كثر في الفترة الأخيرة ملاحظة تناول بعض القانونيين القضايا المنظورة أمام الجهات القضائية بنشر مذكرات وعرائض دعاوى في وسائل التواصل الاجتماعي.
إن حرية الرأي والتعبير من أهم الوسائل التي يتم بها نقل الأفكار والمعلومات، و هي من أساسيات الحقوق التي يتمتع بها الإنسان، و لعل وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط الإلكترونية الأخرى تعتبر إحدى الجهات التي لها القدرة على تحقيق هذا الحق، لذا فإنها حق مكفول لكل شخص إلا أن حرية أي فرد تقف عند حدود بداية حرية الآخر، فكل شخص حر ما لم يضر، لذا شرعت مختلف الدساتير و التشريعات الدولية قوانين فرضت فيها قيود على النشر و حرية التعبير من أجل حماية حقوق و حريات أفراد المجتمع، و هذه القيود تأخذ عدة صور منها قيد النشر فيما يتعلق بالتحقيقات الجزائية .
أن مسألة نشر التحقيقات يحكمها مبدآن، الأول حق المجتمع في العلم والمعرفة ، والثاني أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته"؛ فلا يجوز نشر معلومات من شأنها النيل من المتهم أو الإساءة لموقفه ، لأن الأصل العام المقرر في التشريعات الجنائية ، أنه إذا كانت المحاكمة تتسم إجراءاتها بالعلانية فإن إجراءات التحقيق الابتدائي ونتائجه تتصف بالسرية وهذا الأصل قرره المشرع البحريني في المادة (83) من قانون الإجراءات الجزائية وللتأكيد على هذا المبدأ فإن المشرع البحريني جعل مخالفة ذلك جريمة موجبة للعقوبة ، و من ثم لا يجوز النشر في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى ، فضلاً عن أن السرية قد تمتد في بعض إجراءات هذا التحقيق إلى أطراف الدعوى الجنائية إلا أنه كثيراً ما تتضمن الصحف ووسائل الإعلام الأخرى أخباراً عن الجرائم والتحقيقات وبصورة خاصة في القضايا والجرائم التي تهم الرأي العام ، الأمر الذي قد يفسر على أنه ممارسة لحرية الإعلام و استعمال لحق نشر الأخبار عن الجرائم والتحقيقات بوصفه من أهم تطبيقات حق الإعلام الذي تعترف به بعض التشريعات المتعلقة بالعمل الصحفي والإعلامي ويكون النشر مباحاً إذا ما جاء وفقاً للشروط القانونية المطلوبة لحسن استعماله ، فحظر النشر الهدف منه حماية الجمهور من أى تأثير سلبي قد يحدث من جراء نشر تفاصيل الواقعة أو حماية للمتهم ولأطراف الواقعة من التشهير بهم ويأتي كل هذا رغم أن القانون البحريني أوجب علانية المحاكمة والتي تعد أخطر كثيراً من تحقيقات النيابة العامة وأعطى القانون لقاضي الموضوع الحق وفقاً لتقديره في سماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية أو منع فئات معينة من حضور الجلسات وذلك مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب، فيما اختلف الأمر فيما يخص التحقيقات التي تجريها النيابة العامة فتزول السرية عند إحالة الدعوى إلى المحكمة استناداً إلى ما جاء بنص الدستور على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه ، وقد يكون من شأن ما ينشر التأثير على النيابة العامة أو أن يؤثر على شاهد أو أن يؤدي النشر إلى خروج المحقق عن حياده وتجرده أو التأثير على مراكز الخصوم باتخاذ موقف من المتهم أو نشر أدلة الإدانة أو التضخيم من جسامة الجريمة أو التأثير على الرأي العام تجاه المتهم أو التخفيف والتهوين من وقع الجريمة أو خلق مبررات لها لدى الجاني أو دوافع الأمر الذي قد يضر بمركز المتهم في الدعوى التي تم النشر عنها أو التعليق على مجريات التحقيق فيها وأيضاً خلق رأي عام قد يؤثر على القاضي الذي ينظر موضوع الدعوى .
إن تأثير الإعلام في الرأي، أصبح قوياً لذا فإن نشر أي التحقيقات أو عرائض الدعاوى الجزائية قد يؤدي إلى أضرار خطيرة، تؤثر على حقوق المدعى عليه أو موقعه في الدعوى أو التحقيق، وجلي أن للإنسان حق في أن يعتبر بريئاً حتى تثبت إدانته.