في ختام الرحلة التاريخية إلى محطة الفضاء الدولية، عاد هزاع المنصوري، أول رائد فضاء إماراتي، إلى الأرض على متن مركبة "سويوز أم أس 12" التي حملت أيضاً رائدي الفضاء الأمريكي نيك هيج، والروسي أليكسي أوفشينين، عقب ثمانية أيام أجرى خلالها المنصوري مجموعة من التجارب العلمية المكثفة. وهبطت المركبة في منطقة سهلية جنوب شرق مدينة جيزكازجان في كاراغندا، وسط كازاخستان، في تمام الساعة الثانية و59 دقيقة من بعد ظهر الخميس.

وكشف مركز محمد بن راشد للفضاء عن تفاصيل رحلة العودة التي بدأت بإغلاق مدخل مركبة "سويوز أم أس 12" في تمام الساعة الثامنة والثلث بتوقيت دولة الإمارات صباح الخميس، وبعد إجراء فحوصات التأكد من عدم وجود أي تسرب، أعطيت إشارة الجهوزية التامة، وانفصلت المركبة عن المحطة في تمام الساعة 11 و37 دقيقة صباحاً، متخذة مسارها في اتجاه الأرض.

وكان في استقبال المنصوري في موقع الهبوط المهندس سالم المري، مدير برنامج الإمارات لرواد الفضاء، وسعيد كرمستجي مدير مكتب رواد الفضاء في مركز محمد بن راشد للفضاء، إضافة إلى فريق طبي دولي متخصص، في حين تابع رحلة العودة إلى الأرض من مركز التحكم التابع للمحطة الأرضية لوكالة الفضاء الروسية في موسكو كل من حمد عبيد المنصوري رئيس مجلس إدارة مركز محمد بن راشد للفضاء، ويوسف حمد الشيباني مدير عام المركز، إضافة الى عدد من أعضاء فريق المركز.

وتم نقل رواد الفضاء فور هبوطهم لإجراء الفحوصات اللازمة وفق الإجراءات المتبعة مع الرواد لدى عودتهم من الفضاء. وبعد انتقال الرائدين أليكسي أوفشينين وهزاع المنصوري إلى مركز يوري غاغارين لتدريب رواد الفضاء في مدينة النجوم، في موسكو، عاينت د.حنان السويدي، هزاع المنصوري للتأكد من حالته الصحية.

تحويل الأحلام إلى واقع

وقال حمد المنصوري "اليوم وبكل فخر نستقبل سفير الإمارات في الفضاء، هزاع المنصوري، عائداً إلى الأرض حاملاً نتائج تجارب علمية مهمة للبشرية والمجتمع الدولي، أجراها على متن محطة الفضاء الدولية، ليفتح الطريق أمام الشباب العربي لآمال وأحلام جديدة في هذا القطاع".

وأضاف "اليوم نحقق نقلة تاريخية في قطاع الفضاء باكتمال قصة نجاح جديدة لدولة الإمارات، انطلق خلالها أحد أبنائها حاملاً معه "طموح زايد" وعلم الدولة ليرتفع عالياً بين نجوم السماء. المنصوري اليوم نموذج يحتذى به ليس لشباب الإمارات فحسب، وإنما للشباب العربي جميعاً وقدوة تنير الطريق أمام الأجيال القادمة".

فيما قال يوسف الشيباني "نعيش اليوم لحظات تاريخية مضيئة في الإمارات، بعودة أول رائد فضاء إماراتي، بحمد الله، سالماً إلى الأرض، ونثبت أننا قادرون على تحويل أحلامنا إلى واقع، ليس هذا فحسب بل قادرون على إحياء النهضة الحضارية بالعالم العربي، ونؤكد أنه لا حدود لطموحات وتطلعات أبناء الإمارات في أي زمان ومكان".

وأضاف "بكل فخر وامتنان، أتوجه بخالص الشكر والتقدير لقيادتنا الرشيدة التي وفرت جميع الإمكانات اللازمة لتأسيس قطاع فضاء وطني قوي. وأود أن أشيد بجهود كل من أسهم في إنجاح المهمة، ومنهم أول رائدي فضاء إماراتيين: هزاع المنصوري، وسلطان النيادي، وشركاؤنا الاستراتيجيون في وكالات الفضاء العالمية، وفريق العمل من شباب الوطن في مركز محمد بن راشد للفضاء. ونعاهد القيادة الرشيدة على مواصلة العمل لتحقيق مزيد من الإنجازات في قطاع الفضاء بأيدي أبناء الإمارات".

وقال المهندس سالم المري: "اليوم نرى أهداف برنامج الإمارات لرواد الفضاء تتحقق بعودة أول رائد فضاء إماراتي سالماً إلى الأرض، متسلحاً بخبرة عملية حول المهمات المأهولة للفضاء. ستساعد هذه الخبرة في بناء قدرات الأجيال القادمة من المهتمين في قطاع الفضاء، مما يضمن استدامة البرنامج".

وأضاف "يقف وراء نجاح هذه المهمة فريق كبير من مركز محمد بن راشد للفضاء، اهتم بكافة جوانب المهمة بكفاءة عالية جداً، ومنهم الفريق العلمي الذي ساهم بتحديد التجارب العلمية للمهمة، وفريق المحطات الأرضية في دبي، وموسكو وهيوستن، الذي جعل التواصل بين هزاع والجمهور ممكناً، والفريق الإداري الذي اهتم بالتفاصيل حيث لا مجال للخطأ؛ كل هؤلاء والشركاء المحليين في الدولة هم جزء أساسي من نجاح المهمة".

تشويق الهبوط

وعاد هزاع المنصوري على متن مركبة "سويوز أم أس 12"، التي تتكون من "الوحدة المدارية" و"وحدة الالتحام" و"وحدة الهبوط"، ورافقه خلال رحلة العودة، رائدا الفضاء الروسي أليكسي أوفتشينين والأمريكي نك هيج، الموجودين في المحطة منذ مارس الماضي.

وأوضح مركز محمد بن راشد للفضاء، أن عملية الانفصال بدأت قبل حوالي ثلاث ساعات ونصف من لحظة الهبوط إلى الأرض، وبعد دقائق من عملية الانفصال، عملت محركات المركبة بشكل أسرع للوصول إلى مسافة آمنة من المحطة، ثم بدأت الهبوط بسرعة معينة، ووجهت المركبة نفسها لتدخل فيما يعرف "مناورة الكبح" للتخفيف من سرعة الهبوط.

وذكر المركز أنه عند وصول المركبة إلى ارتفاع نحو 128 كم من سطح الأرض، بدأت مرحلة "واجهة الدخول"، حيث تخلصت من ثلثي كتلتها، وبدأ احتكاكها بالغلاف الجوي، وفي هذه المرحلة عمل الطاقم على إبطاء سرعة نزول المركبة، وبعد إجراء هذه الخطوة بدأت المركبة الهبوط بسرعة 230 متراً في الثانية، وتم تخفيض سرعتها تدريجياً إلى أن وصلت إلى أمتار قليلة في الثانية. وقبل دقائق من الهبوط، بدأت مرحلة نشر المظلات، وفيها تم فتح أربع مظلات، منها واحدة كبيرة تسمى "المرساة" أو "السحب" تبلغ مساحتها 24 متراً مربعاً، عملت على إبطاء هبوط المركبة بشكل كبير، حيث وصلت سرعة نزولها إلى نحو 79 متراً في الثانية.

وفي المرحلة الأخيرة من الهبوط، تم إطلاق مظلة عملاقة بلغت مساحتها 10767 متراً مربعاً، للتحكم بزاوية ودرجة نزول المركبة، إضافة إلى إبطاء حركتها بشكل كبير جداً لتصل إلى 7 أمتار في الثانية، وقبل الهبوط الرئيسي بثوان بدأت ثلاثة محركات صغيرة بالعمل، لتخفيف سرعة هبوطها إلى أبعد درجة للنزول بشكل مريح.

وعقب هبوط المركبة، وتحديد موقعها في منطقة سهلية جنوب شرق مدينة جيزكازجان وسط كازاخستان، هرع فريق من المنقذين المختصين إلى المكان، وتم قطع حبال المظلة؛ لمنع سحب الرياح للكبسولة، وفتحت صمامات نظام التنفس في المركبة الفضائية، وتم مساعدة رواد الفضاء وإخراجهم من المركبة.

اتصال تاريخي

وكان نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أجرى اتصالاً هاتفياً خلال زيارته مركز محمد بن راشد للفضاء في دبي الجمعة الماضي، قد مع هزاع المنصوري وهنأه بسلامة الوصول إلى محطة الفضاء الدولية في إنجاز تاريخي لدولة الإمارات. ونقل سموه تهاني صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وتمنيات سموه لهزاع بالتوفيق، حيث حقق طموح المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في الوصول إلى الفضاء.

فيما أعرب المنصوري عن فخره بكونه أول إماراتي وأول عربي يخاطب الأرض باللغة العربية من على متن محطة الفضاء الدولية وأول من يحمل علم الإمارات إلى الفضاء، آملاً أن تسهم التجارب التي يجريها هو وزملائه في خدمة البشرية.

تجارب علمية

وأجرى رائد الفضاء الإماراتي، هزاع المنصوري، 16 تجربة علمية بالتعاون مع شركاء دوليين، منهم وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا)، ووكالة استكشاف الفضاء اليابانية (جاكسا) ووكالة الفضاء الروسية (روسكوزموس)، ووكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، بينها 6 تجارب على متن محطة الفضاء الدولية في بيئة الجاذبية الصغرى (Microgravity) وهي بيئة منعدمة الجاذبية تقريباً، لدراسة تفاعل المؤشرات الحيوية لجسم الإنسان في الفضاء مقارنة بالتجارب التي أجريت على سطح الأرض، ودراسة مؤشرات حالة العظام، والاضطرابات في النشاط الحركي، والتصور وإدارك الوقت عند رائد الفضاء، إضافة إلى ديناميات السوائل في الفضاء، وأثر العيش في الفضاء على البشر، وهذه المرة الأولى التي يتم فيها هذا النوع من الأبحاث على شخص من المنطقة العربية.

وتضمنت المهمة تجارب من مدارس دولة الإمارات، ضمن مبادرة العلوم في الفضاء، التي أطلقها مركز محمد بن راشد للفضاء، شاركت في إجرائها على الأرض حوالي 16 مدرسة من الدولة بوجود رائد الفضاء المنصوري في المرحلة الأولى، وأجراها خلال فترة المهمة في بيئة منعدمة الجاذبية تقريباً على متن المحطة.

وأجرى المنصوري عدة جلسات تواصل عبر الفيديو وموجات اللاسلكي، حيث شارك في الجلسات عدد كبير من طلاب المدارس في الإمارات. وكانت الجلسات فرصة للمشاركين لطرح العديد من الأسئلة المتنوعة التي أجاب عنها هزاع حول الحياة على متن محطة الفضاء الدولية.

جولة تعريفية بالعربية

وفي إنجاز غير مسبوق، سجل المنصوري أول جولة تعريفية مصورة باللغة العربية لمحطة الفضاء الدولية، حيث شرح مكونات المحطة والأجهزة والمعدات الموجودة على متنها، إضافة إلى نبذة عن حياة رواد الفضاء اليومية على متن المحطة. كما سجل عدة فيديوهات قصيرة توثق الحياة على متن محطة الفضاء الدولية ومكوناتها، إضافة إلى الأنشطة التي يقوم بها رواد الفضاء، وتسجيل يومياته لمدة 15 دقيقة كل يوم.

الثقافة الإماراتية

وأطلع رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري زملاءه من رواد الفضاء الموجودين على متن المحطة على أبرز العادات والتقاليد الإماراتية، وقدم لهم 3 أطباق إماراتية، إذ تولت شركة "مختبر أطعمة الفضاء" (Space Food Laboratory company) الروسية تجهيز هذه الأكلات للفضاء حيث يتم تحضير الأطعمة المخصصة لرواد الفضاء وفق متطلبات محددة لتوفير التغذية المتوازنة وضمان سهولة حملها وتخزينها واستخدامها في بيئة منعدمة الجاذبية تقريباً.

وقرأ المنصوري قصتين للأطفال بعنوان أمل وخليفة حيث يعد أول رائد فضاء عربي يسجل قصصاً للأطفال على متن محطة الفضاء الدولية، في خطوة من شأنها إثارة شغف الأجيال الجديدة وإعطائها الحافز على التميز المعرفي وإطلاعها على مجال لم تعهده من قبل.

تصوير كوكب الأرض

وأرسل "المنصوري"، عدداً من مقاطع الفيديو والصور التي التقطها لكوكب الأرض، إضافة إلى صور التقطها للإمارات من الفضاء، وأظهرت الصور التي استقبلها فريق المحطة الأرضية في مركز محمد بن راشد، عدداً من الدول العربية في شمال أفريقيا، ومصر، والمملكة العربية السعودية بما في ذلك مكة المكرمة.

وعرض المنصوري، خلال اتصال مباشر بالفيديو في اليوم الرابع من المهمة، الرسومات المختارة من مبادرة "أرسل إلى الفضاء"، التي أطلقها مركز محمد بن راشد.

وخلال وجوده على متن محطة الفضاء الدولية، كان المنصوري يتواصل مرتين يومياً مع المحطة الأرضية في مركز محمد بن راشد لمناقشة جدوله اليومي والمهام المكلف بها على متن محطة الفضاء الدولية.

وكان يتواصل يومياً، أيضا، مع الطبيبة الإماراتية د.حنان السويدي، طبيبة رواد الفضاء التي كانت تتابع حالته الصحية طوال فترة وجوده في الفضاء.

يشار إلى أن مهمة أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية تندرج ضمن برنامج "الإمارات لرواد الفضاء" الذي يشرف عليه مركز محمد بن راشد، ويعد أول برنامج متكامل في المنطقة العربية يعمل على إعداد كوادر وطنية تشارك في رحلات الفضاء المأهولة للقيام بمهام علمية مختلفة، تصبح جزءاً من الأبحاث التي يقوم بها المجتمع العلمي الدولي من أجل ابتكار حلول لعدد من التحديات بشكل يساعد في تحسين حياة البشر على سطح الأرض.