يسألني ناصح أمين، رجل عركته السنون، ومكانته اليوم بين البشر مقدرة من خلال تدريبه أجيالاً وأجيالاً على فنون الحياة، والأهم، على حقائقها المخفية خلف ستار الزيف والتلون والتجمل، يسألني: كم صديقاً لديك؟!
سؤال قد يكون مستغرباً في بادئ الأمر، لكن بعد التمعن أدركت مدى «العمق» فيه.
أجبته بأنني أتوقع عدداً لا بأس به، نعم لقد تعديت تلك المرحلة الجامحة من الشباب والتي تخيل لك بأن الجميع أصدقاؤك، وأن كل معرفة يمكن أن تحتسب كصداقة، محاولاً نسيان أن الوضع المهني أو الاجتماعي قد يخلق لك أصدقاء كثراً أمام عينيك، لكن الحقيقة تفيد بأن هناك أصدقاء للمنصب، وأصدقاء للشهرة، وأصدقاء للمعرفة ليس إلا.
في حين أن البحث عن مفهوم «الصديق الحقيقي» يكشف لنا حقيقة مرة، تقودك لأن تجد نفسك وحيداً، رغم أن الكثيرين من حولك.
أجابني رداً على إجابتي: يا أخي، اليوم إن كنت تمتلك ثلاثة أصدقاء، فأنت في نعمة كبيرة؟!
نعم؟! ثلاثة أصدقاء فقط؟! يخيل لي أن العدد ضئيل جداً، أليس فيما تقوله مبالغة كبيرة؟! أجبته وجزء مني يتفق معه بقوة، وجزء آخر يقاوم تصديق الفكرة، لأن فيها بالتأكيد صدمة، إذ هي ليست صدمة في البشر، بل صدمة في الذات حينما تقودك لا شعورياً للإحساس بأن كل من حولك يستحق مسمى صديق.
سألني عن تعريفي للصديق، فأجبته أن قناعتي وتجربتي طوال هذه السنوات الطويلة، خاصة في العمل بداخل أصعب وأعقد الأوساط المهنية ألا وهي الإعلام والصحافة، خلصت لقناعة بأن الصديق هو من يمتلك خصالاً قلما تجدها في أي شخص تعرفه، أولها الشهامة والمروءة في الصداقة، فهو كاتم للسر، ناصح صدوق، لا يضحك في وجهك ويطعنك في ظهرك، وحينما تكاد تسقط تجده خلفك يسندك، وحينما تضيق بك أمور الدنيا تجده هاباً مسانداً ماداً يد العون، هو الذي تتحدث معه وكأنك تتحدث مع نفسك، مدركاً بأنه لن يخونك، ولن ينقلب عليك، وإن اختلفت معه اشترى رضاك، وتحمل سوء تصرفاتك، وأحبك بلا شرط أو هدف.
ضحك وقال لي: بالتالي طبق كل هذا على كل من تعرف، واخلص للرقم الذي يتضمن هذه الصفات في الأشخاص الذين ستخضعهم للتقييم، وبعدها احتفظ بالرقم لنفسك، وستستغرب لا محالة!
وبالفعل عندما افترقنا، كانت مجرد عملية حسابية في رأسي، مقترنة بتركيبات للصفات والمواقف السابقة على الأشخاص، لأكتشف بأن كثيراً ممن اعتبرتهم أصدقاء لم يكونوا كذلك، وأعني بالمفهوم الشامل الذي أوردته أعلاه، اكتشفت بأن كثيراً منهم «خذلوني» في لحظات ما، لحظات تفصل بين الحقيقة والتجمل، ولن أقول الزيف، لأنني لا أريد ظلم أحد، فالحياة فيها تقلبات متسارعة، والبشر أحد العناصر التي ترتهن لهذه التقلبات.
لماذا ننصدم إذن، لماذا يخيب أملنا في فلان أو علان؟! من المخطئ في المعادلة، نحن أم هم؟! هل أساليبنا خاطئة، أم أساليبهم غير صادقة؟!
يستطيع أن يجيبني على هذه التساؤلات فقط الشخص الذي يبني علاقاته على المصالح، الشخص الذي يري في البشر الآخرين «فرصاً» للظفر بشيء ما، ولا يراهم بشراً صداقتهم مكسب إنساني، هذا الشخص الذي لا ينصدم بأحد إطلاقاً، ولن تجده يقول فلان «خذلني» أو «خيب ظني» فيه، بل ستجده يتكلم فيه وينسج بشأنه شخصية لها سمعة غير محببة في المجتمع.
أما الإنسان الذي يؤمن بأن صداقة البشر مسألة لا يسعى لها إلا أصحاب القلوب البيضاء، تلك التي تعامل البشر بنفس الأسلوب الراقي الإنساني الذي تترقب أن يعاملها به جميع البشر، فهذا الإنسان هو المعرض للصدمات في زمننا للأسف، هو الإنسان الذي قد تمر عليه صور عشرات من البشر، فيقف عند أحدها ليبتسم مقدراً إياه، وقد يقف عند صورة أخرى ليحزن ويتألم هامساً لنفسه «للأسف خاب أملي فيهم»!
ورغم كل ذلك، أجد النوع الأخير هو الأنظف والأنقى كونه يتوسم من الآخرين كل شيء جميل، وهنا قد أختلف مع محدثي المشار إليه في بداية المقال، إذ الفكرة ليست بعدد الأصدقاء الصادقين معنا، الفكرة بنا وكيفية تعاملنا مع البشر، نعاملهم بالأسلوب الذي نرى فيه أنفسنا كبشر، دون الوقوع ضحايا لأفخاخ أو استغلال.
وهنا تأتي الأمنية الأثيرة مستحيلة التحقق، حينما تقول لنفسك: «ليت كل البشر أصدقائي»!
سؤال قد يكون مستغرباً في بادئ الأمر، لكن بعد التمعن أدركت مدى «العمق» فيه.
أجبته بأنني أتوقع عدداً لا بأس به، نعم لقد تعديت تلك المرحلة الجامحة من الشباب والتي تخيل لك بأن الجميع أصدقاؤك، وأن كل معرفة يمكن أن تحتسب كصداقة، محاولاً نسيان أن الوضع المهني أو الاجتماعي قد يخلق لك أصدقاء كثراً أمام عينيك، لكن الحقيقة تفيد بأن هناك أصدقاء للمنصب، وأصدقاء للشهرة، وأصدقاء للمعرفة ليس إلا.
في حين أن البحث عن مفهوم «الصديق الحقيقي» يكشف لنا حقيقة مرة، تقودك لأن تجد نفسك وحيداً، رغم أن الكثيرين من حولك.
أجابني رداً على إجابتي: يا أخي، اليوم إن كنت تمتلك ثلاثة أصدقاء، فأنت في نعمة كبيرة؟!
نعم؟! ثلاثة أصدقاء فقط؟! يخيل لي أن العدد ضئيل جداً، أليس فيما تقوله مبالغة كبيرة؟! أجبته وجزء مني يتفق معه بقوة، وجزء آخر يقاوم تصديق الفكرة، لأن فيها بالتأكيد صدمة، إذ هي ليست صدمة في البشر، بل صدمة في الذات حينما تقودك لا شعورياً للإحساس بأن كل من حولك يستحق مسمى صديق.
سألني عن تعريفي للصديق، فأجبته أن قناعتي وتجربتي طوال هذه السنوات الطويلة، خاصة في العمل بداخل أصعب وأعقد الأوساط المهنية ألا وهي الإعلام والصحافة، خلصت لقناعة بأن الصديق هو من يمتلك خصالاً قلما تجدها في أي شخص تعرفه، أولها الشهامة والمروءة في الصداقة، فهو كاتم للسر، ناصح صدوق، لا يضحك في وجهك ويطعنك في ظهرك، وحينما تكاد تسقط تجده خلفك يسندك، وحينما تضيق بك أمور الدنيا تجده هاباً مسانداً ماداً يد العون، هو الذي تتحدث معه وكأنك تتحدث مع نفسك، مدركاً بأنه لن يخونك، ولن ينقلب عليك، وإن اختلفت معه اشترى رضاك، وتحمل سوء تصرفاتك، وأحبك بلا شرط أو هدف.
ضحك وقال لي: بالتالي طبق كل هذا على كل من تعرف، واخلص للرقم الذي يتضمن هذه الصفات في الأشخاص الذين ستخضعهم للتقييم، وبعدها احتفظ بالرقم لنفسك، وستستغرب لا محالة!
وبالفعل عندما افترقنا، كانت مجرد عملية حسابية في رأسي، مقترنة بتركيبات للصفات والمواقف السابقة على الأشخاص، لأكتشف بأن كثيراً ممن اعتبرتهم أصدقاء لم يكونوا كذلك، وأعني بالمفهوم الشامل الذي أوردته أعلاه، اكتشفت بأن كثيراً منهم «خذلوني» في لحظات ما، لحظات تفصل بين الحقيقة والتجمل، ولن أقول الزيف، لأنني لا أريد ظلم أحد، فالحياة فيها تقلبات متسارعة، والبشر أحد العناصر التي ترتهن لهذه التقلبات.
لماذا ننصدم إذن، لماذا يخيب أملنا في فلان أو علان؟! من المخطئ في المعادلة، نحن أم هم؟! هل أساليبنا خاطئة، أم أساليبهم غير صادقة؟!
يستطيع أن يجيبني على هذه التساؤلات فقط الشخص الذي يبني علاقاته على المصالح، الشخص الذي يري في البشر الآخرين «فرصاً» للظفر بشيء ما، ولا يراهم بشراً صداقتهم مكسب إنساني، هذا الشخص الذي لا ينصدم بأحد إطلاقاً، ولن تجده يقول فلان «خذلني» أو «خيب ظني» فيه، بل ستجده يتكلم فيه وينسج بشأنه شخصية لها سمعة غير محببة في المجتمع.
أما الإنسان الذي يؤمن بأن صداقة البشر مسألة لا يسعى لها إلا أصحاب القلوب البيضاء، تلك التي تعامل البشر بنفس الأسلوب الراقي الإنساني الذي تترقب أن يعاملها به جميع البشر، فهذا الإنسان هو المعرض للصدمات في زمننا للأسف، هو الإنسان الذي قد تمر عليه صور عشرات من البشر، فيقف عند أحدها ليبتسم مقدراً إياه، وقد يقف عند صورة أخرى ليحزن ويتألم هامساً لنفسه «للأسف خاب أملي فيهم»!
ورغم كل ذلك، أجد النوع الأخير هو الأنظف والأنقى كونه يتوسم من الآخرين كل شيء جميل، وهنا قد أختلف مع محدثي المشار إليه في بداية المقال، إذ الفكرة ليست بعدد الأصدقاء الصادقين معنا، الفكرة بنا وكيفية تعاملنا مع البشر، نعاملهم بالأسلوب الذي نرى فيه أنفسنا كبشر، دون الوقوع ضحايا لأفخاخ أو استغلال.
وهنا تأتي الأمنية الأثيرة مستحيلة التحقق، حينما تقول لنفسك: «ليت كل البشر أصدقائي»!