعجبه وما لا يعجبه!! وبعد معاناة مع مصاصي الطاقة ستكتشف أنك وقعت في «فخ عاطفي» وعليك الإفلات من شباكه، وأن حياتك النفسية قد تشرخت وصارت بحاجة إلى أعمال ترميم عاجلة.

نصائح عديدة يقدمها علماء النفس للتخلص من مصاصي الطاقة. أولها أن تكتشفهم، وتحدد الآثار السلبية التي يخلقونها في حياتك. ثم عليك التأمل في ذاتك وإعادة تدوير وشحن طاقاتك الإيجابية وإقبالك على الحياة ومحبة الآخرين، كي لا يتبدد أو يذبل الألق الداخلي لعالمك. أما روابطك بهم والعلاقات التي تشتبك بها معهم، فهي تحتاج لبرنامج «انشغال مدروس» تقلل فيه من لقاءاتك بهم، وتتنصل من كثير من الشراكات الاجتماعية المعقودة معهم. وفي أسوأ الحالات عليك أن تكون واضحاً في إعلان تصفية الصداقة أو المعرفة التي يكبدك استمرارها الهم والحزن.

الحرية العاطفية مفهوم لم نتعلمه في تنشئتنا الاجتماعية المستمدة من البناء الثقافي لمجتمعاتنا. فالقيمة المسيطرة على سلوكياتنا التي تضبط كثير من علاقاتنا الأفقية والعمودية هي قيمة «الخضوع» وما يتفرع عنها من التعاطف والدعم والتجاهل والتسامح. ونحن لم نتعلم كيف نمارس تلك القيم في إطار يحفظ كياننا وخصوصياتنا وسعادتنا الذاتية. وهو ما يحتاج من كل من يعاني من إقحام الآخرين لأنفسهم في حياته من مراجعة حساباته مع نفسه قبل الآخرين.