عواصم - (وكالات): نفذت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي أي إيه” عمليات تعذيب واستجواب وحشية لمشتبهين بالإرهاب في السنوات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر 2011 في الولايات المتحدة في سجون سرية حول العالم، حسبما أفاد تقرير لمجلس الشيوخ الأمريكي. وجاء في تقرير لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ أن "الـ "سي أي إيه” ضللت الأمريكيين بشأن مدى فعالية "الاستجواب المعدّل”، وكذبت على البيت الأبيض والكونغرس”.كما ذكر التقرير أن "إدارة عمليات الاستجواب اتسمت بالسوء، وأن المعلومات التي تم الحصول عليها جراء هذه العمليات كانت غير جديرة بالثقة”.ونشر مجلس الشيوخ الأمريكي التقرير حول وسائل التعذيب التي استخدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي أي إيه» بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، لأكثر من 100 معتقل في سجون سرية حول العالم، ما أثار قلق الطبقة السياسية الأمريكية وعدداً من الحلفاء مثل بولندا، مشيراً إلى أن «الاستجوابات تعد أسوأ بكثير مما أقرت به الاستخبارات»، مؤكداً أن «»سي أي إيه» تعمد الكذب على الكونغرس والبيت الأبيض». وبينما أقر مدير الاستخبارات جورج برينان بأن «الوكالة ارتكبت أخطاء باستخدامها التعذيب وسيلة للاستجواب»، ندد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بما اعتبره وسائل «مخالفة» لقيم الولايات المتحدة، مؤكداً أن «تقنيات التعذيب لطخت سمعة أمريكا في العالم». وذكر التقرير أن «أكثر من 100 معتقل يشتبه بانتمائهم للقاعدة تعرضوا للتعذيب على يد الاستخبارات الأمريكية عن طريق الإيهام بالغرق والضرب والإخضاع لدرجات حرارة متدنية والبقاء في أوضاع مؤلمة والحرمان من النوم». وتطرق التقرير إلى السجون السرية التي أنشأتها «سي أي إيه» في عدة دول أجنبية لاستجواب معتقلين من دون ذكرها بالاسم، بينما اتهمت تقارير صحافية بولندا ورومانيا وليتوانيا وتايلاند وأفغانستان باستقبال مراكز اعتقال سرية للاستخبارات الأمريكية. وتحسباً لأعمال انتقامية، فرضت تدابير أمنية مشددة حول المنشآت الدبلوماسية والقواعد العسكرية الأمريكية حول العالم قبل نشر النسخة المقتضبة للتقرير البرلماني المرتقب منذ أشهر والتي حذفت منها المعلومات الأكثر حساسية. وتحادث باراك أوباما هاتفياً مع رئيسة وزراء بولندا ايفا كوباتش. ويأمل المسؤولان في ألا ينعكس نزع السرية عن التقرير سلباً على العلاقات بين بولندا والولايات المتحدة وفقاً لما أفادت وارسو. وتطرق التقرير إلى السجون السرية التي أنشاتها «سي اي ايه» في عدة دول أجنبية لاستجواب معتقلين من دون ذكرها بالاسم. وحكمت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على بولندا لـ «تواطؤها» في أعمال التعذيب التي ارتكبت على أراضيها بحق فلسطيني وسعودي. وكان الهدف من التقرير الذي وضعته لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ إثر تحقيق دقيق استمر أكثر من 3 سنوات بين 2009 و2012، إلقاء الضوء على البرنامج الذي وضعته «سي اي ايه» سراً لاستجواب أكثر من 100معتقل يشتبه بارتباطهم بتنظيم القاعدة بين 2001 و2009 باستخدام تقنيات مشددة مثل الإيهام بالغرق والحرمان من النوم.وقال جوش ارنست الناطق باسم الرئيس باراك أوباما الذي وضع حداً للبرنامج عند دخوله إلى البيت الأبيض في يناير 2009 إن «الرئيس يعتقد أنه من المهم أن ينشر حتى يفهم الناس في الولايات المتحدة وعبر العالم ما حصل بالضبط». وبالرغم من إقراره بأن «الوقت غير مناسب» لنشر مثل هذه الوثيقة اعتبر جوش أن الأمر ضروري لضمان «عدم تكرار الأمر أبداً». وقال المتحدث باسم البنتاغون ستيف وارن إن مراكز القيادة الإقليمية بلغت بنشر التقرير «الوشيك» وتلقت أمراً «باتخاذ تدابير الحماية المناسبة».ووافقت اللجنة على التقرير السري في ديسمبر 2012 وصوت أعضاؤها في أبريل الماضي لنزع السرية عن 20 من خلاصاته وعن ملخص من نحو 500 صفحة شطبت منه المعلومات الأكثر حساسية. ومنذ ذلك الوقت، تتفاوض اللجنة مع البيت الأبيض حول كمية المعلومات التي يجب شطبها. ورداً على سؤال حول هدف نشر التقرير رأت الرئيسة الديمقراطية للجنة دايان فينستاين أنه مفيد «لمجتمع عادل يستند إلى القانون»، قبل أن تلقي خطاباً في مجلس الشيوخ. وندد العديد من الجمهوريين مسبقاً بنشر تقرير اعتبروه منحازاً وكلف دافعي الضرائب الأمريكيين بحسب ما أشاروا إليه 40 مليون دولار. ودافع نائب الرئيس السابق ديك تشيني من إدارة الرئيس جورج بوش بقوة عن تقنيات الاستجواب المشددة هذه معتبراً أنها «مبررة تماماً».وقال متحدثاً لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إن عناصر «سي اي ايه» الذين نفذوا هذا البرنامج «ينبغي تقليدهم أوسمة عوضاً عن انتقادهم». وفي مقال نشر في صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية ندد خوسيه رودريغيز المسؤول السابق في البرنامج في «سي اي ايه» بـ «القدر الكبير من النفاق» الذي يبديه السياسيون في هذا الملف.ويثير البرنامج السري جدلاً أساسياً لمعرفة ما إذا كان أتاح فعلياً الحصول على معلومات جوهرية قادت إلى تحديد موقع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي قتل عام 2011 في باكستان في عملية شنتها وحدة كومندوز أمريكية. وتناول أوباما مطولاً مطلع أغسطس الماضي تقنيات الاستجواب هذه التي «يفترض بأي شخص منطقي أن يعتبرها بمثابة تعذيب»، معتبراً أن الولايات المتحدة «اجتازت خطاً». لكنه وإن ندد بهذه الوسائل، فقد دعا أيضاً إلى وضع الأحداث في سياقها، ما فاجأ بعض الديمقراطيين.وقال «من المهم أن نذكر كم كان الناس خائفين. لم يعرفوا إن كانت اعتداءات أخرى ستقع بشكل وشيك. كان الضغط هائلًا على عاتق قوات الأمن».من جهته، قال وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل إنه أمر كبار قادة الجيش في أنحاء العالم بإعلان حالة التأهب العالية قبل النشر الوشيك للتقرير.وصرح هيغل للصحافيين في بغداد «أمرت جميع قادة قواتنا القتالية بأن يكونوا على درجة عالية من التأهب في كل مكان في العالم»، مضيفاً أنه لم يتم الإبلاغ عن تهديد محدد. والتقرير الذي يأتي في أكثر من 6 آلاف صفحة في نسخته السرية سيشكل نسخة مفصلة للبرنامج السري العديد من عناصره معروفة لدى الرأي العام.وكان أعضاء مجلس الشيوخ والبيت الأبيض على خلاف حول حجم المعلومات التي يجب محوها كالأسماء المستعارة لعملاء في «سي اي ايه» أو الدول التي تعاونت في هذا البرنامج السري. ويعارض عدد من الجمهوريين رفع السرية عن التقرير وإعادة فتح النقاش حول التعذيب و»سي اي ايه».واعتباراً من 2002 انتشرت شائعات عن سوء المعاملة والتعذيب أولاً في باغرام في أفغانستان. وتساءلت منظمات غير حكومية ونواب تدريجياً عن مصير عدة «معتقلين سريين» لا تكشف الحكومة الأمريكية أي معلومات عنهم. وفي 2005 كشفت الصحف الأمريكية عن الرحلات السرية لـ «سي اي ايه» لنقل «معتقلين مهمين» إلى «مواقع سوداء» سرية لا يتدخل فيها حتى مكتب التحقيقات الفيدرالي «اف بي اي». وسمحت دول عدة خصوصاً أوروبية لهذه الرحلات بالمرور عبر أجوائها. وفي ديسمبر 2005 صوت الكونغرس على قانون يحظر المعاملة «الوحشية واللاإنسانية أو المهينة». وتعاظم الجدل حول أعمال التعذيب وأطلقت تحقيقات إدارية وأقرت «سي اي ايه» في 2007 بإتلاف أشرطة فيديو لعمليات استجواب أثارت فضيحة. وفي فبراير 2008 أقر مدير «سي اي ايه» مايكل هايدن بأن 3 معتقلين أخضعوا لأسلوب الإيهام بالغرق وأن الوكالة لم تعد تستخدم هذه التقنية منذ 5 سنوات، وهم خالد شيخ محمد العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر وأبو زبيدة أًول عضو نافذ في القاعدة يقع في الأسر والقيادي عبد الرحيم النشيري. وكشف أن خالد شيخ محمد أخضع لهذا الأسلوب 183 مرة وأبو زبيدة 83 مرة. وإضافة إلى الإيهام بالغرق كانت أساليب الاستجواب تشمل وفقاً لشهادات معتقلين الصفع أو الضرب والإخضاع لدرجات حرارة متدنية والإرغام على البقاء في أوضاع مؤلمة لفترات طويلة والحرمان من النوم. وذكر تقرير داخلي لسي اي ايه في 2004 رفعت عنه السرية جزئياً في 2009 أيضاً إعدامات وهمية واستخدام مسدس وآلة ثقب لإخافة عبد الرحيم النشيري. وقد يكون عميلاً هدد أيضاً بقتل أسرة خالد شيخ محمد. واستجوبت «سي اي ايه» معتقلين مهمين في أماكن سرية معروفة بـ «المواقع السوداء» قبل نقلهم إلى سجن غوانتنامو العسكري على جزيرة كوبا في 2006. ويتهم تقرير برلماني أوروبي في 2007 بولندا ورومانيا باستقبال بين 2003 و2005 مراكز اعتقال سرية في كيكوتي شمال شرق بولندا وبوخارست. ويشتبه في موقع في ليتوانيا زاره برلمانيون أوروبيون في انتافيلاي على بعد 20 كلم من فيلنيوس.وقد تكون تايلاند وأفغانستان حيث شن الجيش الأمريكي حرباً، استقبلت أيضاً سجوناً سرية.