* لا يمكن أن تكون صحافياً وأنت ترتبك من الحديث إلى الناس ولا تملك القدرة على التواصل معهم
* في زمن ما قبل مواقع التواصل الاجتماعي كان المجتمع لا يقبل أن تدرج المرأة صورتها مع المقال
* حتى تكون صحافياً عليك أن تكون جريئاً وقوياً وذا نفس طويل وبال أطول!
* الصحافي كما المؤذن يعلن عن وقت الصلاة ويقيم كلمة الحق وليس مسؤولاً عمن سيحضر للصلاة ويلتزم بالصلاة أو لا يحضر
* هناك من لا يميز بين سلطة الصحافة وبين السلطة التنفيذية بالدولة فالصحافة صوت الشعب ومن واجباتها طرح مقترحات الحلول لا حلها
* هناك من يعتقد أن الصحافي "جوجل" وموسوعة علمية لكل شيء في هذه الدنيا
* ما لا يعرفه الناس عن الصحافي كذلك أنه من أكثر الأشخاص الذين قد يتعرضون للتنمر والمخاطر
* في كل المهن هناك صراعات وحروب نفسية ولكن في مهنة الإعلام الحروب النفسية والخفية بسبب الأضواء
* الصحافي قد يجابه أعداء كثراً لا يعرفهم وليسوا من مجاله بل يعادونه لأنه مشهور!
* الأعداء الجهلة الذين يزورون مواقف الصحافي وكتاباته مثل كرة الثلج التي تنسف علاقاته الاجتماعية
* من أكثر الأسئلة التي قد تطرح على الصحافي أن تجد أحدهم يسأله كيف تعلمت الكتابة
* أساس الإعلام الكلمة ومعظم المدارس الإعلامية اتفقت على أن الصحافة هي أم الإعلام
قالت لنا ونحن في أولى سنوات الدراسة وبعد أن اخترنا ضمن التخصصات الرئيسة للإعلام تخصص «الصحافة»، وبعد أن طلبت منا منذ الحصة الأولى ان نقوم بإجراء استطلاع رأي ميداني للطلبة وأمام ارتباك وتردد البعض منا: من منكم لا يملك الجرأة والشجاعة لأن يكون صحافياً فليغادر هذا الفصل من الآن ويتجه للتسجيل لتغيير تخصصه!
لا يمكن أن تكون صحافياً وأنت ترتبك من الحديث إلى الناس ولا تملك القدرة على التواصل معهم لإجراء الاستطلاعات والتحقيقات.. عليك أن تكون جريئاً وواثقاً من نفسك.. وأمام ترددنا الواضح قالت بحزم: إن كنت اليوم لا تستطيع إجراء استطلاع رأي طلابي بسيط فكيف ستكون بالغد صحافياً يتولى إجراء استطلاعات وتحقيقات على نطاق أكبر؟!!
هكذا قالت لنا دكتورة سامية رزق «الله يذكرها بالخير» وقد جعلتنا هي والدكتور جمال عبدالعظيم بمثابة رؤساء تحرير لمجلات صحافية نتولى العمل عليها من الألف إلى الياء كمشروع تخرج للمادة، رغم أننا كنا طلاباً في السنة الأولى من الجامعة ونجهل التصميم والتحرير والكثير من الأمور التي تحتاجها عند تولي مجلة صحافية، كما تعمدوا أن يمنحوننا منذ الحصص الأولى لنا واجبات وبحوثاً أسبوعية عبارة عن إجراء استطلاعات رأي وتحقيقات مع الطلبة والأساتذة بالجامعة.. لقد قاموا بإلقائنا مباشرة في بحر الصحافة ونحن «بعدنا» لا نمتلك مهارات السباحة فيها، فكان ذلك الدرس الأول لنا كطالبات رغم أننا جئنا من بيئة غير مختلطة بالمرة ومن مدارس حكومية ولم يسبق لنا حتى الكلام مع أحد الطلبة الشباب، فكيف بإجراء استطلاع رأي معه والتجرؤ بطلب أخذ صورة له عبر الكاميرا؟
فيما يخص الصحافيات كذلك في ذلك الوقت ومع بدء ظهور المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، كان من النادر جداً أن تنشر فتاة صورتها على مقال أمام مجتمع محافظ لم تقتحمه بعد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كان من غير المألوف جداً أن تنشر فتاة ظهر اسمها للتو في مجال الصحافة وغير معروفة صورتها الشخصية.. مجتمع كان يرى أنه بإمكان المرأة أن تمارس مهنة الكتابة ولكنه لا يقبل أن تدرج صورتها مع المقال! مجتمع كان يرى أن من تفعل ذلك «مصدقة روحها» و»تستعرض نفسها وتبي تطلع فيها وتوصل!» وكأن الطموح لأن يكون لك اسم ساطع في سماء الصحافة يوصلك إلى تحقيق طموحاتك الإعلامية والمهنية حق غير مشروع لأي فتاة! كانت الحروب غالباً تأتي من العقليات الدينية المتشددة التي لم تألف بعد مشهد ظهور فتيات بحرينيات ولديها قناعة «لا ندري من أين جاؤوا بها» أن هذا المجال يخص نوعية معينة من النساء!
هناك أيضاً العقليات غير الواعية التي كانت تعتقد أن الصحافية وهي تتعامل مع مختلف شرائح المجتمع عملها مثل عمل الفنانة وإنسانة متاحة بإمكانه الاتصال بها في أي وقت من اليوم، وبإمكانه النقاش معها في أي موضوع كان، وبإمكانه حتى تجاوز الحدود معها متشدقاً بعذر واهٍ مستغلاً موضوع أنها في مجال منفتح، دون أن يراعي الحدود والقيم المجتمعية معها، والنهاية غالباً تكون كارثية خاصة في حال اصطدامها به وإلزامه حدوده!
حتى تكون صحافياً عليك أن تكون جريئاً وقوياً وذا نفس طويل في هذا المجال، وذلك كان الدرس الأول ونحن على عتبات الدراسة، ومن صمد من تلك الدفعة التي كانت تعتبر ثاني دفعة جامعية في جامعة البحرين للخطة الدراسية الجديدة المعتمدة لقسم الإعلام والفنون والسياحة والتي ترتكز على التخصص في أحد تخصصات الإعلام الرئيسية «الصحافة – الإذاعة والتلفزيون – العلاقات العامة – الوساط المتعددة» حتى التخرج ولم ينسحب أو يسعى لتغيير تخصصه أو تحويله إلى تخصص رئيس آخر في الإعلام يجنبه «عوار الراس»، فمسألة أن يوافق طالب أو طالبة على الحوار معك ثم بعد دقائق قد يغير رأيه ويرتبك ويخبرك أنه لا يعرف ماذا يقول ويطلب منك عدم نشر كلامه أو يخبرك أن صورته سخيفة ولا يودك أن تنشرها، أو يعود ليتراجع أو يطلب منك وضع الحروف الأولى لاسمه بدلاً من اسمه الحقيقي أو أو أو.. دهاليز طويلة تتطلب منك أن تكون مرناً.. ويكون بالك طويلاً جداً ولك مزاج رائق جداً للتعامل مع مختلف النفسيات والعقليات والشخصيات!
ما لا يعرفه الكثيرون عن الصحافي أن العامل في هذا الميدان مطلوب منه دائماً ضبط النفس وهو يتعامل مع شرائح متعددة من الجماهير التي بعضها قد لا يكون مؤدباً أو متفهماً لعمل الصحافي، وهناك من قد يفسر عمله على منحنيات أخرى من باب «كل يرى الناس بعين طبعه» فيخلط بين الصحافي والمرتزق، في حين هناك غير المثقف والذي تحتاج لوقت طويل حتى توصل له فكرتك وتشرح له موضوعك، كما هناك المرتاب منك الذي يظن أنه ستسجل كلامه لتؤذيه وتورطه في مشاكل هو في غنى عنها، وهناك المتقلب والمزاجي والعدواني ومن يحاول التقليل من مهنتك بادعاء «ما الفائدة مما تقوم به؟»، ومطلوب منك وأنت تتعامل معه أن «تطنش» عبارة «المسؤولين ما بيقرون كلامك! ومحد اليوم مهتم بالقراءة!»، «طيب وطرحت الموضوع وبعدين؟ شنو راح يصير.. هل راح يسوون لنا شيء؟»، دون أن يفقه أن مهنة الصحافة هي رسالة وأداة لنقل الواقع إلى من يهمه الأمر وتسليط الضوء على قضايا المجتمع ومشاكله، فالصحافي كما المؤذن يعلن عن وقت الصلاة ويقيم كلمة الحق وليس مسؤولاً عمن سيحضر للصلاة ويلتزم بالصلاة أو لا يحضر.. ليس مسؤولاً إن كان المكان سيزدحم بالمصلين أو لن يحضر إلا القلة!! هو حدود مهنته ومسؤولياته تكمن في الإعلان عن القضية وإبرازها وإحياء كلمة الحق وإعلائها وإيصالها ليسمعها الجميع، بغض النظر عما بعد مرحلة السمع والعلم.
ما لا يعرفه البعض عن الصحافي كذلك، أن هذه المهنة هي مهنة المتاعب والمشاكل فعلاً، وأن هناك تخصصات وأنواعاً لعمل الصحافي، وأكثر التخصصات جلباً للمشاكل هو الصحافي والكاتب المتخصص في الصحافة الشعبية ونقل هموم المواطن، فقد يتعرض للكثير من الأخطار والتهديدات والمشاكل خاصة من عقليات لا تتفهم عمله الصحافي وأنه يؤدي رسالته المهنية، وتفسرها على أن الصحافي يستهدف شخص المسؤول عن القطاع الذي ينتقده، والحال نفسه في الصحافي أو الكاتب المتخصص في الشؤون السياسية والمحلية وصفحات التحقيقات، ومن جانب آخر يتعرض العامل في هذا النوع من الصحافة إلى ضغوط من المواطنين أنفسهم، فهناك من لا يميز بين سلطة الصحافة وبين السلطة التنفيذية بالدولة، فالصحافة صوت الشعب ومن واجباتها نقل وإيصال معاناة المواطنين والرقابة على المجتمع وطرح مقترحات الحلول لا حلها وتنفيذ الحلول!! فهناك شرائح مجتمعية لا تفقه في حدود عمل الصحافي وواجباته ومسؤولياته، ويعتقد أن الصحافي طالما تولى إدارة ملف قضية شعبية فإنه محاسب في حال عدم تنفيذ مطالبهم دون أن يفطن للخطوط الحمراء التي يقف عندها الصحافي ولا يتجاوزها كي لا يتداخل عمله مع السلطات التنفيذية بالدولة!
هناك أيضاً من يعتقد أن الصحافي «غوغل» وموسوعة علمية لكل شيء في هذه الدنيا، فتجده دائماً ما يقول للصحافي وهو يتناقش معه أو يسأله عن معلومة قد لا يعرفها الصحافي «شلون ما تعرف؟ عيل شلون أنت صحافي؟!»، وكأن الصحافي مطالب أن يكون «أبا العريف» في كل معلومة في هذا العالم، دون أن يفطن أن الصحافة تخصصات والصحافي الشاطر هو الذي يمتلك معلومة بسيطة عن كل مجال، ومعلومات دقيقة عن مجال تخصصه الصحافي.
ما لا يعرفه الناس عن الصحافي كذلك، أنه من أكثر الأشخاص الذين قد يتعرضون للتنمر والمخاطر في مهنة يشعر فيها وهو يبحر في تفاصيلها أنه وسط أمواج عاتية متلاطمة لا يعرف أين سترسو به، لذا فهو يحتاج دائماً إلى «ظهر» يحميه و»يحامي عنه» متمثل في الجمعيات والنقابات الصحافية التي تدافع عنه وتطالب بحقه في حال تعرضه للمخاطر أو المشاكل، كما يعاني الصحافي الذي يعمل في أكثر من مهنة من الصراعات والحروب النفسية المدمرة من أعداء النجاح، وقد يكون ضحية لأحد المرضى نفسياً خاصة إن وجد في بيئة عمل الخبرات المهنية التي فيها متواضعة التعليم والمعرفة، فقد يتعامل مع شخصيات تهزأ من لمعان اسمه وشهرته وتقارن بين نفسها وبينه، خاصة إن كان الصحافي صغيراً في السن فتسعى للكيد له وإفساد عمله.
يذكر لي زميل صحافي هذه الواقعة: انتقلت لعمل حكومي إلى جانب عملي بالصحافة.. فور انتظامي بالدوام معظم الموظفين لا يريدون أن يتكلموا معي، فهناك من تكلم عني ورسخ لديهم قناعات خاطئة عن شخصيتي قبل حتى أن أحضر للدوام.. لقد تعرضت للتنمر من قبلهم فقط لأن اسمي معروف وهناك من يزعجه هذا.. كانوا يتجنبون الحديث معي ولا يختلطون بي ويسعون إلى تعزيز صورة سلبية عني وأني شخص منبوذ وصعب التعامل معه عند أصحاب القرار والقيادة العليا بالمؤسسة التي أعمل فيها، كي يثبتوا أني لا أصلح للعمل في مجال الإعلام والعلاقات العامة.. كنت ألحظ الغيرة فيهم التي وصلت لدرجة عدم استدعائي لصلاة الجماعة معهم حينما يحين وقت الصلاة.. كل ذلك فقط لأنني أعمل في مهنة الصحافة واسمي معروف ولم أجد بداً من قلب الطاولة عليهم، فقمت أنا الذي لا أتكلم معهم وأخذت أتعمد تجنب من أشعر أنهم يسعون لنبذي بإحراجهم حتى انقلب السحر على الساحر بالنهاية!
قلت له يومها: بالمناسبة ما ذكرته واقعة متكررة، لا أعتقد أن هناك صحافياً واحداً لم يتعرض لهذا النوع من التنمر والنبذ الجماعي من أشخاص المفترض أن يكونوا زملاء ولكنهم يشعرون بالدونية والنقص أمامه، فمازلت أذكر أحد المسؤولين وهو يصارحني أمام جملة متاعب وافتعال مشاكل متتالية «زملاؤك يغارون منك لأنك تشعرينهم أمام اجتهادك في عملك أنهم مب شيء وهذا يؤذيهم لأنهم رجال!» عقدة الذكورة «وصدقني الوضع أسوأ بكثير مما تتصور عندما تكون فتاة وتكون المسؤولة المباشرة عليك فتاة، ستريك نجوم الليل في عز الظهر!!»، في كل المهن هناك صراعات وحروب نفسية ولكن في مهنة الإعلام الحروب النفسية والخفية ومحاولة ضربك من تحت الطاولة وبشكل غير مباشر وإسقاطك تتضاعف لأن هناك جمهوراً وهناك وجاهة وهناك سلطة وهناك شهرة وهناك مديحاً وهناك العديد من العوامل والمكاسب التي تهز من يشعر عندما تقف أمامه أنك تعريه وأنه أقل منك فيما أنجزه في حياته!! المرأة المسؤولة غير الواثقة من نفسها والتي تعاني من الغيرة ستجدها تحترق في اليوم ألف مرة وهي تسمع أحدهم يشيد بكتاباتك، وتسعى لإيذائك بأي طريقة كانت وتأليب الناس ضدك، وقد تصدم وأنت تكتشف أنه حتى هناك من يعاديك رغم عدم احتكاك به ويعطل أمورك الوظيفية سنين طويلة، دون أي سبب حقيقي سوى أنه يخاف أن تتقدم وظيفياً وتصل لمرتبة وظيفية عليا وهذا يؤلمه!
ما لا يعرفه الناس عن الصحافة أنها مجال كثير العداوات خاصة أعداء النجاح، والحسد والحقد من غير سبب، والرغبة بإيذائك بأي طريقة كانت!! في هذا المجال عليك أن تحارب في أكثر من ميدان، وفي الوقت نفسه عليك أن تكون يقظاً ومنتبهاً لأنواع عديدة من الأعداء الذين يتربصون بك دون أن تدري.. ستكتشف مع الأيام أعداءك الذين لا تعرفهم أضعافاً مضاعفة ممن تعرفهم، فلن يكون أعداؤك أعداء وطنك فحسب أو الناس الذين تتطرق لهم في مقالاتك وتنتقدهم، رغم أنك لم تنتقدهم شخصياً، بل ستجد أناساً لا تعرفهم شخصياً يكرهونك ويحقدون عليك ويتابعون أدق تفاصيلك، فقط لأنهم مصابون بمرض فريد من نوعه ويرون أنك لا تستحق أن تكون مشهوراً فيما هم مجهولون عند الناس!! ستجد في التجمعات العامة من يحاول الهجوم عليك وبيان أنه لا يقرأ مقالاتك ولا يعرفك ويحاول التقليل من شأنك، رغم أنك لم تسأله حتى إن كان يقرأ الصحيفة التي تعمل فيها!! ستنصدم أن هناك أشخاصاً في سن متقدمه، من العمر المفترض أن يكونوا ذوي وقار واحترام لعمرهم، يحاربونك لأنهم يجدون أنهم عندما كانوا في عمرك لم تُتح لهم الفرص التي أتيحت لجيلك!!
فيما ستجد هناك من يعاديك فقط لأنك تعمل في صحيفة ما محسوبة على توجه معين، وعقله مصاب بنظرية المؤامرة، ولأنه يعادي توجه الجريدة فهو يعاديك ويعتقد أنك تتآمر ليل نهار ضده! ستجده يستهدفك حتى في حياتك البعيدة عن الصحافة وينبش عن معلوماتك الخاصة، ويحاول قدر الإمكان الإيقاع بك وإمساك أي شيء ضدك!
هناك أيضاً الأعداء «الجهلة» و»المنقادين»، حيث يأتيك شخص يعاديك وهو لم يقرأ مقالاتك بالأصل، بل سمع من عدو لك كلاماً غير صحيح يحرف حقيقة ما جاء بمقالاتك، فيعاديك استناداً على كلام هذا العدو عنك، دون أن يكلف نفسه عناء القراءة لك.. مازلت أذكر شخصياً، في بداية الأزمة القطرية فوجئت بعدد من الزملاء والمواطنين الذين لهم صلة قرابة في قطر لا يتكلمون معي ووجدتهم متحاملين علي، لأن هناك من أخبرهم أنني ضد شعب قطر لا ضد سياسة تنظيم الحمدين الإرهابي في قطر!!
هناك أيضاً العدو الجاهل، وهو أسوأ لأنه يسير بين الناس ويشحنهم ضدك ويخرب علاقاتك الاجتماعية مع أقرب الناس إليك، وهو بالأصل غير مثقف.. أغرب سؤال شخصي طرح علي من شخص من أهل السنة عندما سألني «لماذا أنتِ طائفية؟!»، فقلت له، كيف طائفية اشرح لي؟ فقال: من كتاباتك بالجريدة! فقلت له: أحضر لي دليلاً من مقالاتي؟ فأخذ يقول أنا بصراحة لا أقرأ لك لكني أشعر أنك طائفية!! فقلت له: هذا يسمى في عرف القانون قذفاً.. أنت قذفتني بتهمة من الممكن بناء عليها أن أتعرض لأذى وتضرر نفسي ومعنوي ووظيفي دون أن يكون لك دليل على هذا الكلام، والأدهى أنك لا تقرأ لي!
عبارة «أشعر أنك» مستندة على شعور قد يكون حقيقياً أو لا، وأنت نصبت نفسك كقاضٍ على الناس تحاكمهم فيما أنت لا تملك دليلاً منطقياً واحداً؟ فقال: أنتِ تكتبين عمن يهاجمون رجال الأمن ويقتلونهم وتدعين لسجنهم؟! فقلت له هذا من واجبي كمواطنة قبل أن أكون صحافية في المطالبة بتطبيق القانون وردع الإرهاب، وهذا بالأصل التوجه العام للدولة، القضاء على الإرهاب بكافة أشكاله، فقال متذاكياً: لكن من يمارس الإرهاب؟ أليسوا جميعهم من طائفة معينة؟ إذن أنت طائفية وتستهدفينهم! فقلت له: وعدم محاسبتهم فقط بعذر أنهم حتى وإن أزهقوا حياة البشر كونهم من تلك الطائفة، فلا يجب محاسبتهم، هل هذا منطق؟ أليست هذه طائفية بحد ذاتها بحيث يطبق القانون على ناس وناس؟ للأسف هناك عقليات تجاوزت عمر الثلاثين سنة لكن لاتزال طفولية التفكير، لديها ضحالة فكرية، فكل صحافية من الممكن أن تتجنب النقاشات العقيمة مع أمثال هؤلاء، ولكن المصيبة تكمن عندما تتعرض لهذا الموقف عشرات المرات في يومك وتصدم بكمية الجهل المتفشية عند البعض، ويكون هؤلاء الأشخاص في محيطك اليومي ويتسببون لك بمشاكل مثل كرة الثلج، بناء على قناعات خاطئة وعداوات لشخصك قائمة على ضحالة وجهل!
حتى في مجال الصداقة، سيكون حظ الصحافي سيئاً إذا ما صادق إنساناً ليست لديه القناعة والرضا عن حياته ويسعى دائماً لتقليد الآخرين، ستجد هذا الصديق يسعى لتقليدك بالكتابة، وعندما لا ينجح في مهنة الصحافة، حيث يظن البعض أنها مهنة سهلة وما عليك إلا أن تمسك القلم وتكتب أي كلام وعندما يتعمق فيها يتكشف أنه دخل في بحر قد لا يجيد السباحة فيه، فهنا ماذا يفعل؟ يبدأ في الإساءة لك ومهاجمتك واللمز بالكلام عنك، وأمام تغاضيك عنه ستجده يحاول دائماً التقليل من مهنة الصحافة وادعاء أنها مهنة نفاق ومجال غير نظيف وكلام مأخوذ خيره.
هناك فئة من الناس تهاجم الإعلاميين والصحافيين وتسعى دائماً للتقليل من أهمية مجالهم، وعندما تتعمق فيهم تكتشف أن هؤلاء حاولوا يوماً العمل في مجال الصحافة والإعلام وفشلوا، فأخذوا يرمون فشلهم وإحباطهم على جميع العاملين في هذا الميدان، وهناك من يحاول الضرب من تحت الحزام بحيث يشيد بك، ولكن إشادته تحمل لمزاً وغمزاً «كتاباته حلوة بس اهو هجومي!»، وقد تضحك وأنت تسمعه يدعوك إلى أن تترك الصحافة، ويحاول تأليب الناس ضدك بالقول «متعب نفسه في مجال ما منه فايدة»، «إن كان الأمر كذلك لما لجأت للعمل بها فترة من الزمن وعندما لم تنجح أخذت تهاجم الصحافيين؟» ظناً منه أنه بفعله هذا سيحطمك ويحبطك ويهز صورتك أمام أعين الآخرين فيرتاح! طبعاً، مع الوقت سيجد الصحافي نفسه «يتملل» من هذه العينات من البشر غير الأسوياء والذين لا يحترمون اختيارات ومهن الآخرين، خاصة إن اقتحموا وقتك الخاص وأخذوا يقومون بهذه الحركات في محافل ليس لها علاقة بمهنة الصحافة والإعلام!
من أكثر الأسئلة التي قد تطرح على الصحافي أن تجد أحدهم يسأله كيف تعلمت الكتابة؟، جاهلاً أن الكتابة لا تعلم فهي موهبة في الأول والأخير، يحتاج صقلها إلى الكثير من تطوير مهاراتك عبر القراءة المكثفة المستمرة والدراسة «شخصياً أنا من مؤيدي أهمية الدراسة الأكاديمية التي تصقل موهبتك في الصحافة، فالصحافة مثل الطب قد تكون جراحاً ماهراً ولديك خفة يد في ممارسة الجراحة مثلاً، لكن كيف ستكون طبيباً جراحاً بشكل رسمي وأنت لا تحمل شهادة في الطب تؤهلك للعمل في هذا المجال الخطير الذي يجعل بيدك حياة الناس؟ الصحافة كذلك، أنت بيدك حياة أمة ومستقبل وطن وعقول بشر.. بيدك كيف تعالج قضايا ومشاكل وأزمات، فإن لم تدعم الموهبة بأساسيات ومهارات أكاديمية فهذا يعني أنك متأخر اليوم عن ركاب الإعلام في دول العالم المتطورة التي لا توظف الإعلاميين والصحافيين إلا وهم حملة مؤهلات في هذا التخصص الدقيق والحساس الذي يعد لديهم سلطة أولى!»
أحد الإعلاميين المخضرمين في مجال الإعلام قال يوماً: الصحافي المعروف عليه عندما يتجه لعمل إعلامي في قطاع حكومي، أن يراعي أن يكون مديره أو مسؤوله المباشر من النوع «الشبعان جداً» أي الذي لا يريد وجاهة ولا شهرة ولا يشعر بالتحسس أو الغيرة منه، خاصة إن كان الصحافي الذي أقل منه في الرتبة الوظيفة أكثر شهرة منه، وإلا فإن مصيره الجحيم وصراعات نفسية لا تنتهي، ومحاولات التقزيم وتكسير المجاديف!
كل هذه الخواطر والتحديات الصحافية التي يواجهها العامل في هذا الميدان أردنا طرحها اليوم تزامناً مع ذكرى اليوم العالمي للصحافة ويوم الصحافة البحرينية اللذين مرا بنا الأسبوع الماضي، ونؤكد في هذا السياق، إذا أردت أن تكون إعلامياً حقيقياً فعليك بدراسة الصحافة، فهي «أم الإعلام» وهي النشأة الأولى لكل إعلامي، وهي البيت الأول الذي يصقلك ويطور مهاراتك في شتى مجالات الإعلام المختلفة، ومن يطمح أن يكون إعلامياً شاملاً عليه بممارسة الصحافة في مشواره الإعلامي، وإلا فإنه لن يكون إعلامياً متمكناً!
فأساس الإعلام الكلمة، ومعظم المدارس الإعلامية اتفقت على أن الصحافة هي أم الإعلام، فيما أبو الإعلام هي الإذاعة! وحتى تكون إعلامياً متميزاً ذا رصيد معلوماتي ويمتلك مفاتيح فهم المجتمعات والتعامل مع الرأي العام وخبرة عميقة، عليك بممارسة مهنة الصحافة أولاً، فكل أساس وبناء في الإعلام قوامه الكلمات، فالبرامج التلفزيونية والإذاعية تقوم على إعداد الكلمات، ومهنة العلاقات العامة وإبراز منجزات أي مؤسسة والتسويق لها يقوم على الاعتناء باختيار الكلمات المناسبة وكيفية تقديمها في قوالب مميزة ولافتة، وتصاميم المواقع الإلكترونية وعالم «الملتميديا» ومواقع التواصل الاجتماعي تقوم أيضاً على الكلمات والشعارات البراقة والعناوين اللافتة والجذابة والاهتمام بمحتوى الكلمات! لذا فأي إعلامي لا يمتلك مهارة الكلمة وحسن صياغتها وانتقائها وتحريرها لن يكون إعلامياً متمكناً، فالكلمة سواء التي تكتب أو تقال أو تصاغ أو تنشر أو تذاع أو تستخدم كلها تعود إلى مدرسة الصحافة العريقة، والصحافة هي مرآة المجتمع وضمير الشعب وواجهة الدول، وكما يقال، الصحافي هو كاتب يحاول البحث عن طريق إلى الحقيقة ثم يبعثرها في عاصفة من الكلمات.
* في زمن ما قبل مواقع التواصل الاجتماعي كان المجتمع لا يقبل أن تدرج المرأة صورتها مع المقال
* حتى تكون صحافياً عليك أن تكون جريئاً وقوياً وذا نفس طويل وبال أطول!
* الصحافي كما المؤذن يعلن عن وقت الصلاة ويقيم كلمة الحق وليس مسؤولاً عمن سيحضر للصلاة ويلتزم بالصلاة أو لا يحضر
* هناك من لا يميز بين سلطة الصحافة وبين السلطة التنفيذية بالدولة فالصحافة صوت الشعب ومن واجباتها طرح مقترحات الحلول لا حلها
* هناك من يعتقد أن الصحافي "جوجل" وموسوعة علمية لكل شيء في هذه الدنيا
* ما لا يعرفه الناس عن الصحافي كذلك أنه من أكثر الأشخاص الذين قد يتعرضون للتنمر والمخاطر
* في كل المهن هناك صراعات وحروب نفسية ولكن في مهنة الإعلام الحروب النفسية والخفية بسبب الأضواء
* الصحافي قد يجابه أعداء كثراً لا يعرفهم وليسوا من مجاله بل يعادونه لأنه مشهور!
* الأعداء الجهلة الذين يزورون مواقف الصحافي وكتاباته مثل كرة الثلج التي تنسف علاقاته الاجتماعية
* من أكثر الأسئلة التي قد تطرح على الصحافي أن تجد أحدهم يسأله كيف تعلمت الكتابة
* أساس الإعلام الكلمة ومعظم المدارس الإعلامية اتفقت على أن الصحافة هي أم الإعلام
قالت لنا ونحن في أولى سنوات الدراسة وبعد أن اخترنا ضمن التخصصات الرئيسة للإعلام تخصص «الصحافة»، وبعد أن طلبت منا منذ الحصة الأولى ان نقوم بإجراء استطلاع رأي ميداني للطلبة وأمام ارتباك وتردد البعض منا: من منكم لا يملك الجرأة والشجاعة لأن يكون صحافياً فليغادر هذا الفصل من الآن ويتجه للتسجيل لتغيير تخصصه!
لا يمكن أن تكون صحافياً وأنت ترتبك من الحديث إلى الناس ولا تملك القدرة على التواصل معهم لإجراء الاستطلاعات والتحقيقات.. عليك أن تكون جريئاً وواثقاً من نفسك.. وأمام ترددنا الواضح قالت بحزم: إن كنت اليوم لا تستطيع إجراء استطلاع رأي طلابي بسيط فكيف ستكون بالغد صحافياً يتولى إجراء استطلاعات وتحقيقات على نطاق أكبر؟!!
هكذا قالت لنا دكتورة سامية رزق «الله يذكرها بالخير» وقد جعلتنا هي والدكتور جمال عبدالعظيم بمثابة رؤساء تحرير لمجلات صحافية نتولى العمل عليها من الألف إلى الياء كمشروع تخرج للمادة، رغم أننا كنا طلاباً في السنة الأولى من الجامعة ونجهل التصميم والتحرير والكثير من الأمور التي تحتاجها عند تولي مجلة صحافية، كما تعمدوا أن يمنحوننا منذ الحصص الأولى لنا واجبات وبحوثاً أسبوعية عبارة عن إجراء استطلاعات رأي وتحقيقات مع الطلبة والأساتذة بالجامعة.. لقد قاموا بإلقائنا مباشرة في بحر الصحافة ونحن «بعدنا» لا نمتلك مهارات السباحة فيها، فكان ذلك الدرس الأول لنا كطالبات رغم أننا جئنا من بيئة غير مختلطة بالمرة ومن مدارس حكومية ولم يسبق لنا حتى الكلام مع أحد الطلبة الشباب، فكيف بإجراء استطلاع رأي معه والتجرؤ بطلب أخذ صورة له عبر الكاميرا؟
فيما يخص الصحافيات كذلك في ذلك الوقت ومع بدء ظهور المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، كان من النادر جداً أن تنشر فتاة صورتها على مقال أمام مجتمع محافظ لم تقتحمه بعد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كان من غير المألوف جداً أن تنشر فتاة ظهر اسمها للتو في مجال الصحافة وغير معروفة صورتها الشخصية.. مجتمع كان يرى أنه بإمكان المرأة أن تمارس مهنة الكتابة ولكنه لا يقبل أن تدرج صورتها مع المقال! مجتمع كان يرى أن من تفعل ذلك «مصدقة روحها» و»تستعرض نفسها وتبي تطلع فيها وتوصل!» وكأن الطموح لأن يكون لك اسم ساطع في سماء الصحافة يوصلك إلى تحقيق طموحاتك الإعلامية والمهنية حق غير مشروع لأي فتاة! كانت الحروب غالباً تأتي من العقليات الدينية المتشددة التي لم تألف بعد مشهد ظهور فتيات بحرينيات ولديها قناعة «لا ندري من أين جاؤوا بها» أن هذا المجال يخص نوعية معينة من النساء!
هناك أيضاً العقليات غير الواعية التي كانت تعتقد أن الصحافية وهي تتعامل مع مختلف شرائح المجتمع عملها مثل عمل الفنانة وإنسانة متاحة بإمكانه الاتصال بها في أي وقت من اليوم، وبإمكانه النقاش معها في أي موضوع كان، وبإمكانه حتى تجاوز الحدود معها متشدقاً بعذر واهٍ مستغلاً موضوع أنها في مجال منفتح، دون أن يراعي الحدود والقيم المجتمعية معها، والنهاية غالباً تكون كارثية خاصة في حال اصطدامها به وإلزامه حدوده!
حتى تكون صحافياً عليك أن تكون جريئاً وقوياً وذا نفس طويل في هذا المجال، وذلك كان الدرس الأول ونحن على عتبات الدراسة، ومن صمد من تلك الدفعة التي كانت تعتبر ثاني دفعة جامعية في جامعة البحرين للخطة الدراسية الجديدة المعتمدة لقسم الإعلام والفنون والسياحة والتي ترتكز على التخصص في أحد تخصصات الإعلام الرئيسية «الصحافة – الإذاعة والتلفزيون – العلاقات العامة – الوساط المتعددة» حتى التخرج ولم ينسحب أو يسعى لتغيير تخصصه أو تحويله إلى تخصص رئيس آخر في الإعلام يجنبه «عوار الراس»، فمسألة أن يوافق طالب أو طالبة على الحوار معك ثم بعد دقائق قد يغير رأيه ويرتبك ويخبرك أنه لا يعرف ماذا يقول ويطلب منك عدم نشر كلامه أو يخبرك أن صورته سخيفة ولا يودك أن تنشرها، أو يعود ليتراجع أو يطلب منك وضع الحروف الأولى لاسمه بدلاً من اسمه الحقيقي أو أو أو.. دهاليز طويلة تتطلب منك أن تكون مرناً.. ويكون بالك طويلاً جداً ولك مزاج رائق جداً للتعامل مع مختلف النفسيات والعقليات والشخصيات!
ما لا يعرفه الكثيرون عن الصحافي أن العامل في هذا الميدان مطلوب منه دائماً ضبط النفس وهو يتعامل مع شرائح متعددة من الجماهير التي بعضها قد لا يكون مؤدباً أو متفهماً لعمل الصحافي، وهناك من قد يفسر عمله على منحنيات أخرى من باب «كل يرى الناس بعين طبعه» فيخلط بين الصحافي والمرتزق، في حين هناك غير المثقف والذي تحتاج لوقت طويل حتى توصل له فكرتك وتشرح له موضوعك، كما هناك المرتاب منك الذي يظن أنه ستسجل كلامه لتؤذيه وتورطه في مشاكل هو في غنى عنها، وهناك المتقلب والمزاجي والعدواني ومن يحاول التقليل من مهنتك بادعاء «ما الفائدة مما تقوم به؟»، ومطلوب منك وأنت تتعامل معه أن «تطنش» عبارة «المسؤولين ما بيقرون كلامك! ومحد اليوم مهتم بالقراءة!»، «طيب وطرحت الموضوع وبعدين؟ شنو راح يصير.. هل راح يسوون لنا شيء؟»، دون أن يفقه أن مهنة الصحافة هي رسالة وأداة لنقل الواقع إلى من يهمه الأمر وتسليط الضوء على قضايا المجتمع ومشاكله، فالصحافي كما المؤذن يعلن عن وقت الصلاة ويقيم كلمة الحق وليس مسؤولاً عمن سيحضر للصلاة ويلتزم بالصلاة أو لا يحضر.. ليس مسؤولاً إن كان المكان سيزدحم بالمصلين أو لن يحضر إلا القلة!! هو حدود مهنته ومسؤولياته تكمن في الإعلان عن القضية وإبرازها وإحياء كلمة الحق وإعلائها وإيصالها ليسمعها الجميع، بغض النظر عما بعد مرحلة السمع والعلم.
ما لا يعرفه البعض عن الصحافي كذلك، أن هذه المهنة هي مهنة المتاعب والمشاكل فعلاً، وأن هناك تخصصات وأنواعاً لعمل الصحافي، وأكثر التخصصات جلباً للمشاكل هو الصحافي والكاتب المتخصص في الصحافة الشعبية ونقل هموم المواطن، فقد يتعرض للكثير من الأخطار والتهديدات والمشاكل خاصة من عقليات لا تتفهم عمله الصحافي وأنه يؤدي رسالته المهنية، وتفسرها على أن الصحافي يستهدف شخص المسؤول عن القطاع الذي ينتقده، والحال نفسه في الصحافي أو الكاتب المتخصص في الشؤون السياسية والمحلية وصفحات التحقيقات، ومن جانب آخر يتعرض العامل في هذا النوع من الصحافة إلى ضغوط من المواطنين أنفسهم، فهناك من لا يميز بين سلطة الصحافة وبين السلطة التنفيذية بالدولة، فالصحافة صوت الشعب ومن واجباتها نقل وإيصال معاناة المواطنين والرقابة على المجتمع وطرح مقترحات الحلول لا حلها وتنفيذ الحلول!! فهناك شرائح مجتمعية لا تفقه في حدود عمل الصحافي وواجباته ومسؤولياته، ويعتقد أن الصحافي طالما تولى إدارة ملف قضية شعبية فإنه محاسب في حال عدم تنفيذ مطالبهم دون أن يفطن للخطوط الحمراء التي يقف عندها الصحافي ولا يتجاوزها كي لا يتداخل عمله مع السلطات التنفيذية بالدولة!
هناك أيضاً من يعتقد أن الصحافي «غوغل» وموسوعة علمية لكل شيء في هذه الدنيا، فتجده دائماً ما يقول للصحافي وهو يتناقش معه أو يسأله عن معلومة قد لا يعرفها الصحافي «شلون ما تعرف؟ عيل شلون أنت صحافي؟!»، وكأن الصحافي مطالب أن يكون «أبا العريف» في كل معلومة في هذا العالم، دون أن يفطن أن الصحافة تخصصات والصحافي الشاطر هو الذي يمتلك معلومة بسيطة عن كل مجال، ومعلومات دقيقة عن مجال تخصصه الصحافي.
ما لا يعرفه الناس عن الصحافي كذلك، أنه من أكثر الأشخاص الذين قد يتعرضون للتنمر والمخاطر في مهنة يشعر فيها وهو يبحر في تفاصيلها أنه وسط أمواج عاتية متلاطمة لا يعرف أين سترسو به، لذا فهو يحتاج دائماً إلى «ظهر» يحميه و»يحامي عنه» متمثل في الجمعيات والنقابات الصحافية التي تدافع عنه وتطالب بحقه في حال تعرضه للمخاطر أو المشاكل، كما يعاني الصحافي الذي يعمل في أكثر من مهنة من الصراعات والحروب النفسية المدمرة من أعداء النجاح، وقد يكون ضحية لأحد المرضى نفسياً خاصة إن وجد في بيئة عمل الخبرات المهنية التي فيها متواضعة التعليم والمعرفة، فقد يتعامل مع شخصيات تهزأ من لمعان اسمه وشهرته وتقارن بين نفسها وبينه، خاصة إن كان الصحافي صغيراً في السن فتسعى للكيد له وإفساد عمله.
يذكر لي زميل صحافي هذه الواقعة: انتقلت لعمل حكومي إلى جانب عملي بالصحافة.. فور انتظامي بالدوام معظم الموظفين لا يريدون أن يتكلموا معي، فهناك من تكلم عني ورسخ لديهم قناعات خاطئة عن شخصيتي قبل حتى أن أحضر للدوام.. لقد تعرضت للتنمر من قبلهم فقط لأن اسمي معروف وهناك من يزعجه هذا.. كانوا يتجنبون الحديث معي ولا يختلطون بي ويسعون إلى تعزيز صورة سلبية عني وأني شخص منبوذ وصعب التعامل معه عند أصحاب القرار والقيادة العليا بالمؤسسة التي أعمل فيها، كي يثبتوا أني لا أصلح للعمل في مجال الإعلام والعلاقات العامة.. كنت ألحظ الغيرة فيهم التي وصلت لدرجة عدم استدعائي لصلاة الجماعة معهم حينما يحين وقت الصلاة.. كل ذلك فقط لأنني أعمل في مهنة الصحافة واسمي معروف ولم أجد بداً من قلب الطاولة عليهم، فقمت أنا الذي لا أتكلم معهم وأخذت أتعمد تجنب من أشعر أنهم يسعون لنبذي بإحراجهم حتى انقلب السحر على الساحر بالنهاية!
قلت له يومها: بالمناسبة ما ذكرته واقعة متكررة، لا أعتقد أن هناك صحافياً واحداً لم يتعرض لهذا النوع من التنمر والنبذ الجماعي من أشخاص المفترض أن يكونوا زملاء ولكنهم يشعرون بالدونية والنقص أمامه، فمازلت أذكر أحد المسؤولين وهو يصارحني أمام جملة متاعب وافتعال مشاكل متتالية «زملاؤك يغارون منك لأنك تشعرينهم أمام اجتهادك في عملك أنهم مب شيء وهذا يؤذيهم لأنهم رجال!» عقدة الذكورة «وصدقني الوضع أسوأ بكثير مما تتصور عندما تكون فتاة وتكون المسؤولة المباشرة عليك فتاة، ستريك نجوم الليل في عز الظهر!!»، في كل المهن هناك صراعات وحروب نفسية ولكن في مهنة الإعلام الحروب النفسية والخفية ومحاولة ضربك من تحت الطاولة وبشكل غير مباشر وإسقاطك تتضاعف لأن هناك جمهوراً وهناك وجاهة وهناك سلطة وهناك شهرة وهناك مديحاً وهناك العديد من العوامل والمكاسب التي تهز من يشعر عندما تقف أمامه أنك تعريه وأنه أقل منك فيما أنجزه في حياته!! المرأة المسؤولة غير الواثقة من نفسها والتي تعاني من الغيرة ستجدها تحترق في اليوم ألف مرة وهي تسمع أحدهم يشيد بكتاباتك، وتسعى لإيذائك بأي طريقة كانت وتأليب الناس ضدك، وقد تصدم وأنت تكتشف أنه حتى هناك من يعاديك رغم عدم احتكاك به ويعطل أمورك الوظيفية سنين طويلة، دون أي سبب حقيقي سوى أنه يخاف أن تتقدم وظيفياً وتصل لمرتبة وظيفية عليا وهذا يؤلمه!
ما لا يعرفه الناس عن الصحافة أنها مجال كثير العداوات خاصة أعداء النجاح، والحسد والحقد من غير سبب، والرغبة بإيذائك بأي طريقة كانت!! في هذا المجال عليك أن تحارب في أكثر من ميدان، وفي الوقت نفسه عليك أن تكون يقظاً ومنتبهاً لأنواع عديدة من الأعداء الذين يتربصون بك دون أن تدري.. ستكتشف مع الأيام أعداءك الذين لا تعرفهم أضعافاً مضاعفة ممن تعرفهم، فلن يكون أعداؤك أعداء وطنك فحسب أو الناس الذين تتطرق لهم في مقالاتك وتنتقدهم، رغم أنك لم تنتقدهم شخصياً، بل ستجد أناساً لا تعرفهم شخصياً يكرهونك ويحقدون عليك ويتابعون أدق تفاصيلك، فقط لأنهم مصابون بمرض فريد من نوعه ويرون أنك لا تستحق أن تكون مشهوراً فيما هم مجهولون عند الناس!! ستجد في التجمعات العامة من يحاول الهجوم عليك وبيان أنه لا يقرأ مقالاتك ولا يعرفك ويحاول التقليل من شأنك، رغم أنك لم تسأله حتى إن كان يقرأ الصحيفة التي تعمل فيها!! ستنصدم أن هناك أشخاصاً في سن متقدمه، من العمر المفترض أن يكونوا ذوي وقار واحترام لعمرهم، يحاربونك لأنهم يجدون أنهم عندما كانوا في عمرك لم تُتح لهم الفرص التي أتيحت لجيلك!!
فيما ستجد هناك من يعاديك فقط لأنك تعمل في صحيفة ما محسوبة على توجه معين، وعقله مصاب بنظرية المؤامرة، ولأنه يعادي توجه الجريدة فهو يعاديك ويعتقد أنك تتآمر ليل نهار ضده! ستجده يستهدفك حتى في حياتك البعيدة عن الصحافة وينبش عن معلوماتك الخاصة، ويحاول قدر الإمكان الإيقاع بك وإمساك أي شيء ضدك!
هناك أيضاً الأعداء «الجهلة» و»المنقادين»، حيث يأتيك شخص يعاديك وهو لم يقرأ مقالاتك بالأصل، بل سمع من عدو لك كلاماً غير صحيح يحرف حقيقة ما جاء بمقالاتك، فيعاديك استناداً على كلام هذا العدو عنك، دون أن يكلف نفسه عناء القراءة لك.. مازلت أذكر شخصياً، في بداية الأزمة القطرية فوجئت بعدد من الزملاء والمواطنين الذين لهم صلة قرابة في قطر لا يتكلمون معي ووجدتهم متحاملين علي، لأن هناك من أخبرهم أنني ضد شعب قطر لا ضد سياسة تنظيم الحمدين الإرهابي في قطر!!
هناك أيضاً العدو الجاهل، وهو أسوأ لأنه يسير بين الناس ويشحنهم ضدك ويخرب علاقاتك الاجتماعية مع أقرب الناس إليك، وهو بالأصل غير مثقف.. أغرب سؤال شخصي طرح علي من شخص من أهل السنة عندما سألني «لماذا أنتِ طائفية؟!»، فقلت له، كيف طائفية اشرح لي؟ فقال: من كتاباتك بالجريدة! فقلت له: أحضر لي دليلاً من مقالاتي؟ فأخذ يقول أنا بصراحة لا أقرأ لك لكني أشعر أنك طائفية!! فقلت له: هذا يسمى في عرف القانون قذفاً.. أنت قذفتني بتهمة من الممكن بناء عليها أن أتعرض لأذى وتضرر نفسي ومعنوي ووظيفي دون أن يكون لك دليل على هذا الكلام، والأدهى أنك لا تقرأ لي!
عبارة «أشعر أنك» مستندة على شعور قد يكون حقيقياً أو لا، وأنت نصبت نفسك كقاضٍ على الناس تحاكمهم فيما أنت لا تملك دليلاً منطقياً واحداً؟ فقال: أنتِ تكتبين عمن يهاجمون رجال الأمن ويقتلونهم وتدعين لسجنهم؟! فقلت له هذا من واجبي كمواطنة قبل أن أكون صحافية في المطالبة بتطبيق القانون وردع الإرهاب، وهذا بالأصل التوجه العام للدولة، القضاء على الإرهاب بكافة أشكاله، فقال متذاكياً: لكن من يمارس الإرهاب؟ أليسوا جميعهم من طائفة معينة؟ إذن أنت طائفية وتستهدفينهم! فقلت له: وعدم محاسبتهم فقط بعذر أنهم حتى وإن أزهقوا حياة البشر كونهم من تلك الطائفة، فلا يجب محاسبتهم، هل هذا منطق؟ أليست هذه طائفية بحد ذاتها بحيث يطبق القانون على ناس وناس؟ للأسف هناك عقليات تجاوزت عمر الثلاثين سنة لكن لاتزال طفولية التفكير، لديها ضحالة فكرية، فكل صحافية من الممكن أن تتجنب النقاشات العقيمة مع أمثال هؤلاء، ولكن المصيبة تكمن عندما تتعرض لهذا الموقف عشرات المرات في يومك وتصدم بكمية الجهل المتفشية عند البعض، ويكون هؤلاء الأشخاص في محيطك اليومي ويتسببون لك بمشاكل مثل كرة الثلج، بناء على قناعات خاطئة وعداوات لشخصك قائمة على ضحالة وجهل!
حتى في مجال الصداقة، سيكون حظ الصحافي سيئاً إذا ما صادق إنساناً ليست لديه القناعة والرضا عن حياته ويسعى دائماً لتقليد الآخرين، ستجد هذا الصديق يسعى لتقليدك بالكتابة، وعندما لا ينجح في مهنة الصحافة، حيث يظن البعض أنها مهنة سهلة وما عليك إلا أن تمسك القلم وتكتب أي كلام وعندما يتعمق فيها يتكشف أنه دخل في بحر قد لا يجيد السباحة فيه، فهنا ماذا يفعل؟ يبدأ في الإساءة لك ومهاجمتك واللمز بالكلام عنك، وأمام تغاضيك عنه ستجده يحاول دائماً التقليل من مهنة الصحافة وادعاء أنها مهنة نفاق ومجال غير نظيف وكلام مأخوذ خيره.
هناك فئة من الناس تهاجم الإعلاميين والصحافيين وتسعى دائماً للتقليل من أهمية مجالهم، وعندما تتعمق فيهم تكتشف أن هؤلاء حاولوا يوماً العمل في مجال الصحافة والإعلام وفشلوا، فأخذوا يرمون فشلهم وإحباطهم على جميع العاملين في هذا الميدان، وهناك من يحاول الضرب من تحت الحزام بحيث يشيد بك، ولكن إشادته تحمل لمزاً وغمزاً «كتاباته حلوة بس اهو هجومي!»، وقد تضحك وأنت تسمعه يدعوك إلى أن تترك الصحافة، ويحاول تأليب الناس ضدك بالقول «متعب نفسه في مجال ما منه فايدة»، «إن كان الأمر كذلك لما لجأت للعمل بها فترة من الزمن وعندما لم تنجح أخذت تهاجم الصحافيين؟» ظناً منه أنه بفعله هذا سيحطمك ويحبطك ويهز صورتك أمام أعين الآخرين فيرتاح! طبعاً، مع الوقت سيجد الصحافي نفسه «يتملل» من هذه العينات من البشر غير الأسوياء والذين لا يحترمون اختيارات ومهن الآخرين، خاصة إن اقتحموا وقتك الخاص وأخذوا يقومون بهذه الحركات في محافل ليس لها علاقة بمهنة الصحافة والإعلام!
من أكثر الأسئلة التي قد تطرح على الصحافي أن تجد أحدهم يسأله كيف تعلمت الكتابة؟، جاهلاً أن الكتابة لا تعلم فهي موهبة في الأول والأخير، يحتاج صقلها إلى الكثير من تطوير مهاراتك عبر القراءة المكثفة المستمرة والدراسة «شخصياً أنا من مؤيدي أهمية الدراسة الأكاديمية التي تصقل موهبتك في الصحافة، فالصحافة مثل الطب قد تكون جراحاً ماهراً ولديك خفة يد في ممارسة الجراحة مثلاً، لكن كيف ستكون طبيباً جراحاً بشكل رسمي وأنت لا تحمل شهادة في الطب تؤهلك للعمل في هذا المجال الخطير الذي يجعل بيدك حياة الناس؟ الصحافة كذلك، أنت بيدك حياة أمة ومستقبل وطن وعقول بشر.. بيدك كيف تعالج قضايا ومشاكل وأزمات، فإن لم تدعم الموهبة بأساسيات ومهارات أكاديمية فهذا يعني أنك متأخر اليوم عن ركاب الإعلام في دول العالم المتطورة التي لا توظف الإعلاميين والصحافيين إلا وهم حملة مؤهلات في هذا التخصص الدقيق والحساس الذي يعد لديهم سلطة أولى!»
أحد الإعلاميين المخضرمين في مجال الإعلام قال يوماً: الصحافي المعروف عليه عندما يتجه لعمل إعلامي في قطاع حكومي، أن يراعي أن يكون مديره أو مسؤوله المباشر من النوع «الشبعان جداً» أي الذي لا يريد وجاهة ولا شهرة ولا يشعر بالتحسس أو الغيرة منه، خاصة إن كان الصحافي الذي أقل منه في الرتبة الوظيفة أكثر شهرة منه، وإلا فإن مصيره الجحيم وصراعات نفسية لا تنتهي، ومحاولات التقزيم وتكسير المجاديف!
كل هذه الخواطر والتحديات الصحافية التي يواجهها العامل في هذا الميدان أردنا طرحها اليوم تزامناً مع ذكرى اليوم العالمي للصحافة ويوم الصحافة البحرينية اللذين مرا بنا الأسبوع الماضي، ونؤكد في هذا السياق، إذا أردت أن تكون إعلامياً حقيقياً فعليك بدراسة الصحافة، فهي «أم الإعلام» وهي النشأة الأولى لكل إعلامي، وهي البيت الأول الذي يصقلك ويطور مهاراتك في شتى مجالات الإعلام المختلفة، ومن يطمح أن يكون إعلامياً شاملاً عليه بممارسة الصحافة في مشواره الإعلامي، وإلا فإنه لن يكون إعلامياً متمكناً!
فأساس الإعلام الكلمة، ومعظم المدارس الإعلامية اتفقت على أن الصحافة هي أم الإعلام، فيما أبو الإعلام هي الإذاعة! وحتى تكون إعلامياً متميزاً ذا رصيد معلوماتي ويمتلك مفاتيح فهم المجتمعات والتعامل مع الرأي العام وخبرة عميقة، عليك بممارسة مهنة الصحافة أولاً، فكل أساس وبناء في الإعلام قوامه الكلمات، فالبرامج التلفزيونية والإذاعية تقوم على إعداد الكلمات، ومهنة العلاقات العامة وإبراز منجزات أي مؤسسة والتسويق لها يقوم على الاعتناء باختيار الكلمات المناسبة وكيفية تقديمها في قوالب مميزة ولافتة، وتصاميم المواقع الإلكترونية وعالم «الملتميديا» ومواقع التواصل الاجتماعي تقوم أيضاً على الكلمات والشعارات البراقة والعناوين اللافتة والجذابة والاهتمام بمحتوى الكلمات! لذا فأي إعلامي لا يمتلك مهارة الكلمة وحسن صياغتها وانتقائها وتحريرها لن يكون إعلامياً متمكناً، فالكلمة سواء التي تكتب أو تقال أو تصاغ أو تنشر أو تذاع أو تستخدم كلها تعود إلى مدرسة الصحافة العريقة، والصحافة هي مرآة المجتمع وضمير الشعب وواجهة الدول، وكما يقال، الصحافي هو كاتب يحاول البحث عن طريق إلى الحقيقة ثم يبعثرها في عاصفة من الكلمات.