المعادلة القوية في أي تطوير، وأي ارتقاء، وأي تميز، تحتاج لطرفين هامين، تحتاج للخامات التي تمتلك طاقات ومهارات كامنة.. وتحتاج للقيادات التي تعرف كيف تصقل وتدرب وتكتشف القدرات.. لتحولها إلى طاقات نجاح لا مثيل لها.

- - - - - - - -- -- - - -- - -- --

كنت جالساً أمام جهاز الكمبيوتر المحمول لأكتب مقال اليوم، وكان التلفاز مفتوحاً، والقناة تعرض فيلم ”فتى الكراتية" بنسخته الثانية التي أنتجت عام ٢٠١٠، وبالضرورة سأفقد التركيز لأن الصور تتحرك بسرعة أمامي، وما كان يفعله مدرب ”الكونغ فو" في الفيلم الممثل القدير ”جاكي شان" مع الفتى ”جايدن سميث" ابن الممثل القدير ”ويل سميت" كان أمراً يدفع للفضول.

جلست أتابع كيف أن هذا الفتى الصغير الشغوف يريد أن يصبح بطلاً في ”الكونغ فو"، وكيف أن الأقدار قادته لطلب التدريب على يد هذا المدرب الذي يعيش منعزلاً يمارس أعمال تصليح عادية، وكيف أنه في البداية وجد الفتى ”دري" -وهو اسمه في الفيلم- نفسه في حالة من اليأس، لأن مدربه بدا وكأنه لا يريد تدريبه، بل كان ما يطلبه منه خلال أسابيع يتمثل بخلع سترته ثم رميها على الأرض ثم إلقائها على عصا خشبية معلقة أفقياً، ثم إزالتها، ثم ارتدائها، ومن بعد ذلك معاودة هذه الكرة مرات ومرات، بطريقة تدفعك للضجر والملل، حتى كمشاهد!

كانوا يخبرونه بأن جاكي شان مدرب قدير، ولاعب كونغ فو لا يضاهى، لكن كل ما كان يراه ”دري" يقول بعكس ذلك، لا يوجد اهتمام، بل درس مملل متكرر.

وصل الفتى لحالة الغضب بعد أسابيع طويلة، وحينما قرر مواجهة مدربه والحديث معه بصوت فيه إحساس يملؤه الرغبة بالتعلم، هنا أمسك المدرب يديه وأخذ يشرح طريقة التحكم بكافة أطراف جسده بأسلوب ”السترة"، فحينما ترميها للأعلى أنت تصد الهجوم، وحينما ترتديها تتحفز للقتال، وحينما تخلعها توجه ضربات قوية، وحينما تنزل لالتقاطها فأنت تتفادى ضربات غادرة أو مباشرة.

حينها انقلب الحال كله، كل يوم قدم المدرب فيه للفتى ”دري" درساً متقدماً في القتال، وجعله يتشرب ”تكتيات" متطورة لا يتقنها إلا خبير أو متمرس، وكان الفتى ينجح فيها بجدارة، وكانت عينا المدرب تلتمعان فخراً وثقة بقدرات هذا الفتى.

نعم، تركت صفحة مقالي فاضية وأنا أتابع هذا الفيلم، ولكنني خلصت بعدها لدروس رائعة في علم القيادة، مقترنة بالرغبة الجامحة للتعلم من أجل النجاح.

لنعلم هنا بأن لكل شخص قابلية للتعلم، لكن هناك مستويات متفاوتة، إذ إلى أي مدى تريد التعلم؟! هل تريد أن تتعلم لأن هذا أمر حتمي ولازم؟! أم أنك تريد أن تتعلم لأنك ترى النجاح نتيجة لهذا العلم، بل هو أساس التفوق والتميز؟! أتحدث هنا عن الدافعية الكامنة بداخلك، والتي من خلال الفتى ”دري" اتضح بأنه خاض اختباراً قاسياً وصعباً لقياس صبره، وللجلد الذي يتحتم عليه التمثل به ليثبت لمدربه الخبير بأنه أهل لثقته، وأن تدريبه له ليس تضييعاً لوقت المدرب أو هدراً لآماله.

في جانب آخر هناك نرى نموذجاً مثالياً، بل متقدماً للمدرب الخبير، الناجح في تحليل شخصيات من يدربهم، من يعرف اكتشاف قدراتهم وتقييم طاقاتهم، بالتالي يضع الاختبارات الصحيحة لتفجير هذه الطاقات، إذ كم الطاقات مخزونة بداخلنا ولا نعرف عنها، ونحتاج لثورة داخلية لنكتشفها، أو نحتاج لمدرب أو كشاف أو مسؤول خبير ليدلنا على طريقة اكتشاف الذهب بداخلنا.

المعادلة القوية في أي تطوير، وأي ارتقاء، وأي تميز، تحتاج لطرفين هامين، تحتاج للخامات التي تمتلك طاقات ومهارات كامنة، ولديها الرغبة الجامحة في النجاح، وتحتاج للقيادات التي تعرف كيف تصقل وتدرب وتكتشف القدرات، والأهم كيف توظفها وتعطيها من خبرتها لتحولها إلى طاقات نجاح لا مثيل لها.

بعض الأفلام ليست أفلاماً للمتعة والفرجة فقط، بل بعضها دروس حياتية ومهنية بالغة في القوة، فقط لو فككنا شفراتها، وحللناها بدقة، عبر إسقاطات واقعية على حياتنا.