في الرسالة السامية التي وجهها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، للإعلاميين والصحافيين والكتاب بمناسبة اليوم العالمي للصحافة شدد على دور الإعلام «الوطني المسؤول» بجميع أشكاله في ترسيخ الديمقراطية والعدالة والحوكمة الرشيدة والمجتمع المعرفي ودعم أهداف التنمية وتعزيز الشفافية وسيادة القانون والالتزام بالقيم والآداب وغيرها من الركائز التي يضطلع الإعلام فيها بدور مؤثر. وتطرق جلالته غير مرة في الرسالة السامية إلى استخدامات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يعني أنها أيضاً هي جزء من الحالة الإعلامية والصحافية في البحرين ويتعين أن يسري عليها ما يسري على الصحافة التقليدية. رسالة جلالته إلى الإعلاميين والصحافيين والكتاب ربطت بين الحرية بصفتها قيمة ديمقراطية، وباقي القيم التي يؤمن بها المجتمع والقيم الأخرى التي يتطلع إلى تحقيقها.
في الحديث عن مفهوم الحرية عامة، وحرية الصحافة خاصة، يصعب تجاوز الأحداث الكثيرة والقاسية التي مرت على المنطقة العربية في العقدين الأخيرين. بعض تلك الأحداث كان المراد من ورائها حل أزمات عديدة، لكن النتائج الكارثية خلفت أزمات أكثر عمقاً. واحدة من تلك الأزمات هي مفهوم الحرية وكيفية ممارستها. إذ وظفت الحرية، التي كانت مطلباً ملحاً لكثير من الشعوب العربية، توظيفاً أدى إلى الفوضى وهدد الكيان الوجودي للشعوب في بعض الأحداث. فصار المواطن العربي يفاضل بين أمنه واستقراره ومطالب حرية التعبير وحرية التظاهر وحرية التجمهر. مما أفقد مفهوم الحرية جوهره الفكري والإنساني الراقي وحوله إلى أداة لإدارة الصراع وأحياناً.. الابتزاز.
شيوع الإنترنت في الوطن العربي وتدفق ملايين المعلومات التي يتلقاها العربي دون أن يتعلم كيف يغربلها ويفندها، ثم تمكنه من امتلاك وسائل تعبيره الخاصة عبر المنصات الإلكترونية، أحدثت فوضى كبرى في واقع الثقافة العربية الحالية. فالحرية لا تعني أن يتحدث جميع الناس في جميع القضايا وأن يدلوا بآرائهم كيفما يشاؤون!!
في تصفحنا لمواقع التواصل الاجتماعي أصبح أمراً روتينياً أن يحمل أحدهم هاتفه ويصور إحدى غرف المستشفى شاكياً من تأخر معالجته أو معالجته أحد أفراد عائلته. أو أن يصور أحدهم ابنه مدعياً أن حادث ضرب تعرض له في المدرسة دون حل المشكلة. أو أن يتم تداول إشاعة ضارة ضد مواطن يعمل أو ينشط في موقع ما مع نشر صورته وبياناته. أو أن تضخم حادثة عابرة وتتحول إلى قضية رأي عام. وفي أغلب الحالات تكون تلك القصص مبالغاً فيها أو مفبركة وكيدية. ويكون دور الجهات المعنية توضيح الحقيقة وبيان التضخيم والفبركات وسوء الفهم. والسؤال الذي يتبادر بعد كل حادثة، هل هذه هي الحرية التي نطالب بها؟ وهل قدمت تلك الممارسات «الحرة»، خدمة للمجتمع غير الإثارة والشحن العاطفي؟
إن تحقق مفهوم الحرية المسؤولة يتطلب أن يكون المرء مستقلاً وعقلانياً قبل أن يكون راغباً في أن يكون حراً ويمارس ما يتصور أنه حرية. يجب أن يكون مستقلاً عن تأثير المعلومات المتدفقة بقدرته على تقييمها وفهم الشفرة المزروعة في عمقها. ومستقلاً عن استقطاب المعلومات التي تنسجم، فقط، مع انحيازاته الشخصية والفئوية. ومستقلاً عن القبول الطوعي بمصدر المعلومات والتحليلات الذي يصبح موجهاً متحكماً بسلوك المتلقي. وأن يكون المرء عقلانياً يعني أن يكون حكيماً في تقدير قيمة المعلومة أو الحدث أو الضجة الإعلامية. وواعياً بنتائج ردود الفعل التي يمكن أن يشارك فيها ويدلي بدلوه في مجراها.
الضجيج الذي أحدثته فوضى التعبير عن الرأي أثر سلباً في إيجابية ممارسة الحرية العقلانية. فإن كنت تؤمن بالحرية المسؤولية في التعبير عن الرأي فمن الصعوبة، أحياناً، أن تنخرط في تلك المجادلات المنفلتة التي تعتري مناقشة قضايا حساسة ومهمة. ومن الصعب كذلك أن تبرر أخطاء أصحابها. لأنك، وفي سياقات ملتبسة تشخصن الأحداث فيها وتنتهج الإسقاطات المتعمدة، قد تتحول ببساطة إلى جزء من المشكلة وليس صوتاً للنقاش والحوار والبحث عن الحل.
الحرية مفهوم حضاري وممارسة ديمقراطية تحتاج من الإعلاميين والصحافيين والكتاب وكافة المثقفين تنقيته من الشوائب الكثيرة التي علقت به. وأن يمارسوه في الاتجاه الذي يعزز السلم الأهلي وقيم المحبة والتشاركية. وأن تكون الحرية أداة في نشر الوعي والتثقيف وتقديم الحلول والرؤى المستقبلية، وليس وسيلة إثارة وتحقيق الشهرة أو المكاسب.
في الحديث عن مفهوم الحرية عامة، وحرية الصحافة خاصة، يصعب تجاوز الأحداث الكثيرة والقاسية التي مرت على المنطقة العربية في العقدين الأخيرين. بعض تلك الأحداث كان المراد من ورائها حل أزمات عديدة، لكن النتائج الكارثية خلفت أزمات أكثر عمقاً. واحدة من تلك الأزمات هي مفهوم الحرية وكيفية ممارستها. إذ وظفت الحرية، التي كانت مطلباً ملحاً لكثير من الشعوب العربية، توظيفاً أدى إلى الفوضى وهدد الكيان الوجودي للشعوب في بعض الأحداث. فصار المواطن العربي يفاضل بين أمنه واستقراره ومطالب حرية التعبير وحرية التظاهر وحرية التجمهر. مما أفقد مفهوم الحرية جوهره الفكري والإنساني الراقي وحوله إلى أداة لإدارة الصراع وأحياناً.. الابتزاز.
شيوع الإنترنت في الوطن العربي وتدفق ملايين المعلومات التي يتلقاها العربي دون أن يتعلم كيف يغربلها ويفندها، ثم تمكنه من امتلاك وسائل تعبيره الخاصة عبر المنصات الإلكترونية، أحدثت فوضى كبرى في واقع الثقافة العربية الحالية. فالحرية لا تعني أن يتحدث جميع الناس في جميع القضايا وأن يدلوا بآرائهم كيفما يشاؤون!!
في تصفحنا لمواقع التواصل الاجتماعي أصبح أمراً روتينياً أن يحمل أحدهم هاتفه ويصور إحدى غرف المستشفى شاكياً من تأخر معالجته أو معالجته أحد أفراد عائلته. أو أن يصور أحدهم ابنه مدعياً أن حادث ضرب تعرض له في المدرسة دون حل المشكلة. أو أن يتم تداول إشاعة ضارة ضد مواطن يعمل أو ينشط في موقع ما مع نشر صورته وبياناته. أو أن تضخم حادثة عابرة وتتحول إلى قضية رأي عام. وفي أغلب الحالات تكون تلك القصص مبالغاً فيها أو مفبركة وكيدية. ويكون دور الجهات المعنية توضيح الحقيقة وبيان التضخيم والفبركات وسوء الفهم. والسؤال الذي يتبادر بعد كل حادثة، هل هذه هي الحرية التي نطالب بها؟ وهل قدمت تلك الممارسات «الحرة»، خدمة للمجتمع غير الإثارة والشحن العاطفي؟
إن تحقق مفهوم الحرية المسؤولة يتطلب أن يكون المرء مستقلاً وعقلانياً قبل أن يكون راغباً في أن يكون حراً ويمارس ما يتصور أنه حرية. يجب أن يكون مستقلاً عن تأثير المعلومات المتدفقة بقدرته على تقييمها وفهم الشفرة المزروعة في عمقها. ومستقلاً عن استقطاب المعلومات التي تنسجم، فقط، مع انحيازاته الشخصية والفئوية. ومستقلاً عن القبول الطوعي بمصدر المعلومات والتحليلات الذي يصبح موجهاً متحكماً بسلوك المتلقي. وأن يكون المرء عقلانياً يعني أن يكون حكيماً في تقدير قيمة المعلومة أو الحدث أو الضجة الإعلامية. وواعياً بنتائج ردود الفعل التي يمكن أن يشارك فيها ويدلي بدلوه في مجراها.
الضجيج الذي أحدثته فوضى التعبير عن الرأي أثر سلباً في إيجابية ممارسة الحرية العقلانية. فإن كنت تؤمن بالحرية المسؤولية في التعبير عن الرأي فمن الصعوبة، أحياناً، أن تنخرط في تلك المجادلات المنفلتة التي تعتري مناقشة قضايا حساسة ومهمة. ومن الصعب كذلك أن تبرر أخطاء أصحابها. لأنك، وفي سياقات ملتبسة تشخصن الأحداث فيها وتنتهج الإسقاطات المتعمدة، قد تتحول ببساطة إلى جزء من المشكلة وليس صوتاً للنقاش والحوار والبحث عن الحل.
الحرية مفهوم حضاري وممارسة ديمقراطية تحتاج من الإعلاميين والصحافيين والكتاب وكافة المثقفين تنقيته من الشوائب الكثيرة التي علقت به. وأن يمارسوه في الاتجاه الذي يعزز السلم الأهلي وقيم المحبة والتشاركية. وأن تكون الحرية أداة في نشر الوعي والتثقيف وتقديم الحلول والرؤى المستقبلية، وليس وسيلة إثارة وتحقيق الشهرة أو المكاسب.