كان الخطاب السامي لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المفدى حفظه الله ورعاه في افتتاح دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الرابع لمجلسي النواب والشوري هامًا للغاية، فقد أراد جلالته أن يضع أمام المجلس الوطني الجديد رؤية متكاملة حول استراتيجية المملكة في المرحلة المقبلة تمثل خارطة طريق للمستقبل مستمدة هديها من الثوابت التي رسخها مشروع جلالته الإصلاحي العظيم.في البداية أكد جلالته على الثوابت الوطنية وفي مقدمتها ميثاق العمل الوطني والذي ارتضاه الشعب عندما صوت بالموافقة عليه 98.4% من شعب البحرين عام 2001 ويعتبر الميثاق هو المرجعية الذي سارت وتسير وفقا له خطط الإصلاح والتطوير في المملكة، وعلى هديه تم إعداد الدستور وقد كان من أهم ما ورد في الميثاق والدستور تعزيز الشعور بواجبات المواطنة والانتماء من خلال مباشرة المواطنين لحقوقهم السياسية بالمشاركة في الانتخابات والانخراط في العمل الوطني، ومن ثم تشكيل مجلسي النواب والشورى ليمارسا دورا وطنيا مهما في التشريع والرقابة. كما عزز الميثاق والدستور مبدأ الفصل بين السلطات مع التعاون.والثاني هو ضرورة الحوار واستمراره، حيث أشاد جلالته بحوار التوافق الوطني والذي ارتضى نتائجه الشعب، حيث شارك فيه مختلف مكونات المجتمع، ويعد إضافة هامة على طريق المسيرة المباركة التي قادها جلالة الملك ويؤكد رغبة جلالته الأكيدة في تحقيق شراكة نوعية في العمل السياسي.وتطرق جلالته بعد ذلك إلى الأولويات المطلوبة في المرحلة المقبلة، خاصة بعد نجاح حوار التوافق الوطني في الوصول إلى مراحل متقدمة أقر بها الشعب كله عندما خرج للتصويت بكثافة في الانتخابات مجددا الولاء والبيعة لجلالة الملك المفدى وأقر بها الوجهاء ورجالات المجتمع في اجتماع تاريخي مع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة حفظه الله ورعاه ولي العهد الأمين نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، فبعد النجاح الذي حققه الحوار الوطني في وضع تصورات المرحلة المقبلة فإن الأولوية الآن لجلالة الملك هي أن تتوجه الخطط نحو التنمية المستدامة وتطوير الاقتصاد الوطني، حيث حمل الخطاب السامي العديد من البشارات لشعب المملكة بالاعتماد على قطاعات متعددة تسهم في جعل الاقتصاد أكثر ثباتا وبقاء وقدرة على مواجهة آثار الأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم. والاستمرار في العمل الجاد لتطوير جميع القطاعات التي تخدم المواطن كالتعليم والصحة باعتبارهما الدعامة الأساسية للتنمية البشرية، واستكمال انجاز المشروع الإسكاني لبناء 40 ألف وحدة سكنية في المدة المحددة له وتطوير باقي الخدمات العامة.ولأنه لا تنمية بدون أمن أثنى جلالته على جهود رجال قوة دفاع البحرين والأمن العام والحرس الوطني، باعتبارهم حماة الوطن والساهرون على أمنه الذين لا يألون جهدا في تحمل مسؤولياتهم العظيمة للذود عن حمى الوطن والحفاظ على مكتسباته التنموية والحضارية. وقد حمل الخطاب السامي لجلالته البشرى لهم مع إقرار القيادة العسكرية الموحدة واعتماد مركز العمليات البحري الموحد في مملكة البحرين ويتضمن قوة الواجب البحري الموحدة 81 . وإنشاء جهاز الشرطة الخليجية ومقره مدينة أبوظبي والذي يُعتبر مرحلة متقدمة من العمل الأمني المشترك الذي يعزز من قدرات أجهزة الشرطة في دول المجلس. حيث أقر هذه المشروعات الخليجية الوحدوية الهامة أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي. وفي لفتة كريمة من جلالته تذكر وترحم على شهداء الواجب الوطني، الذين ضحوا بأرواحهم من أجل دينهم ووطنهم سائلا الله تعالى أن يتغمدهم برحمته ويدخلهم الجنة مع الأبرار.ولأنه لا تنمية بدون الشباب المتعلم الواعي المحب لوطنه فقد خص جلالته الشباب في خطابه أولا بالثناء والشكر على انجازاتهم في مختلف المجالات العلمية والتنموية وفي الفنون والآداب والرياضة وحصولهم على الجوائز الدولية المتقدمة في العديد من المحافل الدولية، وثانيًا بالتأكيد على أهمية الدور المناط بشباب هذا الوطن الذين يشكلون قطاعا عريضا من المجتمع وثالثًا بالتشديد على أهمية تحقيق تطلعاتهم والوقوف على التحديات التي يواجهونها ليكونوا جزءً فعالا في المشاركة في صنع القرار للمستقبل الواعد المشرق.وقد أفرد الخطاب السامي لجلالة الملك بعد ذلك حيزًا واسعًا للسياسة الخارجية باعتبارها أحد الأضلاع الرئيسية في عملية التنمية، فتثبيت دعائم الإصلاح ووضع الخطط لتحقيق التنمية المستدامة مع توفير الأمن يجب أن يرافقها سياسة خارجية منفتحة ومدروسة، وفي هذا الصدد أكد جلالته على عمل المملكة من خلال سياسة خارجية راسخة عبر ثلاثة دوائر، الدائرة الأولى والأهم هي الدائرة الخليجية ، حيث جدد جلالته التأكيد على ما توليه المملكة من أهمية لدفع مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية نحو الأمام لتحقيق المزيد من التكامل والاتجاه الجاد نحو الوحدة، وقد أثنى في ذلك على اتفاق الرياض والاتفاق التكميلي له الذي تم التوقيع عليه مؤخراً بالرياض، مسجلا جلالته التقدير للدور الكبير لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية الشقيقة وقادة دول المجلس اللذين حرصوا على التوصل لهذا الاتفاق لما فيه الخير والصلاح لجميع مواطني دول الخليج العربي الشقيقة .وفيما يتعلق بمشاريع التكامل الاقتصادي والاندماج الخليجي، جدد جلالته ترحيب المملكة بما تم انجازه ، وبتنفيذ مشروع جسر الملك حمد الذي سيدخل خدمات السكك الحديدية للبحرين وسيكون مرتكزا لتحقيق التكامل وتحفيز الاستثمار والتبادل التجاري وبالتالي الترابط الاقتصادي والاجتماعي وتعزيز سياسة ربط دول مجلس التعاون في كافة المجالات.الدائرة الثانية في الأهمية للسياسة الخارجية البحرينية هي الدائرة العربية، وقد نبه جلالته هنا على أهمية التوافق العربي وتجاوز الخلافات والاتحاد تحت إطار جامعة الدول العربية لمواجهة معضلات كبيرة لا يمكن مواجهتها إلا بالوحدة وسرعة تنفيذ سياسات اقتصادية ومالية فاعلة ، وتقديم إصلاحات هيكلية داعمة للنمو ، وخلق المزيد من فرص العمل، مثنيًا على إقرار مشروع جلالته بإنشاء محكمة حقوق الإنسان العربية الذي يعزز مكانة الدول العربية دولياً.وقد شدد جلالته في هذا الصدد على أن القضية الفلسطينية تظل القضية المركزية للعالم العربي ... والتأكيد على ثوابت المبادرة العربية التي تقوم على ضرورة إيجاد حل عادل ودائم وشامل يكفل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.الدائرة الثالثة هي الدائرة الدولية حيث طالب جلالته المجتمع الدولي بالتعاون والعمل المشترك في إيجاد المعالجات المناسبة للقضايا الملحة ، وبما يدعم الأهداف المشتركة في نمو اقتصادي عالمي قوي وشامل .كما أشار جلالته الى استمرار سياسة المملكة في تعزيز علاقاتها الاستراتيجية والاقتصادية مع الدول الصديقة، والعلاقات الودية التي تربطها بدول العالم، والقائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، مؤكدًا جلالته على أن الزيارات التي قام بها جلالته لعدد من الدول الصديقة في آسيا والدول الأوروبية مؤخرًا هي تجسيد لهذا التوجه ،، واستثمارا لهذه الزيارات من أجل مستقبل يسوده السلام والأمن في منطقة حيوية يعتمد عليها العالم في استقراره .ونوه جلالته إلى أن مملكة البحرين كانت ولا زالت وستظل تمد يد التعاون والسلام لجميعالدول وتدعو دوما إلى علاقات دولية تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخليـة للدول وهو الأمر الذي يستوجب في هذه المرحلة المحافظة على استقرار المجتمعات وتقدمها، ومحاربة التطرف والإرهاب الذي يعطل مسيرة البناء ويدمر مستقبل الشعوب. وإيمانًا من المملكة بأنه لا تنمية دولية بدون استقرار وأن الإرهاب هو أكبر مهددات الاستقرار العالمي، أثنى جلالة الملك المفدى على توصيات المجلس الوطني الأخيرة بشأن محاربة الإرهاب بجميع أشكاله وتجفيف مصادر تمويله مؤكدًا حفظه الله استعداد المملكة لمواصلة دعم الجهود الدولية لتعزيز الأمن في المنطقة.ولأن من خصال جلالة الملك الحميدة إعطاء كل ذي حق حقه فقد تقدم جلالته بالشكر والتقدير لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر و صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الاعلى النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء على سعيهما الدائم والمستمر لمتابعة وتطوير عمل الحكومة، والتواصل مع كافة فئات المجتمع بصورة مباشرة والذي عن طريقه يتم التعرف على حاجاتهم وملاحظاتهم.كما أثنى جلالته على ما أظهره أبناء الوطن من تمسك بولائهم المطلق لدينهم ووطنهم وعروبتهم وابدائهم العزم الصادق والسعي لكل ما من شأنه رفعة وطنهم وعزته ونهضته ورقيه، وذلك ردًا على رسائل التأييد والولاء لجلالته من مختلف العوائل الكريمة.إن الخطاب السامي لجلالة الملك جاء جامعا شاملا، حيث اشتمل على صورة مكتملة للمستقبل وفق استراتيجيات ثابتة رسخها المشروع الإصلاحي لجلالته، ولا شك أن جميع أبناء الشعب بعد الاستماع للخطاب السامي لجلالة الملك يحدوهم الأمل الآن في مستقبل مشرق تحت قيادة جلالته مطمئنين إلى هذه الرؤية المتكاملة التي ستقود البلاد بمشيئة الله إلى الخير والرفاهية والأمن والعزة.