هناك جملة دائماً أتذكرها وتطن في أذني، أعتبرها «معادلة» هامة معنية بالإصلاح ومحاربة الأخطاء التي تصنف على أنها استهتار أو فساد وغيرها من مسميات تطلق على الممارسات الخاطئة التي نتيجتها «إضرار» بعمليات التطوير والبناء.

الجملة تقول: «القوة بين يدي من يفتقرون للصدق، تفتقر للبوصلة الأخلاقية. وبدون البوصلة الأخلاقية، فإن القوة تعيث في الأرض فساداً»!

العملية أساسها «القوة»، هذه القوة التي يمكن أن تمتلكها بفضل المنصب وعلوه، وبفضل النفوذ والسطوة، تمنحانك مساحة كبيرة من التحكم بمقدرات الأمور في الوسط الذي أنت معني به، سواء وسطاً اجتماعياً أو مهنياً، والأخطر طبعاً الأخير، فالقوة في موقع العمل لابد وأن تسخر لكل ما هو صالح وإيجابي، لأن إساءة استخدامها ستؤدي إلى كوارث على رأسها «الظلم» و«الفساد» و«الإخفاقات».

إذن القوة هي «الأداة» التي يستخدمها البشر بالأخص أصحاب القرار في مواقع العمل، لكن «محددات» هذه القوة لابد وأن تكون مبنية على «البوصلة الأخلاقية»، هذه البوصلة التي إن تعطلت، فإن القوة تتحول إلى «استبداد، غطرسة، تنمر، تسلط وظلم»، إضافة إلى ذلك، فإنها تجعل المسارات «تنحرف» وتجعل «الاتجاهات» تتوه، وعليه فإن العمل يتحول بالضرورة من «عمل عام» إلى «عمل خاص»، وتتحول المسارات من خدمة الوطن إلى خدمة الذات والشخص الذي يمتلك القوة.

بعض الملاحظات والممارسات الإدارية الخاطئة، والاستهتار المالي الذي يندرج تحت توصيف الفساد، وهي أمور ذكرها تقرير ديوان الرقابة ليس فقط في نسخته الأخيرة، بل في نسخه الـ 15 الماضية، كلها تعود لسوء ممارسة هذه «القوة» وبتعبير أدق «السلطة»، بحيث يظن صاحب القرار أنه «سيد القطاع» وأنه «مالك العمل»، بالتالي لا احترام للوائح والضوابط، لا احترام لحقوق الناس، المحسوبية تتحول لأسلوب حياة، وظلم الأفراد هواية يتفنن فيها، والشعارات الإصلاحية يستخدمها كـ«مساحيق تجميل» تخفي ورائها فسادا وديكتاتورية تضرب في مقتل كل الشعارات الإصلاحية الجميلة الراقية في البلد.

«البوصلة الأخلاقية»، أمر لا يتحقق بالكلام، ولا بالتلاعب بالألفاظ، ولا بالتفنن في اختيار المصطلحات، ولا بإيراد «أدبيات» تُقرأ من كتب ويتم التنظير بها، وهي بوصلة لا يمكن اكتسابها بدون وجود قناعة وإيمان بأن الأمانة والأخلاقيات والنزاهة والصدق والشفافية والعدل والمساواة وخوف الله قبل كل ذلك، هي أساس العمل الصادق النزيه.

كم شخصا عرفته حينما يتكلم تظن بأن «نبيا» يخاطبك؟! تظن بأن «وليا صالحا» أمامك تقطر منه النصائح المثالية، حتى توقن بأن هذا الشخص من الاستحالة أن يمارس الظلم والفساد والكذب والفجور بحق آخرين، أو يفسد في مكان يتولى مسئوليته، لكنه الواقع الذي يصدمك، حينما ترى الشعارات تداس بالأقدام، وترى الخديعة والمكر و«الغدر» متجسدة كلها في شخص «مدعي الإصلاح» هذا.

لذا دائماً ما نقول بشأن تقارير الرقابة المالية والإدارية أنها «تكشف المستور» و«تفضح المدعين»، وتقدم خدمة للدولة بتعريفها على من يثبتون أنهم «خيارات خاطئة» في أماكن هامة، وبالتالي الإصلاح يتطلب المحاسبة والمساءلة والعقاب وطبعاً استبدال «الفاسد» بـ«المصلح».

كم لدينا من أشخاص أثبتت التجارب أنهم يمتلكون بالفعل «بوصلة أخلاقية» تجعلهم يطوعون القوة التي يملكونها في خدمة الوطن وأهله، وكم منهم أثبتت التجارب أنهم يمتلكون «بوصلة شيطانية» تجعلهم يقترفون أشنع الأمور بحق الوطن وأهله؟!

بلادنا صغيرة الحجم، ولا شيء يخفى فيها، وما يتم إخفاؤه لردح من الزمن، لابد من مجيء يوم ينكشف فيه، بالتالي إنقاذ «مسيرة الإصلاح» من هؤلاء هو «الواجب الوطني» الذي يجب أن نراه متحققاً على الأرض.

في النهاية، لا أحد أكبر من البحرين، ولا أحد أعز من ملكنا حفظه الله ومشروعه الإصلاحي الذي يستحيل أن «يخونه» أي مخلص وطني يؤمن بالإصلاح وخدمة الصالح العام، لا خدمة لشخصه وحاشيته. فهولاء، لا صدق لديهم، ولا بوصلة أخلاقية، بالتالي لا وطن يكترثون به.