فارق الرسّام الهولندي فنسنت فان غوخ (Vincent van Gogh) الحياة عن عمر يناهز 37 سنة بسبب تبعات إصابته برصاصة عند مستوى الصدر حيث أقدم الأخير قبل يومين على إطلاق النار على نفسه في محاولة منه لوضع حد لحياته عقب معاناة شديدة مع الاكتئاب. وخلال فترة إبداعاته الفنية التي استمرت لنحو عقد من الزمن وانتهت بانتحاره، قدّم فان غوخ أكثر من ألفي عمل فني كان من ضمنها 900 لوحة زيتية فشل في الترويج لها ليموت بعد حياة صعبة دون أن يبيع أيا منها.

في الأثناء، كاد فنسنت فان غوخ أن يغيب للأبد بين طيّات التاريخ لولا عمل جبّار قادته امرأة هولندية عرفت باسم جوانا فان غوخ بونجر (Johanna van Gogh-Bonger) حيث كانت الأخيرة زوجة ثيودوريوس، المعروف بثيو، الشقيق الأصغر للمبدع فنسنت فان غوخ. فمنذ العام 1891، حملت هذه المرأة على عاتقها مهمة الترويج لإبداعات فان غوخ وإبراز نجمه للعالم.

ولدت جوانا خلال شهر أكتوبر 1862 بمدينة أمستردام الهولندية لعائلة ميسورة فعاشت طفولة سعيدة رفقة إخوتها السبعة والتحقت بالمدرسة وتعلّمت العزف على البيانو قبل أن تحصل في النهاية على شهادة لتدريس اللغة الإنجليزية.

وفي 1887، تعرّفت هذه الفتاة الهولندية البالغة من العمر 25 سنة على ثيو، شقيق فنسنت فان غوخ، وتبادلت معه العديد من رسائل الحب. وبادئ الأمر، رفضت جوانا فكرة الزواج من ثيو فان غوخ قبل أن ترضخ وتوافق على ذلك بحلول العام 1889.

وخلال حياتهما الزوجية التي استمرت لأشهر، رزق الزوجان بابنهما الوحيد فنسنت وليام فان غوخ (Vincent Willem van Gogh). فعقب حادثة انتحار شقيقه فنسنت فان غوخ أواخر يوليو 1890، أصيب ثيو بحالة اكتئاب عكّرت حالته وزادت من معاناته مع المرض ليفارق يوم 25 يناير 1891، أي بعد 6 أشهر فقط من وفاة فنسنت، الحياة عن عمر يناهز 33 عاماً.

ومع رحيل زوجها، ورثت جوانا مجموعة أعمال فنسنت فان غوخ الفنية، وبينما عجز الأخير عن بيعها وتحقيق الشهرة خلال حياته بسبب مرضه وانطوائه على نفسه، أدركت جوانا القيمة الفنية الهامة لهذه الأعمال فرفضت جميع عروض بيعها واتجهت بدلاً من ذلك لشراء منزل بقرية بوسوم (Bussum) القريبة من أمستردام الهولندية لتفتتح هنالك متحفاً صغيراً خصص لعرض لوحات فنسنت فان غوخ.

ساهم هذا المتحف الصغير لأعمال فنسنت فان غوخ في توفير الموارد المالية اللازمة لجوانا للاعتناء بابنها. وما بين العام 1892 و1900، استغلت هذه المرأة معرفتها بعدد من تجار الأعمال الفنية لتنظم نحو 20 معرضا للوحات شقيق زوجها الذي قضى منتحراً.