دراسات كثيرة تتداولها مراكز الأبحاث المتخصصة في مجالات عدة، كل بمنظوره ومن زاويته حول مفهوم «السعادة»، ورغم أن معنى السعادة معلوم لدى الجميع بدايةً، إلاّ أنه محاط بكثير من التعقيدات في التعريف والتفسير والفهم والتحقيق. ولعل السعادة واحدة من أهم الموضوعات جدلية، ولربما وقف كثيرون على أن السعادة ما هي إلاَّ كذبة يعبر عنها كحالة بارتفاع هرمونات معينة في الجسم، ولأنها حالة مرهونة بمؤشرات الهرمونات فهي مؤقتة وليست الأصل في الحياة، خلافاً للسعادة بوصفها حالة أبدية والتي تتأتى بظروف أخرى مغايرة تماماً.

ينطلق هذا الرأي من أن السعادة في الأصل لا تنتمي إلى الحياة الدنيا، بل هي سمة الشعور في الآخرة، وأن الإنسان يسعى للسعادة التي فقدها منذ الخطيئة الأولى بخروجه من جنات عدن -عندما تناول أبونا آدم التفاحة المحرمة- ولكن تلك السعادة التي يبحث عنها في الدنيا لن تتحقق له على الإطلاق، فالإنسان ما أنزل إلى الأرض ليسعد بل ليشقى، وليمتحن ويبتلى ويعاقب، والعقوبة لا تتضمن بطبيعة الحال شعور السعادة أو لا تهيؤ أسبابه.

ويرى آخرون أن ثمة سعادة بسيطة يقدمها الله لعباده المخلصين ليثبتهم ويذيقهم شيئاً من لذتها، أو يمنحها لبعض المخطئين بالقول إن هؤلاء جنتهم الدنيا فليسعدوا فيها لأن مستقرهم في جهنم، ولكننا لن نقف على السعادة كمفهوم مرتبط بالدين وحده، فقد وضع كل في تخصصه مقاييس مختلفة للسعادة؛ فالسعادة لدى علماء النفس والأطباء، تختلف عن السعادة لدى علماء الأديان السماوية بل وحتى الوضعية، ولها معانٍ مغايرة تماماً لدى الفلاسفة والمفكرين، وتحمل معنى آخر عند المختصين في التنمية البشرية، وقد تختلف عند المهتمين بمجال الطاقة والعاملين فيه. فيما يقيس البعض السعادة بالرفاهية والتي قد تتخذ حيناً شكل الرفاه المالي، وتتخذ حيناً أخرى رفاه التكنولوجيا وتسهيلات الحياة المختلفة التي يحظى فيها أبناء كل زمان متقدم أكثر من الأجيال المتقدمة عليه، ما يؤسس لنظرية أن الناس في زماننا هذا أكثر سعادة عن كل من سبقوهم في العصور السالفة.

البعض يرون أن السعادة موجودة على الأرض ولكنها كامنة في شيء ما، فمنهم من قال إن السعادة كامنة في أعماق الإنسان، وآخرون يرون السعادة كامنة في ما يملكه المرء من علاقات ويحاط به من عاطفة، بينما يبحث عنها البعض في كسب المال أو الحصول عليه، وحصر البعض السعادة فيما أسموه بالنجاح المتمثل بجمع الشهادات الأكاديمية وتولي المناصب، بينما عقدها آخرون بحالات السلم والحرب، باعتبار الأمان مؤشراً للسعادة، ولعلها تكون مزيجاً من كل هذا.

* اختلاج النبض:

دائمة أم مؤقتة، لطالما هي موجودة، فلنعشها قدر المستطاع، وإن لم نحقق مقوماتها وشروطها، فلعلنا نوهم أنفسنا بأننا نعيشها، فوهم السعادة بحد ذاته سعادة في كثير من الأحيان، كما أن دخولنا في حالات مزاجية أخرى بإرادتنا يجعلنا نعتقد أننا نعيشها على نحو حقيقي. كلما بسطنا أسباب السعادة كلما كان وصولنا إليها أو إلى ما يشبهها أسهل وأقرب. أسعد الله أيامنا وإياكم.