نحن العرب متأخرون جداً في علم المستقبليات. هذا لا شك فيه.

لأننا لسنا نحن من يصنع المستقبل أو يفرض شروطه.

وحين تجتهد حكوماتنا أو مراكز البحوث الخاصة بالتخطيط والاستراتيجيات العربية في وضع خطط مستقبلية، فإنها تبني مرتكزاتها على الاستشرافات الغربية، والأوروبية والأمريكية تحديداً.

مما يجعل إمكانات نجاح تلك الاستشرافات على جغرافيتنا العربية محدود النجاح.

وعلم المستقبليات في أبسط معانيه هو العلم الذي يرصد مؤشرات الواقع للتنبؤ بالمستقبل، أو التحكم فيه، أو التخطيط له.

وهو حاصل جمع علوم كثيرة ومتعددة ونتاج دراسات تقييمية دقيقة. ويأخذ هذا العلم على عاتقه توقع التحولات المفاجئة ووضع البدائل لكل مفاجأة أو تحول.

وكثير من مراكز البحوث والاستكشاف الغربية صارت تتقن قراءة المستقبل لأن المحددات والمعطيات أكثر وضوحاً لديها، ذلك أن الكون صار يتحكم فيه أصحاب القرار في دول محدودة. غير أن بعض التشوش أصاب تلك القراءات الغربية نتيجة حالة من التمرد أو النهوض الذاتي الذي اعترى بعض الدول مثل الصين والكوريتين وروسيا والهند والدول التي تتكتل في حلفها.

لذلك فإن لكلا الفريقين من الدول قراءات متعددة للمستقبل، لأن لكليهما طموحات مستقبلية وتصورات لمستقبل يصنعونه بأنفسهم لأنفسهم.

وبالعودة لنا نحن العرب.

وحين نسأل عن موقعنا فسنجد أنفسنا وسط تلك القراءات نمثل دور المتفرج الذي يقتطف نتيجة من هنا ورأياً من هناك، و«يرقع» تصوراً متكاملاً لنفسه من خلفيات متناقضة متخيلاً أنه قد شكل له استراتيجية واستشرافاً علمياً ومنهجياً للمستقبل.

تتضح خطورة مثل هذا الحال حين تراقب نتائجه على المراهقين والشباب.

فقبل عامين من التخرج سواء في المرحلة الثانوية أو الجامعية حين تسألهم عن طموحاتهم وآمالهم للمستقبل ستجد كماً من التشوش والغموض والتسويف. بعضهم لم يفك شفراته الذاتية ليدرك مهاراته وقدراته.

والكثير منهم محدودو الخيال لا يتمكن من تصور نفسه خارج الأطر التقليدية.

أزمة المستقبل مع الطلبة والشباب أن احتياجات المستقبل تتغير وتخصصات الدراسة والعمل تتطور. ومازال الكثير من طلابنا يطمحون للتخصصات التقليدية مثل الطب والهندسة والقانون والأعمال التجارية.

ومؤشرات العمل تشير إلى تضخم البطالة في التخصصات التقليدية وقلة الاحتياج المجتمعي لها.

لكن قليلاً ما تدخل هذه المؤشرات في الخطط المستقبلية لدولنا العربية التي مازالت تقوم على البنية التقليدية وترصد في احتياجاتها للتطوير استقدام خبراء من الخارج. هو ما يتناقض مع أصول التنمية وما يجعل دولنا ثابتة في مكانها وتصنيفها لا تتحرك.

أشفق كثيراً على الأجيال التي ستدخل عالم المستقبل دون أدوات ودون أسلحة.

أجيال ستنخرط في واقع له معادلات تختلف تماماً عن جدول الضرب الذي حفظناه بالتلقين والحفظ والتكرار.

فما العمل كي نستعد لمستقبلنا ونحن نعيش على أطراف هامش المستقبل؟