أتذكر حديثاً دار قبل زمن بيني وبين بعض الزملاء بشأن عمليات التطوير في أحد القطاعات التي كنا نعمل بها، ويتمحور حول إذا ما كنا في حاجة للاستعانة بجهة استشارية لتقوم بعملية تقيم لمنظومة العمل، ومن ثم اقتراح آليات للتطوير.
زملائي مقتنعون جداً بأن وجود الجهات الاستشارية، من خلال شركات يتم التعاقد معها أمر منطقي وطبيعي، باعتبار أن هذه الجهات لها خبرتها الطويلة، ولها سمعتها التي قد تكون عالمية، وسجلها يحمل أسماء عديدة وكثيرة لجهات حكومية وخاصة وعلى امتداد دول مختلفة ربما، بالتالي هم «أفضل» من يمنحك الحلول.
اختلافي مع زملائي تمحور حول كلمة «أفضل»، إذ إطلاقها بهذا الشكل العام والجازم أمر لا يجب التسليم به، وذلك بحسب وجهة نظري، إذ من قال بأنهم سيأتون ويقدمون لك «الأفضل»؟! ولماذا لا يكون «الأفضل» من صناعتنا وإنتاجنا، باعتبار أننا أهل المكان وأدرى بتفاصيله وتشعباته وبدهاليسه وكواليسه، إذ أو ليس أهل مكة أدرى بشعابها؟!
أحدهم قال لي: لماذا تكبر المسألة، فهؤلاء سيأتونك لتشخيص الوضع، وسيقدمون لك الحلول، والتي سيبنونها بناء على ممارسات عالمية وتجارب ناجحة؟! باختصار هؤلاء سيقدمون لك الحلول وأنت تضع ساقا على ساق!
لست أتفق مع هذا المنطق، أجبته، فعمري المهني وتنقلي بين جهات عديدة في القطاعين الخاص والعام، كتب علي مصادفة مواقف مشابهة، وخرجت منها بتجارب عديدة، لكن الخلاصة الأهم كانت عبر زيادة الاقتناع لدي بأننا يمكننا بأنفسنا القيام بعمليات التشخيص والتقييم واقتراح التطوير ومن ثم الإصلاح، بما ينفي الحاجة لجهات خارجية تأتي بموجب عقود سواء أكانت صغيرة أو كبيرة، لتأخذ حيزاً زمنياً طويلاً في البداية لـ«دراسة طبيعة المكان»، ومن ثم «القيام باستبيانات واجتماعات لا تنتهي مع الموظفين»، وبعدها «استخلاص الحلول من الموظفين أنفسهم»، وأخيراً تقديم كل ذلك في تقرير مطرز بعنوان «الوصفة السحرية» لإصلاح الأمور أو تطويرها.
لست هنا أنتقص من قدر الجهات الاستشارية، لكنني أفرق بين القدرات الموجودة أو المنتفية في هذا القطاع أو ذاك، إذ ربما لو بحثنا في أروقة قطاعاتنا سنجد بالضرورة كفاءات وطاقات وقدرات بإمكانها القيام بأدوار هذه الجهات الاستشارية دون حتى أن تكلف خزينة القطاع شيئاً، وسيكون وقعها أصدق لأن هؤلاء الموظفين عارفين ببواطن الأمور، في المقابل قد تحتاج بعض القطاعات لجهات استشارية تعد لها المطلوب، فقط في حال كانت هذه الجهات تفتقر لمن يمتلك القدرات والمهارات للقيام بعمليات التشخيص واقتراح الحلول الناجعة.
في حياتي المهنية مررت بثلاث تجارب مع جهات استشارية، أحدها في قطاع عام حساس، وآخر في قطاع خاص محسوب على الدولة، وفي التجربة الأولى كان لي دور في اقتراح الاستعاضة عن عرض لإحدى الشركات الاستشارية لتقوم بمهام معنية بحملة إعلامية توعوية، وكان البديل إدارة الإعلام والعلاقات العامة عبر الطاقات التي فيها، وبالفعل نجحوا في تحقيق المطلوب وبصورة مثالية وأقرب للواقع. وفي التجربة الثانية تم بيان أن ما تقدمه الشركة من خدمات يمكن تحقيقها من خلال بحرينيين مؤهلين، وبالفعل اليوم يقوم الفريق البحريني هذا بدور الشركة الاستشارية التي تم إنهاء التعاقد معها، والتجربة الثالثة كانت مع شركة لإعادة تصميم شعار ومضمون ومحتوى للقطاع، واتضح بأن عملها قائم على ما يقدمه لها الموظفون من معلومات وتقارير وأفكار، وعليه كان العمل كله مبنياً على الموظفين أنفسهم.
الفكرة فيما أقول لا ترتكز على تجنب الاستعانة بالشركات الاستشارية، بل على تقييم الأوضاع في أي قطاع قبل الإقدام على ذلك، إذ لربما نكتشف أننا نملك الحلول بأنفسنا وأننا لسنا بحاجة ماسة لهم، بالتالي التغيير والتطوير يكون له قبول أكثر لأنه نابع من أهل المكان، وثانياً نوفر على الموازنة العامة مبالغ يمكن أن يستفاد منها في اتجاهات أخرى.
وفي النهاية لابد من الإدراك أن هناك نوعين من هذه الشركات، نوع محترف وقوي بمخرجاته واستشاراته، ونوع «ذكي وشاطر» في التسويق لنفسه قبل الخوض في المهمة، لكن المشكلات والأخطاء والتأخير تبرز فور بدء العمل، والنتيجة تأخير ومحصلة لا تصل للسقف الأعلى من الطموح.
زملائي مقتنعون جداً بأن وجود الجهات الاستشارية، من خلال شركات يتم التعاقد معها أمر منطقي وطبيعي، باعتبار أن هذه الجهات لها خبرتها الطويلة، ولها سمعتها التي قد تكون عالمية، وسجلها يحمل أسماء عديدة وكثيرة لجهات حكومية وخاصة وعلى امتداد دول مختلفة ربما، بالتالي هم «أفضل» من يمنحك الحلول.
اختلافي مع زملائي تمحور حول كلمة «أفضل»، إذ إطلاقها بهذا الشكل العام والجازم أمر لا يجب التسليم به، وذلك بحسب وجهة نظري، إذ من قال بأنهم سيأتون ويقدمون لك «الأفضل»؟! ولماذا لا يكون «الأفضل» من صناعتنا وإنتاجنا، باعتبار أننا أهل المكان وأدرى بتفاصيله وتشعباته وبدهاليسه وكواليسه، إذ أو ليس أهل مكة أدرى بشعابها؟!
أحدهم قال لي: لماذا تكبر المسألة، فهؤلاء سيأتونك لتشخيص الوضع، وسيقدمون لك الحلول، والتي سيبنونها بناء على ممارسات عالمية وتجارب ناجحة؟! باختصار هؤلاء سيقدمون لك الحلول وأنت تضع ساقا على ساق!
لست أتفق مع هذا المنطق، أجبته، فعمري المهني وتنقلي بين جهات عديدة في القطاعين الخاص والعام، كتب علي مصادفة مواقف مشابهة، وخرجت منها بتجارب عديدة، لكن الخلاصة الأهم كانت عبر زيادة الاقتناع لدي بأننا يمكننا بأنفسنا القيام بعمليات التشخيص والتقييم واقتراح التطوير ومن ثم الإصلاح، بما ينفي الحاجة لجهات خارجية تأتي بموجب عقود سواء أكانت صغيرة أو كبيرة، لتأخذ حيزاً زمنياً طويلاً في البداية لـ«دراسة طبيعة المكان»، ومن ثم «القيام باستبيانات واجتماعات لا تنتهي مع الموظفين»، وبعدها «استخلاص الحلول من الموظفين أنفسهم»، وأخيراً تقديم كل ذلك في تقرير مطرز بعنوان «الوصفة السحرية» لإصلاح الأمور أو تطويرها.
لست هنا أنتقص من قدر الجهات الاستشارية، لكنني أفرق بين القدرات الموجودة أو المنتفية في هذا القطاع أو ذاك، إذ ربما لو بحثنا في أروقة قطاعاتنا سنجد بالضرورة كفاءات وطاقات وقدرات بإمكانها القيام بأدوار هذه الجهات الاستشارية دون حتى أن تكلف خزينة القطاع شيئاً، وسيكون وقعها أصدق لأن هؤلاء الموظفين عارفين ببواطن الأمور، في المقابل قد تحتاج بعض القطاعات لجهات استشارية تعد لها المطلوب، فقط في حال كانت هذه الجهات تفتقر لمن يمتلك القدرات والمهارات للقيام بعمليات التشخيص واقتراح الحلول الناجعة.
في حياتي المهنية مررت بثلاث تجارب مع جهات استشارية، أحدها في قطاع عام حساس، وآخر في قطاع خاص محسوب على الدولة، وفي التجربة الأولى كان لي دور في اقتراح الاستعاضة عن عرض لإحدى الشركات الاستشارية لتقوم بمهام معنية بحملة إعلامية توعوية، وكان البديل إدارة الإعلام والعلاقات العامة عبر الطاقات التي فيها، وبالفعل نجحوا في تحقيق المطلوب وبصورة مثالية وأقرب للواقع. وفي التجربة الثانية تم بيان أن ما تقدمه الشركة من خدمات يمكن تحقيقها من خلال بحرينيين مؤهلين، وبالفعل اليوم يقوم الفريق البحريني هذا بدور الشركة الاستشارية التي تم إنهاء التعاقد معها، والتجربة الثالثة كانت مع شركة لإعادة تصميم شعار ومضمون ومحتوى للقطاع، واتضح بأن عملها قائم على ما يقدمه لها الموظفون من معلومات وتقارير وأفكار، وعليه كان العمل كله مبنياً على الموظفين أنفسهم.
الفكرة فيما أقول لا ترتكز على تجنب الاستعانة بالشركات الاستشارية، بل على تقييم الأوضاع في أي قطاع قبل الإقدام على ذلك، إذ لربما نكتشف أننا نملك الحلول بأنفسنا وأننا لسنا بحاجة ماسة لهم، بالتالي التغيير والتطوير يكون له قبول أكثر لأنه نابع من أهل المكان، وثانياً نوفر على الموازنة العامة مبالغ يمكن أن يستفاد منها في اتجاهات أخرى.
وفي النهاية لابد من الإدراك أن هناك نوعين من هذه الشركات، نوع محترف وقوي بمخرجاته واستشاراته، ونوع «ذكي وشاطر» في التسويق لنفسه قبل الخوض في المهمة، لكن المشكلات والأخطاء والتأخير تبرز فور بدء العمل، والنتيجة تأخير ومحصلة لا تصل للسقف الأعلى من الطموح.