بعد الاجتماع الأخير لمجلس البنك الفيدرالي الأمريكي، صرح رئيس البنك الفيدرالي جيروم باويل بانتهاء سياسة الصبر للبنك واستعداده لتخفيض سعر الفائدة إذا ما اقتضت الحاجة لذلك.
تشكل سياسات البنك الفيدرالي الأمريكي، وخصوصاً تلك المتعلقة بسعر الفائدة، أهمية قصوى للأسواق المالية والعملات والسلع، فسعر الفائدة يعتبر مؤشراً رئيساً لحالة الاقتصاد الأمريكي ككل، وقرارات البنك الفيدرالي تعكس تقييمه لحالة الاقتصاد الأمريكي في الوقت الحالي والفترة القادمة.
لإيضاح أهمية هذا القرار الأخير للبنك الفيدرالي الأمريكي بشكل أكبر علينا أن نرجع إلى سلسلة قراراته منذ الأزمة المالية العالمية 2008 حتى يومنا هذا، فبعد دخول الاقتصاد الأمريكي تلك الأزمة مع الاقتصاد العالمي، قام البنك الفيدرالي بتقليل سعر الفائدة إلى حد 0 -0.25% بعدما كان عند مستوى 5.25%. وهذا الخفض إلى نسبة الصفر يعتبر إجراءً غير مسبوق في تاريخ البنوك المركزية أو ما يسمى بـ»zero interest-rate policy».
استمرت هذه السياسة لمدة سبع سنوات حتى ديسمبر 2015، حينها قام البنك الفيدرالي برفع سعر الفائدة ربع درجة مئوية لتصل إلى نطاق 0.25-0.5%. ثم عاود البنك الفيدرالي الأمريكي زيادة الفائدة بنفس النسبة بعد عام واحد في ديسمبر 2016 لتصل الفائدة المستهدفة إلى مستوى 0.5-0.75%.
فبعد ثمانية سنوات من الأزمة المالية العالمية 2008، لم يقم البنك الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة سوى مرتين بمجموع 0.5% بعدما كانت عند مستوى 5.25% قبل حدوث أزمة 2008 ومستوى 6.5% قبل أزمة 2001، ما يدل على حساسية الاقتصاد الأمريكي والعالمي والمخاوف في تلك الفترة من عدم اكتمال التعافي من أزمة 2008 ومخاطر العودة إلى مرحلة الركود.
ولكن بعد استلام ترامب الرئاسة، تم رفع وتيرة الزيادات في معدل الفائدة المستهدف للبنك الفدرالي. ففي عام 2017 تم رفع الفائدة 3 مرات بمجموع 0.75% وتلاه عام 2018 بأربعة قرارات رفع للفائدة بمجموع 1%. ليصل معدل الفائدة الحالي للبنك الفيدرالي إلى حد 2.25-2.5% وهو الذي لا يزال أقل بكثير من المعدلات الطبيعية لأسعار الفائدة.
وعلى الرغم من امتناع البنك الفيدرالي من رفع أسعار الفائدة خلال الشهور الماضية من 2019، فإن ذلك لم يمنع الرئيس الأمريكي ترامب من توجيه انتقادات شديدة ومتكررة لرئيس البنك الفيدرالي الأمريكي جيروم باويل نتيجة قيامة برفع أسعار الفائدة خلال عام 2018. حيث اتهم ترامب باويل بأنه السبب وراء ضياع الفرصة لنمو اقتصادي أكبر وتحقيق البورصات الأمريكية لنتائج أقوى لولا رفع أسعار الفائدة التي تهدد إنجازاته خلال فترة رئاسته.
فإنه -حتى مع التشديد على ضرورة استقلالية البنوك المركزية عن التأثيرات السياسية- لا يمكن إلغاء احتمالية تأثر البنك الفيدرالي الأمريكي ورئيسه جيروم باويل بضغوطات الرئيس الأمريكي، ما انعكس على قراره الأخير حول استعداده لتقليل أسعار الفائدة على الرغم من وجود مؤشرات اقتصادية تبرر هذا القرار على أية حال.
يعتقد كثيرون أن طول أمد سياسة أسعار الفائدة المنخفضة دليل على عدم ثقة المسؤولين سواء في البنك الفيدرالي أو في بقية المؤسسات الأمريكية من قدرة الاقتصاد الأمريكي ومن خلفه الاقتصاد العالمي على تحمل معدلات أسعار فائدة طبيعية للبنوك المركزية.
ولا يقتصر ذلك على الولايات المتحدة، ففي أوروبا واليابان ودول أخرى ذهبت سياسات البنوك المركزية إلى أبعد من الصفر لتصل إلى السالب. وهذا يعني دفع الأطراف المودعة لدى البنوك المركزية للفوائد بدلاً من استلامها. وهذا بحد ذاته مؤشر يجب التوقف عنده والتفكر فيه.
وأما فيما يخص دول الخليج التي ترتبط عملاتها وسياساتها النقدية بالدولار، باستثناء الكويت التي تتمتع ببعض المرونة من هذه الناحية، فهناك خلاف بين المحللين حول كيفية تعامل هذه الدول مع تخفيض أسعار الفائدة هذه المرة. إلا أنه من المتوقع أن تستمر دول الخليج كعادتها في اتباع سياسة البنك الفيدرالي في رفع أو تخفيض أسعار الفائدة للحفاظ على استقرار عملاتها.
يعتقد كثيرون أن البنوك المركزية عادة ما تلجأ لتخفيض الفائدة بنسبة 5% عند حدوث الأزمات الاقتصادية. وهذا ما حدث في عام 2008 عندما خفض البنك الفيدرالي الأمريكي الفائدة من 5.25% إلى 0-0.25%. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال منطقي:
إذا كانت سياسة البنوك المركزية في تحفيزها للاقتصاد وإخراجه من الركود هي تقليل أسعار الفائدة بنسبة خمس درجات مئوية. فماذا ستفعل تلك البنوك المركزية لو دخل الاقتصاد العالمي في أي تباطؤ بينما أسعار الفائدة حالياً في مستوى قريب من الصفر أو حتى دون الصفر؟
* محلل بمركز «دراسات»
تشكل سياسات البنك الفيدرالي الأمريكي، وخصوصاً تلك المتعلقة بسعر الفائدة، أهمية قصوى للأسواق المالية والعملات والسلع، فسعر الفائدة يعتبر مؤشراً رئيساً لحالة الاقتصاد الأمريكي ككل، وقرارات البنك الفيدرالي تعكس تقييمه لحالة الاقتصاد الأمريكي في الوقت الحالي والفترة القادمة.
لإيضاح أهمية هذا القرار الأخير للبنك الفيدرالي الأمريكي بشكل أكبر علينا أن نرجع إلى سلسلة قراراته منذ الأزمة المالية العالمية 2008 حتى يومنا هذا، فبعد دخول الاقتصاد الأمريكي تلك الأزمة مع الاقتصاد العالمي، قام البنك الفيدرالي بتقليل سعر الفائدة إلى حد 0 -0.25% بعدما كان عند مستوى 5.25%. وهذا الخفض إلى نسبة الصفر يعتبر إجراءً غير مسبوق في تاريخ البنوك المركزية أو ما يسمى بـ»zero interest-rate policy».
استمرت هذه السياسة لمدة سبع سنوات حتى ديسمبر 2015، حينها قام البنك الفيدرالي برفع سعر الفائدة ربع درجة مئوية لتصل إلى نطاق 0.25-0.5%. ثم عاود البنك الفيدرالي الأمريكي زيادة الفائدة بنفس النسبة بعد عام واحد في ديسمبر 2016 لتصل الفائدة المستهدفة إلى مستوى 0.5-0.75%.
فبعد ثمانية سنوات من الأزمة المالية العالمية 2008، لم يقم البنك الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة سوى مرتين بمجموع 0.5% بعدما كانت عند مستوى 5.25% قبل حدوث أزمة 2008 ومستوى 6.5% قبل أزمة 2001، ما يدل على حساسية الاقتصاد الأمريكي والعالمي والمخاوف في تلك الفترة من عدم اكتمال التعافي من أزمة 2008 ومخاطر العودة إلى مرحلة الركود.
ولكن بعد استلام ترامب الرئاسة، تم رفع وتيرة الزيادات في معدل الفائدة المستهدف للبنك الفدرالي. ففي عام 2017 تم رفع الفائدة 3 مرات بمجموع 0.75% وتلاه عام 2018 بأربعة قرارات رفع للفائدة بمجموع 1%. ليصل معدل الفائدة الحالي للبنك الفيدرالي إلى حد 2.25-2.5% وهو الذي لا يزال أقل بكثير من المعدلات الطبيعية لأسعار الفائدة.
وعلى الرغم من امتناع البنك الفيدرالي من رفع أسعار الفائدة خلال الشهور الماضية من 2019، فإن ذلك لم يمنع الرئيس الأمريكي ترامب من توجيه انتقادات شديدة ومتكررة لرئيس البنك الفيدرالي الأمريكي جيروم باويل نتيجة قيامة برفع أسعار الفائدة خلال عام 2018. حيث اتهم ترامب باويل بأنه السبب وراء ضياع الفرصة لنمو اقتصادي أكبر وتحقيق البورصات الأمريكية لنتائج أقوى لولا رفع أسعار الفائدة التي تهدد إنجازاته خلال فترة رئاسته.
فإنه -حتى مع التشديد على ضرورة استقلالية البنوك المركزية عن التأثيرات السياسية- لا يمكن إلغاء احتمالية تأثر البنك الفيدرالي الأمريكي ورئيسه جيروم باويل بضغوطات الرئيس الأمريكي، ما انعكس على قراره الأخير حول استعداده لتقليل أسعار الفائدة على الرغم من وجود مؤشرات اقتصادية تبرر هذا القرار على أية حال.
يعتقد كثيرون أن طول أمد سياسة أسعار الفائدة المنخفضة دليل على عدم ثقة المسؤولين سواء في البنك الفيدرالي أو في بقية المؤسسات الأمريكية من قدرة الاقتصاد الأمريكي ومن خلفه الاقتصاد العالمي على تحمل معدلات أسعار فائدة طبيعية للبنوك المركزية.
ولا يقتصر ذلك على الولايات المتحدة، ففي أوروبا واليابان ودول أخرى ذهبت سياسات البنوك المركزية إلى أبعد من الصفر لتصل إلى السالب. وهذا يعني دفع الأطراف المودعة لدى البنوك المركزية للفوائد بدلاً من استلامها. وهذا بحد ذاته مؤشر يجب التوقف عنده والتفكر فيه.
وأما فيما يخص دول الخليج التي ترتبط عملاتها وسياساتها النقدية بالدولار، باستثناء الكويت التي تتمتع ببعض المرونة من هذه الناحية، فهناك خلاف بين المحللين حول كيفية تعامل هذه الدول مع تخفيض أسعار الفائدة هذه المرة. إلا أنه من المتوقع أن تستمر دول الخليج كعادتها في اتباع سياسة البنك الفيدرالي في رفع أو تخفيض أسعار الفائدة للحفاظ على استقرار عملاتها.
يعتقد كثيرون أن البنوك المركزية عادة ما تلجأ لتخفيض الفائدة بنسبة 5% عند حدوث الأزمات الاقتصادية. وهذا ما حدث في عام 2008 عندما خفض البنك الفيدرالي الأمريكي الفائدة من 5.25% إلى 0-0.25%. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال منطقي:
إذا كانت سياسة البنوك المركزية في تحفيزها للاقتصاد وإخراجه من الركود هي تقليل أسعار الفائدة بنسبة خمس درجات مئوية. فماذا ستفعل تلك البنوك المركزية لو دخل الاقتصاد العالمي في أي تباطؤ بينما أسعار الفائدة حالياً في مستوى قريب من الصفر أو حتى دون الصفر؟
* محلل بمركز «دراسات»