احتفلنا قبل أيام باليوم العالمي لحرية الصحافة على نحو جنائزي، فلم يقف على هذا اليوم أحد إلا قليل من الصحفيين ممن أرادوا مواكبة المناسبة كغيرها من المناسبات -وعلى استحياء وبما يخالف قناعاتهم ربما-، بينما لم يحتفِ بها الصحفيون -من حولي- ميدانياً واجتماعياً على الإطلاق، وكأنهم غير معنيين بالمناسبة وكذلك وسائل إعلامنا المحلية.!! من يدري.. فلربما يرجع الأمر لكلفة الاحتفال في ظروف التقشف.
أمر غريب ومُحير فعلاً. ولكن.. لا علينا، فلربما نحن أحوج ما نكون لأشكال أخرى من الحرية، تبدو لي أنها أهم وأعمق وأجدى من «حرية الصحافة». فلربما نحن بحاجة لحريات يسهل علينا تعريفها في أذهاننا دون وضعها بين قوسي التنصيص.
برأيي المتواضع، -وأخص بذلك الإعلاميين والمثقفين والكتاب، ولا أستثني نفسي من ذلك- فإننا بحاجة إلى وقفة جادة ومراجعة حثيثة لما جعلنا عقولنا عليه، ولما سخرناها له. أعلم أن «الحقيقة» كلمة مثيرة للجدل، ولكن هل عملنا يوماً على البحث عنها بصفة مجردة بعيدة عن كل الأهواء الشخصية والقبلية والاجتماعية والوطنية والسياسية، البحث عنها عبر تحرير الفكر من أغلاله ومنحه الحرية التي يستحق. تحرير للفكر من أجل الفكر بادئ ذي بدء، وليس من أجل ممارسة «حرية التعبير» أو «حرية الصحافة».
إننا بحاجة لتحرير الفكر من خبراته السلبية، من انتصاراته الوهمية، من مواقفه الاستعراضية الكرتونية، من ولاءاته التي حجرت عليه سواء كانت ولاءات دينية أو قبلية أو اجتماعية أو وطنية. الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، نعم، ومن غير الممكن عزله عن الجماعة في كثير من أمور حياته، ولكونه كائناً اجتماعياً بطبعه، فهو بحاجة إلى أن ينضوي تحت الجماعة أحياناً في ولاءاته أيضاً، ولن أجرد أحدنا من ذلك اليوم، ولكن ثمة ولاءات عقلانية باتت تغيب عن الساحة، وأصبح الولاء متطرفاً للغاية، حتى بُني عليه التفسير الخاطئ لقول الرسول ص «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً». إن الدعوة للتحرر الفكري اليوم، إنما بُنيت على تجريد العقل من تلك الجاهلية الأولى، والتفرد في أنماط التفكير، والتحرر من الصور النمطية لكل ما اشتمل عليه الفكر.
إننا بحاجة فقط لعقد جلسة داخلية عميقة، نراجع فيها حجم تعرضنا وبالتالي ترديدنا للإجابات المعلبة والمواقف الجاهزة والأحكام المسبقة، وحجم انخراطنا في ذلك باللاوعي أو الوعي، نراجع كل ما حولنا فنشكل المُسلّمات لنفتح أفق التفكير.
إنها دعوة لإثارة ربيع عربي داخلي ننتفض فيه على عقولنا المتشابهة، تشابه قادنا للتفكير بنفس المنطق، وترديد نفس الكلام بصيغ مختلفة، والتوصل إلى نفس الحلول غير المجدية، والدوران كالـ»كتويل» في فلك المشكلات والمعوقات دون الخروج من فكر الأزمة -أي أزمة- نحو حلها، هذا إن كان هناك أزمة فعلاً ولَم تكن مُختلقة لتفريغ طاقاتنا.
نجد أنفسنا جميعاً ذاهبين لنفس الاتجاه، لغايات متشابهة محدودة، ولو تفكرنا في تلك الغايات ملياً لوجدناها لا تشبهنا، ولا تمثلنا، في سعينا لاسترضاء الآخرين وتسجيل المواقف للبقاء في منطقة الراحة فكرياً واجتماعياً، ومادياً ربما.!!
نمارس اليوم أشكالاً مختلفة من التفكير والتعبير، تقوم على الأفكار والأحكام المسبقة عن الأفراد والجماعات والأحزاب ومعتنقي الأديان والشعوب، حتى أولئك الذين لا نعرفهم.. نحاول التعرف عليهم من خلال انتماءاتهم لا من خلال شخوصهم وأفكارهم، ما يجعلنا ندور في دائرة مفرغة جُهزت فيها الأحكام من ذي قبل.
* اختلاج النبض:
في مبادرة رائدة وغريبة، حاكم البعض المستقبل خروجاً على كل صور المحاكمات التي عرفها التاريخ. ولكن كم منا من حاكم عقله قبل محاكمة الآخرين؟!! وقتها فقط قد نتحدث عن «الحرية» دونما استحياء.
أمر غريب ومُحير فعلاً. ولكن.. لا علينا، فلربما نحن أحوج ما نكون لأشكال أخرى من الحرية، تبدو لي أنها أهم وأعمق وأجدى من «حرية الصحافة». فلربما نحن بحاجة لحريات يسهل علينا تعريفها في أذهاننا دون وضعها بين قوسي التنصيص.
برأيي المتواضع، -وأخص بذلك الإعلاميين والمثقفين والكتاب، ولا أستثني نفسي من ذلك- فإننا بحاجة إلى وقفة جادة ومراجعة حثيثة لما جعلنا عقولنا عليه، ولما سخرناها له. أعلم أن «الحقيقة» كلمة مثيرة للجدل، ولكن هل عملنا يوماً على البحث عنها بصفة مجردة بعيدة عن كل الأهواء الشخصية والقبلية والاجتماعية والوطنية والسياسية، البحث عنها عبر تحرير الفكر من أغلاله ومنحه الحرية التي يستحق. تحرير للفكر من أجل الفكر بادئ ذي بدء، وليس من أجل ممارسة «حرية التعبير» أو «حرية الصحافة».
إننا بحاجة لتحرير الفكر من خبراته السلبية، من انتصاراته الوهمية، من مواقفه الاستعراضية الكرتونية، من ولاءاته التي حجرت عليه سواء كانت ولاءات دينية أو قبلية أو اجتماعية أو وطنية. الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، نعم، ومن غير الممكن عزله عن الجماعة في كثير من أمور حياته، ولكونه كائناً اجتماعياً بطبعه، فهو بحاجة إلى أن ينضوي تحت الجماعة أحياناً في ولاءاته أيضاً، ولن أجرد أحدنا من ذلك اليوم، ولكن ثمة ولاءات عقلانية باتت تغيب عن الساحة، وأصبح الولاء متطرفاً للغاية، حتى بُني عليه التفسير الخاطئ لقول الرسول ص «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً». إن الدعوة للتحرر الفكري اليوم، إنما بُنيت على تجريد العقل من تلك الجاهلية الأولى، والتفرد في أنماط التفكير، والتحرر من الصور النمطية لكل ما اشتمل عليه الفكر.
إننا بحاجة فقط لعقد جلسة داخلية عميقة، نراجع فيها حجم تعرضنا وبالتالي ترديدنا للإجابات المعلبة والمواقف الجاهزة والأحكام المسبقة، وحجم انخراطنا في ذلك باللاوعي أو الوعي، نراجع كل ما حولنا فنشكل المُسلّمات لنفتح أفق التفكير.
إنها دعوة لإثارة ربيع عربي داخلي ننتفض فيه على عقولنا المتشابهة، تشابه قادنا للتفكير بنفس المنطق، وترديد نفس الكلام بصيغ مختلفة، والتوصل إلى نفس الحلول غير المجدية، والدوران كالـ»كتويل» في فلك المشكلات والمعوقات دون الخروج من فكر الأزمة -أي أزمة- نحو حلها، هذا إن كان هناك أزمة فعلاً ولَم تكن مُختلقة لتفريغ طاقاتنا.
نجد أنفسنا جميعاً ذاهبين لنفس الاتجاه، لغايات متشابهة محدودة، ولو تفكرنا في تلك الغايات ملياً لوجدناها لا تشبهنا، ولا تمثلنا، في سعينا لاسترضاء الآخرين وتسجيل المواقف للبقاء في منطقة الراحة فكرياً واجتماعياً، ومادياً ربما.!!
نمارس اليوم أشكالاً مختلفة من التفكير والتعبير، تقوم على الأفكار والأحكام المسبقة عن الأفراد والجماعات والأحزاب ومعتنقي الأديان والشعوب، حتى أولئك الذين لا نعرفهم.. نحاول التعرف عليهم من خلال انتماءاتهم لا من خلال شخوصهم وأفكارهم، ما يجعلنا ندور في دائرة مفرغة جُهزت فيها الأحكام من ذي قبل.
* اختلاج النبض:
في مبادرة رائدة وغريبة، حاكم البعض المستقبل خروجاً على كل صور المحاكمات التي عرفها التاريخ. ولكن كم منا من حاكم عقله قبل محاكمة الآخرين؟!! وقتها فقط قد نتحدث عن «الحرية» دونما استحياء.