الإنسان الطبيعي، غير المعاق، يمتلك حواسه الخمس التي تعمل بكفاءة، يفترض. ومن بين هذه الحواس، حاسة هي ثالث الحواس استخداماً، لكنها الأخطر من بينهم بشأن ما يمكنها أن تفعل.
أتحدث هنا عن حاسة النطق، وهي الحاسة التي يستخدمها الإنسان للتعبير عن نفسه أو إيصال فكرته، أو تسيير أعماله اليومية. باختصار هي الحاسة الأكثر استخداماً للتواصل مع البشر وحتى بعض الحيوانات، من ناحية السهولة والوضوح.
لكن هذه الحاسة فيها من الخطورة ما قد يفوق تصور الكثيرين، فيها من القوة ما قد يحيي آمالاً ميتة مستحيلة عند البشر، وفيها من القوة ما قد يفجر عوالم البشر، والبشر أنفسهم، فيدفعهم لردات فعل عنيفة قد تقلب موازين وتغير مقدرات.
من درس الإعلام بشكل متقدم، يفهم تماماً ماذا أقول هنا، سيدرك لماذا هناك فنون متشعبة معنية بالكلام فقط، من منطلق مخاطبة الناس، ومعرفة الأساليب المختلفة، ومتى يستخدم الخطاب الدبلوماسي، متى يستخدم خطاب القوة الصارمة أو القوة الناعمة، أو الخطاب الملتف أو عكسه المباشر. ماذا تقول في الخطاب المباشر، ماذا تعلن وماذا تخفي، وأين هي القنابل الموقوتة الموجودة في طيات ومضامين الخطاب، والأهم كيف تعطل فتيل هذه القنابل؟!
كلها أسئلة محورية، وهناك كثير غيرها، تقع ضمن سياق فن الخطاب الإعلامي وكيفية مواجهة الناس، حتى لو كنت ساعياً لتقديم «الحقيقة المرة» لهم، والمفروضة على الجميع، بإلزام التعامل معها.
ولأن الخطاب الإعلامي خطير، ولأن التوجه للناس وعموم الشارع بالكلام أمر يشابه السير على نصل سيف حاد، فإن كثيراً من الدول تخضع جميع مسؤوليها، ومن استجد في سلك القيادة التنفيذية لدورات مستمرة معنية بالخطاب الإعلامي ومواجهة الجماهير، دورات لا تنتهي لأن هذا العلم لا ينتهي، عبر تجدد جوانبه وأطره، فكل يوم هناك شيء جديد، ومع وسائل التواصل الاجتماعي، يظل التحدي مستمراً، ونسبة الخطر في ارتكاب الهفوات كبيرة جداً.
مخاطبة الناس بات اليوم فناً صعب الإتقان، خاصة وأن الجميع يراقب، والجميع يرصد ويتتبع، بالأخص من يترصد الهفوات والزلات ليستغلها لإقامة شعائر جنائزية تستمر ردحاً من الزمن، ولربما كانت الزلات بحسن نوايا أو بتعبيرات عفوية مقصدها غير سيء، لكن ردة الفعل هي الكارثة، حينما يتماثل شكلها مع شكل دوائر المياه المتعاقبة إذ تلقي فيها حجراً دائرياً صلداً.
نقول نحن أهل الكتابة والصحافة ممن تولوا مسؤوليات إدارية فيها، نقول للصحفيين الجدد والراغبين في دخول عالم الكتابة، بأن الكلمة التي تكتبها هي بمثابة «الرصاصة» في مخزن طلقات المسدس، وحينما تطلقها، فإنه من الاستحالة استردادها وإعادتها في مخزن الطلقات، لذلك تأكد قبل أن تطلق رصاصتك.
ثورة «الخبز»، ثورة الجياع الفرنسيين، انفجرت قنبلتها الانشطارية البشرية حينما عجز القصر الإمبراطوري الفرنسي عن حل مشكلة الناس، لكن ما الذنب الذي اقترفته الأميرة النمساوية ماري إنطوانيت زوجة الحاكم لويس السادس عشر حتى تقطع عنقها بالمقصلة؟!
الأميرة المدللة ساكنة القصور الملكية منذ نعومة أناملها بحيث لم تعرف أي نوع من الشقاء، حينما سعت لمخاطبة الجياع الثائرين، سألتهم ما المشكلة؟! قالوا بأنه لا يوجد خبر في فرنسا، فأجابت بكل عفوية «كلوا بسكويت»، فزاد على الثورة غضب ظناً بأن الأميرة تستخف بمعاناة الناس، بينما الحقيقة أنها كانت صادقة في سعيها لاقتراح حل بديل، طرحته ببراءة ظناً منها أنه ممكن التحقق.
خلاصة الكلام، هو الكلام نفسه، أخطر من «النابالم» والقنابل الحارقة، فلنحاسب فيما نقول.
أتحدث هنا عن حاسة النطق، وهي الحاسة التي يستخدمها الإنسان للتعبير عن نفسه أو إيصال فكرته، أو تسيير أعماله اليومية. باختصار هي الحاسة الأكثر استخداماً للتواصل مع البشر وحتى بعض الحيوانات، من ناحية السهولة والوضوح.
لكن هذه الحاسة فيها من الخطورة ما قد يفوق تصور الكثيرين، فيها من القوة ما قد يحيي آمالاً ميتة مستحيلة عند البشر، وفيها من القوة ما قد يفجر عوالم البشر، والبشر أنفسهم، فيدفعهم لردات فعل عنيفة قد تقلب موازين وتغير مقدرات.
من درس الإعلام بشكل متقدم، يفهم تماماً ماذا أقول هنا، سيدرك لماذا هناك فنون متشعبة معنية بالكلام فقط، من منطلق مخاطبة الناس، ومعرفة الأساليب المختلفة، ومتى يستخدم الخطاب الدبلوماسي، متى يستخدم خطاب القوة الصارمة أو القوة الناعمة، أو الخطاب الملتف أو عكسه المباشر. ماذا تقول في الخطاب المباشر، ماذا تعلن وماذا تخفي، وأين هي القنابل الموقوتة الموجودة في طيات ومضامين الخطاب، والأهم كيف تعطل فتيل هذه القنابل؟!
كلها أسئلة محورية، وهناك كثير غيرها، تقع ضمن سياق فن الخطاب الإعلامي وكيفية مواجهة الناس، حتى لو كنت ساعياً لتقديم «الحقيقة المرة» لهم، والمفروضة على الجميع، بإلزام التعامل معها.
ولأن الخطاب الإعلامي خطير، ولأن التوجه للناس وعموم الشارع بالكلام أمر يشابه السير على نصل سيف حاد، فإن كثيراً من الدول تخضع جميع مسؤوليها، ومن استجد في سلك القيادة التنفيذية لدورات مستمرة معنية بالخطاب الإعلامي ومواجهة الجماهير، دورات لا تنتهي لأن هذا العلم لا ينتهي، عبر تجدد جوانبه وأطره، فكل يوم هناك شيء جديد، ومع وسائل التواصل الاجتماعي، يظل التحدي مستمراً، ونسبة الخطر في ارتكاب الهفوات كبيرة جداً.
مخاطبة الناس بات اليوم فناً صعب الإتقان، خاصة وأن الجميع يراقب، والجميع يرصد ويتتبع، بالأخص من يترصد الهفوات والزلات ليستغلها لإقامة شعائر جنائزية تستمر ردحاً من الزمن، ولربما كانت الزلات بحسن نوايا أو بتعبيرات عفوية مقصدها غير سيء، لكن ردة الفعل هي الكارثة، حينما يتماثل شكلها مع شكل دوائر المياه المتعاقبة إذ تلقي فيها حجراً دائرياً صلداً.
نقول نحن أهل الكتابة والصحافة ممن تولوا مسؤوليات إدارية فيها، نقول للصحفيين الجدد والراغبين في دخول عالم الكتابة، بأن الكلمة التي تكتبها هي بمثابة «الرصاصة» في مخزن طلقات المسدس، وحينما تطلقها، فإنه من الاستحالة استردادها وإعادتها في مخزن الطلقات، لذلك تأكد قبل أن تطلق رصاصتك.
ثورة «الخبز»، ثورة الجياع الفرنسيين، انفجرت قنبلتها الانشطارية البشرية حينما عجز القصر الإمبراطوري الفرنسي عن حل مشكلة الناس، لكن ما الذنب الذي اقترفته الأميرة النمساوية ماري إنطوانيت زوجة الحاكم لويس السادس عشر حتى تقطع عنقها بالمقصلة؟!
الأميرة المدللة ساكنة القصور الملكية منذ نعومة أناملها بحيث لم تعرف أي نوع من الشقاء، حينما سعت لمخاطبة الجياع الثائرين، سألتهم ما المشكلة؟! قالوا بأنه لا يوجد خبر في فرنسا، فأجابت بكل عفوية «كلوا بسكويت»، فزاد على الثورة غضب ظناً بأن الأميرة تستخف بمعاناة الناس، بينما الحقيقة أنها كانت صادقة في سعيها لاقتراح حل بديل، طرحته ببراءة ظناً منها أنه ممكن التحقق.
خلاصة الكلام، هو الكلام نفسه، أخطر من «النابالم» والقنابل الحارقة، فلنحاسب فيما نقول.