تنوعت الأنشطة الثقافية التي أقيمت مع انطلاقة الدورة 33 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب -رابع أكبر معرض يقام للكتاب في العالم، والذي تنعقد فعالياته بمركز الشارقة الدولي للمعارض المؤتمرات "إكسبو" للفترة بين 5-15من نوفمبر الحالي بمشاركة إقليمية وعالمية واسعة- وسجلت حضوراً لافتاً في طبيعة الموضوعات التي ناقشتها، ومكانة وطبيعة الشخصيات الفكرية والأدبية والفنية والمتخصصين الذين أثروا الندوات الحوارية بتجارب ذاتية رائدة. وفي ضوء ذلك أقيمت العديد من الفعاليات الثقافية، أبرزها: جغرافيا المكان، وقراءة في الأدب الروسي، وقراءة أخرى لأول كتاب مخصص لتعريف القارئ العربي حول التنمية الصينية المعاصرة، واستضافت الفعالية الأولى التي أقيمت بقاعة ملتقى الأدب كلاً من الأديبة الباكستانية كاملة شمسي، والأديبة العراقية إنعام كجة جي، ود. صالح هويدي، وأدارت الحوار فتحية النمر، واستعرضت جغرافيا المكان التي تتيح للكاتب حركة بين أماكن واقعية واخرى خيالية، كما تناولت طرق تشكل الأمكنة مع خلال تتابع الأحداث السردية للرواية، وطبيعة الأسئلة التي تثيرها الشخوص الحقيقية والوهمية التي يبني المؤلف فكرته عليها. وبينت الكاتبة الباكستانية أديبة شمسي أن المدينة الأولى للمؤلف هي المهلم الرئيس في كل مايبني عليه من مؤلفات ووقائع، حيث انطلقت في بداياتها من خلال الكتابة عن العاصمة الباكستانية كراتشي، ووجدت فيها المكان الناطق الحقيقي بسيل من الأحداث المختلفة التي راوحت بين التطور والصراع ومايترتب على ذلك من المشاعر الإنسانية التي تقود مسارات الرواية، لكنها اكتشفت أن تجربة الكتابة عن أمكنة أخرى لاتقل بهاء عن كراتشي، مبينة أن الرواية لايمكن أن تبقى حبيسة مكان واحد، وأن جزءاً من اسرار نجاحها يعود الى انتقالها بين امكنة عدة، يمكن ان تكون فيما بعد اوطانا متعددة لروائي واحد. وتحدثت الكاتبة العراقية انعام كجة جي -المرشحة لنيل جائزة الرواية العربية البوكر لروايتها الجديدة "طشاري"- عن تجربتها الأدبية المتعلقة بالمكان، مبينة أنها مغتربة عن بلدها الأم لأكثر من 3 عقود، لكنها كانت تكتب رواياتها التي تصور أبناء وطنها من المنفيين والمغتربين والمهاجرين ضمن نطاق الوطن والأم، لاسيما العاصمة بغداد التي لاتزال تلهم الجميع على الكتابة برغم ماتعانية من عدم استقرار، حيث تجلى المكان من خلال أحاديث الوجوه المهاجرة، لتبقى سطوته وحضوره في ملامح الرواية برغم ابتعاد شخوصها عنه، وكشفت كجة جي خلال الحوار عن انشغالها حالياً بتأليف رواية عاطفية تدور احداثها بين عراقية من اصل ايراني وفلسطيني يعيش في كراتشي.واختتم الدكتور صالح هويدي فعاليات الندوة بالإشارة إلى أن المكان أكبر من مجرد موقع جغرافي عادي، وإنما هو عنصر من عناصر الرواية، وأنه- كشأن الكثير من عناصر الرواية الأخرى مثل الشخوص والزمان- يكتسب دلالة استثنائية في التعبير عن مكنونات الكاتب وسير الأحداث ورسم سياقات واسعة يتحرك النص في فضاءاتها دون قيود تذكر، ثم اشار الى بعض التجليات الناجحة للمكان من خلال نماذج روايات أخذت شهرة واسعة في العالم العربي. ومن جغرافيا المكان الى "أدب الآخر" والحديث عن الأدب الروسي الذي شهد قراءات عدة على قاعة ملتقى الأدب، استهل مروان البلوشي الذي ادار الندوة حديثه بنقاط الإلتقاء العديدة التي تربط الأدبين العربي والروسي، مثل نمط معيشة البيئات المحلية، وموجات التغريب التي تتعرض لها، والتحولات السياسية الكبيرة التي رافقت القرن 19، كما قام بتعريف صالون الأدب الروسي، وهو صالون أدبي إماراتي يضم اليه عشاق الأدب الروسي، وتجربتهم المتميزة في هذا المجال في الإطلاع على هذا الأدب خلال الفترة الماضية. وقدم الكاتب د.حسن مدن مقدمة عن تجربته في قراءة أدب الكاتب الروسي انطوان تشيخوف، ورأى أن أدبه يعبر عن خلجات روحية ونفسية تعتري الجميع من خلال انتقالها بين الأفراح والأحزان، والشجون المختلفة، مع انه لم يحظ بالشهرة التي حظي بها أدباء روس آخرون مثل: دويستوفيكي، وبوشكين، وغيرهما، ورأى أن الإطلاع على أدب الآخر بلغته الأصلية أوسع قرباً، والصق فهماً ومعايشة لطبيعة الأحداث الأدبية والسردية، وأن النجاح في تقديم نص يحتاج الى ذائقة من نوع خاص لكي تقرب بين الكاتب والمتلقي خارج أسوار المكان، واختتم حسين النجار الندوة بقراءات لقصائد شعرية لأدباء روس مثل: ديرمنتوف، وبوشكين، وتخلل الندوة العديد من المداخلات والحوارات. في الإتجاه ذاته،ناقشت ندوة "طريق الصين سر المعجزة" التي أقيمت على قاعة الإحتفالات أول كتاب صيني نقله الى العربية المترجم أحمد السعيد، الذي انطلق في حديثه الى أهمية الإرتقاء بفهم التجربة الصينية، والأخذ منها بما ينسجم مع الواقع في العالم العربي دون الحاجة الى استنساخ التجربة لاختلافات جوهرية عدة، مبيناً أنه كفيل بتحقيق تطور لافت في العالم العربي، واشار حامد راضي أن سر تطور الصين ينطلق من التعليم، والحرص الشعبي على دعمه، وهي خطوة لو اخذت بنظر الإعتبار كان لها نتائج ملموسة.أما المستشار الصيني تشان ون ون فقد كشف عن ان الظروف الحالية مؤاتية للمزيد من التعاون، وأن الفترة القادمة ستشهد تحولات ايجابية في مسار العلاقات العربية الصينية، وعزز د. عصام اشرف الاستاذ بجامعة القاهرة من امكانات التطور في العلاقة الصينية العربية نظراً لوجود نقاط التقاط عدة، منها: ان الجانبين اصحاب حضارة، ومنها: حرصهما على التنمية، ومنها: رغبتهما في التعايش السلمي، وان الصين حالياً هي الشريك التجاري الثاني للعالم العربي، وان الطريق الذي يمكن ان يربطها مع العالم العربي يستحق ان يسمها طريق الحرير لأنه متصل جغرافياً ويمكن أن يقود الى ازدهار عملية التنمية على امتداد الخط الرابط لتحقيق الطموحات والتوجهات التي تكفل توثيق العلاقات، والمصالح المشتركة القائمة على الإحترام المتبادل.