د.فهد حسين
العزوف في المجال الثقافي
كتبنا في عمود سابق ما نعاني منه في مشهدنا الثقافي والأدبي من عزوف العديد من المثقفين وعدم المبادرة في تقديم الرؤى أو المقترحات التي تسهم في دعم أي نشاط.
وهنا نقف عند الأسباب التي شكلت هذا العزوف كما نتصور، وهو دور المؤسسة الثقافية الرسمية والأهلية معا، إذ لا شك أن هناك الكثير من الطاقات الشبابية الموهوبة في مجالات مختلفة فنية وأدبية وتشكيلية وغيرها، لكن كلنا نسأل لم لا تنخرط هذه المواهب في المشهد الثقافي لدينا؟ وهنا نقف عند دور المؤسسات الثقافية التي لا تخلو أهدافها من دعم المواهب الشابة، وتشجيعها للانخراط في العمل الثقافي والتخصص الذي تنتمي إليه. لكن .. هل هذه المؤسسة أو تلك تقوم بترجمة هذا الهدف لواقع ملموس بحيث يودي إلى تحفيز الشباب عامة والموهوب بخاصة؟
إننا نرى عكس ذلك تماماً لأن كل مؤسسة ثقافية أدبية كانت أو مسرحية أم موسيقية أم تشكيلية أم غير ذلك، نجد جل اهتمامها محصوراً في شأنها الداخلي المعتاد، وفي إقامة البرامج الثقافية، وعقد الاجتماعات واللقاءات التي باتت روتينية مرة، ومعادة ومكررة مرات، مما يثقل على الشاب الراغب في تلقي مواهبه ومدارستها، والحوار بينه وبين الآخرين في هذه الموهبة وفي تكوينها وتقنياتها وتفاعلها، لكنه حينما يحضر لا يجد اليد التي تمسكه وتأخذه إلى معترك المجال قراءة وحواراً وكتابة.
وهنا نسأل هذه المؤسسات: هل حان الوقت لتقوم بمراجعة ذاتية ونقد مسيرتها الثقافية من أجل بناء جسر متين بينها وبين الأجيال الشابة الحالية والآتية من رحم المواهب المتعددة؟ وبدلاً من الوقوف على الأطلال تبكي العزوف سواء من الشباب الذين هم ثروة الثقافة مستقبلاً أم أصحاب الخبر والتجربة والمعرفة، ينبغي على كل المؤسسات الثقافية الأهلية والرسمية ذات الشأن الثقافي العام والخاص المبادرة في بناء جسر التواصل الاجتماعي والثقافي لما لهم من دور كان متسيداً المشهد في فترة من الفترات.
في الوقت الذي كنا نلوم المؤسسات الثقافية تجاه الشباب وأصحاب التجربة والخيرة، فإننا نقف هنا في مساءلة الشباب، فكما نعرف جميعاً أن البحرين ولادة مواهب كثيرة، وتخصصات عدة، وقد انخرط بعض هذه المواهب في بعض المؤسسات الرسمية كتاء الشباب، أو المؤسسات الأهلية التي تعتقد أنها تغذي مواهبها، وبخاصة تلك الجماعات التي تشكلت في العقد الثاني من هذا القرن نتيجة البيات الذي حدث لبعض المؤسسات الثقافية والفنية، لكن هل عرف هؤلاء الشباب أن المؤسسات الثقافية في البحرين لم تعد تحمل شعار الثقافة العامة، أو ممارسة كل الأنشطة الثقافية، وإنما التخصص والمجال ديدنها في العمل الثقافي. أي أن هناك مؤسسة متخصصة في المسرح، وأخرى في الموسيقى، وثالثة في الأدب، ورابعة في الفن التشكيلي، وعلى الموهبة الشابة الوقوف مليا لمعرفة الطريق التي تؤدي إلى تطورها، وتحفيزها، ونقلها من حالة إلى حالة، فالشاب بحاجة إلى التواصل مع ذوي الخبرة والتجربة، وبحاجة إلى عرض ما ينتجه عليها، ولا يركن إلى مدح جيله بتلك المفردات الرنانة ذات الصيت المادح من دون مناقشة ما ينبغي أن يكون في عمله ونتاجه في ظل التطورات والتحولات، إن هذا ما نجده في بعض الجلسات الحوارية بين الشباب في الأدب والفن، حيث كلمات المدح والثناء هي السمة الطاغية.
في الوقت نفسه على الشاب أن ينخرط في المؤسسات ذات التاريخ العريق في المجال، والاحتكاك الثقافي والفني مع أعضاء هذه المؤسسة أو تلك، بل لا يقف عن المزاجية والذاتية التي نخرت العديد من المؤسسات، وأدت إلى غياب الكثير من أعضائها، وإنما أن يتسلح بسلاح المعرفة وقبول الآخر رأياً وحواراً وتبايناً، وربما يكون عزوف الشباب نتيجة أسباب خاصة به، لكن ما نطمح إليه ونحن نعمل من أجل ثقافة راقية تسودها المحبة والوعي والتحضر أن نسعى جميعاً لجعل البحرين ومؤسساتها الثقافية منارة مضاءة في سماء عالمنا الثقافي العام.