كريم رضي

آباء ملحميون وأبناء كسالى

رواية (سيدات القمر)، مدهشة على أكثر من مستوى خاصة قوة السرد إلى حد أن يقرنها د.صلاح فضل بقوة شهرزاد الأسطورية على الحكي.

لكن سأتحدث هنا عن جمالية شخصيات الأسلاف بحيث تشعر أنهم صنعوا تاريخ المكان وهو حاضرة (العواقي) مقابل كسل الأسلاف وضعف تأثيرهم في الحكاية الكبرى Grand Narrative بحسب مصطلح فرانسيس ليوتار، لمدينة (العوافي).

إذا ما أخذنا (سليمان) التاجر سنجده أكثر قوة وحضورا من ولده (عبد الله) الشخصية الرئيسية في الرواية فالأب هذا كتاجر سلاح ورقيق صنع جزءا من تاريخ (العوافي)، وعاش الحياة بصخب وعنفوان، متنقلا في العشق بين الحرات والعبدات وأما (فطوم) أم (عبد الله) وزوجة (سليمان) فقد ذهبت في موت غامض قيل إنه ضريبة عشقها تحت شجرة الريحان. وإذا ما أخذنا والد (ميا) زوجة (عبد الله) وشريكته في بطولة الرواية سنجده عاشقا نبيلا وشجاعا للجميلة (نجية) التي تسمى (القمر) لجمالها. أما (عيسى المهاجر) والد (خالد) زوج (أسماء)، فرجل شارك في الحروب الأهلية بين الإمام والسلطان كمقاتل شجاع، وتنقل بين الوطن والمنفى.

أما أبناء هؤلاء البوهيميين الفاعلين في نص الرواية وصناع جغرافيا وتاريخ (العوافي)، ففيهم (عبد الله بن سليمان) الجبان الذي يكتفي بسرد مذكراته ولا يملك بالكاد قرار زواجه أو تسمية ابنته، و(ميا)، التي وجدت نفسها بسلبية تامة فجأة زوجة رجل سلبي لا تملك رفضه، و(خالد) المهاجر الذي زوجوه (أسماء) بفرمان أبوي، و(خولة) أخت (ميا) الثانية والتي تظل في انتظار حبيبها المهاجر لكندا (ناصر) والذي يعود بعد كل هذا التغرب والحرية التي عاشها ليستسلم لقرار أمه في الزواج من (خولة) مكرها. (أحمد) الشاعر البوهيمي النرجسي الذي يتلاعب بمشاعر (لندن) الغبية.

رواية تجعلنا نحب آبائنا الفرسان المغامرين ونكره عجزنا عن صناعة الحياة. وهي ليست رواية (العوافي) وحدها بل كل الحواضر الخليجية التي شهدت هؤلاء الآباء وندبت حظها في أبناءهم.