جعفر الديري
انطلاقاً من إيمان أسرة الأدباء والكتاب، بأهمية المساهمات الإبداعية الشابة، في مسيرة الحراك الأدبي والنهوض بالمشهد الثقافي في البحرين، تخصص صفحة فضاءات أدبية ملفاً تحاورياً، على حلقتين، حول هموم المبدعين الشباب ومدى تعاون المؤسسات الثقافية معها في التعريف بمواهبها، وإبراز نتاجها الأدبي.
إن شريحة كبيرة من هؤلاء الشباب، يشكون إهمال المؤسسات الثقافية لمواهبهم، أو تجاهلهم على الأقل، بينما يؤكد المنتمون لهذه المؤسسات أنهم لا يدخرون وسعاً في احتضان هذه المواهب، والتعريف بها من خلال البرامج والأنشطة رغم اعترافهم بالتقصير عن أداء حقهم بالكامل، نتيجة أسباب وعوامل أكبر من إمكانات المؤسسات.
لا تخدم نخبها
يلاحظ الشاعر شوقي أحمد أن "في مملكتنا الغالية مؤسسات ثقافية مختلفه منها ما يخص المسرح والسينما ومنها ما يخص الآداب سرداً وشعراً، ومنها ما يخص الفنون والمهارات المتنوعه، وكل مؤسسة لها تعاطيها الخاص والمختلف عن باقي المؤسسات وكل مؤسسة معنية بالمجال الذي تشتغل عليه".
ويواصل: في المسرح والسينما نلاحظ مدى التفاعل والحضور والتشجيع المستمر للطاقات الشبابية من خلال المهرجانات والمسابقات الموجودة في هذه المؤسسات، أما في مجال الآداب "سرداً وشعراً" فإن التشجيع للشباب أقل مستوى، مردفاً: لا ننكر أن هناك فعاليات تشجع الشباب في مجال السرد والشعر على مستوى المملكه، لكننا حينما نقارن بينها وبين ما في المؤسسات الثقافية الأخرى نجد أن المسرح والسينما أكثر رعاية للطاقات الشبابية من المؤسسات التي تخص الآداب.
ومن وجهة نظره "ليس هناك مؤسسة ثقافية تخدم نخبها، وهذا الكلام غير دقيق، فهناك مؤسسات تمتلك مشروعاً ثقافياً مدروساً يخص المجال الذي هي فيه وتعمل على إنجاحه، وهناك من المؤسسات من لا يمتلك هذا المشروع، وهناك من يحتضن الطاقات الشبابية ويدمجها في الإدارة ويستفيد من نشاطها وعنفوانها في خلق الفعاليات الثقافية، وهناك من لا يهتم بالطاقات الشبابية ولا يحرص على احتضانها وتشجيعها ولا يسلط الضوء عليها، مما يترك المؤسسة تقليدية تعتمد على نخبها فقط وبالتالي لا نجد أي تطور لمثل هذه المؤسسات".
في المقابل يطالب أحمد، المواهب الإبداعية بالاعتناء بتجاربها من خلال الحضور والمشاركه والتفاعل والنشر، "لكن ذلك لا يعني أن تغفل المؤسسات الثقافية دعمها وإبرازها للجمهور، فكما أن المطلوب من المواهب الاعتناء بنفسها كذلك مطلوب من المؤسسات أن تحتضن هذه المواهب وترعاها. أما القول بأنها ضعيفه لا ترقى للدعم فإن لكل مجتهد نصيب، ويمكن للمؤسسات أن تبتكر الأفكار والبرامج التي تدعم وتنضج تلك التجارب وتجعلها تنمو وتكبر من خلال الورش العلمية وغير ذلك، أما رفع اليد عنها كليا، فتقصير من المؤسسة لأن وظيفتها احتضان المواهب ورعايتها".
تسويق أشكال الدعم
من جانبه يجد الروائي والقاص أيمن جعفر أن أكثر ما تواجهه المؤسسات الثقافية من تحد راهن هو في كيفية العثور على المواهب الجادة وصقلها، وإدماجها فيها، لأجل التوصل إلى استمرارية إبداعية تضمن حياة هذه المؤسسات وتمنح مؤشرات جودة عملها، لكن يبقى على الجانب الآخر أن على هذه المواهب التي تطمح إلى رسم مستقبلها أن تؤمن أنه لا غنى عن دعم مؤسسي جاد يمنحها ما تحتاجه من دعم لتنمو وتزهر.
ويؤكد أنه ثمة محاولات جادة من قبل المؤسسات الثقافية لصياغة طرائق متعددة من دعم الشباب. لكن الإشكاليات المطروحة تبقى قائمة والأسئلة تكبر بإزائها، مردفاً "نحن بحاجة إلى مزيد من تسويق أشكال الدعم التي تمنحها هذه المؤسسات ليتم الانتقال بعدها إلى مساءلة ودراسة مستوى المواهب للحكم من ثم عليها من حيث أهليتها لهذا الدعم من عدمه".
لكن جعفر يشير في خضم منصات التواصل الاجتماعي، إلى أن الأمر ما عاد مرهوناً بحقيقة المستوى، أو بذائقة نوعية أو أسلوبية، بقدر ما يخضع الأمر للتسويق الذي ينقسم إلى قسمين يتعلق أولهما بالمنتج الأدبي أو الفني، أما الآخر فيتعلق بشخصية المنتج وطريقة تسويق نفسه في هذه المنصات إن جاز التعبير. ونتيجة لذلك، يصبح الأمر بحاجة إلى دراسته بصورة أعمق من الجهتين، لنتوصل بعد إلى الصورة الحقيقية.
نهر إبداع متدفق
من ناحيتها تلفت الكاتبة والناقدة د.صفاء العلوي إلى أن التواصل الثقافي بين الأجيال هو الذي يخلق لنا مجتمعاً معرفياً متكاملاً، والشباب بطبيعتهم يمتلكون الحماس الفكري والرؤى الإبداعية والقدرة على الابتكار والتجديد. لذا يجب على المؤسسات الثقافية استقطاب طاقاتهم وتوظيفها في المكان المناسب من أجل تشكيل مجتمع المعرفي نموذجي متكامل مواكب للعصر.
وتوضح: لقد اختلفت اهتمامات شباب اليوم عن شباب الأمس فأصبحوا نوعاً ما يبتعدون عن القراءة والبحث العميق والدؤوب عن المعرفة والفكر الثقافي على الرغم من ان الكاتب لا يولد كاتباً ولا المفكر يولد مفكراً، بل كل منهما يصنع نفسه بنفسه، والملاحظ أن الكثير من الشباب يبتعدون عن الوسط الثقافي بسبب قلة وعيهم بأهمية التنوير الثقافي، إلى جانب أن العديد من الشباب يفتقدون القدرة على اكتشاف مواهبهم المغمورة بداخلهم بسبب عدم توفر الفرص والظروف المناسبة لظهورها.
وترى د.العلوي أن أول طريق لاكتشاف هؤلاء الشباب لقدراتهم ومواهبهم الذاتية الخفية هي القراءة، وليست القراءة العادية بل أن تكون لأسماء لامعة ولكبار الكتاب والمؤلفين، مشيرة إلى أن عباس محمود العقاد جاء إلى القاهرة وهو ابن الخامسة عشر وهو لا يحمل إلا الشهادة الابتدائية إلى أن أصدر 85 مؤلفاً في العلم والفن والأدب والمعارف الإسلامية والإنسانية.
وتواصل: إن الدول المتقدمة دائماً تضع خططا مستقبلية لتنمية مواهب أفرادها ابتداءً من الطفل حتى الوصول إلى مرحلة الشباب وهي المرحلة الأهم، لايمانهم العميق بأنه بفكر وسواعد هؤلاء الشباب يصنع الغد ويشكل المستقبل. ومن هنا يأتي الدور التنويري للمؤسسات الثقافية لنشر الوعي بين الشباب واحتضانهم، بالإضافة إلى توجيه طاقاتهم ودعمهم ورعايتهم والاهتمام بمد جسور التواصل بين الأجيال عن طريق فتح مجالات وقنوات الحوار والتبادل الفكري بينهم.
وتشدد د.العلوي على ضرورة تشبيب الساحة الثقافية في المؤسسات الثقافية، مبينة أن هذه المؤسسات أسست في يوم ما من فئة شبابية مبدعة، وبفكرهم ودافعيتهم استطاعت تلك المؤسسات تأسيس حركة ثقافية رصينة، لذا على المؤسسات الثقافية الحرص على إثراء التنوع الثقافي بين الأجيال من أجل تكوين مجتمع ثقافي متوازن يستفيد من خبرات الجيل المؤسس للثقافة ممزوجة بحماس وطاقة الشباب الإبداعية كي يستمر نهر الإبداع في التدفق وسط ضفاف آمنة تستوعب هذا الفكر والرؤى الجديدة بشكل مستمر.
منعزلة عن بعضها
أما الشاعر عبدالله زهير، فيظن في الوقت الراهن، أن ثمة مواهب شابة تكتب بشكل جيد، ولكنها تبدو كما لو أنها جزر منعزلة عن بعضها البعض، وذلك من ناحية تفاوت المستويات، ومن ناحية تباين الملامح الفنية، ومن ناحية الافتقاد إلى التواصل الإبداعي والإنساني البحت، "فهي مواهب تميل إلى التشظي والتبعثر أكثر مما تميل نحو التكتل والتجمع وخلق مشروعات ثقافية موحدة كإصدار مجلة مثلاً أو كتاب مشترك".
ويشدد: ينبغي أن لا نضع اللوم دائماً على المؤسسات الثقافية، والتي لسبب طبيعة بنيتها الداخلية وربما لأسباب كثيرة قد ينصب اهتمامها غالباً على فئات جيلية محددة. وأن نحدد ماذا نقصد بالجيل الشاب أولاً؛ لأن في هؤلاء الشباب ثمة من يميل إلى الكتابة بشكل قديم جداً وثمة من هو متذبذب بين القديم والحديث، وفي المقابل ثمة في الأجيال القديمة عمريا من يكتب بشكل جديد وبتقنيات كتابية لغوية متطورة. فهذه المواهب، في ظني، متفاوتة المستويات فنياً أولاً؛ لأن موقف كل فرد منهم إزاء حداثة الكتابة متباين ومتذبذب.
ويضيف زهير: فليتواصلوا فيما بينهم أولاً، وبعد ذلك يأتي دور المنظمات الثقافية الأهلية، التي من المفترض بها أن تدعمهم، وتستوعبهم في بنيتها التنظيمية، وترحب بهم كفاعلين ثقافيين، وتوفر مساحة كبيرة لهم من ناحية حرية الحراك وحرية طرح الرؤى والأفكار والبرامج، بحيث يكون لهم القدرة على صنع القرارات داخل هذه المنظمات، لا أن يكون دورهم فقط تنفيذ ما يرغب به الكبار فقط.