حسن بن عبدلله بن محمد علي المدني، إحدى الشخصيات المرموقة في البلد، عاش يتيماً منذ الصغر، ولكن عُرف عنه الجد والاجتهاد، حصل على البكالوريوس في اللغة العربية والتربية في جامعة البحرين، ثم الماجستير في الإعلام والعلاقات العامة بدرجة امتياز من الجامعة الأهلية في البحرين. والتحق بدورات متقدمة في الصحافة الاستقصائية بالعاصمة السورية دمشق، والعاصمة المصرية القاهرة. كان مثابراً منذ الصغر، حتى وصل إلى منصبه الحالي نائباً لمحافظ محافظة العاصمة.
وكان قد التحق بوزارة التربية والتعليم بسلك التدريس كمعلم للغة العربية في العام 1993م، ثم معلماً أول للغة العربية، ثم اختصاصي إعلام، ثم رئيس وحدة البرامج التفاعلية، ثم رئيس قسم الإعلام، ثم مدير إدارة التعليم المستمر إلى عام 2013.
التقيناه ودار الحديث التالي:
- حدثني عن شخصية والدك المرحوم الأستاذ عبدالله المدني، رئيس تحرير مجلة المواقف، من الناحية الدينية ودراساته وعلاقاته الاجتماعية آنذا
والدي هو الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد علي المدني، وهو سليل أسرة اشتهرت بالعلم والأدب، ومن ناحية الأم هو سبط العلامة الشيخ أحمد بن عبدالرضا آل حرز، وقد نشأ والدي يتيماً، ولكنه كان عصامياً، وشق طريقه في الحياة وأكمل دراسته الجامعية في ظروف غاية في الصعوبة، وقد عرف عنه تمسكه الشديد بدينه، وقيمه، وحبه لوطنه ومجتمعه. ودفاعه المستميت عن كل صاحب حق. إلى ذلك فهو يتمتع بعلاقات طيبة مع القيادة الرشيدة ومع الناس.
- ما المؤهلات العلمية التي كان يمتلكها المرحوم عبدلله المدني؟
- في كلية الفقه بالنجف الأشرف، تخصص شريعة إسلامية ولغة عربية في العام 1971م، وكان - رحمه الله - واسع الاطلاع غزير الثقافة. فبالإضافة إلى ثقافته الدينية، فهو يمتلك ثقافة واسعة في الأدب والسياسة والتاريخ.
- هل لك أن تحدثنا عن دور الوالد المرحوم اجتماعياً وثقافياً؟
كان للوالد دور اجتماعي وثقافي في منطقته جدحفص، وفي عموم البحرين، فقد عمل في سلك التدريس في مدرستَي الخميس وجدحفص، كما عمل في المحاماة، وتولى رئاسة نادي جدحفص الثقافي والرياضي، وأسس مع نخبة من أبناء المنطقة جمعية جدحفص التعاونية الاستهلاكية، التي لا تزال إلى اليوم تقوم بدورها في خدمة أبناء المجتمع، كما اشترك في تأسيس عدد من الأندية والجمعيات الثقافية. إلى جانب تواصله مع المسئولين من أجل حل مشكلات المواطنين وتلبية احتياجاتهم.
وقد انتخب لعضوية المجلس التأسيسي الذي أقر دستور البحرين في العام 1972م، كما انتُخب لعضوية المجلس الوطني، وكان أصغر الأعضاء سنًا (33 عاماً)، كما انتخب أميناً لسر المجلس الوطني، وأسس أول مجلة تصدر بعد استقلال البحرين هي مجلة المواقف الأسبوعية في عام 1973م.
- ما أسباب اغتيال والدك المرحوم عبدلله المدني؟
لم تكن أسباب الاغتيال راجعة إلى خلاف شخصي، بل كان السبب هو دفاع والدي رحمه الله عن دينه ووطنه، عبر منبره مجلة المواقف الأسبوعية ضد من كان يستهدف هويتنا وكياننا وأمننا واستقرارنا، ضد فئة مجرمة باعت نفسها للشيطان وارتهنت للخارج، وضد حلفاء ووكلاء أعداء الشعوب الطامعين في خيراتها الذين توسلوا بالعنف والإرهاب لتحقيق مآربهم من أجل التحكم في مصائر العباد والبلاد. ولم يرق للحزبيين والتيارات الإلحادية آنذاك التفاف الشباب حول أفكار الشهيد في وقت يعتبرونه عصرهم الذهبي فلم تكن هناك وسيلة أمامهم غير التصفية الجسدية.
- متى وكيف كانت عملية الاغتيال؟
في ليلة الجمعة الموافق 19 نوفمبر 1976 تسلل الجناة إلى منزلنا في جدحفص، وتأكدوا من وجود والدي في إحدى الغرف، فطرقوا النافذة وباب المنزل في حوالي الساعة 11:30 مساءً، فخرج والدي ظناً منه أنهم يحملون رسائل للحجاج، حيث كان عازماً على السفر إلى حج بيت الله في صباح اليوم التالي، فاختطفوه تحت تهديد السلاح إلى بر سار، وكانت آنذاك منطقة أحراش غير مأهولة بالسكان، ولما وصلوا إلى مكان جريمتهم جادلوه في معتقده ومواقفه وكتاباته في مجلة المواقف لمدة ساعتين، ولما أعيتهم الحجة والبرهان لم يجدوا سبيلاً غير إسكات صوته إلى الأبد غدراً وعدواناً، غير أن أجهزة الأمن توصلت للجناة في أقل من 48 ساعة، وتمت محاكمتهم فيما بعد ولقوا جزاءهم العادل.
- ألا تعتقد أن الكثيرين من أبناء الجيل الحالي لا يعرفون عن شخصية والدك سوى قصة المصرع الأليم دون أن يدركوا أبعاد هذه الشخصية؟
نعم، ولكني لا أود أن تختزل سيرة والدي في قصة المصرع الأليم، فهو شخصية لها وزنها، ودورها الريادي في المجتمع، قدمت وأعطت للدِّين والوطن وأثرَت الساحة الثقافية، فقد أسس أول مجلة تصدر بعد استقلال البحرين ورَأسَ تحريرها، وكانت له إسهامات دينية وثقافية كبيرة. وقد تواصل مع مفكري وكتاب عصره في القاهرة وبيروت وبغداد وغيرها.
- كم كنت تبلغ من العمر عند اغتيال والدك المرحوم، وكم كان عدد إخوتك؟
عندما اغتيل والدي كنت أبلغ من العمر تسع سنوات، وكنت في الصف الثالث الابتدائي، وكنا سبعة أطفال، أربعة أولاد وثلاث بنات، أكبرنا في العاشرة، وأصغرنا في السنة الثانية.
- متى وكيف استقبلتم خبر اغتيال والدكم رحمه الله؟
بعد ظهر اليوم التالي لاختطافه الجمعة 19 نوفمبر 1976 حوالي الساعة الثانية ظهراً، وكان أحد أفراد العائلة هو الذي نقل الخبر بعد اكتشاف جثة والدي من قبل أجهزة الأمن في منطقة بر سار، وكان جمع كبير من الناس رجالًا ونساءً قد تجمعوا عند بيتنا، ليعرفوا مصير والدي، وكان للخبر وقع الصاعقة علينا وعلى أهل جدحفص والبحرين كلها، فقد كانت الجريمة غريبة على أهل البحرين المسالمين، وكل من عاصر تلك الفترة، حتى الأطفال لا زالوا يتذكرون تلك الحادثة البشعة.
- بعد رحيل والدك من الذي تكفل برعايتكم؟
بعد استشهاد والدي تكفل عمي سماحة الشيخ سليمان المدني رحمه الله برعايتنا، واستمر راتب والدي كرئيس تحرير لمجلة المواقف في الوصول إلينا إلى أن كبرنا. والحق أن القيادة الرشيدة وأهل الديرة الطيبين رجالًا ونساءً خففوا وقع المصيبة علينا بتضامنهم معنا، ومساندتهم لنا، والوقوف معنا في تلك المحنة.
- هل أثَّرت عليك قضية والدك من الناحية النفسية، وهل أثر ذلك على الصعيد الدراسي؟
منذ أن اغتيل والدي الشهيد عبدالله المدني قبل 43 عاماً، وصورته لا تفارق خيالي، وذكره لا يغيب من البيت، وكانت سيرة والدي دافعاً لي كي أكمل دراستي إلى المرحلة الجامعية. ثم إلى مرحلة الماجستير. وأتوجه للصحافة، فقد عملت محرراً في مجلة المواقف الأسبوعية، وساهَمت في تأسيس جريدة الميثاق اليومية، كما كان لي عمود رأي أسبوعي في جريدة أخبار الخليج اليومية.
- كيف جاءت لك فكرة دخولك الجامعة والدراسة رغم الظرف الصعب الذي مررت فيه؟
كان لتشجيع أمي، ومساندتها لي منذ البداية الدور الكبير في دخولي الجامعة. رغم صعوبة الظروف آنذاك. وربما كانت تريد أن ترى صورة والدي في شخصي.
- ما شعورك عندما حصلت على الثقة الملكية السامية من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، بتعيينك نائب محافظ محافظة العاصمة؟
شعرت بسعادة غامرة؛ كوني حصلت على الثقة الملكية السامية من لدن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه، والتي تمكنني من خدمة مجتمعي، ومواصلة مسيرة والدي وأسرتي، خاصة أنّ عمل المحافظة يتمحور في خدمة الناس، والإسهام في تطوير المجتمع. الأمر الذي يشرفني، ويلقي عليَّ مسؤولية مضاعفة من أجل خدمة وطني وقيادته الرشيدة. وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني لأداء هذه الرسالة.
- ما الإنجازات التي حققها والدك أثناء حياته وتفخر بها؟
كان الوالد يحمل هموم الناس، وكان يعبر عنها بصدق في المجلس الوطني وفي مجلة المواقف، وقد عمل مع كوكبة من الرجال المخلصين على نقل احتياجات الناس للمسؤولين، ولعل أهم المشروعات التي أنجزت بفضل تواصله مع المسؤولين إنشاء مركز جدحفص الصحي، وإنشاء مستشفى جدحفص للولادة، وكذلك إنشاء إسكان جدحفص الشرقي، والعديد من المشاريع التي لا زالت شاهدة على عطاء هذا الرجل الذي فقدته البحرين، وكل من عرف الفقيد يفخر بمعرفته وما قدمه لمجتمعه.
((أجرى الحوار قاسم محمد جعفر -طالب إعلام في جامعة البحرين))