إيراهيم محرم أحد رموز العمل البلدي استطاع بجده واجتهاده ترك بصمات واضحة لا يمحوها الزمن، فكتب بذلك قصة كفاح تستحق أن تروى للأجيال.
التحق إبراهيم محرم بالعمل البلدي في بلدية المحرق في 16 فبراير 1953 بوظيفة جابي في قسم الرسوم. وعمل بجد وإخلاص من الصباح الباكر حتى نهاية الدوام الرسمي. وكان يجمع المبالغ من المنازل بمجمعات 214 في فريج الزياني، و215 في سوق الذهب، و216 في حالة بوماهر، أحياناً مشياً على قدميه، وأحياناً أخرى على الدراجة الهوائية. وكان طيب القلب، صبوراً على الناس، حيث كان يعطيهم المهلة الكافية، ويأتي إليهم مرات عدة حتى يتمكنوا من الدفع، وأحياناً يأخذ نصف المبلغ أو ربعه، وقد ينتظر حتى يتيسر المبلغ لهم.
وبعد جمعه المبالغ المدفوعة يعد الفواتير والإرساليات، ويدون المعلومات المتضمنة اسم صاحب المنزل، وعنوانه، والمبلغ المستلم ويحولها إلى كاتب الرسوم محمد جمال، الذي يحولها بدوره إلى أمين الصندوق في ذلك الوقت وهو فارس الساعاتي.
استمر إبراهيم في عمله حتى تم دمج الرسوم البلدية مع الكهرباء، وإلغاء وظائف الجباة، فتحول إلى كاتب رسوم، حيث كان يتابع الرسوم البلدية مع المواطنين وإدارة الكهرباء، حتى أصبح مرجعاً لعناوين المواطنين في مدينة المحرق.
ومن المحطات اللافتة في مشواره أنه وهب نفسه من أجل العلم والتعليم. فقد بدأ مشواره عندما تتلمذ على يد المرحوم عبدالرحمن المعاودة، والد النائب السابق عادل المعاودة. ورغم أنه لم يدخل المدرسة تعلم اللغة الانجليزية أثناء عمله في مطار البحرين الدولي من خلال اختلاطه الدائم بالجنود والموظفين، حيث احترف اللغة الانجليزية وأحبها. وكان يعلم التلاميذ تحت أعمدة النور في الشارع، كما كان من أوائل الذين بدؤوا تعليم فن العود والأنغام الموسيقية، وخصص يوماً واحداً في الأسبوع لتدريس الموسيقى، كما كان متابعاً لمستجدات وزارة التربية والتعليم، حتى أسس مدرسة النور الوطنية في العام 1952 بتصريح من وزارة التربية والتعليم لتكون ثاني مدرسة خاصة في البحرين لتعليم الطباعة ومختلف المواد.
وكان إبراهيم محرم يعمل في المدرسة على فترتين، الأولى للإناث من الساعة الثالثة ظهراً حتى الخامسة عصراً، والثانية للذكور من الخامسة عصراً حتى الثانية عشرة أو الواحدة ليلاً.
ومراعاة للظروف المادية للمواطنين في تلك الفترة، كانت رسوم الدراسة في المدرسة رمزية، لا تتعدى خمس روبيات شهرياً، وأحياناً تدفع على أقساط.
ويعيد تأسيس مدرسة النور الوطنية إلى الذاكرة ما استطاع المواطن البحريني القيام به بقوة وعزيمة وصبر وإصرار. فقد اعتمد إبراهيم محرم على مجهوده الشخصي في تجهيز الطاولات والكراسي واللوحات وكافة مستلزمات المدرسة، إضافة إلى تكفله بتدريس جميع المواد. وكان الناس في فترة الخمسينات والستينات متلهفين لدراسة اللغة الانجليزية وتعلم الطباعة، كما كانت هناك حاجة إلى مثل هذه المساهمات لتخريج كوادر متدربة للالتحاق بسلك العمل.
حصل إبراهيم محرم في العام 1984 على شهادة خدمة تقديراً لإتمامه 29 عاماً في الخدمة المتواصلة كان خلالها مثالاً للإخلاص والأمانة. كما كرم العام 1996 في الحفل الأول لتكريم رواد مدينة المحرق، الذي أقيم تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، تقديراً له على عطائه السخي وإشادة بالعمل الجاد والمثمر والمساهمات الجليلة التي قدمها لمدينة المحرق.
أحيل الموظف على التقاعد في أول يناير 1988 بعد مشوار حافل وطويل من العطاء دام ستين عاماً. وظل حتى بلغ الثمانين من العمر متمسكاً بالمدرسة، يتابع أبناءه الذين عملوا على تخليد ذكرياته حتى الوقت الحالي في فتح أبواب المدرسة لتعليم أبناء الحي علوم الحاسوب وإقامة دروس التقوية في العلوم الأخرى، مع دعواتهم للمحافظة على المدرسة وإعادة تأهيلها من قبل الجهات المسؤولة، كونها مدرسة عريقة وتراثية.
فقد العمل البلدي رمزاً من رموزه، ومصباحاً أضاء العمل البلدي بتعليمه عندما انتقل إلى جوار ربه في 9 أغسطس 2014 بعد أن عاش عمراً حافلاً بالعطاء والطيبة.
Bahrain - محليات
إبراهيم محرم.. قصة عطاء امتدت 60 عاماً
18 أكتوبر 2019
إعداد - رقية صالح عيسى بوردحه