«الثالثة ثابتة» هكذا يُقال، ولأني أؤمن برسائل الله المبعوثة عن طريق الأحلام، والأشخاص، والمواقف، والطبيعة، وكثير من الإشارات المختلفة، فأعتقد أن تكرار الحديث عن ذلك الأمر للمرة الثالثة، إنما هو رسالة إلهية ذات دلالة.
الأول، حدثني في إحدى ليالي رمضان الفائت، بينما توالت علينا أخبار الوفيات بصورة غرائبية -تحدث عنها أغلبنا- وكان قد اقترح مساعدتي في أمر ما لم يخطر لي على بال وقتها، وعندما سألته عن أسباب اندفاعه لتقديم هذه الخدمة، قال إنه يرغب في أن يذكره من حوله بالخير عندما يصلهم خبر وفاته، وأن غايته الآن أن يترك أثراً طيباً أينما ذهب.
أما الثاني، فقال، في حديث مطول معه،: «أسأل الله أن يهبني الصدق في المعاملة وخدمة البشر»، وتحدث كم أن الحياة قصيرة، وأن المكانة التي نالها في قلوب من حوله لم تأتِ جزافاً بل سخر سنوات طويلة من عمره ليحققها، وكل غايته بعد رضا الله أن يذكر بالخير عقب وفاته وأن يُدعى له كلما جيء بذكره.
الثالث كان أبلغ في التعبير، وقد قرع بكلماته جرس الإنذار في عقلي، فأخبرته على الفور أنني سأكتب مقالاً حول هذا الأمر كونه جاء بالرسالة الثالثة. كان ذلك في خضم حديث عن العمل الجاد المخلص والتفاني في تحقيق الأهداف، عندما حدثني أن الوظيفة لا تحقق أهدافنا بما يكفي وإنما هي مصدر رزق في الحقيقة.. هذا أمر أوافقه عليه تماماً في ظل الوضع الراهن، ولكن على المرء منا تحقيق رسالته من خلال معرفته لقيمته العليا، كان حديثاً طويلاً اختتمه بالقول ـ وهنا مربط الفرس- «على المرء منا أن يكتب نعيه وأن يعمل تماماً لتعريفه وذكره بالطريقة التي يريدها لنفسه»، فكلنا في الحياة راحلون ونترك أثراً.. واسترسل متسائلاً: «ما النعي الذي تريدين أن يقال عنك؟».
قد تبدو أحاديث كهذه عادية بالنسبة إلى البعض، ولكنها تركت بي أثراً فبت أقلب الفكرة يومين قبل كتابتها، وتذكرت خلالها كيف رثى مالك بن الريب نفسه في قصيدة مطولة جاء فيها:
تذكرتُ منْ يبكي عليَّ فلم أجدْ
سوى السيفِ والرمح الردينيِّ باكيا
وأشقر محبوك يجرُّ عنانه
إلى الماء لم يترك له الموتُ ساقيا
ولكنْ بأطراف «السمينةِ» نسوةٌ
عزيزٌ عليهنَّ العشيةَ ما بيا
إلى أن وصل إلى رثائه لنفسه منشداً:
خذاني فجرّاني بثوبي إليكما
فقد كنتُ قبل اليوم صعباً قياديا
وقد كنتُ عطَّافاً إذا الخيل أدبرتْ
سريعاً لدى الهيجا إلى مَنْ دعانيا
وقد كنتُ صباراً على القرْنِ في الوغى
وعن شتميَ ابن العم والجارِ وانيا
فطوراً تراني في ظلالٍ ونعمةٍ
وطوْراً تراني والعتاقُ ركابيا
ويوما تراني في رحى مستديرةٍ
تخرقُ أطرافُ الرماح ثيابيا
* اختلاج النبض:
ما دام في العمر متسع، ما زال بإمكانك أن تقرر أي أثر تريد أن تترك، فاكتب نعيك، وقرر ما يقال عنك عقب رحيلك عندما يقال «فلان كان ..... (كذا وكذا)».
الأول، حدثني في إحدى ليالي رمضان الفائت، بينما توالت علينا أخبار الوفيات بصورة غرائبية -تحدث عنها أغلبنا- وكان قد اقترح مساعدتي في أمر ما لم يخطر لي على بال وقتها، وعندما سألته عن أسباب اندفاعه لتقديم هذه الخدمة، قال إنه يرغب في أن يذكره من حوله بالخير عندما يصلهم خبر وفاته، وأن غايته الآن أن يترك أثراً طيباً أينما ذهب.
أما الثاني، فقال، في حديث مطول معه،: «أسأل الله أن يهبني الصدق في المعاملة وخدمة البشر»، وتحدث كم أن الحياة قصيرة، وأن المكانة التي نالها في قلوب من حوله لم تأتِ جزافاً بل سخر سنوات طويلة من عمره ليحققها، وكل غايته بعد رضا الله أن يذكر بالخير عقب وفاته وأن يُدعى له كلما جيء بذكره.
الثالث كان أبلغ في التعبير، وقد قرع بكلماته جرس الإنذار في عقلي، فأخبرته على الفور أنني سأكتب مقالاً حول هذا الأمر كونه جاء بالرسالة الثالثة. كان ذلك في خضم حديث عن العمل الجاد المخلص والتفاني في تحقيق الأهداف، عندما حدثني أن الوظيفة لا تحقق أهدافنا بما يكفي وإنما هي مصدر رزق في الحقيقة.. هذا أمر أوافقه عليه تماماً في ظل الوضع الراهن، ولكن على المرء منا تحقيق رسالته من خلال معرفته لقيمته العليا، كان حديثاً طويلاً اختتمه بالقول ـ وهنا مربط الفرس- «على المرء منا أن يكتب نعيه وأن يعمل تماماً لتعريفه وذكره بالطريقة التي يريدها لنفسه»، فكلنا في الحياة راحلون ونترك أثراً.. واسترسل متسائلاً: «ما النعي الذي تريدين أن يقال عنك؟».
قد تبدو أحاديث كهذه عادية بالنسبة إلى البعض، ولكنها تركت بي أثراً فبت أقلب الفكرة يومين قبل كتابتها، وتذكرت خلالها كيف رثى مالك بن الريب نفسه في قصيدة مطولة جاء فيها:
تذكرتُ منْ يبكي عليَّ فلم أجدْ
سوى السيفِ والرمح الردينيِّ باكيا
وأشقر محبوك يجرُّ عنانه
إلى الماء لم يترك له الموتُ ساقيا
ولكنْ بأطراف «السمينةِ» نسوةٌ
عزيزٌ عليهنَّ العشيةَ ما بيا
إلى أن وصل إلى رثائه لنفسه منشداً:
خذاني فجرّاني بثوبي إليكما
فقد كنتُ قبل اليوم صعباً قياديا
وقد كنتُ عطَّافاً إذا الخيل أدبرتْ
سريعاً لدى الهيجا إلى مَنْ دعانيا
وقد كنتُ صباراً على القرْنِ في الوغى
وعن شتميَ ابن العم والجارِ وانيا
فطوراً تراني في ظلالٍ ونعمةٍ
وطوْراً تراني والعتاقُ ركابيا
ويوما تراني في رحى مستديرةٍ
تخرقُ أطرافُ الرماح ثيابيا
* اختلاج النبض:
ما دام في العمر متسع، ما زال بإمكانك أن تقرر أي أثر تريد أن تترك، فاكتب نعيك، وقرر ما يقال عنك عقب رحيلك عندما يقال «فلان كان ..... (كذا وكذا)».