نص - وهب رضي
بينما كان جالساً في غرفته ذات الضوء الخافت، كان يتأمل رقاص الساعة المستندة للجدار وهو يتأرجح يميناً ويساراً جيئة وذهاباً.
كان كل ما حوله صامت ولم يكن هو يختلف عنهم عدا نظرات عينيه التي تتحرك وهي تتابع البندول.
دارت في ذهنه أكثر من فكرة وأكثر من تساؤل، أهمها كيف بدأ البندول حركته؟ وما الذي يجعله محتفظا بها هكذا مستمرة؟ ماذا لو أوقفناه؟ هل كل حركة نفس الأخرى؟ هل كل نقطة يقطعها البندول هي نفسها في رجوعه وذهابه؟
بينما كان يفكر في كل هذه الأسئلة، حانت منه التفاتة لمكتبته بجانب الساعة. وقع نظره على كتاب، دقق في عنوانه، كان العنوان واضحا بخط عريض، "رحلتي من المهد إلى اللحد".
خرج وعاد
ودع الفتى جيم عائلته في طريقه لجبهات القتال، أراك يا أمي .. كانت آخر كلماته ودموعهما تنهمر.
وصل في الموعد المحدد، ولم يلبث أن أوعزت إليه مهمة عسكرية دقيقة، اجتازها بنجاح وتم تكريمه. مضت عليه الأيام وقلبه متقسم بين أدائه العسكري وشوقه لأهله.
رن جواله ذات ليلة، تناوله، جاءه الصوت من الجانب الآخر ناعياً إليه أمه. كاد أن ينهار لولا إيمانه القوي. أسبغ الوضوء وصلى ركعتين وطلب لروحها الرحمة.
أبواق السلام تعزف. لقد انتهت الحرب. مضى عليه في الجبهه تسع شهور كان مخاضها عسيراً. تم توقيع الاتفاقيات والمعاهدات وحان وقت العودة. ودع رفاقه تاركاً معهم شيئاً للذكرى.
انطلقت مركبة العودة. أحس كما لو أنها مركبة فضائية وأنه في طريقه لكوكب آخر. وصل متلهفا لنقطة حدود بلده. استقل سيارة أجره بمبلغ آجل. سار في طرقات بلده - لم تتغير كثيراً - وهو يحلم بزوجته وعياله وإخوته.
ظل يحلم ويحلم ويحلم، حتى باغته صوت غاضب .. جيم .. جيم انهض .. ما هذا؟ لم تجب على أي سؤال؟! أفاق مدهوشاً. حانت منه التفاتة لورقة الأسئلة على طاولته. تأملها، كانت امتحان تاريخ وكان أول سؤال فيها .. أكتب في خمس سطور ماذا تعرف عن الحرب العالمية الأولى؟!.