فهد المصبح*

بدون تردد وبعزم أكيد يمضي القاص ناصر الحسن قدما بالدعس على الثلج رغم برودته المفضية إلى موت في الغالب، وبعنوان جميل موارب يتعلق بالراحلين وربما الهاربين، باستعمالات القدمين في فعل الدعس. والكاتب هنا يقرر وبكل أريحية على الثلج بدلا عن الرمل، في خطوة جريئة تحسب له، والدعس هنا مجازيا يوحي إلى عبور ثلج غير مأسوف عليه.

مجموعة "الدعس على الثلج" صدرت عن نادي المنطقة الشرقية الأدبي، تقع في 93 صفحة من القطع الصغير، بغلاف أمامي هلامي لا يعلم مصدره، وغلاف خلفي تعلوه صورة الكاتب مع سطور من قصة "التمرن على العمى".

ناصر يختلط عليه الأمر أحيانا بين السرد والوصف والرمزية والواقعية، وهذا ناتج عن كونه جديدا على الساحة، تنقصه الدراية بلعبة القص المشوقة، فقصة "حظيرةط مثلا فيها رمزية مفرطة أذهبت جمالها، وكان من الممكن صياغتها بتريث، ومع هذا لا نملك إلا أن نثمن للكاتب جهده آخذين بعين الاعتبار كونه من الشباب الطامحين لإبداع أفضل، والساعين للاستفادة من خبرة من سبقهم من السراد، وليس لدي شك في ذلك من طموح ناصر على ألا يستهين بموهبته ولا يفرط فيها.

في النص الأول للمجموعة "إعجاب من خلف الباب" نسي طمس اسم الكاتب كحال بقية النصوص الأخرى. وفي قصة "التمرن على العمى" يفضل استبدال لفظة التمرن بالتدريب، وهي القصة التي أخذ منها سطورا للغلاف الخلفي، مع أن هناك ما يفوقها جمالا كما في نص "العربانة" تحديدا.

يحتاج الكتاب إلى مراجعة وتدقيق نحوي وإملائي وأسلوبي وحذف الزيادات والاهتمام بعلامات الترقيم وتشكيل بعض الكلمات الملتبسة، لذلك أتمنى أن يحتمل صراحتي وربما قسوتي على بعض النصوص، وأن يعتبرها لصالح القص.

وحدة الزمان والمكان

وبالمناسبة، فقد رأيت أن الكاتب لا يلتزم في بعض نصوصه بوحدة الزمان والمكان، ويدرجها تحت مسمى القصة القصيرة، وهي تندرج تحت القصة الطويلة ونحوها. وعند ناصر إشكالية الثنائيات ولا بد أن يتخلص منها في نصوصه القادمة، وسيرى الفرق لاحقا.

ينسى ناصر أحيانا ويطل بوجهه في النص بلا قصد فيضعف نصوصه بيده، بل وتجد على الشخوص طابع القلق والاضطراب النفسي. في صفحة 66 سطر 3 "كان أكبر مني" - تعدل إلى "كان يكبرني ببضع سنوات"، وفي سطر 7 "أحد المزارع" - تعدل إلى (إحدى المزارع). في صفحة 79 السطر الأخير "تجوب" تعدل إلى "تجوبان" في قصة "شنشنة"، أنصح ناصر بحذف المكرر وعدم الأسف عليه، لأنه يوقع في الوصف وهو ما يرهل السرد ويوقف الزمن.

في صفحة 70 سطر 7 يحتاج قراءة متأنية وقد فعل الكاتب خيرا عندما جعله غامضا أي سبب الألفة بين غلام غر ورجل بالغ يحترف الاجرام، وهو ما يعبر عنه اليوم بالتحرش الجنسي وربما أكثر، بين طفل سئم الضرب على مؤخرته فوقع فريسة شرير وفر له المال واشترى له الحلوى والمرطبات ودراجة هوائية تسيل لها لعاب الأطفال، فللأم أن تضرب ابنها دون نزع سرواله، لكنها إشارة ذكية من الكاتب ودعوة للمتلقي أن يقرأ ما بين السطور وربما ما بين الملابس. لهذا فنص "شنشنة" جميل وثري فيه عملية التدوير بإتقان من قاص شاب جديد على الساحة، وغيره كثيرون أتمنى أن يحضوا بالتفاتة من نقادنا وعدم الاقتصار على الأسماء الرنانة.

في قصة "نوبة عشق حادة" نص جميل وبنهاية مفتوحة تحسب للكاتب في سطرها الأخير، وحبذا لو صيغ باللغة الفصحى وخلا من الألفاظ العامية التي جاءت من بلاد المغرب العربي. وقصة "الكائن الذي شرب ترياق الحياة" تحتاج إلى تصحيح نحوي وإملائي، أو يعاد صياغتها مرة أخرى. وفي قصة "حلم أنثى" صفحة 41 لا أدري لم قوس الكاتب العنوان؟ وهو نص جميل يقوم على الحوار الداخلي (المنلوج).

اختيار العناوين بعناية

ناصر يختار عناوين قصصه بعناية كما في قصة "خفق يوم ميت" والنص كتب بلغة جميلة فيها رقي وإن اختلط ببعض العامي الذي يجب أن يقوس مثل لفظة زبون صفحة 54. وفي قصة "إعجاب من الخلف"، وهو النص الأول في المجموعة صفحة 7، فكرته مكررة في قصص آخرين سبقوه وفي صفحة 8 السطر الأول تشديد الراء في لفظة "بمعرفات"، وختم بنهاية مفتوحة وربكة لعلها من قبيل شر البلية ما يضحك.

في قصة "العربانة" صفحة 17 قوس الكاتب العنوان وهذا شيء جميل، وحبذا لو وضع عليه إشارة أو نجمة وشرح معنى العربانة في الأسفل، وبالمناسبة فالكاتب يقوس بعض الكلمات بقوسين أو بعلامة تنصيص وأظنه لا يفرق بين معقوفين لأن كل منهما له استعمالاته، كما في ألفاظ الشيشة - الحب - التبت صفحة 20.

وفي قصة "صلاة في آخر الصف" معاناة الموسوس في الطهارة القهري ولم تخل من الأخطاء كقوله فأطفأ الماء والصحيح فاغلق الماء أو الصنبور صفحة 74، وكذلك لفظة الصف في العنوان حبذا لو أبدلت بالصفوف.

في نص "سرير بارد" معاناة الأزواج في مرحلة تقدم العمر حيث يبرد بين الزوجين كل شيء إلا الشجار يظل حارا ملتهبا، فتنقلب الأم الى أولادها منشغلة بهم، فيما ينقلب الزوج إلى تفكير يوقد فيه جذوة النزوع إلى زوجة أخرى.

وفي قصة "عبثا يتصاعد البخور" يغوص كاتبنا في بحور هوس الكتابة ويلامس الجنون بنص يتقاطع فيه مع قصة المسخ لـ فرانز كافكا فتفاجئك ثنائية في صفحة 78 سطر 11 الاشمئزاز والقرف كادت أن تطيح بالنص لو تكررت كما في نصوص سابقة، ويكفي كلمة واحد عن الأخرى وإن كانت لفظة القرف أشك في فصاحتها، وتظهر لعبة الأنسنة والتشيئ جليه في هذا النص ففي آخر سطر من صفحة 79 عيناها تجوب الخ.. على أن التقطيع بتلك النجمات الثلاث يدعو إلى انقطاع السرد في ذهنية المتلقي، لكنه قد يكون حلا لإشكالية الزمكانية التي يقع فيها من يكتب نصوصا طويلة كما في هذا النص.

لفظة "الجاوي" يكفي عنها البخور، ولفظة "حد" تختلط عند الكاتب بين المدى والتحديد وعليه أن يراجع نفسه فيهما، فكلمة حد تأتي للمعنوي وليس للحسي. وفي صفحة 81 يشم الزوج عبق البخور بدلا من الجاوي لأن اللفظة تتوه المتلقي، بينما لفظة البخور تشد النص وتوضحه، وفي السطر قبل الأخير من نفس الصفحة ينبغي بل ويلزم الكشف عن هوية الحشرة، وأنها صرصار أو صرصور مستلقية على ظهرها ترفس الهواء، وأن تؤنث لفظة "المجمر" آخر كلمة في النص بتاء التأنيث لتغدو المجمرة، ويحذف الهامش الموضح للجاوي.

والمفارقة الجميلة في النص، وهي تشابه حالة الزوجة بحالة الصرصور، وكلاهما رحل إلى عالم آخر قد يكون الموت وقد يكون الجنون وقد يكون شيئا آخر، ولكن عبثا يتصاعد البخور، وأخيرا لقد استمتعت يا ناصر بهذا الجمال على ما فيه من هنات البدايات، فشكرا لك وفقك الله.

* كاتب وقاص سعودي