سماهر سيف اليزل
اكتئاب ما بعد الولادة.."شبح أسود" يختطف فرحة الأمومة، بعد أن أثبتت الأبحاث أن نحو 12 إلى 16% من السيدات عانين من اكتئاب ما بعد الولادة، وهي حالة تشبه الاكتئاب الإكلينكي، وما يصاحبه من شعور السيدة بعدم الكفاءة لتصبح أمًّا، وضعف التركيز والذاكرة، وفقدان الاهتمام والتمتع بأي نشاط، والإحساس بعدم الأهمية، وواحدة من كل ألف من الأمهات الجديدات تصاب بذهان ما بعد الولادة.
وتثير فترة الحمل وما بعد الولادة لدى كثير من السيدات، مشكلات مختلفة، في الغالب تكون اضطرابات نفسية واجتماعية وسلوكية، قد تتحول من توترات ظرفية إلى حالات اكتئاب مزمن، ومنهن ممن كانت لهم تجارب سابقة يعتبرن الوضع الجديد أمراً طبيعياً طارئاً، بينما تعتبر أخريات، وخاصة ممن كن على عهد جديد بالأمومة أمراً بالغ التعقيد.
وكشفت دراسات طبية أن نحو 50 إلى 80% من السيدات يصبن باضطرابات مزاجية بعد الولادة بعدة أيام، ولكنها تختفي تلقائياً بعد 10- 12 يوماً من الولادة، وتتطور نسبة 20% منهن لتصل إلى اكتئاب مرضي، وتبدأ ظهور الأعراض بين الأسبوع الثاني والثامن بعد الولادة بدلاً من عدة أيام فقط منها.
وفي الواقع الاجتماعي، تطرح مشكلة ما بعد الولادة أو الحمل نفسه آراء تختلف من جيل إلى آخر، فحديثات العهد بالأمومة و"الأمهات الجدد" يعتبرن أن الكآبة أمر يعشنه على تغير روتين حياتهن وارتباطهن بمسؤوليات جديدة، فيما ترى الجدات "أمهات الماضي" أن الأمر لا يحتاج إلى كل هذا التهويل والمبالغة، فالمسألة مسألة وقت أو مسألة مزاج و"دلع".
وتقول حنان عادل: "لم نسمع من قبل عن شيء يسمى بكآبة الحمل ولا كآبة الولادة، فقد حملت بـ4 أطفال دون الشعور بأي حزن أو "اكتئاب" أو أي شيء من الأشياء الجديدة التي صرنا نسمعها من بنات هذا الجيل.
وتضيف حنان "مراحل الحمل كانت من أجمل المراحل، ولم نكن نمتنع عن الحركة أو نصاب بفتور بل كنا نقوم بكل الواجبات دون تعب أو كلل".
وتوافقها في ذلك لبنى إبراهيم قائلة: "كان حملي الأول به بعض الصعوبات في الشهور الأولى، ولكنها لم تصل لمرحلة الكآبة، أو عدم قبول الذات، كما يحدث مؤخراً مع النساء الجدد ، فهن يبالغن كثيراً في أمور "الدلع" ويرفض عدد منهن مقابلة الناس بعد الوضع بحجة إنهن يشعرن بالاكتئاب، ويعانين من الحزن الشديد ورفض الذات، في حين إن هذا الأمر يجب أن يكون الأسعد في حياة كل أنثى".
في حين تقول هدى محمد: "بدأت كآبة الحمل معي بعد أن وصلت الشهر السابع، وانقلبت حالتي رأساً على عقب، وكنت أعاني من عدم النوم، وارتفاع درجة الحرارة، وتعددت زياراتي للمستشفى، وقد صرف لي الطبيب حبوباً مضادة للاكتئاب".
وتضيف هدى : "كنت أرفض رؤية الناس حتى المقربين لي في الأسرة، بل وصلت بي المأساة للتفكير في القيام بالإجهاض، واستمرت هذه الحالة بعد الولادة وكنت أتعرض لنوبات بكاء طويلة، ولم أكن أتحمل رؤية طفلتي ولم أرغب بإرضاعها، وفي البحرين لا تتوفر التوعية اللازمة للمرأة قبل الحمل لإدلاء النصائح والتوعية لتعريف كل امرأة مقبلة على الحمل والزواج على كل ما يمكن أن تتعرض له ما جعلني أتوقف عن الدراسة مما زاد رفضي".
وعن العلاج تقول هدى: "عالجت نفسي بنفسي، فأنا لم أتلقَ الدعم والمساعدة من أي شخص..كانت كل زياراتي للطبيب النفسي فاشلة، لم تؤتِ العقاقير التي تناولتها بنتائج".
وتواصل "قمت بمواجهة نفسي لأضع حداً لكل هذا، أتحدث إلى نفسي وأقول هناك الكثير من الأشياء تجعلني سعيدة لذلك علي الاستمرار وعدم التوقف عند هذه المرحلة السوداء، وأول خطوة أقدمت عليها كانت عودتي للجامعة، وتكوين صداقات جديدة، وقمت بحمية غذائية أنقصت من وزني كثيراً، وعدت للاعتناء بطفلتي وزوجي ومنزلي، وتدريجياً عادت الحياة طبيعية.
أما مروة مبارك فتقول: "فترة الحمل كانت عادية لم أتعرض لأي مشاكل، ولكن بمجرد وصولي للأسبوع الأخير ازداد الضغط والتفكير، وكانت تساورني وساوس كثيرة، وتعبت أثناء الولادة الأمر الذي جعلني أرفض مقابلة الناس، فقد كنت مرهقة جداً، وتعرضي لضغط الحمل جعل من جسمي منتفخاً ومتورماً ولم أكن متقبله لشكلي".
وتزيد قائلة "لم أشعر برغبة في مواجهة الناس حتى المقربين لي، وكان لزوجي نصيب في ذلك فقد رفضت العودة لمنزلي بعد خروجي من المستشفى وعدت لمنزل الأسرة ، واستمرت الحالة لمدة أربعة أشهر ، حتى تقبلت الوضع وهدأت نفسيتي وأحاول الآن العودة لحياتي الطبيعية.
حقيقة الكآبة النفسية
تقول اختصاصية أمراض نساء وولادة د.وفاء عمران : إن كآبة الحمل حقيقية، وتتعرض العديد من الأمهات الجدد للإصابة "بالكآبة النفسية" في مرحلة ما بعد الولادة"، والتي عادةً ما تشمل تقلب المزاج ونوبات البكاء والقلق وصعوبة في النوم.
وتبدأ الكآبة النفسية عادةً في غضون أول يومين أو 3 أيام بعد الولادة، ويمكن أن تستمر لمدة تصل إلى أسبوعين، وفي حالات نادرة قد يظهر اضطراب مزاجي شديداً يسمى " ذهان " ما بعد الولادة أيضاً بعد ولادة الطفل وتتضمن أعراض الكآبة النفسية ما بعد الولادة تتضمن ما يلي: تقلب المزاج، والقلق، والحزن، والتهيج، والشعور بالإرهاق، والبكاء، وانخفاض التركيز، ومشاكل الشهية، وصعوبة النوم.
وتضيف عمران: "يتم تشخيص أعراض الاكتئاب ما بعد الولادة بطريق الخطأ في بداية الأمر ، ولكن العلامات والأعراض تكون أكثر شدة وأطول أمدًا، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى إعاقة قدرة الأم على رعاية طفلها وممارسة المهام اليومية الأخرى، وتظهر الأعراض عادةً في غضون الأسابيع القليلة الأولى بعد الولادة، ومن الممكن أن تبدأ في وقت لاحق بعد مدة تصل إلى ستة أشهر بعد الولادة".
ويتضمن هذا الاكتئاب، بحسب د. وفاء، الشعور بالحزن الشديد أو التقلبات المزاجية الحادة، والإفراط في البكاء، وصعوبة التعلق بالطفل، والابتعاد عن العائلة والأصدقاء، وفقدان الشهية أو تناول المزيد من الطعام بشكل يفوق المعتاد، وعدم القدرة على النوم "الأرق" أو النوم لفترات طويلة، والتعب البالغ أو فقدان الطاقة، وقلة الاهتمام والاستمتاع بالأنشطة التي كانت تبعث على المتعة، والانفعال والغضب الشديد، والخوف من أنها لا تمثل أمًا جيدة، وأحاسيس انعدام القيمة، أو الخزي، أو الذنب أو العجز، وانخفاض القدرة على التفكير بوضوح، أو التركيز أو اتخاذ القرارات، ونوبات القلق أو الهلع الشديدة، وأفكار إيذاء النفس أو إيذاء الطفل، وتكرار التفكير في الموت أو الانتحار، وربما يستمر اكتئاب ما بعد الولادة لعدة أشهر أو لمدة أطول في حالة عدم علاجه.
"ذهان" ما بعد الوضع
وعن النظر إلى حالة الإصابة بذهان ما بعد الولادة، تقول وفاء "هي حالة نادرة تظهر عادةً في غضون الأسبوع الأول بعد الولادة، تكون العلامات والأعراض أكثر شدة، و تتضمن العلامات والأعراض، التشويش الذهني والشعور بالتوهان - الأفكار الوسواسية التي تدور حول الطفل - الهلاوس والأوهام - اضطرابات النوم البَارانويا.
وهومرض نفسي يعاني من يصاب به من سيطرة أفكار ومعتقدات لها منطق خاص من اختراعه. ويتسم سلوك مريض البارانويا بالشك والريبة.
متى تزور الطبيب؟
وتزيد وفاء في التوضيح: "في حالة الشعور بالاكتئاب بعد ولادة الطفل، قد تشعر الأم بعدم الاستعداد أو الإحراج للاعتراف بالأمر، ولكن في حالة الشعور بأعراض الكآبة النفسية بمرحلة ما بعد الولادة أو اكتئاب ما بعد الولادة، يفضل الاتصال بالطبيب وترتيب موعد، في حالة المعاناة من أعراض تُشير إلى احتمال الإصابة بذهان ما بعد الولادة، يتوجب طلب المساعدة على الفور وخاصة في حال عدم اختفاء الأعراض بعد أسبوعين أو التفاقم أو وجود أفكار انتحارية ، وممكن طلب المساعدة من الوالدين أو من يهتمون بأمر رعاية الطفل وأخصائي الصحة النفسية أو صديق مقرب أو أحد الأحباب أو رجال الدين".
وتضيف: "قد لا تكون الأم أو من حولها على دراية بعلامات الاكتئاب وأعراضه ، فإذا كانت صديقتها أو أحد المقربين يشكون في أنها مصابة باكتئاب ما بعد الولادة أو بصدد الإصابة بالذهان التالي للوضع، فانه بالإمكان مساعدتها من خلال التواصل مع الطبيب مباشرة ولا يجب أن تنتظر وتأمل أن يحدث تحسن وفيما يتعلق بأسباب هذا الاكتئاب لا يوجد سبب وحيد للاكتئاب بعد الولادة.
وتستدرك قائلة "لكن يمكن أن تلعب المشكلات البدنية والانفعالية دورًا مثل أولا : التغييرات البدنية بعد الولادة، حيث يسهم الانخفاض الكبير في هرموني (الإستروجين والبروجيسترون) في الجسم إلى الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة. وكذلك يمكن أن تنخفض بعض الهرمونات التي تفرزها الغدة الدرقية بدرجة كبيرة أيضًا مما يجعل المرأة تشعر بالتعب والكسل والاكتئاب، وثانيا المشكلات النفسية والتي تأتي عند الحرمان من النوم وكثرة المهام المرهقة للغاية، إذ يمكن أن تعاني المرأة في التعامل مع المشكلات ولو البسيطة، ويمكن أن تكون قلقة حول القدرة على رعاية المولود الجديد، ويمكن أن تشعر بقلة الجاذبية أو الشعور بفقدان التحكم في مجريات الحياة، ويمكن أن تسهم أيٌّ من هذه المشكلات في الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة".
مخاطر ومضاعفات
وعن عوامل الخطر تقول د. وفاء: "يمكن أن يحدث اكتئاب ما بعد الولادة بعد ولادة أي طفل، وليس الأول فقط ، وتزداد مخاطر الإصابة به إذا السيدة لديها سوابق الإصابة بالاكتئاب، سواء خلال فترة الحمل أو في أوقات أخرى، أو كان لديها اضطراب ثنائي القطب ، أو عانت من اكتئاب ما بعد الولادة بعد ولادة سابقة، وكان في عائلتها أفراد يعانون من الاكتئاب، أو أن تكون مرت بأحداث شكلت ضغطاً نفسياً عليها خلال السنة السابقة، مثل مضاعفات الحمل، أو المرض، أو فقدان وظيفة، أو كان طفلها يعاني من مشاكل صحية أو احتياجات خاصة أخرى، أو كانت تواجه صعوبة في الرضاعة الطبيعية، وتعاني من مشاكل في علاقاتها الشخصية أو العاطفية مع زوجها أو غيره من الأشخاص المهمين في حياتها ، كانت تعاني من مشاكل مالية، وكان حملها غير مرغوبٍ أو غير مخطط له".
وتقول: "يمكن أن يتعارض اكتئاب ما بعد الولادة إذا لم يتم علاجه مع علاقة الترابط بين الأم والطفل بالإضافة إلى أنه يسبب مشاكل عائلية، و فيما يخص الأمهات يمكن أن يستمر اكتئاب ما بعد الولادة الذي لم يتم علاجه لمدة شهور أو أكثر، ويصبح في بعض الأحيان "اضطراباً اكتئابياً مزمناً" ، وحتى إذا تم علاجه، يزيد اكتئاب ما بعد الولادة من خطر إصابة المرأة بنوبات مستقبلية من الاكتئاب الشديد.و فيما يخص الآباء يمكن أن يتسبب اكتئاب ما بعد الولادة في حدوث أثر مضاعف، مما يتسبب في حدوث إجهاد عاطفي لهم، وعندما تصاب الأم الجديدة بالاكتئاب، ويتعرض الآباء الجدد بالفعل لخطر الإصابة بالاكتئاب سواء إذا كانت شريكتهم مصابة أو لا أما فيما يخص الأطفال: من المرجح إصابة الأطفال الذين لديهم أمهات تعانين اكتئاب ما بعد الولادة لم يتم علاجه بمشاكل عاطفية وسلوكية مثل الصعوبات في النوم وتناول الطعام والبكاء المفرط واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD). وتعتبر التأخيرات في تطور اللغة أكثر شيوعاً أيضاً".
الفحص المبكر
وتنبه د. وفاء "إذا كانت الأم لديها تاريخ سابق للإصابة بالاكتئاب لابد أن تخبر طبيبتها ما إذا كانت تخطط للحمل أو في أقرب وقت تعرف فيه أنها حامل"
وتقول: "خلال الحمل، يمكن لطبيبتها مراقبتها عن كثب لملاحظة ظهور أي علامات أو أعراض للاكتئاب. قد يجعلها الطبيب تُكمل استبيان فحص الاكتئاب خلال حملها أو بعد الولادة".
وتزيد "يمكن السيطرة في بعض الأحيان على الاكتئاب الخفيف من خلال مجموعات الدعم والاستشارة والعلاجات الأخرى، وفي الحالات الأخرى، قد يُوصى بتناول الأدوية المضادة للاكتئاب حتى خلال الحمل، وبعد ولادة طفلك وقد يُوصي طبيبها بالخضوع لفحص الحالة الطبية ما بعد الولادة بحثاً عن علامات وأعراض الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، وكلما تم الاكتشاف مبكراً، أمكن بدء العلاج مبكراً أو الخضوع للعلاج النفسي فوراً بعد الولادة".
نهاية الاكتئاب
وعن نهاية الاكتئاب تقول د وفاء: "كثيراً ما يُعالج اكتئاب بعد الولادة عن طريق العلاج النفسي، فقد يساعد التحدث مع الطبيب النفسي حول مخاوفها وما تشعر به، حيث إنه من خلال العلاج يمكن الوصول لطرق أفضل للتعامل مع مشاعرها وحل المشاكل، ووضع أهداف واقعية، والاستجابة للحالات بطريقة إيجابية، كما يساعد دعم الزوج والأسرة والمحيطين بشكل كبير في العلاج، وقد يوصي الطبيب أيضاً ببعض مضادات الاكتئاب، ولكن إذا كانت تقوم بـ الرضاعة الطبيعية، فإنه يجب مناقشة الأنواع المناسبة ودراسة الآثار الجانبية على الطفل مع الطبيب، واختيار أقل الأدوية ضرراً للطفل".
وتقول: "عادة ما يختفي اكتئاب ما بعد الولادة مع العلاج المناسب في غضون ستة أشهر، ولكنه قد يستمر في بعض الحالات القليلة لفترة طويلة، وقد يصبح اكتئاباً مزمناً، ويجب الانتباه إلى نقطة هامة للغاية، هي عدم وقف العلاج بعد البدء في الشعور بتحسن، من المهم مواصلة العلاج بشكل كامل، حيث إن وقف العلاج المبكر قبل موعد انتهائه قد يؤدي إلى الانتكاس، ويُصبح التعامل مع الاكتئاب حينها أصعب".
اكتئاب ما بعد الولادة.."شبح أسود" يختطف فرحة الأمومة، بعد أن أثبتت الأبحاث أن نحو 12 إلى 16% من السيدات عانين من اكتئاب ما بعد الولادة، وهي حالة تشبه الاكتئاب الإكلينكي، وما يصاحبه من شعور السيدة بعدم الكفاءة لتصبح أمًّا، وضعف التركيز والذاكرة، وفقدان الاهتمام والتمتع بأي نشاط، والإحساس بعدم الأهمية، وواحدة من كل ألف من الأمهات الجديدات تصاب بذهان ما بعد الولادة.
وتثير فترة الحمل وما بعد الولادة لدى كثير من السيدات، مشكلات مختلفة، في الغالب تكون اضطرابات نفسية واجتماعية وسلوكية، قد تتحول من توترات ظرفية إلى حالات اكتئاب مزمن، ومنهن ممن كانت لهم تجارب سابقة يعتبرن الوضع الجديد أمراً طبيعياً طارئاً، بينما تعتبر أخريات، وخاصة ممن كن على عهد جديد بالأمومة أمراً بالغ التعقيد.
وكشفت دراسات طبية أن نحو 50 إلى 80% من السيدات يصبن باضطرابات مزاجية بعد الولادة بعدة أيام، ولكنها تختفي تلقائياً بعد 10- 12 يوماً من الولادة، وتتطور نسبة 20% منهن لتصل إلى اكتئاب مرضي، وتبدأ ظهور الأعراض بين الأسبوع الثاني والثامن بعد الولادة بدلاً من عدة أيام فقط منها.
وفي الواقع الاجتماعي، تطرح مشكلة ما بعد الولادة أو الحمل نفسه آراء تختلف من جيل إلى آخر، فحديثات العهد بالأمومة و"الأمهات الجدد" يعتبرن أن الكآبة أمر يعشنه على تغير روتين حياتهن وارتباطهن بمسؤوليات جديدة، فيما ترى الجدات "أمهات الماضي" أن الأمر لا يحتاج إلى كل هذا التهويل والمبالغة، فالمسألة مسألة وقت أو مسألة مزاج و"دلع".
وتقول حنان عادل: "لم نسمع من قبل عن شيء يسمى بكآبة الحمل ولا كآبة الولادة، فقد حملت بـ4 أطفال دون الشعور بأي حزن أو "اكتئاب" أو أي شيء من الأشياء الجديدة التي صرنا نسمعها من بنات هذا الجيل.
وتضيف حنان "مراحل الحمل كانت من أجمل المراحل، ولم نكن نمتنع عن الحركة أو نصاب بفتور بل كنا نقوم بكل الواجبات دون تعب أو كلل".
وتوافقها في ذلك لبنى إبراهيم قائلة: "كان حملي الأول به بعض الصعوبات في الشهور الأولى، ولكنها لم تصل لمرحلة الكآبة، أو عدم قبول الذات، كما يحدث مؤخراً مع النساء الجدد ، فهن يبالغن كثيراً في أمور "الدلع" ويرفض عدد منهن مقابلة الناس بعد الوضع بحجة إنهن يشعرن بالاكتئاب، ويعانين من الحزن الشديد ورفض الذات، في حين إن هذا الأمر يجب أن يكون الأسعد في حياة كل أنثى".
في حين تقول هدى محمد: "بدأت كآبة الحمل معي بعد أن وصلت الشهر السابع، وانقلبت حالتي رأساً على عقب، وكنت أعاني من عدم النوم، وارتفاع درجة الحرارة، وتعددت زياراتي للمستشفى، وقد صرف لي الطبيب حبوباً مضادة للاكتئاب".
وتضيف هدى : "كنت أرفض رؤية الناس حتى المقربين لي في الأسرة، بل وصلت بي المأساة للتفكير في القيام بالإجهاض، واستمرت هذه الحالة بعد الولادة وكنت أتعرض لنوبات بكاء طويلة، ولم أكن أتحمل رؤية طفلتي ولم أرغب بإرضاعها، وفي البحرين لا تتوفر التوعية اللازمة للمرأة قبل الحمل لإدلاء النصائح والتوعية لتعريف كل امرأة مقبلة على الحمل والزواج على كل ما يمكن أن تتعرض له ما جعلني أتوقف عن الدراسة مما زاد رفضي".
وعن العلاج تقول هدى: "عالجت نفسي بنفسي، فأنا لم أتلقَ الدعم والمساعدة من أي شخص..كانت كل زياراتي للطبيب النفسي فاشلة، لم تؤتِ العقاقير التي تناولتها بنتائج".
وتواصل "قمت بمواجهة نفسي لأضع حداً لكل هذا، أتحدث إلى نفسي وأقول هناك الكثير من الأشياء تجعلني سعيدة لذلك علي الاستمرار وعدم التوقف عند هذه المرحلة السوداء، وأول خطوة أقدمت عليها كانت عودتي للجامعة، وتكوين صداقات جديدة، وقمت بحمية غذائية أنقصت من وزني كثيراً، وعدت للاعتناء بطفلتي وزوجي ومنزلي، وتدريجياً عادت الحياة طبيعية.
أما مروة مبارك فتقول: "فترة الحمل كانت عادية لم أتعرض لأي مشاكل، ولكن بمجرد وصولي للأسبوع الأخير ازداد الضغط والتفكير، وكانت تساورني وساوس كثيرة، وتعبت أثناء الولادة الأمر الذي جعلني أرفض مقابلة الناس، فقد كنت مرهقة جداً، وتعرضي لضغط الحمل جعل من جسمي منتفخاً ومتورماً ولم أكن متقبله لشكلي".
وتزيد قائلة "لم أشعر برغبة في مواجهة الناس حتى المقربين لي، وكان لزوجي نصيب في ذلك فقد رفضت العودة لمنزلي بعد خروجي من المستشفى وعدت لمنزل الأسرة ، واستمرت الحالة لمدة أربعة أشهر ، حتى تقبلت الوضع وهدأت نفسيتي وأحاول الآن العودة لحياتي الطبيعية.
حقيقة الكآبة النفسية
تقول اختصاصية أمراض نساء وولادة د.وفاء عمران : إن كآبة الحمل حقيقية، وتتعرض العديد من الأمهات الجدد للإصابة "بالكآبة النفسية" في مرحلة ما بعد الولادة"، والتي عادةً ما تشمل تقلب المزاج ونوبات البكاء والقلق وصعوبة في النوم.
وتبدأ الكآبة النفسية عادةً في غضون أول يومين أو 3 أيام بعد الولادة، ويمكن أن تستمر لمدة تصل إلى أسبوعين، وفي حالات نادرة قد يظهر اضطراب مزاجي شديداً يسمى " ذهان " ما بعد الولادة أيضاً بعد ولادة الطفل وتتضمن أعراض الكآبة النفسية ما بعد الولادة تتضمن ما يلي: تقلب المزاج، والقلق، والحزن، والتهيج، والشعور بالإرهاق، والبكاء، وانخفاض التركيز، ومشاكل الشهية، وصعوبة النوم.
وتضيف عمران: "يتم تشخيص أعراض الاكتئاب ما بعد الولادة بطريق الخطأ في بداية الأمر ، ولكن العلامات والأعراض تكون أكثر شدة وأطول أمدًا، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى إعاقة قدرة الأم على رعاية طفلها وممارسة المهام اليومية الأخرى، وتظهر الأعراض عادةً في غضون الأسابيع القليلة الأولى بعد الولادة، ومن الممكن أن تبدأ في وقت لاحق بعد مدة تصل إلى ستة أشهر بعد الولادة".
ويتضمن هذا الاكتئاب، بحسب د. وفاء، الشعور بالحزن الشديد أو التقلبات المزاجية الحادة، والإفراط في البكاء، وصعوبة التعلق بالطفل، والابتعاد عن العائلة والأصدقاء، وفقدان الشهية أو تناول المزيد من الطعام بشكل يفوق المعتاد، وعدم القدرة على النوم "الأرق" أو النوم لفترات طويلة، والتعب البالغ أو فقدان الطاقة، وقلة الاهتمام والاستمتاع بالأنشطة التي كانت تبعث على المتعة، والانفعال والغضب الشديد، والخوف من أنها لا تمثل أمًا جيدة، وأحاسيس انعدام القيمة، أو الخزي، أو الذنب أو العجز، وانخفاض القدرة على التفكير بوضوح، أو التركيز أو اتخاذ القرارات، ونوبات القلق أو الهلع الشديدة، وأفكار إيذاء النفس أو إيذاء الطفل، وتكرار التفكير في الموت أو الانتحار، وربما يستمر اكتئاب ما بعد الولادة لعدة أشهر أو لمدة أطول في حالة عدم علاجه.
"ذهان" ما بعد الوضع
وعن النظر إلى حالة الإصابة بذهان ما بعد الولادة، تقول وفاء "هي حالة نادرة تظهر عادةً في غضون الأسبوع الأول بعد الولادة، تكون العلامات والأعراض أكثر شدة، و تتضمن العلامات والأعراض، التشويش الذهني والشعور بالتوهان - الأفكار الوسواسية التي تدور حول الطفل - الهلاوس والأوهام - اضطرابات النوم البَارانويا.
وهومرض نفسي يعاني من يصاب به من سيطرة أفكار ومعتقدات لها منطق خاص من اختراعه. ويتسم سلوك مريض البارانويا بالشك والريبة.
متى تزور الطبيب؟
وتزيد وفاء في التوضيح: "في حالة الشعور بالاكتئاب بعد ولادة الطفل، قد تشعر الأم بعدم الاستعداد أو الإحراج للاعتراف بالأمر، ولكن في حالة الشعور بأعراض الكآبة النفسية بمرحلة ما بعد الولادة أو اكتئاب ما بعد الولادة، يفضل الاتصال بالطبيب وترتيب موعد، في حالة المعاناة من أعراض تُشير إلى احتمال الإصابة بذهان ما بعد الولادة، يتوجب طلب المساعدة على الفور وخاصة في حال عدم اختفاء الأعراض بعد أسبوعين أو التفاقم أو وجود أفكار انتحارية ، وممكن طلب المساعدة من الوالدين أو من يهتمون بأمر رعاية الطفل وأخصائي الصحة النفسية أو صديق مقرب أو أحد الأحباب أو رجال الدين".
وتضيف: "قد لا تكون الأم أو من حولها على دراية بعلامات الاكتئاب وأعراضه ، فإذا كانت صديقتها أو أحد المقربين يشكون في أنها مصابة باكتئاب ما بعد الولادة أو بصدد الإصابة بالذهان التالي للوضع، فانه بالإمكان مساعدتها من خلال التواصل مع الطبيب مباشرة ولا يجب أن تنتظر وتأمل أن يحدث تحسن وفيما يتعلق بأسباب هذا الاكتئاب لا يوجد سبب وحيد للاكتئاب بعد الولادة.
وتستدرك قائلة "لكن يمكن أن تلعب المشكلات البدنية والانفعالية دورًا مثل أولا : التغييرات البدنية بعد الولادة، حيث يسهم الانخفاض الكبير في هرموني (الإستروجين والبروجيسترون) في الجسم إلى الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة. وكذلك يمكن أن تنخفض بعض الهرمونات التي تفرزها الغدة الدرقية بدرجة كبيرة أيضًا مما يجعل المرأة تشعر بالتعب والكسل والاكتئاب، وثانيا المشكلات النفسية والتي تأتي عند الحرمان من النوم وكثرة المهام المرهقة للغاية، إذ يمكن أن تعاني المرأة في التعامل مع المشكلات ولو البسيطة، ويمكن أن تكون قلقة حول القدرة على رعاية المولود الجديد، ويمكن أن تشعر بقلة الجاذبية أو الشعور بفقدان التحكم في مجريات الحياة، ويمكن أن تسهم أيٌّ من هذه المشكلات في الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة".
مخاطر ومضاعفات
وعن عوامل الخطر تقول د. وفاء: "يمكن أن يحدث اكتئاب ما بعد الولادة بعد ولادة أي طفل، وليس الأول فقط ، وتزداد مخاطر الإصابة به إذا السيدة لديها سوابق الإصابة بالاكتئاب، سواء خلال فترة الحمل أو في أوقات أخرى، أو كان لديها اضطراب ثنائي القطب ، أو عانت من اكتئاب ما بعد الولادة بعد ولادة سابقة، وكان في عائلتها أفراد يعانون من الاكتئاب، أو أن تكون مرت بأحداث شكلت ضغطاً نفسياً عليها خلال السنة السابقة، مثل مضاعفات الحمل، أو المرض، أو فقدان وظيفة، أو كان طفلها يعاني من مشاكل صحية أو احتياجات خاصة أخرى، أو كانت تواجه صعوبة في الرضاعة الطبيعية، وتعاني من مشاكل في علاقاتها الشخصية أو العاطفية مع زوجها أو غيره من الأشخاص المهمين في حياتها ، كانت تعاني من مشاكل مالية، وكان حملها غير مرغوبٍ أو غير مخطط له".
وتقول: "يمكن أن يتعارض اكتئاب ما بعد الولادة إذا لم يتم علاجه مع علاقة الترابط بين الأم والطفل بالإضافة إلى أنه يسبب مشاكل عائلية، و فيما يخص الأمهات يمكن أن يستمر اكتئاب ما بعد الولادة الذي لم يتم علاجه لمدة شهور أو أكثر، ويصبح في بعض الأحيان "اضطراباً اكتئابياً مزمناً" ، وحتى إذا تم علاجه، يزيد اكتئاب ما بعد الولادة من خطر إصابة المرأة بنوبات مستقبلية من الاكتئاب الشديد.و فيما يخص الآباء يمكن أن يتسبب اكتئاب ما بعد الولادة في حدوث أثر مضاعف، مما يتسبب في حدوث إجهاد عاطفي لهم، وعندما تصاب الأم الجديدة بالاكتئاب، ويتعرض الآباء الجدد بالفعل لخطر الإصابة بالاكتئاب سواء إذا كانت شريكتهم مصابة أو لا أما فيما يخص الأطفال: من المرجح إصابة الأطفال الذين لديهم أمهات تعانين اكتئاب ما بعد الولادة لم يتم علاجه بمشاكل عاطفية وسلوكية مثل الصعوبات في النوم وتناول الطعام والبكاء المفرط واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD). وتعتبر التأخيرات في تطور اللغة أكثر شيوعاً أيضاً".
الفحص المبكر
وتنبه د. وفاء "إذا كانت الأم لديها تاريخ سابق للإصابة بالاكتئاب لابد أن تخبر طبيبتها ما إذا كانت تخطط للحمل أو في أقرب وقت تعرف فيه أنها حامل"
وتقول: "خلال الحمل، يمكن لطبيبتها مراقبتها عن كثب لملاحظة ظهور أي علامات أو أعراض للاكتئاب. قد يجعلها الطبيب تُكمل استبيان فحص الاكتئاب خلال حملها أو بعد الولادة".
وتزيد "يمكن السيطرة في بعض الأحيان على الاكتئاب الخفيف من خلال مجموعات الدعم والاستشارة والعلاجات الأخرى، وفي الحالات الأخرى، قد يُوصى بتناول الأدوية المضادة للاكتئاب حتى خلال الحمل، وبعد ولادة طفلك وقد يُوصي طبيبها بالخضوع لفحص الحالة الطبية ما بعد الولادة بحثاً عن علامات وأعراض الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، وكلما تم الاكتشاف مبكراً، أمكن بدء العلاج مبكراً أو الخضوع للعلاج النفسي فوراً بعد الولادة".
نهاية الاكتئاب
وعن نهاية الاكتئاب تقول د وفاء: "كثيراً ما يُعالج اكتئاب بعد الولادة عن طريق العلاج النفسي، فقد يساعد التحدث مع الطبيب النفسي حول مخاوفها وما تشعر به، حيث إنه من خلال العلاج يمكن الوصول لطرق أفضل للتعامل مع مشاعرها وحل المشاكل، ووضع أهداف واقعية، والاستجابة للحالات بطريقة إيجابية، كما يساعد دعم الزوج والأسرة والمحيطين بشكل كبير في العلاج، وقد يوصي الطبيب أيضاً ببعض مضادات الاكتئاب، ولكن إذا كانت تقوم بـ الرضاعة الطبيعية، فإنه يجب مناقشة الأنواع المناسبة ودراسة الآثار الجانبية على الطفل مع الطبيب، واختيار أقل الأدوية ضرراً للطفل".
وتقول: "عادة ما يختفي اكتئاب ما بعد الولادة مع العلاج المناسب في غضون ستة أشهر، ولكنه قد يستمر في بعض الحالات القليلة لفترة طويلة، وقد يصبح اكتئاباً مزمناً، ويجب الانتباه إلى نقطة هامة للغاية، هي عدم وقف العلاج بعد البدء في الشعور بتحسن، من المهم مواصلة العلاج بشكل كامل، حيث إن وقف العلاج المبكر قبل موعد انتهائه قد يؤدي إلى الانتكاس، ويُصبح التعامل مع الاكتئاب حينها أصعب".